صحيفة المثقف

عقيل العبود: على ذمة التحقيق

عقيل العبودجلسَ مع نفسه يقلبُ دخانَ سيجارةٍ على وشك أن تنفد، اتكأ عند حافة منضدةٍ مهشمةٍ، راحَ يتصفح مذكرات تحمل بين طياتها أسماء نخبة من الأصدقاء، فارقهم يوم كان طالبًا في الجامعة

أعداد لم تبق من أطلال حكاياتهم إلا مشاهدات قصيرة من الصمت

 حطَّت أصابعه عند بقايا صور أمست على صلة مع الماضي؛ صبار، وقيس ، وصباح، وصلاح ، وعبد الحميد، مثلما غيرهم، أسماء لها تواريخ غير مسجلة إلا بين وريقات، أتعبتها استغاثات حبر مغموس برائحة الدم

هنالك حيث يتنفس القلب لغة الوجع، تم التلويح لمئذنةٍ بعدم السماح بتلاوة الفاتحة على أرواحهم

لقد غادر الجميع كل على شاكلته ، رحلَ قسمٌ بطريقة الموت المؤبد ، بقي الآخر خاضعًا لشروط التحقيق، فقد شطر حياته في زنزانات التعذيب، وأعدمت أنفار بطرق شتى

استدرجت آلام الشيخوخة ما تبقى من تلك الألوان وحفاظًا على الحياة، هربت ثلة متحدية أسلاك الرهبة، والسجن، والهلع

وتلكم مقاطع تعود لقصة ماضٍ خلفتها سجون الطغاة، لتنحت العزاء احتفاء بمراسيم حداد تحول وجه القلق فيها إلى ليل ظليم

أمسى السواد ملبدا بمشاهد تلاشت صورها خلف أسوار مقبرة مكتظة برائحة الوجع

أغارت رغبة السلطان مرة أخرى، لتستحوذ على كل شيء، حتى تلك الإنجازات التي أنتجتها عقولهم

ولذلك في الضفة الأخرى من العتمة، إعتاد المطر أن يرتبط بعلاقة حميمة مع نافذة أدمنت الإنصات إلى إيقاعاته، يوم امتزجت بتراب الأرض المنعمة بحبات القمح؛ ذلك حرصًا على ما تبقى من أنفاس ضحية كانت تحتاج إلى مسكن آمن، وربما استجابة لنحيب أرملة غدت تتوكأ على عصا ضعفها ، التي أنهكها الهلع

استعدت السماء لأن تطلق العنان لأجنحة عصفور قرر أن يغادر أسوار عشه الهش، ريثما يتاح للرجل أن يستأنف العودة إلى قصة بطل مات قريباً جداً من المنفى.

 

عقيل العبود: كاليفورنيا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم