شهادات ومذكرات

الاستاذ شريف فهد وذاكرة السنين

akeel alabodإعدادية الناصرية للبنين بصفوفها المتوزعة على شاكلة شعب بطابقين: أ، ب، ج، د، هـ، و ، ومدرس مادة الحيوان، أتذكره ذلك الحضور بوسامته المعهودة، وشخصيته المتميزة، وبدلته الأنيقة، تلك التي لكأنها تم اتفاقها مع حذائه الذي  تراه يبقى محافظا على نظافته من الطين حتى في الأيام الممطرة والتي تتحول فيها معظم شوارع الناصرية الى برك مائية.

خبرة وكفاءة علمية وعملية، فملاحظاته الدقيقة، وإمكانياته الفنية، وقدرته على اجادة رسم المخطط العلمي لكل شكل من أشكال الموضوعات المقررة في المنهج، يسهل طريقة التوضيح، وفهم ما يراد إيصاله الى ذهن الطالب بشكل مناسب وسريع، حيث تتوزع الموضوعات  كالطيور والزواحف والحشرات، بتعقيدات تفاصيل أجزاء اجهزتها البايولوجية المركبة. هنا باعتباره يتطلب شرحا وافيا ووقتا طويلا، أتذكره الجهاز التناسلي للضفدع بتفاصيله المملة، كان واحدا من موضوعات الأسئلة الخاصة في الامتحانات الوزارية  آنذاك.

 توضيح المخطط المرسوم على اللوحة؛ السبورة بالاقلام الملونة ؛الطباشير لكل موضوعة من الموضوعات، تكاد ان لا تخلو من موهبة علمية تم احتوائها من قبل ضمن مدى قدرة الرجل على التذكر وإجادة صناعة الفن الخاص بالمنظور الهندسي للتركيب البايولوجي لكل شكل من أشكال هذه الأحياء، وذلك في دفتره الخاص وبعبقرية متناهية.

 شريف فهد خبير استطاع ان يستقرئ جوف المادة، منظورها التركيبي، لكي يضع مجسات الفحص العلمي عند كل نقطة من النقاط الجوهرية لتلك المواضيع، وبهذا يصبح هنالك حافزا لمعرفة الأسئلة المُحتملة للمادة المذكورة، لعلها تلك الاحتمالات تصيب في التقاط السمكة المرتقبة في الامتحانات الوزارية.

التجربة ابتدأت بحسب معرفتي المتواضعة منذ عام ١٩٦٨ وربما قبلها، لكنني تراني ابتدأت بالعام المذكور استذكارا لنخبة من الطلبة الأذكياء، والافياء، اولئك استطاعوا احراز المرتبة الأعلى لكافة أنحاء العراق، آنذاك إعدادية الناصرية كانت المركز العلمي الذي أذهل الكادر التدريسي  للاعدادية المركزية في بغداد، رغم امكانيات الاخيرة في العدة المالية والعلمية، لذلك طلبة تلك الاعداية  كان لهم الدور الاول في الوفاء لأساتذة الناصرية ليس في علم الحيوان فحسب، بل في مواد اخرى كالفيزياء والكيمياء. صادق جادر، عقيل اليعقوبي، وعلي العبود نماذج لهذا النوع من الطلبة.

هنا لكي يتم مقارنتها تلك الحكاية مع الحاضر، النكتة في الامر ان الوفاء للاختصاص يخلق المبدعين. هكذا هو مضمون القضية.

آنذاك لا توجد اجهزة كومبيوتر ولا وسائل إيضاح علمية مثلما نحن اليوم عليه.  ودراسة  كتاب الحيوان  بضخامته ومصطلحاته تستغرق وقتا ليس باليسير، اضافة الى ان المادة المذكورة لو قورنت مع الصف المنتهي من صفوف البايولوجي، لوجدتها اصعب واشق، وذلك بناء على تجربتي العلمية في الجامعات الامريكية، حيث تلخص المادة بطريقة المعادلات والمصطلحات.

 شريف فهد انذاك لم يكن مجرد أستاذ متخصص يستحق الدكتوراه الفخرية في الاختصاص المذكور ووساما علميا من الدرجة الاولى باعتباره على يده، الناصرية تراها تفتخر بالأطباء والمهندسين والأساتذة، بل كان شخصية اجتماعية مرموقة يستحق بموجبها ان يكون مرشدا ومربيا، هو أستاذ لا أقول عنه من طراز النخبة فحسب، بل انه بصفاته الموروثة كما يبدو وطبيعة هيبته يجعل الطالب متلقيا باحثا راغبا في التقاط تفاصيل الحقيقة العلمية.

عن تجربته في السياسة لم يكن بعثيا أسوة بغيره من الأساتذة الذين عاصروه، ولم يكن سياسيا كما هو واقعنا اليوم، حيث كثرة الساسة والسياسيين و...

هنا ومن باب إبراز قوة شخصيته، كان غير البعثيين من المدرسين والطلبة وغيرهم يتعرضون للاستفزازات ايام زمان؛ منتصف السبعينات، لكنه مع شريف فهد لا احد من البعثيين؛ 'طلبة الاتحاد الوطني'  يمتلك الجرأة  لان يقف بوجهه، اويستفزه، فقد كان واثقا من نفسه، ما يجعله قويا متمكنا من اداء وإدارة السلوك في الصف، والمدرسة وحتى خارج المدرسة، عندما كان يجلس في الأمسيات في مقهى ابو سعد ومعه سيكارتان يضعهما في جيب سترته، ليدخنهما مع فترة الشاي الذي تميز بتحضيره العم ابو سعد، والذي كان ابنه تلميذا يخجل من تقديم الشاي لأستاذه، فيترك المقهى احيانا منصرفا الى مكان اخر.

 الاستاذ شريف فهد شخصية علمية واجتماعية تستحق ان يتم أرشيفها في سجلات المبدعين والمتميزين وهو واحد من أبناء العراق الذين اسهموا في تخريج دفعات من الطلبة الذين يتبؤون اليوم مكانات مرموقة في المجتمع، وهذا طبعا ليس معناه انه هو لوحده، بل هنالك غيره من المبدعين، لكنه النموذج الذي ينبغي على وزارة التربية تكريمه أسوة بالمستحقين.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم