شهادات ومذكرات

أيامٌ من القلق!! (2)

صادق السامرائيماذا حدث في العالم بعد ذلك...؟

ما أن تواردت الأنباء عن دخول الجيش العراقي للكويت وسيطرته عليها، حت إهتزت الكرة الأرضية من قطبها الشمالي إلى قطبها الجنوبي.

إنهم لا يصدقون..!

ولا يعرفون كيف سيكون الرد...، غير أنها موجة إستنكار عالمية عاصفة خصوصا من قبل الدول الكبرى والأوربية، إنها ردة فعل إعصارية بمستوى ذهولهم، وكأن الخبر هزة أرضية شاملة.

أمريكا، روسيا، فرنسا، بريطانيا، الجميع يتخبطون بتصريحاتهم وكأنهم لا يعرفون ما سيفعلون... فدولة خليجية نفطية تم إبتلاعها ...وكلهم صار ينادي بضرورة الإنسحاب الفوري والغير مشروط وإلا...؟!

ولا يدرون ماذا سيكون بعد إلا...!

أخبار العالم وبكل لغاته تتحدث عن غزو عراقي للكويت التي لم تصمد أمامه لأكثر من ثمان ساعات فقط، وإنتهى كل شيئ!!

إجتياح عراقي...إنتهاك للأعراف والقوانين الدولية...عمل مجنون...إنها الحرب الخليجية الثانية...لا بد من إيقاف هتلر العرب عن مطامعه...إلخ من الأقوال والأوصاف والتحليلات التي شغلت ليل الخميس.

مجلس الأمن إجتمع فورا صباح يوم الخميس وقرر أن ينسحب العراق من الكويت خلال ثمان وأربعين ساعة، وقد تم التصويت بالإجماع على القرار.

تماوجت الأرض...

القادة العرب في صمت الذهول المروع ولم يقولوا شيئا...

ماذا يقولون إن لهم الحق في ذهولهم...فما هي إلا أسابيع على مؤتمر قمة بغداد الذي أسموه مؤتمر الأخوة والتفاعل العربي الصحيح...ولا يزال ميثاق العمل العربي الذي ينادي به العراق منذ عشر سنوات حيا ويريده أن يكون قانونا للعمل العربي الدائم...

فكيف يحدث هذا...؟

كيف...؟

لا أحد يستطيع التفسير ...فلا يوجد ما يبرر هذا الفعل...!!!

ترى هل يستوجب الإدّعاء العراقي فعل الذي حصل؟

فبرغم أن العراق يؤكد على أن الذي يجري في الكويت إنما هو إنقلاب فحسب، إلا أن الدول بأسرها تحسبه غازيا ومحتلا لدولة عضوة في الأمم المتحدة، ومن غير مبررات قوية ومقنعة لأي شخص سياسي في العالم!!

ويبدو أن العراق قد ألقى بنفسه في خضم المجهول المشحون بالخسائر الفادحة، ولا أدري هل أن ما يجري حالة طارئة أم أنه صيرورة متفاقمة إلى حد الدمار الشامل؟!!

لا يمكنني أن أجيب في هذا الوقت العاصف الذي يشوّه الرؤية ويصيب العقل بالحيرة وعدم الدقة في التقدير.

لكن يمكن القول بأن دخول الجيش العراقي إلى الكويت وبهذه السرعة ونجاة الحكومة الكويتية من الفخ يدفع إلى تساؤلات كثيرة...

فهل أن أمير الكويت كان على علمٍ بما سيحصل؟!

أو أن هناك أطرافا دولية كانت على بينة من الأمر وأعلمت الحكومة الكويتية ؟

أم أن هناك شيئ ما...؟!!

أشك في الذي حصل وكأنه سيناريو مدبر وها هي ملامح فصوله أخذت تظهر للعيان...!!

تأزيم مشكلة يمكن حلها بالأسلوب الدبلوماسي والقانوني والحوار والوساطة وغيرها، ودفعها إلى حافة الحرب والصراع والتمزق الذي ستستفيد منه القوى الطامعة بالأرض العربية.

تُرى لماذا تم إختلاق الأزمة وتصعيدها وتسويغ مبررات غزو الكويت من قبل العراق...؟

إن وراء ذلك أغراض شرسة لا بد من وعيها وأن لا نذهب بعيدا في لعبة الإيقاع بالعرب...

هل أن ما يجري فخٌ خطير لأمة العرب...؟

هل أنه بداية النهاية...؟

أم أنه خطة جديدة لإستعمار معاصر، بعد أن أخذ الإتحاد السوفياتي يفقد دوره ووجوده السياسي المؤثر في الواقع العالمي ...؟!!

ما هذا...؟!!

ليس من السهل الجواب على سؤال المفاجأة التأريخية الجديدة التي ستدفع بالعرب إلى صيرورة أخرى...!!

إن الأيام ستحدثنا عما سيكون ... لكني أجزم بأني الآتي وخيم وأليم إن لم نعي حقيقة ما نحن فيه، إن الذي يجري خطأ تأريخي قد حاول الإقدام عليه عبد الكريم قاسم لكن القادة المتمرسين عارضوه بل ومنعوه من الإندفاع الخطير، ولربما نجح في ضم الكويت للعراق آنذاك، وربما كان توقيته التأريخي صحيحا ودقيقا، وما فعله القادة كان خطيئة تأريخية ها نحن ندفع ثمنها باهضا جدا بعد ربع قرن، فهل كان عبدالكريم قاسم في غاية الصواب لكننا وقفنا ضد خطواته ومنعناه من تحقيق إغتنام الفرصة التأريخية التي لن تتكرر أبدا بسبب تغير الأحوال الدولية.

أما اليوم فالتوقيت التأريخي لا يقبل بالذي يجري بل ويعارضه بشدة واضحة وشاملة، لأن الزمن الحالي لا يقر بالإجراء العراقي فهو بعيد تماما عن عقل أي سياسي، إلا العقل الذي دفع إليه من أجل مآربه الخفية ... حتى إذا كان العراق على حق فأن الظروف غير مؤاتية للحصول على الحق...

الكويت دولة صغيرة وبحاجة لدعمنا ومساندتنا، وبما فعلناه أظننا قد خسرناها إلى الأبد وجعلنا منها قاعدة عسكرية لقوات أجنبية في المستقبل ...ولا يمكن لأحد أن يقنعها بأن لا تكون قاعدة عسكرية لقوات أجنبية ...لأنها ستبحث عن حماية وأمن...

ولا يمكن القول بأن العراق قد حسم أمر ضم الكويت إليه بما أقدم عليه، ولا يُعرف كيف إنتهى إلى هذا القرار الوخيم، فتوهم أن الحل بأخذها بالقوة...حتى ولو إفترضنا أن القرار صحيح فيستحيل تطبيقه، فليس كل ما هو صحيح قابل للتطبيق على أرض الواقع...كما أن الحكومة الكويتية بنجاتها فأنها ستعود حتما ... والعقل السياسي الراجح يقر أن على العراق الإنسحاب الفوري وتقديم إعتذار عما حصل، ويجلس على مائدة المفاوضات، ولو أن التفاعل صار مستحيلا بعد اليوم، ولا بد للكويت أن تستعين بالأجنبي للحفاظ على أمنها المستقبلي، وكان على العراق أن يقوم بهذا الدور بدلا من اللجوء إلى سياسة المأزق الخطير، التي تمثل حركة الذراع المنعزل عن العقل المدرك الواعي الحصيف.

إن العالم كله يقر ومن الوهلة الأولى أن العراق لا يمكنه البقاء في الكويت، وعليه أن يعيَ ذلك، وإلا ستحضر القوى العالمية لإخراجه ...فالدول الكبرى قد وعت الحربين العالميتين ولا يمكنها أن تتهاون في مواضيع الإحتلالات، لأنها في عرفها تمثل جذوة لحرب عالمية جديدة...

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم