شهادات ومذكرات

نادي الشّعر في تونس

souf obidفي سنة 1974 اِلتقينا... كنّا شبابا نحبّ الشّعر والأدب والمسرح والسينما والرسم والموسيقى وتعارفنا على صفحات المجلات والجرائد التي كنا ننشر فيها نصوصنا ...تبادلنا ما طالعناه جهرا وسرّا ...حتى شِعر ماوتستونغ وقصائد الهَيْكُو... بالفرنسية طبعا... وقرأنا شعرنا في اجتماعات الإضرابات والتحركات الطلابية وفي كلية الآداب بشارع 9 أفريل بتونس العاصمة وفي دار الثقافة ابن رشيق ودار الثقافة ابن خلدون وفي بعض المقاهي القريبة منهما وقد حضرنا في سنة 1973 بعض جلسات مؤتمر أدباء العرب ومهرجان الشّعر العربي وتعرفنا إلى كثير من الشعراء والأدباء من بينهم الأديب العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي فكان حضور أولئك الأدباء والشعراء العرب بيننا ـ وهم الذين كنا نقرأ لهم ـ قد شحذ لدينا الهمة وزاد من طموحنا في أن يكون جيلنا إضافة نوعية في الأدب التونسي والعربي وحتى العالمي فاتّصلنا بالسيد عبد القادر القليبي مدير دار الثقافة ابن خلدون وعرضنا عليه تكوين نادي الشعر فلبّى اقتراحنا وشجّعنا مشكورا فبدأنا الجلسات الأسبوعية مساء كل يوم جمعة بالطابق الثاني وذلك بتقديم نصوص بعض الشّعراء ومسيرتهم سواء كانوا تونسيين مثل منوّر صمادح والطيّب الشّريف أو من العرب مثل أمل دنقل وأدونيس وكذلك من بقية أنحاء العالم مثل لوركا وسان جان بارس وبابلو نيرودا وكنّا نقرأ قصائدنا أيضا التي ننبري لها بالنّقد

ثمّ اِنتقلنا بالنادي بعد أشهر قليلة إلى دار الثقافة ابن رشيق حيث جلسنا في كهفها على ذلك النسق وقد ضمّ عديد الشعراء والقصّاصين أيضا من ببنهم في هذه المرحلة أتذكر من بينهم خاصة محمد أحمد القابسي - عبد الحميد خريف - خالد النجار - نور الدين عزيزة - عزيّز الوسلاتي - مختار اللغماني - عبد الله مالك القاسمي - عثمان الجلاصي - عزّوز الجملي- محمود الماجري- رمضان الجهيناوي - هشام الدامرجي - نجاة العدواني - وحبد براهم ـ محمد الطاهر الضيفاوي ـ الهادي المرابط ـ وغيرهم

ـ 2 ـ

في سنة 1976 انتقل نادي الشعر إلى دار الثقافة ابن خلدون وقد انضم إلى الشعراء السابقين شعراء آخرون وتكونت هيئة منهم برئاسة الشاعر هشام بوقمرة ومن بين الشعراء الذين كانوا يشاركون في الجلسات إضافة إلى الأعضاء الآخرين أتذكّر منهم خاصة حسين العوري - أحمد الحاذق العرف - أحمد صنديد - علي دب - عبد الرؤوف بوفتح - نورة سندرلا اليحياوي - الحبيب الهمامي - الأزهر النفطي -.محمد العوني - آدم فتحي - فاطمة بن محمود - محمد مومن ـ علي المهذبي ـ حياة الرايس ـ يوسف روزقة ـ حسونة المصباحي ـ حسن بن عثمان ـ المولدي فروج ـ فاطمة الدريدي ـ عبد الحميد مواعدة ـ احميدة الصولي ـ سميرة الكسراوي ـ بلقاسم اليعقوبي ـ وغيرهم

وقد استقطب النادي في هذه الفترة أي ما بين 1976 و 1983 أغلب الشعراء التونسيين ومن خارج العاصمة أيضا كلّما تيسّر لهم ذلك ونظّم النادي الأيام الشعرية الأولى والثانية سنتيْ 1979 و 1980وشارك فيها أكثر من خمسين شاعرا على مدى الأسبوع في كل دورة وقد أدار الأمسيات الناقد أحمد الحاذق العرف وجمعت المناسبتان أنواعا مختلفة من الشعر من جميع الاتجاهات والأجيال تقريبا ولعل الحوار بين الشعراء كان أهمّ مكسب وكان عاملا أساسيا في تطور نصوصهم وتعميق مراجعهم الفكرية والفنية وكان توافد عدد مهم من الشعراء والأدباء والصحفيين الفلسطينيين على تونس بعد ترحيلهم من بيروت سنة 1982 قد زاد من عطاء الشعراء التونسيين فقد انفتح لهم مجال النّشر في المجلات والجرائد التي كانت تصدر في بغداد ودمشق وكذلك في باريس ولندن ناهيك عن مشاركاتهم الكثيفة في الأمسيات الشعرية التي كانت تنتظم في الكليّات والمبيتات الجامعية وفي دُور الثقافة وفي مقرّات اتحاد الشّغل وقد تُوّجت تلك المرحلة بانعقاد الملتقى الأوّل والثاني للشعر التونسي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات سنتي 1982 و 1983 وعندما حل ربيع 1984 شارك أغلب أولئك الشعراء النشيطون في المهرجان الأول للشعراء الشباب ببغداد ثمّ في دورات مهرجان المربد وغيره من المهرجانات والندوات العربية التي برز فيه عدد مهم من النقاد التونسيين المتخرجين من الجامعات التونسية ومن وقتئذ ساير الأدب التونسي حركة الأدب العربيّ حتى أضحى أحد تعبيراتها الهامّة في الشّعر والرّواية والنقد أيضا

ـ 3 ـ

عندما اِنتقل اتحاد الكتاب التونسيين إلى مقرّه في شارع باريس بعدما ظل سنوات طويلة في مكتب صغير بدار الثقافة بباب العسل في طرف العاصمة فتح لنا رئيسُه الأديب محمد العروسي المطوي عديد النوادي من بينها نادي الشّعر فصار هو الملتقى الأكبر لمختلف الشعراء مساء كل يوم جمعة وعلى مدى سنوت 1984إلى 2004 فكان مَحط أغلب شعراء تونس ومن يزورها من الشعراء والأدباء وشهد خاصة ظهور موجة من الشعراء الجدد هم شعراء التسعينات وأذكر من بينهم الذين واكبوا بصفة مستمرّة جلساته مثل ـ محمد الهاشمي بلوزة ـ محمد الهادي الجزيري ـ شمس الدين العوني ـ نور الدين بالطيّب ـ عادل معيزي ـ صلاح الدين الحمادي ـ محمد الهادي الوسلاتي ـ محمد رضا الجلالي ـ وغيرهم

وقد كان هذا النادي ناشطا بصفة مستمرة تقريبا على مدى تولي الأديب محمد العروسي المطوي ثم من بعده الشاعر الميداني بن صالح رئاسة اتحاد الكتاب التونسيين لكن نشاطه تراجع بعد ذلك ولم يحافظ على نسقه وتواصله مما جعلنا نعيد نشاط نادي الشعر سنة 2009 إلى دار الثقافة ابن خلدون فكان من جملة نشاطه تكريم الشاعر نور الدين صمود رمزا للجيل الشعري القديم والشاعرة سليمى السرايري رمزا للجيل الشعري الجديد غير أن جلسات النادي لم تتواصل كثيرا فقد صارت غير مرغوب فيها من طرف إدارة دار الثقافة التابعة بالنظر إلى وزارة الثقافة

ـ 4 ـ

في سنة 1993 فتح بيت الشّعر بابه وسط المدينة العتيقة وكان من مطالب الشّعراء الذين ظلوا سنوات يحلمون بإنجازه ولكنه كان دون طموحاتهم فنشاطه لم يختلف عن بقية دُور الثقافة في البلاد فلا مجلسٌ اِستشاريّ يضمّ التعبيرات الشعرية والنقدية المختلفة ويسهر على برامجه... ولا ميزانية محترمة تحت تصرّفه... ولا ندوات جدّية لتدارس الشّعر ولا حلقات تجمع الهُواة بالقدامى لتطوير المدوّنة الشعرية وتجديدها... إلا اِستقبالات لضيوف من ورائهم المغانم والمكارم أو أمسيات بالمناسبات هي للترضيات يتداول فيها على المنصة الشعراء فما يكاد يُلقي الشاعر منهم أو الشّاعرة القصيدة حتى تسارع خطاهم ليتسلموا الدنانير ثم يغادرون فرحين مسرورين ودون أن يواصلوا الإنصات إلى بقية الشعراء لذلك لم يكن بيت الشعر في مستوى طموحات الشعراء الذين كانوا يأملون في إنشاء مؤسّسة للشّعر في تونس تعتمد على دعائم قوية وإدارة شفافة منبثقة من مختلف التعبيرات الشعرية ولها أهداف واضحة تحقّق الإضافة المنشودة

ـ 5 ـ

في سنة 2012 وبعد أن تغيّرت أوضاع البلاد تأسّس نادي الشّعر أبو القاسم الشّابي بالنادي الثقافي أبو القاسم الشابي بضاحية الوردية وهو النادي العريق الذي بدأ نشاطه منذ السنوات الأولى بعد الاِستقلال ويشتمل على نادي القصة وغيره من النوادي الثقافية المختصّة وقد نشط في هذا النادي الجديد الشّعراء ـمختار بن إسماعيل ـ وهيبة قويّة ـ سهام بن جميع ـ عروسية الرّقيقي ـ عبد المجيد يوسف ـ سهام صفر ـ لطفي السنوسي ـ توفيق بالشّاوش ـ عبد السّلام الأخضر وغيرهم ثم التحق بهم محمد مامي وأبو أمين البجاوي وآخرون عندما اِنتقلت جلسات النادي إلى اِتحاد الكتّاب التونسيين وفي سنة 2013 اِستقر النادي بجمعية اِبن عرفة الثقافية الكائنة بدار الجمعيات بفضاء المدرسة السليمانية قرب جامع الزيتونة وتولّى رئاسته كل من لطفي السنوسي ووهيبة قوية

وبداية من سنة 2016 ينشط الآن في جمعية اِبن عرفة نادي شعر جديد تُشرف على تسييره الشّاعرة سُونيا عبد اللطيف ويحضر جلساته الشّعراء القدامى والجُدد والشّعراء المغاربة والمشارقة أيضا كلّما سمحت لهم الفرصة ليواصل هذا النادي المسيرة بتقديم الشعراء والدّواوين وبتشجيع المواهب وبربط الصلات والتعاون مع النوادي والجمعيات الأخرى اعتمادا على روح المبادرة والتطوع تحدّيا للعوائق الكثيرة وتجاوزا لعوامل الإحباط المتعددة

وبالإضافة إلى النوادي الشعرية المذكورة والتي كنتُ أحد الذين بادروا وساهموا في تأسييها وتسييرها وتقديم عديد الدواوين والدراسات والقصائد فيها شاركتُ أيضا في انشطة المهرجانات الشعرية التي كانت تنتظم خاصة في مدن توزر والمتلوي وبنزرت والمنستير وقليبية وصفاقص وحيّ الزهور بالعاصمة وقد عمل شعراء تلك المدن بدرجة كبيرة على رعايتها والحرص على اِستمرارها مثل نور الدين صمود في قليبية والبشير المشرقي في بنزرت والصّحفي محمد بن رجب في مهرجان حي الزهور بالعاصمة تونس

 

سوف عبيد

 

 

في المثقف اليوم