صحيفة المثقف

كاظم الموسوي: المنطقة على صفيح ساخن

كاظم الموسويكل فترة زمنية تمر في المنطقة العربية حالة من التوتر، يمكن التعبير عنها بما اصطلح بالصفيح الساخن. وهو ما يعنيه من اخطار شديدة، تدل عليها اشباح تتقافز في المنطقة العربية وما يحيط بها في الجغرافية السياسية. وقد تتحول الى حروب طاحنة، لا يعلم كيف تتطور ومتى تنتهي، ومن يكون وقودها،؟!. وهي في كل الأحوال تظل في حالة حافة الهاوية، وما يرعب فيها انواع الاسلحة التي يمكن أن تستخدم فيها.

وككل حالة تبدأ في مقدمات تجهز مسرح المنطقة، وقد يصحبها قرع طبول وتصريحات نارية، كما تطلق عليها في وسائل الإعلام. ومن بينها نقل معدات واعداد  من قواعد أمريكية عسكرية، كاملة أو جزئية، من قواعدها المنتشرة في دول الخليج العربي، ولاسيما التي كانت تحتل نصف مساحة قطر  جغرافيا، الى الاردن، وكذلك من أفغانستان، وتوقيع اتفاقيات عسكرية أمريكية مع الأردن بشروط الإحتلال الأمريكي أو أشد منه في التعامل الدولي، حيث لم يسمح للاردن في مجرد الاطلاع على التحركات والاعداد والخطط العسكرية الأمريكية. كما حصل مع تأسيس السفارة الأمريكية في العراق، وهذه الانتقالة العسكرية تتواصل مع إعادة انتشار أمريكية عسكرية في المنطقة، من الخليج حتى البحر المتوسط، بالعكس من الحديث عن عملية انسحاب من المنطقة كاملا. حيث تتحول القوات والقواعد العسكرية في الاردن الى خط دفاع اول عن الكيان الإسرائيلي، من جهة، وخط هجوم أو تهديد البلدان الأخرى في المنطقة، من جهة أخرى. وما يثير ذلك توسع الوجود الأمريكي في شمال شرقي سوريا، وتطوير القواعد العسكرية وتسمينها في العراق وسورية، وعلى حدودهما الجغرافية، الشرقية والغربية، رغم ما جرى الادعاء به في التوقيع على اتفاقية انسحاب من العراق، وتغيير عنوان الوجود العسكري فيه من قوات قتالية الى تدريبية واستشارية. وهو أمر يسخر منه الواقع والارقام التي لم تعلن رسميا، أو توزيع القوى باشكالها المختلفة، ولاسيما المتطورة عسكريا وقتاليا، والصواريخ المتطورة والطائرات وشبكات التجسس والاستطلاع على المنطقة العربية بالكامل، برا وجوا ومن البحار المحيطة بالمنطقة.

وفي فترات متفرقة حذرت جهات روسية رسمية، عسكرية أو مدنية، من اخطار ما تقوم به الإدارة الأمريكية من نشاطات وتهديدات في المنطقة، ولاسيما ما يحيط بالاوضاع الداخلية في سورية. ولم تكن هذه التنبيهات الرسمية للاعلام والاخبار فقط، فهي بالتأكيد مؤشرات عن ما يحصل أو يخطط عمليا، ويضع المنطقة في دائرة خطر ، خارجي أو داخلي. ولعل ما حصل في أفغانستان من انسحاب القوات العسكرية الأمريكية بهذه السرعة وتحولها الى المنطقة احتياطا، تشكل هي الأخرى صورة عن المخططات الأمريكية ومخاطرها المخططة على المنطقة.

ليست مفاجئات قرارات البنتاغون وإدارته عسكريا، ومثلها تصريحات المسؤولين الامريكان، وازدواجية المعايير والكذب والخداع في كل ممارساتهم وعلى مختلف الصعد والمجالات. والأوضح في ذلك تقرير وزارة الخارجية السنوي عن حقوق الإنسان وتناقضاته في الاتهام والتوجيه دون أي رقيب من عدالة أو قانون دولي. وكذلك مواقف الوزارة والوزير، من كل ما يحدث في المنطقة خصوصاً. دون نسيان أو إغفال والتذكير الدائم، بتصريح وزير الخارجية الأمريكي في جولته الاولى في المنطقة:" بأن الولايات المتحدة تدعم بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إطلاق الصواريخ العشوائي. بالنسبة لبايدن، يعتبر هذا الالتزام شخصيًا وكان أحد أقوى مؤيدي إسرائيل منذ 50 عامًا". وهذه هي الوقائع اليومية للسياسة الأمريكية واهدافها، التي تستند عليها في الهيمنة والتدمير لبلدان المنطقة وتمزيق كياناتها المجزأة منذ عقود لهذه الأهداف وما يستجد منها كل فترة.

ما يثبت ذلك ما تقوم به الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الدوليون والمحليون على الحدود العربية، والداخل منها، والتي تزيد في التقسيم والتهديدات الخطيرة لوحدة الشعوب والبلدان العربية اساسا، وزراعة قواعد عسكرية ونقاط حدود زيادة عما هو متراكم عدديا ومنتشرة جغرافيا. مثلما يجري على الحدود اللبنانية السورية من تحركات اخرى، لبناء مهابط طائرات ونقاط حراسة ورصد ومواقع عسكرية، وتشرف عليها السفيرة الامريكية في لبنان بنفسها، بعد ان وفر لها متخادموها المحليون كل المستلزمات الضرورية من معلومات الى خرائط المنطقة، بعضهم استغل الامتيازات التي حصل عليها بغفلة من زمن عربي رديء. اضافة الى امكانيات التقنية الحديثة ووسائل الرصد والتصوير الالكترونية والفضائية. وجرى التصريح بالاتفاق مع قوات غير لبنانية، للمشاركة في المخطط. ومثله على الحدود الأردنية العراقية والسورية. وكذلك إرسال قوات بريطانية خاصة إلى وسط اليمن المحاصر، مثلما تتوزع على الحدود العراقية السورية والمناطق القريبة من الحدود الإيرانية من شمال العراق. وفي العراق اضافة الى القواعد العسكرية المنتشرة والسفارة الامريكية الاكبر، في العالم، بناية واعداد العاملين فيها. زاد حلف شمال الاطلسي، الناتو، عديد قواته في العراق الى اضعاف مضاعفة، بقرار ارسال 4000 عسكري مسلح الى 500 عسكري الموجودين سابقا، وباسم التدريب والتعاون ضد الارهاب!.

إضافة للقوات الأمريكية والبريطانية المعلنة تتحرك قوات عسكرية تركية مصحوبة بطيران وتصريحات رسمية وخطط عنصرية ومشاريع استيطان، في الشمال السوري والعراقي. ويتم قصف وبناء قواعد ونقاط سيطرة دون اتفاق او تفاهم، مستغلة عضويتها بالناتو والتنسيق معه ومع المخططات الصهيو امريكية في المنطقة كلها.. مع  الحديث عن وجود قوات اطلسية بادارة امريكية علنا.

وأصبحت الادارة الأمريكية، وبعض حلفائها، يبحثون عن ذرائع لهجمات إعلامية وتحشيد راي عام لاتهام حكومات عربية وإسلامية بقيامها باعتداءات أو مساع لحرب ضد الكيان الإسرائيلي أو القوات الأمريكية أو حلفائهم في المنطقة، كما حصل في ضرب سفينة تجارية يمتلكها اسرائيلي في بحر عمان، وتركيز الضغوط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحاولات الانتقام منها في مواقع اخرى، منها لبنان وسوريا، وكذلك اليمن، وهو ما فعلته القوات الخاصة البريطانية التي احتلت مواقع لها على الأرض اليمنية.

هذه الاعمال والنشاطات العملية في المنطقة لا تحتاج كثيرا من التفكير لمعرفة النوايا العدوانية وخطط الحرب فيها مع تهديدات يومية من العدو الاسرائيلي بشن الحروب وتوقيع المعاهدات والاحلاف التطبيعية مع المتخادمين الاذلاء..

في الصورة الأوسع نرى أن دولا تحاصر الوطن العربي وتتحالف عليه وتعمل لزعزعة استقراره وأمنه القومي والاقتصادي، كما تفعل إثيوبيا في تفردها في بناء السدود ، وهناك من يساعد في هذا الشأن من عرب الجنسية أو حكام باعوا اسماءهم لاعدائهم.

على العموم أن المنطقة على صفيح ساخن، وأن السياسات الأمريكية فيها تعمل على كل الصعد لأهدافها، من التهديد بالحرب والعدوان، وصولا إلى الاحتلال المباشر أو الضمني كما فعلت وتفعل بنشر القواعد العسكرية أو بالحصار الاقتصادي وتجويع الشعوب والضغوط المتصاعدة لخنق الدول وتمزيقها. ولكن بالتأكيد ليس كل ما تعمل عليه الإدارة الأمريكية تنجح فيه أو تنتصر به على الإرادات الوطنية والشعبية ومقاومتها الصابرة بقوة التصدي والتحدي والصمود.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم