صحيفة المثقف

حاتم حميد محسن: لماذا يحتاج الناس للفلسفة؟

حاتم حميد محسنعادة ما يحصل التباس لدى الناس حول ماهية الفلسفة. عند النظر اليها من بُعد تبدو غريبة وغير ملائمة ومزعجة وايضا مثيرة للفضول. لكن من الصعب معرفة ما تهتم به الفلسفة حقا. من هم الفلاسفة؟ ماذا يعملون؟ ولماذا يحتاج المرء لهم؟

من حسن الحظ، ان الجواب متضمن سلفا في كلمة فلسفة ذاتها. في اليونان، تعني كلمة philo الحب، وكلمة Sophia تعني الحكمة. الفلاسفة هم اناس يهتمون بالحكمة. ومع انها مفردة مجردة، لكن مفهوم "الحكمة" ليس غامضا ولا اسطوريا. كونك حكيما يعني محاولتك ان تعيش وتموت وانت بوضع أفضل، تقود حياة جيدة قدر الإمكان ضمن ظروف الوجود الشائكة. ان الهدف من الحكمة هو الإنجاز fulfilment. انت تستطيع القول ان الهدف هو "السعادة" لكن "السعادة" هي كلمة ملتبسة، لأنها تقترح مرحا دائما ومتعة مستمرة، بينما "الانجاز" يبدو منسجما مع الكثير من الألم والمعاناة والتي يجب بالضرورة ان تحتوي عليهما أية حياة لائقة.

لذا فان الفيلسوف "او الشخص الذي يسخر حياته للحكمة" هو الشخص الذي يكافح لأجل خبرة منهجية في معرفة الكيفية التي يجد بها المرء أحسن الإنجاز الفردي او الجماعي. في سعيهم للحكمة، طور الفلاسفة مهارات خاصة جدا. هم، على مر القرون اصبحوا خبراء في العديد من الأشياء العامة والكبيرة التي تجعل الناس ليسوا حكماء جيدين. هناك ستة أشياء اساسية جرى تشخيصها:

1- نحن لا نسأل اسئلة كبرى:

ما معنى الحياة؟ ماذا يجب ان أقوم في عملي؟ أين نحن ذاهبون كمجتمع؟ ما هو الحب؟ معظمنا لديه هذه الأسئلة في ذهنه في وقت ما (أحيانا في منتصف الليل)، لكننا يائسون من محاولة الإجابة عليها. انها تكتسب صفة السخرية في معظم الحلقات الاجتماعية: ونحن عادة نشعر بالخجل من التعبير عنها (ما عدى اثناء لحظات قصيرة في المراهقة) للخوف من اننا قد نكون مبالغين في الطموح وقد لا نصل الى أي مكان.

لكن هذه الأسئلة تهمّنا بعمق لأننا فقط من خلال الاجابة السليمة عليها نستطيع توجيه طاقاتنا بشكل هادف. الفلاسفة هم اناس غير خائفين من الأسئلة الكبيرة. هم طرحوا عبر القرون أكبر الأسئلة. أدركوا ان هذه الأسئلة يمكن دائما تجزئتها الى أجزاء يسهل علاجها وان الشيء الوحيد الهام حقا هو التفكير بما هو فوق التساؤلات المتكررة الساذجة.

2- نحن عرضة لخطأ الفهم الفطري:

ان الرأي العام او ما يسمى "الفطرة السليمة"  محسوس ومعقول في مجالات لا حصر لها. هو ما نسمع عنه من الاصدقاء والجيران، الأشياء التي اُفترض انها صحيحة، الاشياء التي نتقبّلها دون تفكير . قنوات الميديا تضخها كل يوم. ولكن في بعض الحالات، تكون الفطرة السليمة ايضا مليئة بالحماقة والخطأ والكثير من التحيزات المؤسفة. الفلسفة تجعلنا نُخضع جميع مظاهر الفطرة السليمة الى العقل. انها تريدنا ان نفكر بأنفسنا وان نكون أكثر استقلالية. هل صحيح حقا ما يقوله الناس عن الحب، النقود، الأطفال، السفر، العمل؟ يهتم الفلاسفة بالسؤال حول ما اذا كانت الفكرة منطقية بدلا من مجرد الافتراض انها يجب ان تكون صحيحة لأنها محبوبة وموجودة منذ زمن طويل.

3- نحن مشوشون ذهنيا:

نحن لسنا جيدين في معرفة ما يجري في أذهاننا. نعرف حقا اننا نحب قطعة من الموسيقى. لكننا نكافح للقول لماذا. او ان شخصا ما نقابله هو مزعج جدا ، لكننا لا نستطيع ان نصف بالضبط  ماهية القضية. او اننا نفقد السيطرة على أعصابنا لكننا لا نستطيع بسهولة الافصاح عما نرفضه. نحن نفتقر للبصيرة في قناعاتنا وكراهيتنا.

ذلك يفسر لماذا نحتاج لفحص أذهاننا. الفلسفة ملتزمة بالمعرفة الذاتية، ومبدأها الرئيسي الذي طرحه كبير الفلاسفة سقراط هو إعرف نفسك.2960 فلسفة

4- لدينا أفكار مشوشة حول ما يجعلنا سعداء:

نحن نبدأ وبقوة محاولة ان نكون سعداء، لكننا نذهب خطأ في بحثنا عنها على أساس منتظم. نحن نضخّم قوة بعض الاشياء لنحسّن حياتنا ونقلل من قيمة أشياء اخرى. في المجتمع الاستهلاكي نحن نتخذ الخيارات الخاطئة لأننا طالما كنا ،مسترشدين ببريق زائف، سنستمر بتصوّر ان نوعا معينا من الإجازة السياحية او السيارة او الكومبيوتر سيخلق فرقا كبيرا . وفي نفس الوقت، نحن نقلل من قيمة مساهمة أشياء اخرى مثل الذهاب في نزهة او ترتيب خزانة الملابس او إجراء محادثة منظّمة او الذهاب الى النوم مبكرا والتي هي ربما قليلة الاهمية لكنها يمكن ان تساهم بعمق في صفة الوجود. الفلاسفة يسعون ليكونوا حكماء في ان يكونوا اكثر دقة حول الفعاليات والمواقف التي يمكنها حقا ان تجعل حياتنا افضل.

5- عواطفنا يمكن ان تدفعنا في اتجاهات خطيرة:

نحن بلا شك كائنات عاطفية ولكن بانتظام ننسى هذه الحقيقة غير المريحة. في العادة عواطف معينة او انواع معينة من الغضب، الحسد او الإستياء يقودنا الى مشاكل خطيرة. الفلاسفة يعلّموننا التفكير حول عواطفنا بدلا من الإمتلاك البسيط  لها. عبر الفهم والتحليل لمشاعرنا، نحن نتعلم رؤية كيف تؤثر العواطف على سلوكنا بطرق غير متوقعة وأحيانا خطيرة. الفلاسفة كانوا اول المعالجين النفسانيين.

6- نحن نُصاب بالهلع ونفقد الرؤية في التفكير:

اننا باستمرار نفقد معنى ما يهم وما لا يهم. نحن كما يقول المثل دائما ما "نفقد المنظور". هذا الجانب هو ما يتفوق به الفلاسفة. عند سماع الاخبار بانه فقد كل ممتلكاته في سفينة محطمة، قال الفيلسوف الرواقي زينوس : "الحظ يأمرني كي اكون فيلسوفا أقل أعباءً". ذلك يعني الهدوء والتفكير الطويل المدى وقوة الذهن، وبإختصار "المنظور".

مانسميه "تاريخ الفلسفة" صُنع من محاولات متكررة عبر القرون لمعاجة الطرق التي نكون بها غير حكماء. لذا،مثلا، في اثينا القديمة، خصص سقراط انتباها خاصا لمشكلة اضطراب اذهان الناس. ما صدمهُ ان الناس لايعرفون تماما ما يعنون بالأفكار الاساسية مثل الشجاعة او العدالة او النجاح حتى عندما يستعملون هذه الافكار الرئيسية عند الحديث عن حياتهم الخاصة. سقراط  طور طريقة لاتزال تحمل اسمه نستطيع بواسطتها ان نكون أوضح حول ما نعنيه بالجدال في اية فكرة. الهدف ليس بالضرورة تغيير أذهاننا. انه لإختبار ما اذا كانت الافكار التي ترشد حياتنا صائبة.

وبعد عدة عقود، حاول الفيلسوف ارسطو ان يجعلنا أكثر ثقة حول الأسئلة الكبرى. هو اعتقد ان أحسن الأسئلة كانت تلك التي تسأل عن غاية شيء ما. هو قام بهذا كثيرا وفي العديد من الكتب سأل: ما الغاية من الحكومة؟ ما الغاية من الاقتصاد؟ ما الغاية من النقود؟ ما الغاية من الفن؟ واليوم هو يشجعنا على طرح أسئلة مثل: ما الغاية من أخبار الميديا؟ ما الغاية من الزواج؟ ما الغاية من المدرسة او الأفلام الاباحية؟

كذلك في اليونان القديمة كان الفلاسفة الرواقيون النشطاء، مهتمين بالهلع. لاحظ الرواقيون خاصية أساسية في الهلع. نحن نخاف ليس فقط عندما يحدث شيء ما لنا وانما عندما يحدث بشكل غير متوقع، عندما كنا نفترض ان كل شيء سيجري على ما يرام. لذا هم اقترحوا اننا يجب ان نسلّح أنفسنا ضد الهلع عبر الإعتياد على فكرة ان الخطر والمشاكل والصعوبات يُحتمل جدا ان تحدث باستمرار. المهمة الكلية لدراسة الفلسفة هو لإستيعاب هذه والعديد من الدروس الاخرى ونضعها لتعمل في عالم اليوم. المسألة ليس فقط ان نعرف ماذا قال هذا الفيلسوف او ذاك وانما لنسعى الان لممارسة الحكمة على مستوى الفرد والمجتمع . معظم حكمة الفلسفة في العصور الحديثة يتم عن طريق الكتب. ولكن في الماضي ، كان الفلاسفة يجلسون في الساحات العامة يناقشون أفكارهم مع أصحاب المحلات والباعة حول المرتبات. الفلسفة كانت تجسد فعالية عادية وليست كأشياء غامضة . حاليا، نحن دائما ما نحصل على مقتطفات عن الحكمة من هنا وهناك لكننا لا نملك المؤسسات الصحيحة لنشر الحكمة بانسجام مع العالم. في المستقبل، عندما تكون قيمة الفلسفة اكثر وضوحا، نستطيع توقّع مقابلة الكثير من الفلاسفة في الحياة اليومية. هم سوف لن يكونوا منعزلين، يعيشون فقط في أقسام الجامعات لأن المسائل التي نتأثر بها في ظل اللاحكمة وتُفسد حياتنا هي متعددة وتحتاج الى انتباه عاجل.

 

حاتم حميد محسن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم