صحيفة المثقف

مصطفى علي: فيروز

مصطفى علي(تنهيدةٌ في آخِرِ الأغنياتْ)


 

زُرْ شَرْقَنا الأدنى مَجازاً

كُلّما ضَجَّ الهوى

 

في قلبِكَ الهَيْمانِ سُكْراً

من أباريقِ النَوى

 

زُرْ بَحْرَهُ المزْروعَ قَلْباً

بينَ أضلاعِ الورى

 

ما هاجت الأمواجُ والأسْرارُ

في قاعِ الجَوى

 

عاقِرْ صدى الأنغامِ

والشُطْآنِ إِذْ فيروزُها

 

تشدو بِحقْلِ الأرْزِ والدُرّاقِ

سِحْراً آسِراً وَقْتَ السَحَرْ

 

يُصغي لهُ العُشّاقُ في أحْوالِهمْ

شوقاً كما تلقى

صحارى اللهِ حَبَاتِ المَطَرْ

 

نشتاقُهُ صُبْحاً بَهيّاً مثْلَما

قَطْرُ النَدى

إذ يشتهي في الصُبْحِ

تقبيلَ العذارى

قَبْلَ أوراقِ الشَجَرْ

 

نحتاجُهُ ليلاً كما

شوقُ النَدامى

للعَناقيدِ الدوالي

من كُرومِ الصيفِ

إِذْ يحلو السَمَرْ

 

في صوتِها سِرٌّ يناغي حُزْنَنا

يَهْمي كَدَمْعاتٍ

لِصَبٍّ عاشِقٍ

جاستْ خِلالَ الروحِ

فإهْتزّّ الوَتَرْ

 

إِذْ جارَةُ الوادي تُنادي

في حقولِ اللوزِ والليمونِ

جاراتِ القَمَرْ

 

ذي شامَةٌ قد رَصّعتْ

فجراً ضبابَ الشامِ حتى

طارَ فِرْدَوْساً

بثوبِ الأنْدَلُسْ

 

في قلبها مُهْرٌ أصيلٌ جامِحٌ

لم يخْشَ هوْلَ الريحِ

إن طالَ السُرى

أو يَحْتَرِسْ

 

لم يَخْتَلِسْ إلا عصافيرَ الرُؤى

أكْرِمْ بهِ من مُخْتَلِسْ

 

تفديهِ نفسي والحنايا ،

آخِرُ الأرْماقِ مِنّي والنَفَسْ

 

وَلّادَةٌ شَرْقيَّةٌ

ترثي ليالي الوَصْلِ

فِيهِ والغِيابْ

 

غنّتْ مَواويلَ الهوى ،

شِعْراً وألحاناً عِذابْ

 

قُمْريّةٌ تبكي على

حُزْنِ الشبابيكِ اليتامى والقِبابْ

 

والأرْزُ سكرانٌ بواديها على

صوتِ الكَمَنْجاتِ الحَزانى

والرَبابْ

 

تهوى بِساطَ الريحِ مفروشًا على

بيضِ النوايا والضبابْ

 

قامت كما العنقاءُ من

فوضى رمادِ الفتنةِ الكبرى

وبارودِ الخرابْ

 

صارتْ حقولاً من كُرومٍ

في ليالينا الحُبالى

بالدواهي والعذابْ

 

تسقي العطاشى

من نبيذِ الروحِ من شَهْدِ الرِضابْ

 

حيثُ الأغاني

أمطرتْ مَنّاً وَ سَلوى للحيارى

بعد قَحْطِ التيهِ

والأوهامِ في وادي السُكارى

من عَناقيدِ السَرابْ

 

سَلْ بِنْتَ وديانِ الشَآماتِ التي

ترنو لنارِ الأهلِ في أعلى الجِبالْ

 

سَلْ شهرزادَ الأمْسِ حُسْناً

إِذْ لها منها حَياءٌ أمْ حُبورٌ

أمْ دلالْ

 

سَلْ صُبْحَنا الموجوعَ كم

طارت بنا فِيهِ

على قَطْرِ الندى الغافي

بأهدابِ الخيالْ

 

 

تشدو بأشعارِ الكبارِ

الصائدينَ الحُسْنَ والأنغامَ

في وادي الجمالْ

 

تسمو بروحِ الشرقِ

موّالاً حزينًا دَبْكةً جذلى

وموسيقى

تُحيلُ الكونَ والدنيا

شذىً أو كَرْنَڤالْ

 

من دمعةٍ حَرّى لِهَجْرٍ موجِعٍ ،

من موعدٍ آتٍ بفجْرٍ واعِدٍ

أو بسمةٍ جذلى وَبُشْرى

حولها ينمو الوصالْ

 

 

ياصاحبي

أطْربْ لصوتِ الأرضِ

مسحورًا به

وأتركْ لخالي القلْبِ

أوهامَ السُؤالْ

 

في روحِها ذابتْ

عُصاراتُ السُلالاتِ اللواتي

سافرتْ

عَبْرَ العصورِ الغابِرة

 

مابينَ صحراءٍ وَبَحْرٍ أوْسَطٍ

فَوْقَ الأماني والخيولِ الظافرة

 

إِذْ خيْلُهمْ

سارتْ بهم كالمورياتِ

القَدْحَ في رَمْلِ الخُطى

والهاجِرة

 

حيناً ، وحينًا في تجاويف الدُجى

حيثُ العيونُ الساهرة

 

والنجمُ في قلبِ السماواتِ

العُلى كانَ الدليلْ

 

هلْ هَوّمَ الفُرْسانُ أم نام القَطا

أم عانقوا رغْمَ السُرى

طيفَ الرُؤى والمُستحيلْ

 

ساحوا بأرضِ اللهِ حُبّاً

في ضفافِ الأنهرِ الكُبرى

وبحثاً عن حياةِ الظِلِّ.

في وادٍ ظليلْ

 

عن جَنّةِ في الأرضِ

قَبْلَ الجَنّةِ الأخرى

وماء السلسبيلْ.

 

عادوا الى أسلافِهمْ

قَبْلَ إحمرارِ الأفْقِ

من شمسِ الأصيلْ

 

عادوا الى أولى دِيارِ الأهلِ

فجراً ثمّ مالوا

من سماءِ الأرزِ بحراً

نحو غاباتِ النخيلْ

 

عَوْداً على بَدْءٍ برؤيا حالمٍ

لبّى نِداءَ الحَرْفِ والأعراقِ

فِيهِ بعدما ولّى الدَخيلْ

 

عُصفورةٌ أعلى جبالِ

الأرزِ قد غَنّتْ لهم

 

هاموا سُكارى في حُميّا

اللحْنِ بعد الزنجبيلْ

 

والأذنُ تصبو نحو

طائرِها الجميلْ

 

ياطائرَ الفينيقَ من

كنعانَ أو آرامَ في

وادى أساطيرِ القدامى

بعدما صَلّوا جميعًا

في محاريبِ العَربْ

 

حَلّقْ بعيدًا

أسْمعْ الدنيا غناءً ساميًا

من روحِ ألحانِ (الرحابِنَةَ)

السُكارى في أفانينِ الطَرَبْ

 

من (ميجنا) بعدَ (العَتابا)

ربّما ننسى بها جَهْلَ الأعاريبِ

الغيارى كُلّما إحْتَدَّ النَسَبْ

 

أو عَلّنا ننسى بقايا اللومِ

فينا والعَتَبْ

 

لاتغضبي للقدسِ

يافيروزَنا الهدباءَ قد

جفّتْ مواجيدُ الغيارى

حينما جفَّ الغضبْ

 

فيروزَنا الكحلاءَ مهْلاً

إنّهم قد أطفأوا

في الروحِ والوجدانِ

والقلبِ اللهبْ

 

مَهْيوبتي رفقاً بحالي إنّني

حالُ الملايينِ التي

ستّونَ عامًا هاهُنا

صِدقاً تَنادوا

إنما لم يحصدوا

إلّا الأثافي

من قُنوطٍ ثمّ يأسٍ أو تَعَبْ

 

معشوقتي الكُبرى ويا

تاجَ المليكاتِ التي في

صوتها يسمو اللقبْ

 

لاتعجبي من حالنا

يابِنْتَ حَقْلِ الكَرْمِ

ما جدوى العَجَبْ

 

لا تسْألي مأسورَها

الأوفى هوىً

ماذا جرى

أو ماالسبَبْ

 

تبّتْ يَدا ذاكَ المليكِ المُسْتَلبْ 

لم يُغْنِ عنه مالُهُ أو ما كَسَبْ 

ياغادتي الحسناءَ ياأيقونتي 

هل أنكرَ التاريخُ عنّا ما كَتَبْ؟

 

غنّي إذن للمُبتلى

موّالَ عِشْقٍ دامِعٍ

يسْبي المُعنّى والمُحِبْ

 

إذ رُبَّ مغلوبٍ بها

من بعدِ صَبْرٍ قد غَلَبْ

***

مصطفى علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم