شهادات ومذكرات

العلاقات العراقية – الروسية .. 71 عاما

الى روح المواطن العراقي الذي قاد الجانب العراقي في المفاوضات العراقية – السوفيتية عام 1944 في طهران المرحوم عباس مهدي (1898 - 1961)، والذي تم تعينه بعدئذ وزيرا مفوضا (اي سفيرا) لاول سفارة عراقية افتتحت في موسكو عام 1945 .

 

اقامت سفارة جمهورية العراق في موسكو امسية ثقافية رائعة يوم 3 ايلول / سبتمبر من هذا العام تحت شعار مهم وكبير ويتناغم مع روح عصرنا ويتجاوب مع متطلبات كل الشعوب ويصلح ان نتوجه به الى تلك الشعوب ونتحدث معها حوله بالذات في هذا الوقت، والشعار الذي تم صياغته بشكل ناجح ودقيق وملائم فعلا هو – (من أجل السلام نحارب الارهاب)، وجاءت هذه الامسية بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية (1944- 2015) .

يتذكر المتابعون لنشاطات السفارة العراقية بموسكو انها اقامت مثل تلك الاحتفالية في العام الماضي (انظر مقالتنا المنشورة حول ذلك بعنوان – سفارتنا تحتفل بالذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية) . يجب الاشارة هنا - قبل كل شئ - الى ان السفارة العراقية بموسكو قد اقامت تلك الحفلة لاول مرة في تاريخها بمناسبة الذكرى السبعين لتلك العلاقات، وان اقامة الامسية الثقافية هذه الآن يؤكد ان السفارة العراقية ارادت الاستمرار بهذا التقليد الحضاري الجميل والمهم سياسيا في مسيرة العلاقات العراقية – الروسية وتعزيزها، وهو موقف سياسي عراقي واضح المعالم ودقيق جدا تجاه روسيا الاتحادية وآفاق التعاون اللاحق معها اولا، وثانيا، فان هذه الفعٌالية تمتلك امام روسيا وقادتها كثيرا من المعاني السياسية المهمة في هذا الشأن، ولهذا يمكن القول بكل تأكيد ان السفارة قد نجحت في تحقيق هذا الهدف نجاحا باهرا، وليس من قبيل الصدفة بتاتا حضور وكيل وزارة الخارجية الروسي بغدانوف (ممثل الرئيس الروسي بوتين في جولاته المهمة والمتعددة الاطراف في الشرق الاوسط في الآونة الاخيرة)، والذي قدمه السفير العراقي الدكتور اسماعيل شفيق محسن عند افتتاح الامسية المذكورة ليلقي كلمة الجانب الروسي بعد عزف النشيدين الوطنيين العراقي والروسي . تناولت كلمة بغدانوف تطور العلاقات العراقية الروسية طبعا، وكيف ان موسكو قد استقبلت كبار القادة العراقيين في الآونة الاخيرة وتباحثت معهم، وكيف اتفق الجانبان على عدة خطوات لاحقة، وقد اشار السفير العراقي الدكتور اسماعيل شفيق محسن في كلمته الجوابية الى تلك العلاقات ايضا، وقال ان العلاقات الاقتصادية بالذات بين العراق وروسيا قد تضاعفت عشر مرات في الفترة الاخيرة، واستشهد بكلمة بغدانوف نفسه والذي قال عن تلك العلاقات – انها تمرٌ بمرحلة الربيع والازدهار .

انعقدت هذه الامسية الثقافية في واحدة من أجمل قاعات موسكو والتي تسمى (دار الموسيقى)، وهو مجمع متكامل يقع في بناية جميلة ومتميزة في قلب موسكو تضم العديد من الصالات الخاصة لمختلف الفعاليات . كان برنامج الامسية متنوعا جدا، وابتدأ بافتتاح معرض اللوحات التشكيلية لفنانين عراقيين، وقد توقفت طويلا عند صور لوحات فنان تشكيلي شاب وصل الى موسكو من كردستان العراق اسمه امانج امين، وكانت لوحاته تجسٌد الاوضاع الحالية في عراقنا الجريح وتتحدٌث عنها، وقد نفٌذها بشكل فني رفيع المستوى - بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى – وعرض فيها (بمهارة وبالوان مناسبة ومتناغمة لروحية تلك اللوحات ومضامينها) المآسي التي تحدث الان على يد الارهاب ضد ابناء الشعب العراقي بكل قومياته واديانه وطوائفه . لقد كانت تلك اللوحات تجسٌد فعلا مضمون شعار الامسية والذي أشرت اليه في مقدمة هذه المقالة وهو - (من أجل السلام نحارب الارهاب) . تحدثت طويلا مع هذا الفنان التشكيلي المبدع حول لوحاته وتقنيتها، وشرح لي بكل تواضع وادب ورقٌة مضامين تلك اللوحات ورمزيتها، وقمت بترجمة ما قاله لي الى الروسية للزملاء الروس الذين كانوا يحيطون بنا اثناء ذلك، وقد ابديت أسفي لاني لا استطيع ان أتأمل تلك اللوحات الاصلية التي ابدعها، واتمتع بالتأمل بها، فقال لي انه أعدٌ شريطا سينمائيا تفصيليا لتلك اللوحات سيتم عرضه على الجمهور اثناء الحفل الموسيقي لتلك الامسية، وهذا ما تم فعلا، اذ تم العرض السينمائي على شاشة كبيرة مثبٌتة على الجدار الخلفي لخشبة المسرح، وكان هذا العرض السينمائي الجميل متناسقا ومنسجما - وبشكل هارموني رائع - مع تلك الموسيقى العراقية والعالمية التي قدمها عازفون فنانون عراقيون قادمون من العراق ومن بعض الدول الاوربية ايضا، وساهم معهم بالطبع بعض العازفين الروس (واحدة منهم ذات أصل عراقي، اذ انها ابنة احد العراقيين الذين تزوجوا من روسية، وعزفت على البيانو بشكل مدهش الجمال والروعة والاتقان. والعازفة هذه ولدت في موسكو، وكانت تجسٌد امام الجمهور طبعا العلاقات العراقية – الروسية بابهى صورها وأجمل معانيها.)

كان العزف الذي قدمه العازفون العراقيون على آلة العود جميلا وممتعا جدا، وخصوصا ان أحد العازفين قدٌم مقطوعات متتابعة ومتناسقة لاغان روسيٌة مشهورة جدا لدرجة، ان الجمهور الروسي اندمج معها كليا واخذ يصفق انسجاما مع عزفه لتلك الاغنيات، وكان هذا العزف بمثابة تحية للجمهور الروسي الذي حضر في تلك الامسية، وكذلك الحال مع العازف الذي قدٌم مقطوعات لاغان عراقية مشهورة لدرجة، ان الجمهور العراقي اندمج معها وأخذ يصفق مع عزفه لتلك الاغنيات العراقية، وخصوصا الاغنية الكردية الشهيرة – (هره ليلي)، والاغنية الاخرى (المصلاوية) المعروفة، والتي تقبلهما الجمهور العراقي بحماس منقطع النظير، بل وحتى بعشق، وصفق لهما طوال العزف بانسجام واعجاب شديدين، باعتبارهما رمزا لوحدة العراق الحبيب من شماله الى جنوبه، اي من كردستانه وموصله الى بصرته.

الامسية العراقية هذه بموسكو – باختصار – عمل رائد ومهم جدا وجميل في تاريخ العلاقات العراقية – الروسية، قامت به السفارة العراقية بموسكو برئاسة سفيرها الدكتور اسماعيل شفيق محسن (لولب الامسية من بدايتها الى نهايتها) الى الاعضاء في السفارة (شاهدتهم كيف كانوا يركضون باهتمام طوال فترة الامسية وهم يحاولون تنفيذ كل ما يجب القيام به) الذين ساهموا – كل حسب اختصاصه وموقعه – في تنظيم تلك الامسية ونجاحها الباهر، والتي تعني – بلا شك – اشارة عميقة وصريحة الى رغبة العراق لتطوير العلاقات العراقية – الروسية وتعزيزها، لأنها مهمة وضرورية لجمهورية العراق ولروسيا الاتحادية في آن .

شكرا جزيلا للسفارة العراقية في موسكو على هذا النشاط الكبير والمهم والممتع من اجل تقديم الوجه المشرق للعراق.

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم