شهادات ومذكرات

العراق: رحيل مفجع لرموز باقية

khadom almosawiهكذا هي الحياة.. في المنافي والأوطان.. انباء الفواجع تتالى. عام اخر ورموز اخرى ترحل. اسماء باقية بما تركته باسمها وإبداعها وكفاحها وصبرها وإرادتها وحبها للناس والأرض وخياراتها المصيرية. تباعدت اللقاءات وظلت الذكريات.. كلمات النعي لا تفي حقا ولا تعيد راحلا، لكنها تشهد لصفحات وعلاقات ولقاءات.. تخللتها ذكريات طيبة ووفاء وكلمات اعتزاز وود .. بعيدا عن الوطن وقريبا في المنافي.. اي حزن يرسم الاغتراب والنفي والمسافات القصية؟. خلال نهاية الشهر الاول من هذا العام 2016.. فجع المشهد الصحفي والثقافي في العراق برحيل رموز افنت عمرها في حب العراق وناضلت في سبيله حرا، ديمقراطيا وتقدميا. انهم يرحلون هكذا خفافا.. فائق بطي.. عزيز سباهي.. نضال الليثي.. والقائمة مفتوحة.. لا تغلق مع الايام و...الرحيل سنة والبقاء رغبة والأمنيات كثيرة والحزن جامع بينها وبعد الفقدان.

مناضلون في السياسة والاحتراب السياسي والكفاح من اجل الوطن الحر والشعب السعيد..عنيدون في الامل ومصرون على الاستمرار في كل الظروف والمنعطفات في سبيل حلم جميل لغد افضل. مناضلون في وعيهم وعذابهم.. في فرحهم وشقائهم.. في غناهم وفقرهم.. في القرب والبعد.. في الخيارات والقناعات.. في الهموم والحرمان.. في التطلعات والانكسارات.. في الشكوى والإصرار على السير في ذلك الدرب الطويل.. في السجون والمواجهات.. في الدموع والابتسام

عراقيون في الابداع والثقافة والإعلام. فائق (بغداد 1935- لندن 2016) مؤرخ الصحافة في العراق.. موسوعاته واطاريحه تشهد له ومنجزه وعمله يرسم علاماته.. تولى رئاسة تحرير صحيفة البلاد، عام 1957 أثر وفاة مؤسسها والده روفائيل، والتي أستمرت في الصدور بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958. وعمل في اسبوعية الفكر الجديد وجريدة طريق الشعب في السبعينات من القرن الماضي، وبعدها تولى إصدار عدة مطبوعات، منها (عراق الغد) (1986-1987) ورسالة العراق عام (1994- 2003) وأستمر.. محررا وناشرا وناشطا سياسيا في تجمعات ومنظمات الاغتراب.. اصدر موسوعاته بأسماء (موسوعة الصحافة العراقية) و(موسوعة الصحافة الكردية) و( موسوعة الصحافة السريانية)، وكتبه: (ابي) صدر عام 1956، و(صحف بغداد في ذكرى تاسيسها) و(الصحافة العراقية.. ميلادها وتطورها ) و(صحافة الاحزاب وتاريخ الحركة الوطنية) و( الصحافة اليسارية في العراق) و( الصحافة العراقية في المنفى ) ومذكراته بعنوان ( الوجدان ) بأجزائه الثلاثة والرابع لم يستطع اكماله ..

كتبت عنه سلوى زكو: بدأ فائق بطي يكتب للامل والحياة وفرحة الناس، وانتهى بعذابات المرض والغربة في مستشفيات لندن، لن يكتب أحد من بعده لتاريخ الصحافة العراقية الذي أراده ان يظل نقيا متوهجا، ولن يكتب المؤرخون من بعده حكاية نضال وتعثر صاحبة الجلالة، فقد كان في إمكانه أن يحوّل مجموعة من تفاصيل هذه المهنة إلى حكاية يتداولها الصحفيون. وكان يلتقط من اروقة الجرائد، ومن احاديث الصحفيين، ومن السياسة، ومن الثقافة، ومن التاريخ، ومن النضال، ومن هدير المكائن، ليحوّلها كلها إلى كتاب نادر. وإذا كانت حكايات الصحافة هي الباقية، فإن فائق بطي هو حكاية الصحافة العراقية، التي سنعود اليها كلما اخذنا الحنين الى زمن النقاء والرفعة والاناقة في اللفظ والسلوك والوجدان.

عزيز ترجم وألف العديد من الكتب، ترجم ونُشر تحت اسم نصير سعيد الكاظمي كتاب "الكومنترن والشرق" لمؤلفه الروسي ريجينكوف، وألف ونشر بنفس الاسم "الحزب الشيوعي والمسألة الزراعية" وغيره.. وتوج بحوثه التاريخية بكتابه "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، بثلاثة اجزاء، صدرت عن دار الرواد المزدهرة 1998- 2005... وترجم ونشر ايضا، مستقبل الرأسمالية، صدر عام 1998، وأصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية – طبع للمرة السادسة – عن دار المدى 1996، وتأريخ الحركة العمالية في العراق - مركز الدراسات الاشتراكية في العالم العربي 1985، ونشأة وتطور الطبقة العاملة في البحرين - معهد العمل العربي 1983، ونشأة وتطور الطبقة العاملة في الكويت - معهد العمل العربي 1982، وترجم الكتب الاخرى، في الفلسفة الماركسية، صدر عن دار الفارابي 1975، والمزارع التعاونية في الهند، عن دار الرواد 1973، وسيرة حياة لينين، عن مكتبة النهضة 1971.. ووضع خمس دراسات اقتصادية واجتماعية عن مشكلة السكن في العراق، كما القى عددا من الابحاث الزراعية في مؤتمرات زراعية ونشرت في الصحف... وغيرها وغيرها..

نعته منظمات حزبية وكتب عنه رفاق الدرب، يوم رحيله في كندا، صباح يوم الثلاثاء 26 /1/ 2016 عن عمر ناهز التسعين عاما.. مشيدين به وبما تركه من بعده.

نضال (توفي في لندن يوم 30/1/2016) سجل اسمه في الصحافة اليمنية، باسم مستعار، وعاد باسمه في صحافة المنفى، الزمان، كاتبا ومحللا ومديرا للتحرير. نعته منظمة الحزب الشيوعي في بريطانيا في رسالة الى زوجته سناء الطالقاني وابنته شهد: "... ساهم الفقيد في نضال حزبنا وقدم الكثير من العطاء للحركة الوطنية والديمقراطية، والتحق بحركة الانصار الشيوعيين من اجل خلاص شعبنا من الدكتاتورية وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في عراق حر ومزدهر. وبهذه المناسبة الأليمة نتقدم اليكم والى العزيزة شهد والعائلة الكريمة وأصدقاء الفقيد ومحبيه بأحر التعازي، راجين لكم الصبر والسلوان ولفقيدكم الغالي الذكر الطيب دوماً".

كما ودعته صحيفة الزمان برسالة: "خسرت صحيفة الزمان والصحافة العراقية كلها أحد ابرز اعلامها الصحفي العراقي الكبير نضال الليثي الذي وافاه الاجل ليلة امس بعد معاناة زادت على السنة مع مرض عضال. كان الفقيد الليثي شخصية وطنية وإعلامية مثابرة شهدت لها ميادين الصحافة والعمل الوطني في سبيل الحرية ومسيرة التنوير، وكان عضوا رائدا في هيئة تحرير الزمان منذ انطلاقتها الاولى عام 1997 في لندن وكان من ابرز مديري التحرير لطبعتها الدولية حتى وافاه قدر الله وقضائه.... سيبقى نضال الليثي مثال الصحافي الذي سيذكره اكثر من جيل في عالم الصحافة العراقية لما كان له من دور وبصمة واشراقة في العمل الاعلامي".

رموز بكل ما لها وعليها رحلت وتلقت بعد رحيلها كلمات الاستذكار.. لم تمنح مثلها في حياتها بما روي عنها ولها بعدها.. توفيت ودفنت في المنافي البعيدة عن سماوات العراق، ولكنها رغم كل ما حصل وانتهى تظل هي باسمائها وإبداعها رموز اجيال لسنوات طويلة من عذابات وآمال المبدعين، سواء في الوطن او في محطات الغربة والانتظار.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم