صحيفة المثقف

عقيل العبود: الشجرة القربان

عقيل العبودقررت أن ترتدي ثوب عفتها، مثل عروس تطوف في بحر جبروتها الأنثوي، تذوب مع مرح يساور حبورها، تحلق في فضاء رقتها، تستأنف خطواتها صوب منتجع يسترق السمع لمجموعة سحب يختطف سكونها المطر.

امتد بصرها نحو السماء، لعلها تبحث عن طريقة لوصف خيوط الشمس، ونافلة النهار عبر عيون الليل الغارق في دهاليز هذا العالم الكثيف.

اصطفت النجوم، وانتشرت الحكايات وفقا لمعايير الصمت النافذ في أعماق الروح، ليتها تستجلي لغة الألغاز بطريقة الانتشار.

تم توزيع المصابيح الزجاجية عند أكتافها بطريقٍة ساحرة،

تلملمت الممرات المؤدية إلى تلك الكثافة من السكان مع بعضها، التفت العصافير في خلاء سقسقاتها، ليتها تهجع احتفاء بمراسيم صبح جديد.

انحنت الأغصان لإستقبال وافدين من أنحاء هذا العالم،

وجد الواقفون أنفسهم ينظرون إلى امتداد السحب،

توافد العابرون تباعاً، تعلقت أفكارهم بجاذبية المنظر، تبعثرت حكاياتهم، تسرب بعضها متقاطعاً مع حركة الأبراج، ومجرات النجوم، تضاعفت الأسئلة تزامناً مع موضوعاتها، اصطفت المشاهد على شاكلة سيناريوهات لا تخلو من فلسفة تحتاج في تفاصيلها إلى تأملات عميقة؛ القلق، الخوف، الحزن، اليأس، الأمل، التحدي، الجبن، الشجاعة، الكرم، البخل، وغيرها مركب لمفردات تغوص معانيها في كنه الروح التي تظهر كما نراها، شاخصة بأجسادها تلتقط صوراً مبعثرة، تجمعها، تعبر عما يجول بداخلها، ليتها تصل إلى إدراك هذا الكم الهائل من المفاهيم.

انصاع الكبرياء لحقيقة ألانا، راح يدعوها لدائرة التسلط وفقاً لواقع مضطرب، انبعثت في جوف الكائن قوى متناقضة، غدت تدعوه للهيمنة، والخيانة، والحسد، والكراهية تارة، وتمضي به صوب ضفاف المحبة، والتواضع، والرحمة أخرى.

افترشت الكرامات مائدتها بحثاً عن حل لفك رموز هذه الآلية المتفاقمة من الصراع، صارت تتفاعل مع كل صغيرة، وكبيرة في سلوك هذه الدالة الهرمية التي تشبه مثلثين مقلوبين، دنت باتجاه المزيج الصارخ من الألوان، أمست تنصت لأوتار الموسيقى، وخرير الماء، أَزِفَ اللحن، بات يطرب المارة، وبذلك تسارعت الايقاعات انسياباً مع حركة الزمن.

فرض العازف هيبته، داهم مسامع الزبائن، استأنف الآخرون حركتهم باتجاه النهايات المرتبكة من الأرصفة، مالت الأنظار نحو عابر لا أحد يعرف ماذا يريد، همس البعض: ربما إنه كان يرغب في شراء حاجة ما.

أضحى منشغلاً بأمر يصعب على العامة إدراكه، تسارعت قدماه نحو البوابة الأمامية من المبنى، ظن أحدهم أنه يحمل سلاحاً، أرتفع أصوات صفارات الإنذار، جاهد لأن يذهب بعيداً، حاول أن يحرر نفسه من أبصارهم.

تفوهت مراهقة: ربما إنه شاهد، أو عثر على شئ مهم، بقي القسم الاخر من المشاة متلهفاً لمعرفة الخبر، لم يكن يتكلم، لكن أقدامه كانت تسوقه صوب زاوية من الشارع المطل على المحلات المتجاورة.

انبهر الجميع حين راح يتفوه بكلمات غير مفهومة، راح يصرخ بوجه صاحب إحدى المحلات، احتشد الجمهور مرة اخرى في ذلك المكان.

صرح صاحب القبعة: علبة حلوى سرقت من المحل، صرخ مراهق: سارق، سارق.

حضر إثنان من رجال البوليس، همّ الشاب الواقف عند الزاوية القريبة من المحل بالانصراف، ظل البعض صامتاً.

تمتمت عجوز مع قرارة نفسها بطريقة مبهمة، حدَّثَ شخص نفسه: ما الذي يجعل العقل منشغلاً بهذه الصغائر؟

أمسى الخبر على ذمة التحقيق، أما الشجرة فلم تكترث، بعد أن أطلقت العنان لصمتها أن يعلن تباشير ولادة حديثة، اتسع عرش أمومتها حاملاً معه صولجان أبوته، مثل نبي يبحث عن طريق سالك، ليوزع الحلوى مع علب الهدايا بأقصى قدر من المحبة، تناثرت القلائد، بينما انبرى الجميع يزفون بشرى حضور عام جديد، وبذلك تلاشت تماماً أصوات المتزاحمين.

 

عقيل العبود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم