صحيفة المثقف

بكر السباتين: واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال..

بكر السباتينوأكثر من سؤال

 قبل يومين انتهت جلسة محاكمة المعتقلين الستة الذين فروا من سجن جلبوع مؤخراً ثم أعيد اعتقالهم.. وبمعيتهم خمسة آخرين منهم اثنان من المفروض أن محكوميتهم قد انتهت؛ وذلك بتهمة مساعدتهم على الفرار.. وتقوم مصلحة السجون بحبسهم في سجون انفرادية.. وقد حرموا من الزيارات والخدمات التي تدرج في إطار الحقوق الأساسية.. وجلسة اليوم مخصصة للرد على لائحة الاتهام.

هؤلاء باتوا عنواناً للسجين الذي يتعرض للتنكيل ليل نهار وهو في قبضة سجان لا يرحم.. السجناء ما جاءوا إلى قلب العاصفة إلا مرغمين.. إذ دفعهم القهر الناجم عن ظلم الاحتلال إلى أتونها.. صحيح أنهم حاولوا جاهدين تكتيفها كي تُسَخُّر لإدارة الرحى وهي تطحن القمح لأجل القضية؛ ولكن اليدَ الواحدة لا تصفق، فطوحت بهم عاصفة الاحتلال إلى غياهب السجون بعد أن ارتقى بعضهم شهداء.. كان بإمكانهم أن يعايشوا الظلم ويتجرعوا المهانة حتى يعتادوا عليها، فيتحولوا إلى حرّاس على أسواق النخاسة ما دام الأمان المزيف يغطيهم بأكذوبة الاستقلال!!

 فالوقوف إلى جانب هذه الفئة التي يحاول الاحتلال تهميشها يأتي من باب الواجب الوطني وتعزيز موقفهم المعنوي والقانوني أمام السجان، وتسليط الضوء على معاناتهم وفضح ممارسات الاحتلال بحقهم، لرفع الظلم عنهم وتحريرهم، أو تحسين ظروفهم في الأسر ومعاملتهم كأسرى حرب.

 وحسب ميثاق جنيف الثالث لعام 1949، فإن كل مدني أمسك بسلاح (وربما بحجر) للدفاع عن بلده من عدو يحتل أرضه فهو أسير حرب.

لذلك فإن الأسرى الفلسطينيين يخضعون لمعايير هذا التعريف، ورغم ذلك يحرمهم الاحتلال من حقوقهم الأساسية.. حيث تطلق عليهم مصلحة سجون الاحتلال بالسجناء الأمنيين.

 وتعتقل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سجونها نحو 4600 أسير فلسطيني، بينهم 35 أسيرة، ونحو 200 طفل، و520 معتقلاً إدارياً، وفق معطيات نادي الأسير، لنهاية سبتمبر المنصرم. فيما وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى (226) شهيدًا، وارتقى أربعة أسرى داخل سجون الاحتلال خلال العام 2019 وهم: نور الدين البرغوثي، وسعدي الغرابلي، وداوود الخطيب، وكمال أبو وعر.

ووصل عدد الأسرى الذين صدر بحقهم أحكامًا بالسّجن المؤبد إلى (543) أسيرًا منهم خمسة أسرى خلال العام 2020، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته (67) مؤبدًا.

ووصل عدد الأسرى المرضى قرابة (700) أسير منهم قرابة (300) حالة مرضية مزمنة وخطيرة و بحاجة لعلاج مناسب ورعاية مستمرة، وعلى الأقل هناك عشرة حالات مصابين بالسرطان وبأورام بدرجات متفاوتة، من بينهم الأسير فؤاد الشوبكي (81) عاماً، وهو أكبر الأسرى سنّا.

وأبرز أسماء الأسرى المرضى في سجن "عيادة الرملة":

خالد الشاويش، منصور موقده، معتصم رداد، ناهض الأقرع، صالح صالح، موفق العروق علماً أن غالبيتهم ومنذ سنوات اعتقالهم وهم في عيادة الرملة، وقد استشهد لهم رفاق احتجزوا لسنوات معهم، منهم سامي أبو دياك، وبسام السايح، وكمال أبو وعر.

ووصل عدد الأسرى الذين قتلهم الاحتلال عبر إجراءات الإهمال الطبي المتعمد (القتل البطيء) وهي جزء من سياسة ثابتة وممنهجة، إلى (71) وذلك منذ عام 1967.

وبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو (26) أسيراً، أقدمهم الأسيران كريم يونس، وماهر يونس المعتقلان منذ يناير عام 1983 بشكل متواصل، والأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، ما مجموعها أكثر (40) عاماً، قضى منها (34) عاماً بشكل متواصل، وتحرر عام 2011 إلى أن أُعيد اعتقاله عام 2014.

 أما بالنسبة للاعتقال الإداري فهو اعتقال بدون تهمه أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد. إن الاعتقال الإداري إجراء مرتبط بالوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحركة الاحتجاج الفلسطيني على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهو عقاب وأجراء سياسي يعبر عن سياسة حكومية رسمية لدولة الاحتلال باستخدامها الاعتقال الإداري كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين، والاعتقال الإداري بالشكل الذي تستخدمه قوات الاحتلال محظور في القانون الدولي، فقد استمر الاحتلال في اصدار أوامر اعتقال إداري بحق شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية منهم نشطاء حقوق إنسان، عمال، طلبة جامعيون، محامون، أمهات معتقلين وتجار.

ويحتجز معظم المعتقلون الإداريون الذكور حالياً في معسكر عوفر الصحراوي في النقب ومعتقل مجدو، فيما تحتجز الفلسطينيات المعتقلات إدارياً في سجن الدامون، وهو يعد مخالف لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة بوجوب أن تقع السجون داخل الأراضي المحتلة وليس داخل الخط الأخضر.

من هنا تبدأ رحلة مقاومة هذا النوع من الاعتقالات المفتوحة التي يزج فيها الفلسطينيون في السجون دون تقديم لائحة اتهامات أو تحقيق.

تبدأ بالإضراب الفردي مثلما حدث مع الأسير (الغضنفر)، وتكمن الخطورة في هذا النوع من الإضراب المفتوح، بالنسبة لسلطات السجون في أنها خطوت تحفيزية وتحريضية، يعقبها الاضراب الجماعي كما حدث مع الستة المضربين عن الطعام، وهم حتى يوم أمس الأول:

كايد الفسفوس 116 يوم

المقداد القواسمي 109

علاء الاعرج 92

اسماعيل ابو هواش 83

عياد الهريمي 46

لؤي الأشقر 28

وحينما تتردى أحوال هؤلاء المضربين الصحية، يتم نقلهم إلى عيادة الرملة بسجن العوفر والذي يصفه الأسرى بالمسلخ لأنه يؤمن للمضربين ظروف الموت السريع بدلاً من تقديم العلاج حسب الأصول حيث أن أفضل علاج عندهم هو المضاد الحيوي والمسكنات .

وفي حالة المضربين الستة، وكون الاعتقال الإداري ما يزال جارياً  فقد منعت عنهم زيارة الأهالي وحرموا من حقوق أساسية أخرى.

وحينما تزداد ظروف الأسرى سوءاً، تأتي مرحلة "التجميد للاعتقال الإداري فيستطيع المضرب تلقي العلاج في مستشفى مدني مثل (كابلان) على نحو ما جرى مع الأسيرين: كايد الفسفوس والمقداد القواسمي.

أما في حالة إصرار المضربين على عدم تناولهم الطعام، فإن سلطات السجن وبالتنسيق مع إدارة المستشفى، تمارس معهم ما يعرف بالتغذية القسرية، لإيقاف اضرابهم عن الطعام، لأن الخاتمة ستكون الموت الزؤام.. أي القتل عمداً. وتاريخ هذا النوع من الإجراء سيء جداً.

تعد “التغذية القسرية” أحد الأساليب التي يتم اللجوء إليها لإجبار الأشخاص الممتنعين عن تناول الطعام على تناول أو تلقي المواد المغذية، كأحد أساليب التعذيب لكسر الإضراب عن الطعام لدى المعتقلين السياسيين. وتحدثت أنباء عن ان إدارة السجون الإسرائيلية تدرس خيار احضار أطباء من الخارج لتنفيذ “التغذية القسرية” للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون، وذلك عقب رفض نقابة الأطباء الإسرائيلية تطبيقها من باب تبييض صفحة الاحتلال أمام المنظمات الدولية المعنية بالأسير.

وأخيراً تأتي مرحلة "انهاء الاعتقال الإداري" بعد صمود الأسير المضرب حتى النهاية كما حدث مع الأسيرين: - الغضنفر أبو عطوان ومالك القاضي.

 ويتلقى الأسرى عموماً، ومنهم -على وجه الخصوص- الموقوفون إدارياً مؤازرة شعبية، وخاصة المنظمات غير الحكومية.. التي باتت تقض مضجع سلطات الاحتلال لدورها الفاعل على صعيد جماهيري وتواصلها مع منظمات حقوق الأسرى عالمياً.

لذلك صنفت سلطات الاحتلال ست منظمات غير حكومية  فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في إطار منظمات "إرهابية" وفق بيان لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بذريعة أنها "تعمل تحت غطاء - منظمات المجتمع المدني- لكنها عملياً تنتمي وتشكل ذراعاً لقيادة الجبهة الشعبية التي تهدف إلى تدمير إسرائيل من خلال القيام بأعمال إرهابية".

   والمؤسسات أو المنظمات غير الحكومية التي تحدثت عنها وزارة الدفاع هي مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين"، و"الحق" و"اتحاد لجان العمل الزراعي"، و"اتحاد لجان المرأة العربية"، و"مركز بيسان للبحوث والإنماء".

ثم يأتي دور النشاط الشبابي  في إطار السلاح الناعم عبر الفضاء الرقمي وتأثير ذلك إيجابيا على صعيد ميداني، مثل مبادرة "فلسطيني من كل مكان" الشبابية، حيث قام متطوعون من أنحاء العالم بالصيام لمدة يوم واحد وأعلنوا عن ذلك عبر لقطات فيديو خاصة نشرها مؤسسو المبادرة، وقد أفاد بذلك أحد المؤسسين المهندس سري السباتين في لقاء مع قناة الميادين مؤكداً بأن عدد الفيديوهات التي نشروها حتى موعد المقابلة  تجاوز أل 720 فيديو بأكثر من لغة ومن أنحاء العالم نصرة للأسرى المضربين.

من جهة أخرى يؤكد قادة حماس وفي أكثر من مناسبة بأن الحركة "على موعد قريب مع صفقة تبادل أسرى جديدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي " بعد إجبار الاحتلال على الرضوخ لمطالب المقاومة"

وكانت الحركة قد أصدرت قبل شهرين بياناً أكدت فيه على أن صفقة تبادل الأسرى لا مهرب للعدو الإسرائيلي منها، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لصفقة "وفاء الأحرار"، التي أُطلق بموجبها سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل 1027 معتقلا فلسطينيا في 18 أكتوبر/ تشرين أول 2011 .

وقد أطلقت أيضاً حملات تضامنية خاصة تطالب بالإفراج عن الأسرى الذين أعيد اعتقالهم بعد الإفراج عنهم في الصفقة أعلاه دون مبررات.

وتظل قضية أسرانا في سجون الاحتلال هم الهاجس الذي لا بد والتعامل معه كجزء من همومنا دون أن  نغض الطرف عنها، فهؤلاء نيشان على صدورنا يوم تصدوا للاحتلال وأكثرنا نيام.. اللهم فك أسرهم

 

بقلم بكر السباتين

10 نوفمبر 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم