شهادات ومذكرات

سالينجر: إن الكتب تتحدث عن نفسهاِ

سيفاجئ القارئ العربي لاعمال الروائي الامريكي الشهير ج. د. سالينجر خلو الطبعات الجديدة الصادرة عن دار المدى من أية صورة او تعريف بالكاتب والكتاب، فقد تعودنا  أن نقرأ خلاصة توضع في الغلاف الخلفي، وعندما سألتُ دار المدى كان جوابهم  ان هذه تعليمات دار النشر البريطانية " هاميش هاميلتون"  التي تملك حقوق اعمال سالينجر، وكالعادة دفعني الفضول للبحث عن هذا القرار الغريب، فوجدت الجواب في تقرير نشرته صحيفة الغارديان يقول أن سالينجر كان لديه بند في عقده يحدد ما يمكن أن تحتويه أغلفة هذه الكتب. حيث اصر على  ظهور عنوان الكتاب واسمه فقط في أي إصدارات مستقبلية من اعماله، وعدم ظهور أي صور على الإطلاق،"، فقد اراد سالينجر أن يؤكد:" إن الكتب تتحدث عن نفسها. إن بساطة الأغلفة تترك للقارئ حرية تخيل الشخصيات " ويقول مدير النشر في هاميش هاميلتون ان : "هناك قواعد صارمة بشأن أغلفة جي دي سالينجر. النسخة الوحيدة المسموح، هي اسم المؤلف والعنوان. لا شيء آخر على الإطلاق: " لا توجد علامات اقتباس، ولا دعاية مغالى فيها للغلاف، لا توجد سيرة ذاتية " .

عندما صدرت الطبعة الاولى من رواية " الحارس في حقل الشوفان او الجودار " عام 1951 كان الغلاف من تصميم صديقه الرسام مايكل ميتشل، كان الغلاف يستحضر مشهدا في الجزء الاخير من الرواية "  الحصان ذي اللون البرتقالي المحمر " وقد وضع الناشر صورة في ظهر الغلاف للمؤلف ونبذة عنه، مع صدور الطبعة الثالثة من الرواية طلب سالينجر من الناشر إزالة صورته من الكتب. في الطبعة التي صدرت  عام 1953  كان الغلاف يتضمن صورة  توضيحية لبطل الرواية " هولدن ". لم يكن سالينجر سعيدًا بذلك، ولم يرغب في تصوير شخصية بطل الرواية .

صباح يوم السابع والعشرين من يناير عام 2010، لم يصدق قرّاء الصحف الأمريكية الخبر الذي أعلن عن وفاة الكاتب الشهير جيروم دافيد سالينجر، صاحب الرواية الشهيرة (الحارس في حقل الشوفاناو الجودار " - ترجمها إلى العربية لأول مرة سليمان العيسى وناديا الياس في مسوّدة لم تظهر مطبوعة في سوريا لأسباب رقابية، وكان ذلك في منتصف ستينيات القرن المنصرم وتحت عنوان (حارس الشيلم). ثم ظهرت مطبوعة عام 1981 بترجمة الروائي الأردني الراحل غالب هلسا بالعنوان المعروف حالياً -، فالجميع كان يعتقد أن سالينجر قد مات منذ عقود، حيث أن أخباره انقطعت، ولم ينشر شيئاً منذ سنوات طويلة، ولم يكن أحد ليصدق أن الكاتب الشهير أصر على أن يعيش في عزلة لأكثر من خمسين سنة، في واحدة من غابات شمال أمريكا. كان قد بلغ الحادية والتسعين من العمر، يتمتع بصحة جيدة برغم معاناته من كسر تعرّض له في الفخذ الأيمن، واصل هوايته اليومية السير لمسافات طويلة داخل الغابات، عندما انتشر خبر الوفاة تذكرت الصحافة هذا الكاتب، الوسيم والخجول والذي كان يتهرب من الصحافة، فيما أعادت الصحيفة نشر صورته بالملابس العسكرية وهو يحمل أمتعته على ظهره، والتي كان من بينها آلته الكاتبة مع غلاف روايته الشهيرة (الحارس في حقل الشوفان)، الرواية التي صدرت عام 1951 وأحدثت ضجة في الأوساط الأدبية، وأصبحت كتاب الشهر في أمريكا لعدة أعوام، ودفعت الشباب للتظاهر في شوارع نيويورك وهم يرددون بصوت عال: " كلنا هولدن كولفيلد" الذي هو بطل الرواية، ومنذ صدورها وحتى وفاته ظلت دور النشر تطبع ما يقارب الربع مليون نسخة سنوياً من رواية (الحارس في حقل الشوفان) حتى وصل عدد النسخ التي بيعت منها إلى أكثر من 15 مليون نسخة. وبعد تسع سنوات وفي التاسع من أبريل عام 1960، توجّه عدد من أولياء أمور الطلبة وهم يصرخون طالبين نقل مُدرِّسة الأدب لأنها قررت أن تدرّس للطلاب هذه الرواية، ناعتين الرواية ومؤلفها والمعلمة بأنها تحرض الطلبة على التمرد، ولم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة، فقد وقعت حوادث مماثلة في كليات ومدارس أمريكية أُخرى.

وعلى مدى نصف قرن ظل سالنجر يعيش بعيداً عن ضوضاء الشهرة، في منزل ريفي، في الوقت الذي كانت فيه روايته (الحارس في حقل الشوفان) تغزو المكتبات والجامعات محدثة ثورة في عالم الرواية الجديدة، وخالقة أجيالاً من القراء الذين وجدوا في بطل الرواية (هولدن كولفيلد)، المراهق الشاب، مثالاً إنسانياً ينتصر للشخص الفرد في عالم الجماعة والأفكار المفروضة والأجوبة الجاهزة. قال سالنجر مرة في حوار صحافي قصير ونادر عام 1974: " صحيح أنني في هذا العالم، لكنني لست جزءاً منه" .

ولد جيروم ديفيد سالينجر في الأول من يناير عام 1919 في نيويورك من أب بولندي وأم اسكتلندية شديدة التدين، عمل والده في تجارة الأجبان، كانت العائلة تتمتع برخاء مالي مما سمح لها بان تستأجر شقة كبيرة في حي مانهاتن، عاش طفولة سعيدة، كانت أمه توليه اهتماماً كبيراً، ولهذا كان شديد التعلق بها «لقد عشت عبر والدتي». وهو الأمر الذي يفسر إهداء رواية الحارس في حقل الشوفان " إلى أمّي" .

في المدرسة الابتدائية أظهر سالينجر براعة في تمثيل الأدوار الكوميدية، واكتشفت الأم أن صغيرها له ميل للفن الدرامي، وفي المتوسطة تُوج بلقب الممثل الأكثر أبداعاً، لكنه لم يكن طالباً مجتهداً، وقد حصل على نتائج هزيلة، وقد كان والده يردّد متذمراً أن شيطان المسرح قد سيطر على ابنه، بعد سنتين من المدرسة الإعدادية جاءت النتائج مخيبة، فاضطر والده إلى نقله إلى مدرسة خاصة، بعدها يقرر الأب أن يسجل ابنه في الأكاديمية العسكرية، فهي وحدها التي يمكن لها أن تساعد على تنشئة شاب مثل سالنجر، ويحتفظ الأرشيف الخاص بسالينجر بصورة له يبدو فيها حليق الراس، يرتدي بدلة زرقاء، وهي صورة أقرب لصورة السجين مما هي إلى صورة الطالب، وبما أن الأجواء في المدرسة العسكرية لم تكن تسمح بممارسة التمثيل، فقد كان سالنجر يحاول التغلب على روتين المدرسة بأن يقضي وقته بالقراءة، وفي تلك الفترة يعمل محرراً أدبياً في المجلة التي تصدرها المدرسة العسكرية، حيث ينشر بعض الأشعار، وفي أحد الأعداد ينشر قصيدة بعنوان (لا تُخف دموعك) يتحدث فيها عن اليوم الأخير في المدرسة.

في العام 1936 يتخرج من المدرسة، ونجده يرفض التعيين في وظيفة عسكرية، ويحاول الأب إقناع ابنه للعمل معه في التجارة، فهي الوسيلة الأضمن التي ستكفل له مستقبلاً جيداً، أما سالنجر فكان يجد نفسه في مكان آخر، مع عالم الكتب حيث يقرر الدخول إلى الجامعة، فهو يتمنى أن يصبح كاتباً مرموقاً.. فالمسرح لا يزال يستهويه، ومكانه الحقيقي هناك، ولهذا يبدأ جولة على المسارح للحصول على عمل، لكن الأبواب كنت موصدة في وجهه آنذاك.

العام 1938 جيروم في التاسعة عشرة من عمره، شاب طويل القامة، نحيل، ذو عينين سوداوين، نادراً ما يبتسم، أرسله والده إلى كلية أورسينوس، وهي تقع في مكان ريفي، سجل في دروس الأدب الإنكليزي، وفي السنة الثانية عكف على دراسة اللغة الفرنسية، في ذلك الوقت تملكه إصرار لا يتزعزع على الكتابة، وسينشر في مجلة الكلية أولى مقالاته وكانت عبارة عن رسالة إلى والدته يسخر فيها من وضعه الخاص، ومن علاقاته بعائلته وفي الرسالة يكتب إلى والدته: " والدتي العزيزة، لقد فشلتما أنت وزوجك، في تربيتي»" .. بعدها يكتب مقالاً انطباعيا عن أرنست هيمنغواي: "لقد كان لدينا انطباع أنه منذ ستشرق الشمس أيضاً ووداعاً للسلاح، من أن أرنست لم يعمل بما فيه الكفاية»"، في المقابل نجده مغرماً بسكوت فيتزجيرالد صاحب الرواية الشهيرة غاتسبي العظيم . يكتب في إحدى رسائله: " يا الهي كم أحب هذا الرجل"، إلا أن الكاتب الذي يستولي على اهتمامه في تلك السنوات لم يكن واحداً من الروائيين الأمريكان أو الإنكليز، وإنّما كان الكاتب المسرحي الفرنسي جان جيرودو. العام 1940 ينشر أول قصة له بعنوان (مجموعة شبان)، وفي هذه السنة يرتبط بعلاقة عاطفية مع ابنة الكاتب الأمريكي الشهير أوجين أونيل، والتي ستصبح في ما بعد رابع زوجات شارلي شابلن، وقد بدأت قصة الحب عام 1941 عندما شاهدها في منزل أحد الأصدقاء حيث وصفها بالفاتنة، إلا أن شارلي شابلن هام بها أيضاً ويعترف في مذكراته – نشرتها المدى بعنوان سالينجر في حياته الحميمة ترجمة زياد خاشوف - أن قلبه اضطرب فرحاً عندما شاهدها للمرة الأولى، كانت أونا أونيل قد بلغت الثامنة عشرة من عمرها وسترتبط بشابلن في السادس من يونيو عام 1934، وعندما شاهد سالينجر صورة منشورة في أحد الصحف لشابلن وهو يضع خاتم الزواج في إصبع أونيل، كتب على الصورة كلمة " يا للعار" . ولم يجد من ملجأ لمحنته العاطفية سوى القراءة، أعاد قراءة (آنا كارنينا) لتولستوي التي كان يعتبرها " أجمل رواية كُتبت على الإطلاق"، وتعلق برواية ستندال (الأحمر والأسود)، كان يعتبر تولستوي أكثر قدرة من دوستويفسكي على سبر بواطن طباع الشخصيات.

 خدم جيروم سالينجر في فرقة للمشاة وشارك في الحرب العالمية الثانية، لكن يبدو أن تجربة الحرب لم تترك تأثيراً كبيراً عليه، حيث كان يعتقد أن حياة السلم لا تقل أهمية وخطورة عن حياة الحرب، لأنّ مصير الإنسان يتقرر بطريقة حتمية بصرف النظر عن السلم أو الحرب.

عام 1946 يعود إلى نيويورك، بعد أن انهى خدمته العسكرية، كان خلالها قد تزوج من طبيبة أوربية، لم يستمر الزواج طويلاً، استمر في كتابة وتنقيح روايته (الحارس في حقل الشوفان/ الجودار )، وبعد الانتهاء منها لم يجد ناشراً لها، وكان أصحاب دولار النشر يسخرون منه ويصفونه بالجنون، فمن يقرأ رواية عن تصرفات فتى مراهق أمضى عشر سنوات في كتابة الرواية، اختار لها عنوان من جملة يقولها بطل الرواية من أنه مستعد لأن يصبح حارساً لحقل من أجل حراسة الأطفال من أي أذى، في النهاية وجد ناشراً جازف بطبع خمسمئة نسخة، لكنها باعت بعد ثلاثة أعوام خمسة ملايين نسخة، ودخلت المناهج الدراسية في أمريكا.

عام 1955 تزوج من فتاة إنكليزية وانتقل معها إلى بيت ريفي، وكانت حجته للانتقال شكواه من الجيران والضيوف. يكتب: " إن أعدى أعداء الكاتب، هم زملاؤه وضيوفه" . يواصل كتابة القصص القصرة التي تنشرها كبريات الصحف، وخلال الخمسين عاماً الأخيرة من حياته رفض مواجهة الجمهور وكان نادراً ما يدلي باحاديث للصحافة: «كل ما عندي، أودعه قصصي وكتاباتي، ولذلك لا أرى فائدة من الحديث الشخصي عنه"، نشر مجموعة قصصية بعنوان (المصيدة) عام 1952 وتسع قصص عام 1953 ومجموعة أخرى عام 1961.. كان مُقلّاً في النشر ويعتقد أن عدم النشر يعني سلاماً روحياً، فهو يحب أن يكتب لنفسه وان يتمتع وحده بما يكتب، يقول في حوار أجري معه قبل وفاته بأشهر: " ألم يكن ستندال يترفع على النشر، وكان يخبئ أوراق الأحمر والأسود عن عيون معارفه، إنها حياته الثانية وأسراره الشخصية التي يجب أن لا يعرفها أحد" ».

 في سنواته الأخيرة اهتم سالينجر بالفلسفة الهندية والصينية، وحين ابتعد عن العالم، كانت كتب البوذية تحيطه من كل جانب، وقد اعتبر الكتابة عملاً روحياً وليس فكرياً، وبدأ يشمئز من الكتابات النقدية التي تناولت روايته وقصصه من الجانب الفكري فقط، وأهملت الجانب الروحي.

كان سالينجر يفكر في موضوعة (الحارس في حقل الشوفان) بعد أن نشر عام 1934 قصة قصيرة للفتيان كان بطلها اسمه (هولدن كولفيلد)، وظل يؤجل العمل حتى التحق بالجيش، كتب في إحدى رسائله إلى والدته " منشغل الآن برواية لن تكون مجرد عمل هواة" . أثناء تنقلاته العسكرية كان يحمل في حقيبته العسكرية فصولاً من الرواية، وفي مرات عديدة يطلب مراراً من سائق الشاحنة التوقف ليجلس إلى جانب الطريق ويكتب الفصول المتبقية. في باريس يلتقي بأرنست هيمنغواي الذي كان قد قرأ له بعض القصص القصيرة، وقرر أن يجري معه حوارا، قال للمراسل الحربي هيمنغواي إنه مشغول بكتابة رواية ربما تغير حياته وإنه أمضى سنوات في التخطيط لها وإن بطلها صبي مثل الديناميت، وخلال كتابته للرواية كان يقول مثلما قال فلوبير مدام بوفاري هي: " إن هولدن كولفيلد هو أنا" .

تناول في رواية (الحارس في حقل الشوفان) بضعة أيام من حياة بطلها هولدن كولفيلد البالغ من العمر ستة عشر عاماً. وتبدأ القصة عند طرد هولدن من المدرسة نهاية عام 1940 وذلك لرسوبه في الامتحانات، ومنذ البداية يسلط سالنجر الضوء على التشتت الفكري والعاطفي الذي يعيشه هولدن والصراع الداخلي الذي يهيمن على سلوكه.

كان اهتمام هولدن ينحصر في نقد سلوك زملائه والسخرية منهم، لكنه سرعان ما يمارس تلك السلوكيات بنفسه، وعلى مدار الرواية نجده يكرر على الدوام كلمات مثل النفاق والزيف والازدواجية في السلوك. يقرر هولدن مغادرة المدرسة قبل موعد العطلة بيومين بسبب خلافه الحاد مع زميل له بسبب خيبة الأخير من الموضوع الذي كلّفه بكتابته نيابة عنه.

شعر الزميل بالغضب بسبب ما كتبه هولدن عن مأساة أخيه الذي مات بسبب مرض السرطان وهو موضوع بعيد عمّا طلبه منه. على إثرها يقرر هولدن التوجه إلى نيويورك لقضاء بضعة أيام بمفرده قبل موعد عودته إلى أسرته. يتجول في المدينة ويشرب يومياً حتى الثمالة، ويلتقي بأنواع مختلفة من البشر، إلا أنه لا يرى فيهم جميعاً سوى صورة للنفاق.

يزور بلدته ونجده يشرح لأخته الصغيرة بأن دوره الجديد في الحياة يتمثل في إنقاذ الأطفال من الوقوع في الهاوية لدى جريهما في حقول الشوفان من دون أن يدركوا وصولهم لحافة الهاوية. ويتجلى المغزى من هذا الوصف إلى جانب بعض التعليقات والمواقف الأخرى بأن هولدن متمسك ببراءة الطفولة ويرفض عالم البالغين الزائف.

يذهب بعد اللقاء إلى منزل أستاذه السابق الذي ينجح في إقناعه بأن أفكاره قيّمة ومهمة إلا أنها بحاجة للعلم ليتمكن من التعبير عنها.

 نكتشف في النهاية أن سالينجر يقدم لنا عدة إشارات تدل على أن هولدن يروي أحداث الرواية من مصحة للأمراض العقلية في كاليفورنيا، ويشرح في النهاية بأنه سيذهب إلى مدرسة أخرى وهو غير متأكد من قدرته على الالتزام مجدداً، وتنتهي الرواية بقول هولدن، «لا تقل أي شيء لأي كان. فإن فعلت، فستكون النتيجة افتقادك لهؤلاء الذين تحدثت معهم" . يشكو بطل الرواية من غياب الصدق والبراءة، وهو ينكر موت شقيقه الأكبر ونراه يعطف على شقيقته والمقربين منه.

ظهرت الرواية في السادس من تموز عام 1951 في سلسلة روايات الجيب، وقد وضع الناشر على الغلاف صورة لشاب يلبس قبعة ويحمل بيده حقيبة، وكتب على الغلاف: " يمكن لهذا الكتاب غير الاعتيادي أن يصدمك، سوف يضحكك، ويمكن أن يحطم قلبك، إلا أنك لن تنساه أبداً" .

استوحى سالينجر عنوان روايته من قصيدة للشاعر روبرت برنز المتوفي عام 1796، قال فيها: "إذا التقى جسم جسماً، يعبر حقل الشوفان" . يقول بطل الرواية لشقيقته الصغيرة ابنة العاشرة إنه يتصور آلاف الأطفال يلعبون وحدهم في حقل كبير من الجودار، ويرى نفسه الكبير الوحيد بينهم، يقف قرب حافة وينقذ كل طفل يقترب منها، " هذا كل ما أفعله طوال النهار. أعمل حارساً في الجودار وكل ذلك. أعرف أن ذلك جنون، ولكن هذا الشيء الوحيد الذي أريد حقاً أن أكونه. أعرف أن ذلك جنون" .

أثّرت كتابات سالينجر على العديد من الكتاب البارزين، يكتب الناقد مايلز دونالد، أن سالينجر: " صاحب العمل الأكثر نفوذاً في النثر الإنكليزي بعد هيمنغواي"، فيما يكتب الروائي الحائز على جائزة بوليتزر، جون أبدايك، أن «"القصص القصيرة لسالينجر فتحت عيني حقاً، كيف يمكن نسج الخيال من مجموعة من الأحداث التي تبدو غير مرتبطة تقريباً، إنها دفعتني خطوة إلى الأمام"، فيما اعتبر الروائي الشهير فيليب روث أن صوت سالينجر ظلّ يتردد صداه في معظم أعماله

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم