شهادات ومذكرات

العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات (6)

ضياء نافعنتوقف في هذه الحلقة عند كليّة الاقتصاد. كان فيها مجموعة من الطلبة العراقيين في الدراسات الاولية والعليا، وهم (حسب الابجدية) كل من – اسماعيل خليل (عليا) / خالد الزبيدي (اولية)/ شريف الشيخ (عليا) / عباس الدباغ (عليا)/ عبد الحسين زيني (عليا)/ عبد القادر الجبوري (اولية ثم عليا)/ علوان الحمداني (عليا) / فتاح السامرائي (عليا) / كمال جرجيس انطون (اولية) / محمد علي الماشطة (اولية ثم عليا) / ميسّر قاسم (عليا) / نجيب نجم الدين (عليا) / وجدي شوكت سري (اولية ثم عليا)، واخشى انني نسيت اسماء طلبة آخرين في تلك الكليّة (وكم أتمنى ان يشارك الاخرون في هذه المقالات باضافة معلومات او تصحيح ما اكتبه الان). لقد كانت كليّة الاقتصاد هذه واحدة من الكليّات المرغوبة جدا من قبل الطلبة العراقيين، اذ انها كانت رمزا لدراسة الاقتصاد الاشتراكي في قلب المعسكر الاشتراكي (في ستينيات ذلك القرن) وعاصمته موسكو طبعا.

أقدم طالب عراقي في هذه الكليّة هو المرحوم د. محمد علي الماشطة، الذي وصل الى موسكو العام 1957 ضمن الوفد العراقي للمشاركة في المهرجان العالمي للطلبة والشباب (وهو وفد ارسله الحزب الشيوعي العراقي آنذاك)، وبقي محمد علي الماشطة للدراسة في موسكو بعد المهرجان، وكان من الطبيعي ان يلتحق بكلية الاقتصاد في جامعة موسكو لدراسة اسس الاقتصاد والفكر الاشتراكي، وكان آنذاك الطالب العراقي الوحيد في جامعة موسكو. بعد ثورة 14 تموز 1958 تدفق العراقيون للدراسة في الجامعات الروسية، وهكذا اصبح محمد علي الماشطة نجما ساطعا بالنسبة لنا، اذ كان في الصف الثاني بكليّة الاقتصاد في جامعة موسكو عندما كنّا نحن جميعا (الوجبة الاولى) طلبة في الكلية التحضيرية لدراسة اللغة الروسية في العام الدراسي 1959 / 1960. ارتبط اسم محمد علي الماشطة برابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي (انظر مقالاتنا بعنوان – رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي 1 – 5)، اذ انه كرّس كل وقته وجهده ونشاطاته من اجل تأسيسها واخراجها الى حيّز الوجود كما يقولون ، وكان رئيس اللجنة التحضيرية لها واول رئيس للرابطة، حيث انتخبناه بالاجماع لهذا الموقع في المؤتمر الاول للرابطة الذي انعقد في جامعة موسكو، وكنّا نسميه آنذاك (واضع اسس الرابطة)، وقد اصبح اسمه رمزا للرابطة لدرجة، ان جواد البدري (طالب الدراسات العليا في كلية البايولوجي بجامعة موسكو آنذاك) كتب قصيدة (وكان عندها زعلانا على الرابطة ولا يريد المساهمة في احدى اجتماعاتها) تبدأ هكذا – (ايها الذاهب الى الرابطه... سلملّي على الماشطه)، وهي قصيدة طريفة مثل كل قصائده المرحة الاخرى. كان محمد علي الماشطة انسانا مرحا وبسيطا ومتواضعا و اجتماعيا، رغم انه ابن الشيخ عبد الكريم الماشطة – عضو مجلس السلم العالمي والشخصية العراقية الشهيرة، ورغم انه كان الطالب الابرز والاشهر بين الطلبة العراقيين بالنسبة للجانب الروسي سواء في اوساط جامعة موسكو او خارجها، وأذكر اني التقيت مرة أحد كبار الروس المسؤولين عن الاجانب في جامعة موسكو اثناء ايفاد لي في نهاية الثمانينات، فحدثني عن احترام الادارة الروسية آنذاك لمحمد علي الماشطة، وكانوا يسمونه (كريم)، وذكر لي هذا المسؤول، انه خاض مرة نقاشا حادا مع الطلبة الشيوعيين الصينيين حول الخلاف بين الحزب الشيوعي السوفيتي والحزب الشيوعي الصيني (وهو خلاف كبير ومشهور جدا حدث في الستينيات بين الحزبين الشيوعيين الاكبر في العالم الاشتراكي)، وان الجانب الصيني كاد ان يتغلب عليه لولا (كريم)، الذي تدخل في ذلك النقاش وكان مع الحزب الشيوعي السوفيتي بقوة وثبات ضد الحزب الشيوعي الصيني، وانه (اي هذا المسؤول الروسي) استطاع بمساعدة محمد علي الماشطة ان يدحض مواقف الشيوعيين الصينيين في ذلك النقاش الحاد آنذاك.

انهى محمد علي الماشطة كلية الاقتصاد، واستمر رأسا بدراسة الدكتوراه، وحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، وسافر الى الجزائر للعمل هناك، ثم عاد الى العراق، وعمل على ما اتذكر في شركة النفط الوطنية، وتوفي في بغداد. لم يبرز د. محمد علي الماشطة علميا في مجال اختصاصه، ولم يترك لنا مصادر او كتبا مؤلّفة او مترجمة له عن الروسية في علم الاقتصاد، رغم اني أتذكر دراسة نشرها في مجلة الثقافة الجديدة، (وهي مجلة مرموقة في مسيرة الثقافة العراقية و يصدرها الحزب الشيوعي العراقي منذ اواسط الخمسينيات والى حد الان)، دراسة حول اقتصاد النفط العراقي، وهو موضوع اطروحة المرحوم د. محمد علي الماشطة في كليّة الاقتصاد بجامعة موسكو عندما كان طالب دراسات عليا هناك في الستينيات. واختتم هذه السطور عن المرحوم محمد علي الماشطة بالقول، انه كان شخصية متميّزة بين طلبتنا في الاتحاد السوفيتي، شخصية تستحق منّا جميعا – نحن خريجي الجامعات الروسية في تلك الفترة – ان نكتب ونسجّل ذكرياتنا وانطباعاتنا عنه.

 الكتابة عن العراقيين الآخرين في كليّة الاقتصاد بجامعة موسكو في تلك الفترة ومصائرهم هو موضوع الحلقة القادمة .....

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم