صحيفة المثقف

كريم المظفر: روسيا لا تسعى للعيش "خلف أسوار قلعة"

كريم المظفرلكل فعل رد فعل، يساويه في المقدار، ويعاكسه  في الاتجاه، قاعدة يمكن اطلاقها اليوم على تطورات الأوضاع بين روسيا وبيلاروسيا من جهة،  وبين الولايات المتحدة والناتو من جهة أخرى، ففعل تحذير الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبيرغ، روسيا من أنها "ستدفع ثمنا باهظا" لأي عدوان عسكري على أوكرانيا قبل محادثات وزراء خارجية الحلف في ريغا، وإن الغرب أظهر بالفعل أن بوسعه فرض عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية على روسيا، قابله أختيار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المنتدى الاستثماري "روسيا تنادي" الذي عقد في موسكو، كمكان مضاد  لردة الفعل الروسية المناسبة، والتأكيد  من إن توسيع البنية التحتية العسكرية للناتو في أوكرانيا خط أحمر بالنسبة لروسيا.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، هو الاخر وعلى هامش الاجتماع، حذر من أن أي "عدوان روسي" جديد، بحسب تعبيره، على أوكرانيا سيستدعي ردا "خطرا"،  وأكد أن أي تحركات تصعيدية من جانب روسيا ستكون مصدر قلق كبير للولايات المتحدة وللاتفيا، وأي عدوان جديد ستكون له تداعيات خطرة، ولكن لم يحدد بلينكن طبيعة الرد الأمريكي المحتمل، مشيرا إلى أنه يريد أولا "استشارة" حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي في عاصمة لاتفيا، ريغا.

الرئيس الروسي، لم يدع الامر يمر، مرور الكرام، فذكر المجتمعون في ريغا من أنه "إذا ظهرت بأوكرانيا منظومات صواريخ يمكنها الوصول إلى موسكو في بضع دقائق فإن روسيا ستضطر للرد بتهديدات مماثلة"، لافتا الأنتباه  إلى إنه لا توجد إجابة معقولة على السؤال عن سبب اقتراب الناتو من الحدود الروسية، وأوضح أن العلاقات بين روسيا والغرب جميعا، كانت في التسعينيات وحتى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين صافية  " فلماذا الحاجة إلى توسع الناتو قرب حدودنا؟".

وكما أعلن سابق فان صاروخ "تسيركون" أول صاروخ في العالم تفوق سرعته سرعة الصوت، وقادر على الطيران الديناميكي الهوائي المستمر مع المناورة في الغلاف الجوي باستخدام دفع محركه الخاص، تم التعريف به من قبل الرئيس بوتين عام 2018، ويتراوح مداه بين 1000 و2000 كيلومتر، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم للصواريخ الجديدة إلى الأسطول الروسي في عام  2022 ، وكشف بوتين في المنتدى  النقاب عن إنه في المستقبل القريب ستظهر في روسيا أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، بقدرة قصوى تصل إلى 9 ماخ، وأضاف " اختبرناها (الأسلحة) الآن وبنجاح، ومن بداية العام ستكون لدينا صواريخ بحرية جديدة تفوق سرعتها سرعة الصوت، بقدرة تصل إلى 9 ماخ، وستكون مدة الرحلة (إطلاق الصواريخ) من لحظة إطلاقها 5 دقائق".

وتعمل روسيا  كما أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،  على رفع مستوى سيادتها الاقتصادية، مستبعدا أن بلاده تسعى للعيش "خلف الأسوار"، في اشارة الى تكييف بلاده مع العقوبات الغربية المتسلسلة  التي تفتقر الى المسوغات القانونية  لفرضها، وأشار إلى وجود مفهوم يتم تداوله بين المستثمرين حول نجاح روسيا في بناء "حصن اقتصادي"، لذلك  فإن روسيا ستعمل على زيادة مستوى سيادتها الاقتصادية، بما في ذلك من خلال التعاون مع الدول الأجنبية "حيثما تريد"، وقال " لا نسعى إلى إنشاء قلاع والعيش خلف أسوار الحصون، نحن ببساطة نرفع مستوى سيادتنا، بما في ذلك الاقتصادية".

وفي الوقت الذي أكد فيه ألكسندر غروشكو، نائب وزير الخارجية الروسي، أن استئناف عمل البعثة الدبلوماسية الروسية لدى حلف الناتو في بروكسل لا يلوح في الأفق، وذلك في ظروف تدهور العلاقات بين الجانبين، طالب المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف، إنه يجب على دول الناتو التوقف عن ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا، ووقف نشاطاتها الاستفزازية قرب حدود روسيا، وفي حديثه عن الإجراءات التي يجب اتخاذها لحل الوضع المتوتر الحالي، أشار ممثل الكرملين إلى أن "الحل والمخرج موجود" وهو "يجب على الناتو وقف نشاطه الاستفزازي بالقرب من حدودنا، ويجب على الناتو التوقف عن نشر وتطوير بنيته التحتية السياسية والعسكرية قرب حدودنا"، وأنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها التوقف عن تركيز القبضة العسكرية عند الحدود الروسية، مشددا في الوقت نفسه على أنه "يجب على دول الناتو التوقف عن تزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة، وبالتالي تشجيعها على القيام بأعمال مجنونة".

وأكدت روسيا  أنها ستتابع مراقبة تحركات الناتو وأوكرانيا على حدودها، و قال سكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف أن موسكو أبلغت واشنطن بأنها لا تتبع أي خطط عدوانية تجاه كييف، وفي حديث لجريدة "روسيسكايا غازيتا"، أكد ان خطاب الإعلام الغربي ومسؤولي رفيعي المستوى في الولايات المتحدة حول اتباع روسيا خططا عدوانية لا يستند إلى أي أساس، وان الاتحاد الروسي لم يبد أبدا عدوانية تجاه أي دولة وعلى وجه الخصوص أوكرانيا، التي يقطنها شعب مقرب لنا من حيث الدم واللغة والتاريخ"، وشدد باتروشيف على أنه لا تجري أي عمليات انتقال غير مبررة للقوات الروسية أو تدريبات غير مخطط لها بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، وعلى  أن الولايات المتحدة تقوم مع حلفائها، من خلال تأجيج الأوضاع المتعلقة بالتهديد الروسي المزعوم، بخلق أجواء إعلامية مفيدة لهم لتعزيز مجموعة قواتهم العسكرية وزيادة الأنشطة الاستطلاعية وكذلك توريد الأسلحة الحديثة والذخائر والموارد المادية للقوات الأوكرانية والتشكيلات القومية .

من جانبه أدرج ريتشارد مور، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "إم آي 6"، كل من الصين وروسيا وإيران في خانه انهم يشكلون من أضخم التهديدات التي تواجه بريطانيا، في عالم سريع التغير وغير مستقر، ونقل عنه قوله إن القضايا الأمنية "الأربع الكبرى" التي تواجه الاستخبارات البريطانية هي الدول الثلاث المذكورة، فضلا عن الإرهاب الدولي،   وفي أول تصريح عام له منذ توليه رئاسة جهاز الاستخبارات في أكتوبر 2020، وبعد وصفه الصين بأنها "دولة استبدادية ذات قيم مختلفة عن قيمنا"، والإشارة إلى أن بكين تجري "عمليات تجسس واسعة النطاق" ضد المملكة المتحدة وحلفائها، وتحاول "تشويه الخطاب العام واتخاذ القرارات السياسية" وتصدير التكنولوجيا التي تمكن" شبكة السيطرة الاستبدادية "حول العالم، قال مور إن بريطانيا تواجه أيضا "تهديدا خطيرا من روسيا"، زاعما أن موسكو كانت مسؤولة عن محاولات قتل وشن هجمات إلكترونية، في حين رفضت روسيا مرارا هذه الاتهامات.

أما أوكرانيا  من جانبها  فأكدت أنها تعتزم إجراء 10 مناورات دولية كبيرة في عام 2022،  وقال الجيش الأوكراني،  إن "ما لا يقل عن 21500 أوكراني و11 ألف جندي من الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا ورومانيا ودول أخرى شريكة سيشاركون في المناورات"، مضيفا أن الأوكرانيين سيشاركون أيضا في 16 مناورة عسكرية خارج أوكرانيا،  فيما أكدت وزارة الخارجية الروسية أن هذا يشكل تهديدا مباشرا لأمن روسيا، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، "ببساطة لا نستبعد احتمال دخول نظام كييف في مغامرة عسكرية،  كل هذا يشكل تهديدا مباشرا لأمن روسيا، وشدد على "أننا لسنا بحاجة إلى صراعات"، لكن إذا لم يستطع الغرب السيطرة على أوكرانيا وشجعها (على أفعالها) فبالطبع سنتخذ كل الخطوات اللازمة لضمان سلامتنا بشكل موثوق".

وتأكيدا  للقاعدة ذاتها وردا على  تصريحات الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرغ، التي قال فيها إنه في حال رفض ألمانيا وضع أسلحة نووية على أراضيها قد يتم نشرها في دول أوروبية أخرى بما في ذلك شرقي ألمانيا،  أختار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، لقاءه بوكالة " نوفوستي " الروسية، موقعه المضاد للرد على ستولتنبيرغ، والتشديد على أنه " في تلك الحالة سأعرض على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين إعادة الأسلحة النووية إلى بيلاروس، في حال نشر أسلحة نووية للناتو في بولندا "،، ولكنه ( أي لوكاشينكو ) لم يكشف عن نوع الأسلحة المحدد الذي يمكن لبيلاروس أن تستقبله على أراضيها قائلا: "سنتفق بشأن النوع.. سيكون هو السلاح النووي الأكثر فعالية عند مثل هذا التماس. ونحن في الأراضي البيلاروسية مستعدون لذلك، ذلك أنني لم أدمر شيئا كوني مديرا رشيدا.. كل العنابر قائمة في أماكنها".

والمعروف انه كانت هناك في بيلاروس بعد تفكك الاتحاد السوفيتي أواخر 1991 عشرات من الرؤوس القتالية الخاصة بصواريخ "توبول" الاستراتيجية، إضافة إلى أكثر من ألف رأس نووي تكتيكي، وتم سحبها من أراضي البلاد بعد انضمام مينسك إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1993، وجاء تخلص بيلاروس من الأسلحة النووية الموروثة من الحقبة السوفيتية مقابل ضمانات أمن تلقتها مينسك من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا التي وثقت التزاماتها بهذا الشأن في مذكرة بودابست.

وتواصل روسيا وبيلاروسيا  تعزيز تعاونهما المشترك في مجالات مختلفة، وتزامنا مع بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال هاتفي مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الوضع على الحدود بين بيلاروس وبولندا، وفق ما أفاد الكرملين، وفي خطوة توقعها عدد من المراقبين، فقد   أعلن الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، أنه ينوي أن يزور شبه جزيرة القرم في خطوة تعني الاعتراف بها أرضا روسية، وقال لوكاشينكو إنه تلقى للتو دعوة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لزيارة القرم، ولديه "الحق الكامل في القيام بذلك بغض النظر عن الطرف الذي تعود له السيادة عليها"، وأوضح أنه تحدث مع بوتين حول هذا الموضوع 3 مرات، مبينا أنه ينتظر الآن من الرئيس الروسي أن يحدد موعدا مناسبا لزيارة شبه الجزيرة سويا، خاصة مدينتي سيفاستوبول و بيلبيك، حينما سيكون هناك "طقس دافئ"، وأشار إلى أنه كان يعتبر أن القرم تعود عمليا لروسيا قبل استفتاء عام 2014، وأصبحت شبه الزيرة أرضا روسيا قانونيا بعد إجرائه.

 

بقلم: الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم