شهادات ومذكرات

يوميات سجين عراقي بالاردن

ali mohamadalyousifتمهيد: عمدت الى تلخيص بعض النقاط الهامة من مضمون هذة الرسالة وتركت التفاصيل ورفعتها في حينها الى مكتب صدام حسين نيسان 1999 اشرح فيها ماجرى معي في سفري الى الاردن عبر نقطة الحدود العراقية /الاردنية في طريبيل تاريخ 6/11/1998 المنفذ الحدودي الوحيد آنذاك لدخول وخروج العراقيين وفق جوازي المرقم ن 123680/3334 الصادرعن مديرية جوازات نينوى في 1/11/1998 ولغاية عودتي للعراق من ليبيا عن طريق سوريا عبرمعبرالوليد الحدودي بين البلدين العراق وسوريا .وسيتم توضيح ذلك في تفاصيل هذة التجربة لاحقا .

ان القاء القبض عليّ بالاردن واضاعة فرصتي بالالتحاق باحدى فصائل المقاومة في الخارج ضد نظام صدام، بحجة اني ممنوع من دخول الاردن، وايداعي السجن لمدة تزيدعلى عشرين يوما، جرى بعدها تسفيري بعد ان رفضت العودة الى العراق مخفورا الى مصرعبر ميناء العقبة ومن هناك جرى تسفيري الى ليبيا .

وكان ما وقع لي فخّا منصوبا اشتركت بتنفيذه المخابرات العراقية آنذاك في قطع الطريق امامي عام 1998 من الحصول على لجوء سياسي في المملكة المتحدة او السويد عبرسفارتيهما في عمان كما سيتضح من التفاصيل ادناه .

بعد ابعادي من الاردن الى مصر ثم ليبيا وبعد ان امضيت في ليبيا اكثر من خمسة اشهرمحصورا لا تسمح لي السلطات الاردنية العبورعبر اراضيها للعراق المنفذ الوحيد آنذاك .عدت الى العراق نيسان 1999 عبرمعبرالوليد مع سوريا. وبدأت اجهزة الامن الصدامية يراقبون بيتي وفي كل مكان اذهب اليه طيلة اكثرمن ثلاثة اشهر .وارسلوا لي تهديدا بالقتل في نصف مظروف رسمي (قد اعذرمن انذر).

كما اود الاشارة الى ان التفاصيل التي سأدرجها لواقع وحقيقة ماجرى معي في الاردن كنت ارسلت نسخة منها من ليبيا في حينها بيد شخص عراقي من اهل الانبار استاذ جامعة مؤتمن اوصلها لشقيقي المرحوم (نكتل محمد اليوسف) القيادي في حزب البعث الذي قام بدوره بتسليمها الى وكيل وزارة الخارجية العراقية آنذاك نبيل نجم . وتم سحبها اواتلافها من قبل المخابرات العراقية .وكذالك قاموا بسحب وأتلاف اضبارتي الشخصية في وزارة الخارجية .اذ كان سبق وعملت في السلك الدبلوماسي بعد اجتيازي اختبار معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية العراقيةعام 1984 وتم ايفادي بعد سنتين بوظيفة سكرتير ثالث في السفارة العراقية في لندن بتاريخ 4/11/.1986. والنسخة الثانية سلمتها بيد القنصل العراقي بالسفارة العراقية في طرابلس - ليبيا وكان سفيرالعراق حينها (مولود ذيبان) المطرود من نواكشوط بعد الاشتباه به انه يقوم باعمال تمس امن وسيادة دولة موريتانيا . وايضا تم سحبها واتلافها من قبل المخابرات او ربما تم ارسالها الى بغداد دونما ادنى اهتمام. وكل هذة الجهود لم تسعفني في المساعدة وتثبيت حقي كمواطن عراقي تم توقيفي في الاردن لعشرين يوما بمهزلة قل نظيرها.

وحوصرت في ليبيا خمسة اشهرلا استطيع العودة الى العراق. ولاوجدت دولة تستقبلني كلاجئ اذ كان طالبي اللجوء ذلك الوقت بمئات الالوف من العراقيين في مختلف سفارات العالم ويبقى كل شخص هووعلاقاته وامتلاكه المال والتزام بعض الجهات تسهيل مهمته . وبلغ عدد الهاربين من العوائل العراقية والافراد باكثر من اربعة ملايين عراقي في الفترة التي اعقبت اخراج العراق من الكويت في عام 1991 .

تفاصيل توقيفي في سجون الاردن

في شهر تشرين ثان عام 1998 بعد ان بعت اثاث بيتي ما عدا لوازم المطبخ والمنام. ودفعت مبلغ (400000) اربعمائة الف دينار رسوم مغادرة العراق في عهد صدام. قصدت الاردن عصر يوم 4/11/1998 لاول مرة وآخرها في حياتي مغادرا مسقط رأسي الموصل. وصلت طريبيل صباح يوم 6/11/1998 ومن ثم عبرت الى نقطة الحدود الاردنية (الرويشد) كنت راكبا سيارة تاكسي (أجرة) ترافقني لوحدها في المقعد الخلفي امرأة مسيحية مريضة، كانت ذاهبة حسب ادعائها الى عمّان لتوديع ابنتها التي ستغادر الى ايطاليا. والسائق كان مسيحيا ايضاً ولاغيرنا في السيارة. كان معي (6) ستةُ اوراق دولار امريكي فئة (100$) .

عبرنا منفذ طريبيل العراقي اعتيادي دون تأخيركبير. في مكتب جوازات نقطة الحدود الاردنية سلمني السائق جوازه وجواز المرأة العجوز مع جوازي لتسليمها بيد مفوض الشرطة المسؤول عن اتمام ختم الجوازات ريثما يقوم السائق بانهاء تفتيش حقائبنا وسيارته. في مكتب جوازات الرويشد الاردنية جلست على مقعد خشبي مع المنتظرين.... بعد مدة انتظار اكثر من ساعة كانت الجوازات المختومة تخرج تباعاً.... خرج جواز السائق وجواز المرأة ولم استلم جوازي وكلما قمت بأتجاه شباك الكاونتر اسأل عن سبب تأخر ختم جوازي من هذا المفوض الاردني (الشريف جداً !!) يزجرني بغضب قائلا ارجع مكانك. استغربت الامر وراودتني الهواجس...اراد السائق المسيحي مع المرأة الذهاب لوحدهما وتركي في الحدود.. طلبت منه الصبر عليَّ.... بعد اكثر من ساعة صاح اسمي هذا المفوض الاردني وقادني الى ممر وادخلني غرفة يجلس فيها ثلاثة ضباط شرطة بزي عسكري رائد ونقيب وملازم أول امامهم جهاز (كومبيوتر) اخذ الرائد يقلب الجواز وينظر اليَّ ويضرب على لوحة الكومبيوتر.سألني عن اسمي الثلاثي واللقب، ماذا تشتغل في العراق؟ اجبته موظف متقاعد... واخذ يسألني اسئلة سخيفة ويتبادلون النظرات والابتسامات بينهم اكثر من نصف ساعة، تساءلت مع نفسي هل انا شخص مهم الى هذا الحد وانا لا اعلم بنفسي، اذا كان ختم جوازي لدخول عاصمة الشؤم عمان يستلزم معي كل هذا التحقيق ثلاثة ضباط مع كومبيوتر!! اخيراً بادرني الرائد والجواز بيده ماذا اتى بك الى الاردن!؟ قلت لماذا؟ قال الا تعرف انك ممنوع من دخول الاردن ثانية!! بعد ان تم ابعادك عن الاردن في آذار 1998... انعقد لساني من المفاجئة التي لم اكن اتوقعها.. اجبته استاذ، اخي انت (مشتبه) عليك (الاسم)، ويشهد الله اني لم أطأ بحياتي الاردن غير هذه المرة منذ خلقت . وثق اني صادق في كلامي.. وتوالت الاسئلة عليَّ وانا اقول لهم ثقوا انا لست الشخص المعني ويجوز تطابق بالاسم الثلاثي مع شخص آخر... وليس من المعقول اني مبعد من الاردن في اذار1998لاعود ادخل الاردن ثانية تشرين ثان 1998. ثم انا رجل متقاعد ولي مخطوطات كتب.

اجابني المحقق استبدلت جوازك القديم بهذا الجديد.....!! سألته استاذ افترض انا الشخص المعني هل استطيع اعرف ماذا فعلت واي اساءة او عمل قمت به للاردن وطردتموني من اجلها كما تقول ... يضحك ولا يرد على سؤالي . اذكر من جملة الاسئلة التي ازهقوني بها ... هو اين كنت في اذار 1998؟ اجبته كنت متقاعدا لا يكفيني راتبي التقاعدي انا وعائلتي لذا كنت اعمل بالموصل لدى تاجر يبيع اطارات السيارات في موصل الجديدة... اجابني بغضب هذا لا يكفي وانت الشخص المعني لاغيرك ... حاولت معه دون جدوى قائلا له : استاذ الا يوجد لديكم صورة للشخص الذي تدعون انا هو !؟ . الا يوجد عندكم مواليد الشخص ومسقط رأسه ومدينته، واضفت طابقوا اسم الام مع أسم ام الشخص الذي تتهمني انا هو!؟ سألني : لماذا تريد دخول الاردن؟ قلت عندي مخطوطتي كتابين احاول طبعهما في عمان وانا في طريقي الى ليبيا قاصدا أبن أخي مهندس يعمل في مجال النفط مقيم هناك في مدينة الزاوية !؟.لعّلي اجد عملا هناك.

رددت مع نفسي لاحول ولا قوة الا بالله ... هممت يشهد الله ان اخبره اني اريد دخول الاردن لاعمل انقلاب عسكري على الملك حسين المصاب بالسرطان، وهو ينازع الموت في مستشفى بامريكا ... قلت اعوذ بالله حتى تكون هذه كارثة ثمنها افقد حياتي، يدخلونني السجن واخيس فيه بتهمة ملفقة واموت ولا احد يعرف عني شيئا ... وزوجتي وبناتي يتوهمون أني وصلت بريطانيا او السويد !!.

قلت له استاذ انا بعمر والدك اعطني الجواز او اختمه ارجوك !! سألني اين تنزل في عمان او غير العاصمة ... اجبته بفندق !! قال ما اسم الفندق !؟ قلت والله لا اعرف اسم فندق واحد بالاردن كلها : ختم لي الجواز لمدة اسبوعين فقط اقامة، يتوجب علي مراجعة اقرب دائرة امن عند انتهاء المدة ... اوصلني السائق فندق (الدار البيضاء) مبيت الليلة غرفة سريرين سعرها سبعة دنانير اردني ولما وجدني صاحب الفندق والعاملين فيه حسن السيرة والسمعة والسلوك لمدة (10 ايام) قال لي سأحسب لك الليلة بخمسة دنانير اسوة بالنزلاء الطيبين من الاساتذة العراقيين شكرت الرجل على معروفه . كان رجال الامن الاردني يتناوبون على مراقبة اخطر رجل بالعالم ينزل في فندق الدار البيضاء في عمان.

صادف وجودي في عمان فترة الاحتفالات بعيد ميلاد الملك الحسين بن طلال، وقرب موعد عودته من امريكا بعد شفائه – بالحقيقة كان رجوعه لترتيب البيت الملكي الاردني وليودع ويصلي ركعتين على ارض المطار ويعزل اخيه الحسن من ولاية العهد ويوصي لابنه حسين الثاني ملكا على الاردن من بعده ولم يكن قد شفي من مرضه بعد وتوفي في امريكا بعد اسابيع من تلك الزيارة _ .

استمرت احتفالات التحضير لعودة الملك الحسين بن طلال معافى من مرضه اسبوعا واكثر من الاحتفالات المتقطعة والدبكات واعلام الزينة يقود الحملة اخوه الامير حسن قبل عزله . وهذا اضاع عليّ العديد من الايام بالعطل الرسمية ....أخذت في البداية مخطوطتا كتابين لي لقتل الوقت متنقلا عارضا اياهما على بعض دور نشر ولم اجد من يستقبل واحدا منهما او كليهما . بأستثناء ناشر واحد امين نصحني بتركهما بعد تصفحهما عنده، ليجد لي في امر طبعهما شيئا، حتى بدون وصل استلام !! شكرته على جميله النادر وصرفت النظر عن طبع الكتب .

بعد انتهاء الاحتفالات بعودة الملك ارتديت قاطا جيدا من بقايا ايام السعادة في عملي بالسفارة العراقية في لندن، منذ عام 1986 ولغاية 31 تموز 1990 . مع ربطة عنق تنسجم مع القاط واخذت التاكسي الى السفارة البريطانية في عمان، دخلت عمارة فيها القنصلية نظيفة مرتبة، اثاثها جديد على الطريقة الانكليزية الكلاسيكية . جاء دوري امام كاونتر يتوزعه ثلاثة موظفين كل واحد على شباك منعزل عن الاخر، اثنان اردنيان يتكلمان العربية والانكليزية بطلاقة، والثالث أمرأة انكليزية في الاربعين اشارت لي وقلت لها عندي قضية خاصة بالانكليزية.... اجابتني جميع هؤلاء قضاياهم خاصة، قلت اعرف ذلك لكن ارجوك دعيني اكلّم من له شأن البت في طلبي . قالت ادخل واشارت لي بيدها فدخلت قاعة طويلة يتوسطها مقاعد عديدة فقطعت رقم تسلسل وجلست مع مراجعين حاضرين ... بعد ساعة او اكثر جاء دوري قابلني شاب في الثلاثين من عمره وسألني ماذا تريد؟ اجبته اريد لجوءا سياسيا. وأخرجت له جوازا سفر احدهما دبلوماسي صادر عن السفارة العراقية مختوم بتأشيرة (reantery visa) مع جوازي العادي الجديد الصادر عن مديرية جوازات نينوى رقم ن – 123680 – 3334 بتاريخ 1-11- 1998 .

سألني الشاب الانكليزيlee عدة اسئلة ثم غاب عني قائلا اجلس انتظر، بعد ساعة ونصف تقريبا عاد وبيده الجوازين الاثنين، سلمني اياهما قائلا لي راجعني بعد اربعة ايام لا قبلها . اجبته شكرا وخرجت ....

في اليوم الثاني اعدت نفس العملية مع السفارة السويدية في عمان، كان يوم الاثنين من الاسبوع قطعت كوبون واخذت (سره) بالرقم ..جاء دوري تقدمت الى غرفة خشبية يجلسن بها ثلاث فتيات، من بينهن المسؤولة ويبدو من خلال تعاملها مع المراجعين انها المتنفذة .. تكلمت معها بجمل انكليزية بعد تسليمي لها الجوازين الدبلوماسي والعادي .. فأشارت لي الى غرفة جانبية دخلت هي من باب داخلي وانا دخلت لها من باب خارجي يفصل بيني وبينها حاجز خشبي يتوسطه شباك اعطيتها ورقة مكتوب عليها رؤوس اقلام تعريف بي .. قرأتها مبتسمة ثم قالت لي تكلم بالعربية قلت لها حبذا لو ساعدتيني في الحصول على لجوء بالسويد اعادت تصفح جوازي الدوبلوماسي والآخرالعادي والورقة، رأيت علامات الارتياح على وجهها بما افرحني .. وقالت فهمت كل شيىء خذ جوازاك والورقة، واضافت ان قنصل السفارة غير موجود اليوم وغدا الثلاثاء عطلة السفارة السويدية . راجعني يوم الاربعاء بعد غد واعتبر طلبك اللجوء للسويد فيه من الامل والنجاح، وساقوم بدوري انا باقناع القنصل في تسهيل امرك ... لكن اريدك الان ان تذهب الى مقر شؤون اللاجئين في بناية الامم المتحدة القريبة من السفارة (united nation) ومهما يقولون لك فهذا لايهم لكني احتاج توثيق مراجعتك لهم وسيعطونك موعدا تحريريا مكتوبا اجلبه مع الجوازات والورقة وموعدنا الاربعاء .

خرجت غير مصدق نفسي من الفرح، راجعت شؤون اللاجئين في الامم المتحدة وحصلت على الكتاب موعده مراجعة بعد سنة، كما ارادت وعدت الى الفندق .... هل صحيح يسرّها الله هذه المرّة معي انا الذي اذا قصدت النهر ينشف ماؤه بوجهي .

استيقظت صباح يوم الثلاثاء ولا اعرف ما يخبؤه القدر لي. لم يكن لدي ما افعله وانتهاء الاسبوعين اقامة التي منحوني اياها بالحدود باق على انتهائها ثلاثة ايام.

فقلت لصاحب الفندق لا يوجد ما اشغل نفسي به أريد أن تعطني ورقة تأييد اني احد نزلاء الفندق لاذهب امدد اقامتي، اعطاني الرجل الورقة موقعة من قبله وقال لي خد السرفيس باصات صغيرة للنقل أرخص عليك من التاكسي واطلب منه ان ينزلك امام مركز شرطة النصر .... انتظرت اكثر من ساعة ونصف بدأت المراجعات والدوام، اعطيت جوازي الجديد لضابط شرطة يتوسط منضدة وكرسي داخل غرفته برتبة نقيب شرطة، قلب الجواز، نظر ختم دخولي عبر الحدود الاردنية ختم الجواز تمديد ثلاثة اشهر – صورة التمديد في نهاية الرسالة مع المرفقات المصورة لجوازي احتفظ بهما عندي – نادى النقيب على احدهم قائلا خذ هذه ا لجوازات جوازي مع جوازين لعراقيين اخرين وادخلهم (كمبيوتر) تدقيق ويوقعهم المقدم ويعيد تسليمهم واعادتهم ... بعد اكثر من ربع ساعة تقريبا رجع الشرطي ومعه جوازين موقعين فقط ... و يقول الرائد ارسل لي صاحب الجواز (علي محمد يوسف) اصطحبني الشرطي الى غرفة ثانية يجلس بها ايضا مقدم شرطة مع ضابطين اخرين واقفين !! توجه اكبرهم رتبة سائلا انت علي؟ قلت نعم ... اضاف كيف دخلت الاردن؟ قلت عن طريق طريبيل – الرويشد، وادخلني في سين جيم لا يرحم .

وانا احاول اقناعه ان هذه المرة الاولى في حياتي ادخل فيها الاردن . لم يكن فقط لا يسمعون لكلامي وانما بدأ المزاح والتهكم بي، لم ادخر طريقة او حجة لاقناعهم ان قضيتي تشابه بالاسماء وربما يكون احدهم في سوق (مريدي) ببغداد انتحل اسمي لغاية ما وربما جهة اخرى ... لم يكن لكلامي اي صدى او فائدة . شطب المقدم على التمديد السهو بعلامة اكس وكتب كلمة ملغي من اربع جهات الختم (كل شيء اذكره موثق عندي بالجواز محتفظا به).

. قلت بعد ان ايقنت ان فرصتي باللجوء قد ضاعت: استاذ ارجوك اعيدوني الى الحدود واقذفوني هناك في منفذ طريبيل لاعود الى بلدي . اخذ يقهقه ويضحك مع من معه قائلا نحن سنوصلك الحدود بطريقتنا الخاصة !! شارف وقت الدوام على الانتهاء . ارسلوا بطلب عريف شرطة بدوي جلف (ثور معبأ ببنطلون) عريف اردني بدين من قوم لوط اخذ ينظر اليّ وكانما لم ير في حياته عراقيا ببدلة ورباط . واحتفظ المقدم بجوازي مع محضر تحقيق كتبوه كما يريدون ومن دون ان اضع توقيعي عليه . قال الضابط سليل الشرف خذه للتوقيف (النظارة) قلت له اسألك بالله ودينك وشرفك هل فعلت شيئا يستوجب توقيفي؟ هل تأكدتم اني الشخص المعني المطلوب؟ لم يرد عليّ وقادني العريف الشريف السجّان حاملا بيدي حقيبتي سامسونيت نحو ممرين في نهايتهما غرفتين واحدة لهذا العريف والاخرى بجانبها للتوقيف داخلها مرافق بلا ماء . كل ممر مقطوع بحاجز حديدي مشبّك يفتح بمفتاح خاص به. ادخلني غرفته كرسي ومنضدة فقط قال لي ضع حقيبتك هنا، انزع الرباط وحزام البنطلون، اخرج كل ما في جيوبك ... كان معي اربعة اوراق فئة مئة دولار موضوعة في بطانة جيب الجاكيت سحبت السحاب عليها فهي كل ما املك . فتح لي العريف باب غرفة مظلمة معتمة من حديد ودفعني قائلا ادخل واغلق الباب بالمفتاح واغلق باب غرفته وخرج . بعد اربع خطوات قطعتها بالغرفة في ظلام دامس تعثرت وتكومت فوق شخص نائم على الارض لم اره . استيقظ متذمرا بوجهي فاعتذرت منه . كان شابا في الثلاثين من عمره تقريبا لايوحي بالثقة او الاطمئنان، بعد أن جلست على الارض وجدت صبيا اخر ممددا على بطانية، كانت رائحة المراحيض المزعجة تضرب في الرأس .

بعد مرور ساعتين وانا واضع رأسي بين كفيّ مرددا مع نفسي اي ذنب جنيت لاجد نفسي في غرفة رائحة المراحيض تجعلك تفقد اعصابك . وضعت حذائي تحت رأسي وتمددت على الارض بملابسي ولم انم من الليل ولا دقيقة .

في الصباح عرفت احدهما الاكبر من مدينة الزرقاء (شقاوة) طعن اخر بسكين .. والاخر عمره لا يتجاوز (16) عاما ممسكا بيده القرآن الكريم يقرأ به طول الوقت لعل الله يفرّج عنه كربته ويخرج من التوقيف قبل أن يقع المحذور من قبل الآخر المجرم النائم معه ويعتدي عليه جنسيا اذ كان يراوده عن ذلك . وبقيت ثلاثة ايام في هذا التوقيف واستعنت في جلب الطعام لنا باولياء امور هذين الموقوفين معي وعلى حسابي لثلاثتنا . في اليوم الرابع بعد نهاية الدوام الرسمي استلمني ثلاثة من الشرطة ووضعوا القيد (الكلبجة) بيدي وقال احدهم خذ حقيبتك وتركت نظاراتي الطبية وادويتي التي استعملها مع الرباط والحزام ومضيت معهما وضعاني في المقعد الخلفي لسيارة لاندكروز صغيرة وجلس احدهم عن يميني والاخر عن شمالي واحدهم يحمل جوازي العادي – فاتني اذكر اني مزقت جواز سفري الدبلوماسي تحسبا من اتهامي اني اعمل في جهاز مخابرات صدام حسين وتتعقد اموري اكثر هكذا فسّرت الامر في لحظة يأس .- مع اوراق تحقيقية ومشت السيارة بي باتجاه ما يسمونه سجن العاصمة يقع في اطراف عمان وهو دائرة حكومية كبيرة للشرطة والامن – هذا السجن الذي تنعدم فيه ابسط حقوق الانسان السجن كاف لوحده لأدانة حكومة الاردن بجرائم خرق حقوق الانسان ويجرّم دوليا.-

اذكر طلبت من احد الشرطيين الجالسين الى جانبي من اليمين واليسار ان يشتروا لي شيئا من مصروفي الخاص اشربه اوآكله فانا منذ مساء البارحة لم اشرب او آكل شيئا ... اجابني نصف ساعة ونصل مديرية شرطة العاصمة وهناك يطلقون سراحك !! فلا حاجة لك من شراء شيئا . سلمّاني الشرطة الثلاثة الى سجن العاصمة وعادا بالسيارة، اخذوا مني الحقيبة في باب السجن ووضعوها مع حقائب موقوفين اخرين وفتحوا بابا حديديا وادخلوني قاعة كبيرة تتوزعها غرف صغيرة، غرفة للموقوفين العراقيين، ثانية للمصريين، ثالثة للسود من جنسيات افريقية وهكذا .... دخلت غرفة الموقوفين العراقيين .... لم اجد مكانا للجلوس فجلست في باب الغرفة بجوار شخص من اهل البصرة في مثل عمري اشيب لم أساله طيلة اكثر من اسبوع عن سبب توقيفه، بعدها كان يراوغني بالاجابة الحقيقية، ولديه جماعة خارج السجن يزوره احدهم احيانا، بدا لي فقير واصبحنا متعارفين، كنت الوحيد من اهل الموصل بينهم، والباقون من العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب،

المحظوظ فيهم من يمتلك منشفة، لكل واحد فيهم مأساة معيشة وليس قضية سياسية من اي نوع، احدهم ألقوا القبض عليه يبيع سكاير، والآخركان يبيع (قماصل) جلدية بيديه على التصريف، واخر لم يراجع تمديد الاقامة الى اخر ذلك من السخافات، في ذلك الوقت كان وزير الداخلية من ارذل خلق الناس في كرهه للعراقيين والويل لمن يفتح فمه وهو تحت رحمة الشرطة يشبع ضرب بالايدي والارجل من الرأس حتى القدمين ويتركوه، بجانب هذا الموقف، يوجد سجن توقيف النساء، دعارة باسم النظام الاردني في انتهاك شرف واغتصاب اي واحدة تدخل ساعة واحدة هناك !! مساء احد الايام دخل الغرفة رجل من ابناء الاربعين بهندام نظيف سلم وجلس بيننا وتحلقّ الاخرون حوله .. كان يحمل بيده حقيبة صغيرة تحوي، اوراقا ونقودا، عرّف نفسه عراقي من اهل السماوة متجنس بالجنسية الامريكية، اخذ البعض يضحك منه امريكي ويوقفوك في هذه المراحيض !! اجابهم بكل برود ساقضي ساعتين معكم واودعكم فالسفارة الامريكية اصبح عندها علم بتوقيفي وسيخابرون على اطلاق سراحي فورا، سألوه عن سبب توقيفه قال لديّ صبية من اقاربي اردت ضمهّا معنا في الولايات المتحدة الامريكية ودفعت مبلغا من المال رشاوى لجماعة عراقيين ارسلوها باوراق مزورة على انها ابنتي وانكشفت الحقيقة، حقيقة تزوير الاوراق فالبنت قريبته حقا وهي في (عمان) جاء يستلمها وغدا يطيران الى الولايات المتحدة الامريكية . بعدها اخذ يوزع نقودا اردنية (وافراطات) من الدولارات الامريكية على الذين تحلقوا حوله .. سجّل اسماء محتاجين لمساعدتهم على عناوين زودوه بها .. قال لي ألا تحتاج مساعدة قلت فقط – اعلم – تلفونيا صاحب الفندق اني موقوف بسجن امانة العاصمة لعله يستطيع اطلاق سراحي بكفالة او اي طريقة وفعلا جاءني الى السجن صاحب الفندق الدار البيضاء في اليوم الثاني ولم يستطع فعل شيئ من اجلي .. غادر بعد اعتذاره من الشرطة الاردنية .. في اعقاب مكالمة تلفونية من السفارة الامريكية قبل المساء تم اطلاق سراح العراقي الامريكي فورا والاعتذار منه !! كان جميع نزلاء السجن من الموقوفين غالبيتهم عراقيين ثم مصريين ومن جنسيات افريقية اخرى بلا بطانية نوم واحدة وبلا اكل او شراب . المحظوظ بيننا من لديه معارف زودوه ببطانية يشاركه النوم عليها ثلاثة او اربعة بدلا من الارض، كما هو الحال معي حيث تعودت اتوسد الحذاء واتمدد على الارض بملابسي الجاكيت والبنطلون لاكثر من عشرة ايام كاملة ليلا ونهارا . بعد السابعة صباحا يأتي شخصان احدهما يحمل (قوري) قهوة مع خبز والاخر يحمل قوري شاي مع خبز، كوب شاي او قهوة مع رغيف خبز(معفن) نصف دينار اردني، وتعاد العملية ذاتها مساءا.

في تمام الساعة التاسعة صباح كل يوم يقرأون اسماءنا، ويضعونا في صفوف كل أثنين مقيدين سوية بكلبجة واحدة، والسباب والشتائم والركل بالارجل من قبل الشرطة لمن يتفوه بكلمة واحدة وهو واقف في الصف منتظرا الصعود الى سيارات خاصة بالمساجين، تذرع بنا الشوارع ويأخذوننا الى مقر الاقامة والاجانب في العاصمة، هناك يقرأون اسماء المحظوظين منا فقط الذين تكمل اوراق تسفيره الى الجنة الموعودة (سجن جويدة) .... في هذه الدائرة (مقر الاقامة) يدخلونا اكثر من مائتي موقوف داخل قاعة لا تتسع لوقوف اربعين شخصا .. كنت اتعب من الوقوف لساعات، لذا أعتدت يوميا الجلوس القرفصاء على الارض بجانب شخص موقوف من اهل البصرة، كان يعرف شابا يقدم خدمات للموقوفين لقاء نصف دينار اردني . كنت اكتب له او بالاحرى يجلب لنا قلم رصاص وورقة علبة سجائر لنكتب عليها احتياجاتنا من الالبان والاجبان المعلبة والخبز، هذا فقط الذين يمتلكون نقودا من الموقوفين الذين كانوا غاليبتهم مفلسين . بعد الثانية ظهرا ينتهي وقت دوام دائرة الاقامة فينقلولنا بالسيارات الخاصة مقيدي الايدي الى غرفنا في سجن العاصمة، لنجد طفح المرافق من القاذورات وصلت الى بعد متر واحد من غرفة نومنا !! ويعاد نفس الشيء معنا في اليوم الثاني في نقلنا الى سجن الاقامة واعادتنا بعد الظهر الى سجن العاصمة .

كان يزداد عدد الموقوفين يوميا ولا ينقص منا بالترحيل الى سجن جويدة خمسة كل يوم .... قلت لصديقي الموقوف معي اذا بقينا على هذا الحال فان دورنا بالتسفير لن يأتي بعد اكثر من شهر اجابني بالتاكيد . اصبت بمرض التهاب الكبد الفايروسي من التلوث بالقاذورات وقلة مياه التغسيل والشرب ولم اعد اشتهي شيئا ولا اقوى الوقوف على قدمي من الوهن والضعف، ولا يراني او يسمعني احد من الشرطة الذين نادرا ما كنا نراهم .

احد الايام في دائرة مقر الاقامة جالس مع صديقي البصراوي ورآني مريضا مصفّرا، قلت له اعطيك دينارا اردنيا واحدا في مقابل ان تسدي لي خدمة، اذهب واجلب لي ورقة وقلما ... اجابني حاضر، بعد اكثر من ربع ساعة كان القلم والورقة بيدي وكتبت : (السيد اللواء مدير الاقامة في عمان، اني الموقوف العراقي علي محمد اليوسف مريض جدا ومصاب بعجز في القلب، احملكم كامل المسؤولية في حالة وفاتي، ما لم تعجّلوا بنقلي الى مستشفى او ترحيلي لبلدي ووقعت الورقة).

اعطيت الورقة بيد الشاب صاحب تقديم الخدمات للموقوفين وقلت له سلم هذه الورقة من وراء النافذة الصغيرة على ممر حراستنا بيد احد اراذل الشرطة الاردنية وقل له اوصلها للضابط فيها امر هام ومستعجل، بعد مدة قصيرة عاد الي قائلا : اعطني الدينار اوصلت رسالتك . بعد اكثر من ساعة نادوا على اسمي فدفعت المتجمهرين الموقوفين من طريقي ووصلت باب الخروج من الموقف، سألني اوغاد الضباط الاردنيين وهو يقلب بيده اضبارة الاتهام ما اسمك؟ اشهد الله لا اعرف لحد هذه اللحظة لماذا القوا القبض عليّ، وماذا فعلت لاحفاد لوط في المملكة الاردنية الهاشمية !؟

حين عدت مع الموقوفين الى سجن العاصمة بعد ان امضيت اسبوعا كاملا فيه كانت توازي سبعة اشهر اشغال شاقه، انهالت علي التهاني وقالوا لي غدا ياخذوك الى مركز شرطة النصر المسؤول عن منطقة سكني في فندق الدار البيضاء وسط عمان

السجن الذي تم اعتقالي به وانا اجدد اقامتي، في اليوم التالي تم نقلي فعلا .

من مركز شرطة النصر اقتادوني بسيارة لندروفر صغيرة، يجلس في الامام مفوض شرطة يحمل اوراقي وانا جالس بالمقعد الخلفي مقيد اليدين والى جانبيّ يجلس شرطييان، متوجهين الى الفندق لأحزم حقائبي وحاجياتي، فتح صاحب الفندق باب غرفتي ودخل معي اثنان من اوغاد الشرطة، وضعت ملابسي وكتبي في حقيبة كبيرة، رجوتهما ان اخذ دوش (شاور) داخل الغرفة بعد مضي اسبوع علي نائما على الارض متوسدا الحذاء في البنطلون والجاكيت ... رفضا طلبي . اعادوني اجرّ حقيبتي معي مرة ثانية لسجن العاصمة لأبيت ليلتي الاخيرة في هذا السجن الذي اعجز عن وصف لاانسانيته ووضعه الصحي المزري .

بعد التاسعة صباحا اصعدوني مع حقيبتي مع ثلاثة عراقيين موقوفين وبعض المصريين مقيدين كل اثنين معا، الى سيارة خاصة بنقل المساجين . بعد حوالي ساعة او اكثر وصلنا سجن (جويدة) انزلونا وفكوا وثاقنا، صادفنا ضابط برتبة ملازم ثان ابن حلال، سألنا انتم عراقيين؟ قلنا نعم .. قال احملوا حقائبكم واتبعوني، وصلنا بناية صغيرة منعزلة، قال لنا ضعوا حقائبكم هنا واقفلوها جيدا، اقفل الباب خلفنا وسرنا نتبعه، خاطبنا هل تريدون السجن مع السجناء بينهم محكومين بجرائم وتهم شتى، وهناك يعاملونكم معاملة المحكومين بأرتداء ملابس السجن ويحلقون رؤوسكم، ام تختارون تلك الغرفة صحيح قذرة لكنها افضل من السجن و فيها مطارح اسفنج للنوم وفي داخلها مرافق ومغسل ... لم نعرف كيف نشكره، هذا مفتاحها نظفوها واغسلوها ... اخرجنا مطارح النوم الاسفنجية القذرة جدا وضعناها بالشمس، فبدأ القمل والبراغيث تدب على الارض مثل النمل . وجدنا الغرفة اربعة في اربعة جنّة .... يذهب واحد منا يجلب لنا طعام الظهر من مطعم السجن، اما وجبتي الفطور الصباحية ووجبة المساء فكان بعضنا يعطي نقودا يجمعها من الذين يرغبون شراء خبز وصمون وسكائر ومعلبات يجلبها لنا شرطي في مقابل البخشيش ... امام غرفتنا على بعد امتار كان يتردد على دائرة صغيرة ضابط شرطة برتبة عقيد، كان بعضنا يناديه سيدي ..سيدي، احيانا يقف يكلمنا من الشباك، نتوسل اليه ترحيلنا الى ميناء العقبة .... كان يعدنا بعد يومين ويكذب، والموقوفين من المصريين كانوا يتوافدون الى الغرفة، اصبح عددنا (18) سجينا، وبعد اسبوع اصبحنا (24) موقوفا ننام جميعا في غرفة (16) متر مربع كما ذكرت، ولا احد يحرك ساكنا حول ضرورة ترحيلنا الى ميناء العقبة . كنا عراقيين ومصريين وبيننا موقوف مسييحي سوري واحد فقط . كان بعضنا يقضي الليل نائما ممسكا بشباك الغرفة الوحيد، او جالسا على الارض ورأسه بين رجليه، رأس الواحد منا في بطن الاخر، واذرع وارجل البعض الاخر على اجساد الاخرين كيف ما اتفق . امضيت في هذه الغرفة في سجن جويدة عشرة ايام او يزيد ما عدا الايام التي امضيتها في سجن العاصمة ومركز شرطة النصر.

اذكر هذه الحادثة فقط للتدليل على خسة ونذالة الاردنيين شعبا وسلطة وحكومة، احدى المرّات جمعنا نقودا اعطيناها مع قائمة احتياجاتنا لاحد الشرطة كالعادة، جلب لنا ما اردنا واعاد الباقي من النقود ناقصا بعد ان حسم منها البخشيش له، على اثر تبادل الاتهامات بالسرقة، تشاجر احد العراقيين مع مصري يتهم كل منهما الاخر بالسرقة ... قمت نحو المصري رجل ضعيف البنية رث الملابس اعطيته النقود التي ارادها وصالحته مع العراقي وسكن الجميع . احد الشرطة كان مارا من امام الغرفة وسمع الصياح، واذا به بعد ربع ساعة يدخل اثنان من الشرطة كالثيران الهائجة، وبأيديهما احزمة عريضة يرتديها العسكريين والشرطة، سأل احدهما من كان يتعارك؟ اجابوه لا يوجد مشكلة سيدي تصالحا وانتهى كل شيىء... قال اريد اعرفهما فقط، وقف الاثنان العراقي والمصري واستلم كل واحد من الشرطة احدهما واوسعوهما ضربا وركلا حتى سقطا ارضا ووجهيهما ملطخين بالدماء ولا يقويان على الوقوف من شدة الضرب والركل بالاحزمة والارجل، واغمي على المصري الرجل الضعيف !! كان اي منا يتدخل لتخليصهما يكون مصيره مثلهما بل واكثر في تلفيق تهمة تمرد وشغب ويبقى في السجن اشهرا لا احد يسأل عنه .

بعد ان اصبح عددنا في الغرفة كبيرا لا يمكن ولا حتى لحيوان ان يحتمله، توسلنا ان يرحمونا بضرورة تسفير عدد منا .. بدءوا بعدها اجراء تحقيق ومقابلة مع العراقيين فقط كلا على انفراد، وبعد ان يشبعوه اهانات وشتائم وسخرية، يسألوه اين تريد (قذفك)على الحدود في طريبيل ام تريد السفر الى ليبيا؟ الذي لا يحمل ورقة مئة دولار امريكي ثمن تذكرة من العقبة الى مصر ثم الى بنغازي في ليبيا، كان مضطرا القبول بقذفه على الحدود العراقية لتستلمه دوائر الامن والمخابرات العراقية ويسّفر الى بغداد للتحقيق معه، دفعت ثمن البطاقة مئة دولار للسفر الى ليبيا. بعد يومين في حدود العاشرة صباحا نادوا اسماءنا، كنا اربعة عراقيين والباقين جميعهم من المصريين الذين يريدون العودة الى مصر عن طريق العقبة. اوقفونا كل اثنين في قيد واحد (كلبجة)، ثم اصعدونا في سيارة خاصة بنقل المسجونين يرافقنا اربعة افراد شرطة بينهم برتبة ملازم اول ضابط شرطة. بعد مسيرة اربع ساعات بسيارة المسجونين وصلنا ميناء العقبة الاردني، هناك عزلونا نحن العراقيين الاربعة عن باقي المصريين عددهم (22) رجلا عندها اصّر المصريون عدم توقيفهم في العقبة وتسفيرهم فورا الى مصر، وحدثت مشادة كلامية بين المصريين والشرطة . وذلك بنقلهم على ظهر (العبارة) من العقبة الاردني الى ميناء (ينيبع) عبر البحر الاحمر يبعد كيلو مترات عن (طابا) في سيناء على البحر . من الجدير بالذكر منعا للالتباس في الاسم انه يوجد ميناء (ينبع) السعودي على البحر الاحمر ايضا.

طالب الشرطة الاردنيين ان يدفع المصريين اجور النقل بالعبّارة، فامتنع المصريون عن الدفع وهددوا الشرطة الجبناء بالضرب قائلين نحن مبعدون عن الاردن بالقوة ولسنا مسافرين وعليكم واجب تسفيرنا . بعض الممتنعين عن دفع اجور العبارة كان موقفهم تحد وعناد واخرين فعلا كانوا لايملكون المبلغ .... تأملوا خسة الاردنيين ووضاعتهم حين ضربوا وشتموا بعض المصريين فتجمع عليهم المصريون وكان عددهم يفوق العشرين شخصا وتضاربوا معهم .... حين ذاك تنازل الجبناء الاراذل من الشرطة الاردنيين، والتفتوا نحونا العراقيين الاربعة قائلين لنا : تبرعوا لاخوانكم المصريين باجور العبارة، تبرعنا بالشيء القليل ومضينا نحمل حقائبنا خلف شرطي اردني قائلا : سأضعكم انتم العراقيين الاربعة للمبيت في غرفة نظيفة فيها مرافق داخلية ومغسل وسمح لنا ادخال مناشف وبعض معلبات كنا اشتريناها في طريقنا من سجن جويدة في عمان الى ميناء العقبة . رجوناه بحرارة ان لايبقينا اكثر من ليلة واحدة في التوقيف، والعبّارة المصرية لها سفرتين خلال اربع وعشرين ساعة، الاولى في الساعة الواحدة ظهرا والثانية في الساعة التاسعة ليلا من العقبة الى ميناء ينيبع في مصروبالعكس . اجابنا مؤكدا طلبنا وهو يكذب ويريد ابتزازنا ورشوة . بقينا اربعة ايام في تلك الغرفة، ونفد ما معنا من ماء وطعام، ولم يتذكرنا ابن زانية من الشرطة الاردنيين وعرفنا السبب انهم يريدون رشوة . جمعنا سبعين دينارا اردني واخذنا نصرخ ونصيح ونضرب الباب الحديدي بارجلنا، جاءنا الشرطي وجه الشؤم قلنا له سفّرنا هذا اليوم في العبّارة المغادرة في الواحدة ظهرا، وخذ سبعين دينارا اردنيا، اذكر كان يوم اربعاء . بعد اقل من ساعة كنا اربعتنا مع حقائبنا على ظهر سيارة مكشوفة (بيكب) توقفت بنا امام بناية ميناء العقبة الذي يحوي دوائر الامن والمخابرات . وعلى مسافة ربع ساعة او اكثر بقليل بالسيارة ترسو العبارة المتجهة الى ميناء ينيبع في مصر . بعد ساعتين اخذوا يدخلوننا واحدا بعد الاخر الى ضابط المخابرات الذي بيده جوازاتنا، سألني عدة اسئلة سخيفة اين تسكن ما هي وظيفتك؟ قلت له قبل ان اغادر الغرفة، لي طلب واحد فقط هل تستطيع جنابك ان تعلمني سبب اعتقالي لمدة تزيد على عشرين يوما؟ اجابني على كل حال لدينا اجراءات وان كنا اسأنا بحقك فنحن آسفين!؟ هكذا وبكل بساطة شخص مثلي في عمر ستين عاما  يمر بكل هذه المهزلة والتوقيف باكثر من عشرين يوما وينتهي كل شيىء بكلمة آسفين !!قلت له وانا خارجا، والله لو بقي من حياتي يوما واحدا سأفضحكم بكل وسيلة .. وها انذا انشر بعض الغسيل القذر لحكومة الاردن امام مطايا الحكومة العراقية التي لا تزال تزود الاردن باسباب المعيشة.

للمقال صلة وسانشرها كاملة ضمن كتابي القادم: للتاريخ .....فقط وهو كتاب مذكرات

 

علي محمد اليوسف /الموصل /العراق

 

في المثقف اليوم