شهادات ومذكرات

كلمات وداع الى الفنان الراحل عبد المطلب السنيد

akeel alabodهو الموت هكذا ينشر مخالب صمته بين مساحات هذا الزمن الملئ بفوضى التناقضات ودروب أزقته المرعبة.

الوطن تلك المقولة التي تلبست اطياف محبتها بهموم الغربة، تتراجع اليوم رويدا رويدا، تماشياً مع مفردات معادلة تم ترويجها بطريقة ماكرة.

آثارهم ما زالت بصماتها تسكن قلوب الطيبين، تستأنف مرارة اشواقها، املا بعودتها الى مرابع ارضها الطهور.

البداية ستينية بإمتياز، هنالك عند اكتاف نخلة جنوبية، محلتنا القديمة، حزنها كان يفترش مائدة امرأة، مسبحتها ما انفكت تعانق تكبيرات مأذنة لم يمت صوت صاحبها.

والد الراحل، المرحوم الحاج عبود السنيد، ذلك الرجل الذي رحل منذ سنين، كأنما بقي ينتظر عودة أبنه الذي فارقه يوم اختار ان يكون طالبا من طلاب أكاديمية الفنون الجميلة.

العراق آنذاك بقعة من المكان، يجتمع البؤس فيها مع الإبداع، التناقضات تحتويها صفحات أصحابها، موضوعاتهم تفرض نفسها حتى في قواميس الطغاة.

هنالك ربيع تلك الحقول بذورها اريد لها ان تنبت، ليتها اقحوانات حدائقنا تتنفس رائحة السنابل.

عبد المطلب السنيد قبل ان يفارقنا، الفن عنده أنشودة ينبض حنينها مع عناق دجلة والفرات. الناصرية، ابنها البار، أراد ان يجمع حكايات تلك المحبة، يدونها وفقا لتفاصيل تحتاج الى مشاعر نبيلة، شكيب بطل القصة، دوره، كما في ذلك المسلسل- فتاة في العشرين.

المحلة ذلك الحين، خبز وألفة؛ نقاء تجتمع بنود طيبته ووفائه، وفقا لإيعازات شاشة يبثها تلفاز بلا لون.

في ذلك الزمان مع خبر كهذا، تضج الأزقة بدموع البسطاء، البقعة الصغيرة من ارض الجنوب بأكملها كأنها تحتفي، أثوابها ترتدي لغة الحزن.

الفراق كما تعلمنا بعد حين، يشبه قطار تعطلت احدى عرباته لأمر طارئ. اما الإسعاف فإنذار لحركة يتبعها سكون.

الشعراء وأمسيات المعنيين بالثقافة بناء على ذلك، مهرجانات تتهيأ منابرها اليوم، ليس لأداء مراسيم الفاتحة على ارواح الراحلين فحسب، بل لإستعراص سّجلات جميع ذكرياتهم.

عبد المطلب السنيد، كما غيره من المبدعين، لم تزل مفرداته ماثلة بصماتها برسوم تلك الصور. المسرح العراقي، الفن، السينما، تلك الشخصيات مُذ كان طالبا في أكاديمية الفنون الجميلة، تلك اللقطات كان التلفاز يعرضها.  

الإبداع تبعا لتلك التفاصيل، هو الحلم، المنجز الذي يأبى ان يفارق أحبته، ربما اكراما لهم.

عاد الراحل متلهفا الى الوطن قبل سنوات قريبة، اي بعد التغيير، ليرى نفسه امام بناء خرب، لذلك مرة اخرى غادر الى وطنه الثاني- ولاية ديترويت الامريكية، تلك البقعة التي استطاع فيها تحقيق طموحه الدراسي والإبداعي بطريقة اكثر روعة من الماضي، لنيل شهادتي الماجستير، والدكتوراه.

ولكن هنالك فجاة،جميع ما تبقى، قرر العودة مع فقيدنا بصحبة صندوق اصم.

السنيد عبد المطلب، المخرج،، والمثقف، والإنسان، فارقنا كما اقرانه، لكي تبقى الناصرية، اثارها حية تنبض بآثار الطيبين.

لذلك لنافلة الوداع اقول، نم قرير العين يا ابا سيف، نم قرير العين، وانت ببن اخوتك، وجميع اهلك، وذويك، نم قرير العين وانت حي في دموع تتشرف مآقيها ان تحتويك.

 

عقيل العبود - ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم