أقلام حرة

صادق السامرائي: اللاإنني!!

التفاعلات السائدة في الواقع الثقافي تمضي على منهج التجرد من الذات والهوية والموضوع، والتحول إلى نبضات خائرة في مستنقعات " لست أنا"، فتحول الواقع إلى كينونة إستساخية لعوالم وفضاءات لا تمت بصلة إليه، وهذه الآلية سوّغت التبعيات والتواصلات الدميوية (من الدمى).

عبثيات وتخبطات وإندحارات في مرابع القنوط والإنهيارات القيمية والأخلاقية، والتعفن في أقبية المكان المدثر بأسلاب الغابرات.

ووفقا لمفاهيم ومصطلحات مستوردة ومرحَّب بها، لتستعبد العقول وتمتطي إرادات الإبداع، ولتستولي على الوعي الجمعي، وتحقق الإستعمار العقلي والفكري والنفسي، وتطيح بالثوابت والمنطلقات الحضارية الجوهرية، المؤسسة لمسارات الصعود الأصيل.

تدحرجت الأجيال على سفوح غريبة توهمها بأنها ستعاصر، وستضيف لدواليب الزمن الدوارة، التي تغرف من فيض الإبداع، لتسقي يباب الدنيا المتعطشة للجديد المستحضَر بعد الأوان، فعجلة الوثوب المستقبلية ذات طاقات مطلقة.

وبين قرن مروّع إنطوى وقرن بدأت طلائعه العنفوانية تبسط أجنحتها على منطقتنا، المبتلاة بالكراسي وقطعان المعمعة والتبعية النكراء، أخذت الأمواج التوسنامية الدامية تحط ركابها في بقاع وجودنا المكبل باليقينيات، الممهورة بالرسوخ المقدّس في دنيانا الخاوية المتقهقرة إلى الوراء العنين.

فتجدنا في محنة التعبير عن إرادة الآخرين ونقدم أنفسنا قرابين لتدوم مصالح الغير، وتتأكد تطلعاته العقائدية وتتجسد مشاريعه العدوانية، وكأننا نستلطف الإبتلاع والإفتراس، ولا نريد الدفاع عن وجودنا الإنساني كأي مخلوق فوق التراب.

ومهما حاولت الأصوات الصادقة النطق بالحقيقة، فستواجَه بسيل من الإتهامات والتوصيمات اللازمة لمحقها وإنهاء وجودها، لأنها تحاول أن تتسبب بإضطرابات تخل بشرف إذعان القطيع، ومنعه من الركوع تحت أقدام أباليس الأفك المبين.

فتعلم الكذب والنفاق والتدليس والتبويق، وأغنم ما تشاء من الثروات المشاعة فأنها رزق لكل معتدٍ أثيم، يتوهم بأنه المُصطفى من ربه الذي يعبده على هواه، ويرزقه كما يشاء وبغير حساب، فهو الذي خصه بالدنيا الرغيدة والآخرة السعيدة، والقطيع قرابين تحت أقدامه الطاهرة العتيدة!!

فقل غاب الشيء في عوالم اللاشيء، فكل شيئ دام زهوقا!!

"فدع عنك لومي فأن اللوم إغراء

وداوني بالتي كانت هي الداء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم