صحيفة المثقف

عقيل العبود: تاريخ لا يمكن تجاهله.. من أرشيف الذاكرة

عقيل العبودفي المنفى حين تكون جميع الأشياء محطات للزمن العابر، يكتسب الحب عبارات أخرى، وتبقى رائحة الكلمات المكتوبة على لائحة القلب، وجدران العتمة- قصص تحكي عن ذاكرة تتقاطع فيها الأحداث، تدنو منا، ثم تطوف بعيدًا، مثل سندباد يبحث عن جزيرة يحط بها، لعله يستريح.

كان السجن قريبًا، يسكن فينا، يطوقنا، يترقب كل الخطوات، صار علينا أن نهرب، نبعد عن أنظار المخبر، وطوق الدائرة الأمنية، نستأجر بيتا بالسر، نكتب رائحة المشهد فوق قصاصات الورق البالي، نحفظ تلك الأسطر، نطمرها عن أنظار السجان.

لم يكن الفخر يؤرقنا ذات يوم، كنا يأخذنا الليل، نودع فيه النجوم، ويستقبلنا الصبح مع العصافير، تملأ قلوبنا البساطة، والمحبة.

نحب السياسة، ونكرهها، فهي كابوسنا المخيف، وترياق أرواحنا المتعبة، هي حلم إرادتنا، تنبت في عروقنا، نقول فيها ما نريد، تشدنا بصماتها مع نشوة التمرد، هنالك نزعة يمتزج الزهد فيها، مع التواضع، تستوقفنا الحَياةَ.

لا اتذكر يوما من دخاني غير لفافات متعبة من أرخص أنواع التبغ، ولا أشعر بالراحة، والاطمئنان وأنا امشي في الأسواق بسروال فاخر.

تأخذنا الكلمات، يمضي الوقت بنا، نقرأ شعرًا، نرسم بيتًا من طين، نحكي، يستضيف بعضنا بعضا، نجلس في مقهى، نتداول بعض الأفكار، نكتب عن رمز أحببناه. 

ومع الأمل، ألم يحيط بنا، يستدرجنا، يساورنا على شاكلة شعور تمتزج المرارة فيه مع التحدي.

في الصف السادس في درس الإنشاء، سألنا مدرس العربية أن نكتب عن شخصية أعجبتنا؛ كتب أحدنا عن غاندي، وكتب الثاني عن يوسف سلمان، وكتب الثالث عن أبيه، وهكذا.

ما أن أنتهى الدرس، حتى سيق البعض منا إلى التحقيق، وتحولت إدارة المدرسة إلى دائرة امنية، ناهيك عن طرق الاستفزازات، التي تعرض إليها أكثرنا، على أيدي مجموعة من الطلبة في منظمة  (الإتحاد الوطني)، وهم صنف من الطلبة اختص بالمشاجرة، والاعتداء على من لم يتفق معهم في الرأي.

آنذاك جرى تبليغ المدرس بعد عشرين يوما بنقله إلى منطقة نائية، ثم أصدرت الجهات المختصة قرارًا يقضي باعفاء المدرس غير البعثي من مهنة التدريس، ليحول إلى كاتب، وموظف من الدرجة الثانية في إحدى الدوائر التابعة إلى مديرية التربية، مع خضوعه للمراقبة المشددة، هذا اذا لم يتم رميه في السجن، وتلك بوابة تعلمنا منها لغة الكتمان، خاصة بعد أن سمعنا باعتقال مدرس الفيزياء، ومجموعة أخرى من المدرسين، والطلبة بعد شهور .

 

عقيل العبود

.......................

* ذاكرة سبعينية، مع بعض المقاطع المصورة، من السنوات ١٩٧٦/٧٥، مع ملاحظة أن المقال تم إعادة صياغته، وهو منشور سابقًا في كتاب حقائق غير هامشية، والذي تم نشره عام ٢٠٠٠.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم