شهادات ومذكرات

محمد حسنى مبارك.. محاسنه ومساوئه ! (1)

محمود محمد عليتوفى في صباح يوم الثلاثاء الماضي الموافق 25/2/2020، الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بعد معاناته لسنوات من المرض، وبمجرد الإعلان عن وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، فقد اشتعل الجدل علي مواقع التواصل الاجتماعي حول إرثه وحياته وحكمه لمصر .

الخبر نزل في العواجل ومواقع التواصل الاجتماعي، ثم جاء التأكيد بنحو ساعتين من وفاته من نجله علاء مبارك من خلال تغريدة يقول فيها :" إنا لله وإنا إليه راجعون، انتقل إلي رحمة الله صباح اليوم والدي الرئيس مبارك اللهم أعف عنه، واغفر له، وارحمه ".

وفور ذلك جاء تأكيد آخر من رئاسة الجمهورية المصرية وهذا ما قاله المتحدث باسمها :" تنعي رئاسة الجمهورية ببالغ الحزن رئيس الجمهورية الأسبق محمد حسني مبارك، لما قدمه لوطنه كأحد قادة وابطال حرب أكتوبر، التي أعادت الكرامة والعزة للأمة العربية، وتتقدم رئاسة الجمهورية بخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد الذي وافته المنية صباح الثلاثاء ".

ونعت القيادة العامة للقوات المسلحة ابن من أبنائها وقائداً من قادة حرب أكتوبر المجيدة الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية محمد حسنى مبارك والذى وافته المنية صباح اليوم وتتقدم لأسرته ولضباط القوات المسلحة ولجنودها بخالص العزاء وندعو المولى سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته .

ونكس مجلس الوزراء، العلم  حداد على وفاة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فى ضوء قرار رئاسة الجمهورية بإعلان حالة الحداد العام في جميع أنحاء الجمهورية لمدة ثلاثة أيام، حدادًا علي وفاة الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية "محمد حسني مبارك" وذلك اعتبارًا من غد الأربعاء الموافق 26 فبراير 2020

وقد شيعت جنازته ظهر اليوم الأربعاء، جنازة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وقيادات الدولة المصرية ووفود من عدة دول،  وبدأت مراسم الجنازة بعد صلاة الظهر بمسجد المشير، شرقي القاهرة، ثم توجه المشيعون بجثمان مبارك لحضور مراسم التأبين العسكرية، التي حضرها السيسي، وكبار المسؤولين في الدولة، ومسؤولون سابقون، قبل أن يُحمل النعش إلى مقابر الأسرة بمصر الجديدة.

وكانت رئاسة الجمهورية، قد أعلنت حالة الحداد العام في جميع أنحاء الجمهورية لمدة ثلاثة أيام، حدادًا علي وفاة الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية "محمد حسني مبارك" وذلك اعتبارًا من اليوم الأربعاء الموافق 26 فبراير 2020.

كان أول ظهور لمبارك منذ ثلاثة أسابيع عندما نشر حفيدة عمر علاء مبارك صورة له من المستشفى علي مواقع التواصل الاجتماعي وبدا فيها متعبا بعد عملية جراحية .

فى هذه اللحظات لا يجوز للعقلاء والأسوياء والبنى آدميين، إلا أن يترحموا على الرئيس الراحل مثلما ترحموا على كل الرؤساء الذين حكموا مصر، ورحلوا لرحمة الله، سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم من أول محمد نجيب ثم جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات ومحمد مرسى، وأخيرا مبارك، طبيعى أن من حق كل إنسان أن يتفق أو يختلف مع حسنى مبارك ومع غيره، لكن فى مثل هذه اللحظات، ينبغى أن تكون هناك مراعاة لحرمة الموت والموتى، وأن يكون ذلك بأدب واحترام وموضوعية (وذلك حسب قول عماد الدين حسين .. مبارك.. ما له وما عليه) .

وبهذه المناسبة، نقدم للقارئ الكريم نبذة عن حياته؛ حيث  ولد الرئيس الراحل محمد حسنى السيد مبارك في الرابع من مايو 1928 في قرية كفر المصيلحة التابعة لمحافظة المنوفية، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية، وفى عام 1950 نال بكالوريوس الطيران، وتلقى الدراسات العليا بأكاديمية "فرونز" العسكرية بالاتحاد السوفيتي عام 1964، حتى أصبح في عام 1967 مديرا للكلية الجوية، وفى عام 1972 تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك قيادة القوات الجوية، وكان قائدا لسلاح الطيران خلال حرب أكتوبر المجيدة، حتى اختاره الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1972 نائبا لرئيس الجمهورية.

وكان محمد حسني مبارك رمز للاستقرار والاعتدال بالنسبة لمعجبيه، ورمز للدكتاتورية بالنسبة لنقاده، مع تدريبه كطيار محارب في الاتحاد السوفيتي، ترقي حسني مبارك بشكل تدريجي، إذ قاد القوات الجوية المصرية قبيل حرب 1973، عندما أطلقت مصر وسوريا هجوما مفاجئا علي إسرائيل، بعد عامين قام الرئيس أنور السادات بتعيين مبارك كنائب الرئيس، و6 أعوام بعد ذلك في 1981 أصبح رئيسا بعد مقتل السادات علي يد ميلشيات إسلامية،  مبارك مع السادات في ذلك اليوم الدراماتيكي وتمكن من النجاة بصعوبة من رصاصات القاتل، مع خوض الرئيس مبارك حرب طويلة ودموية ضد ميلشيات إسلامية ساعية لإسقاط نظامه .. تصاعد الصراع في 1997 عندما نفذت الميلشيات مذبحة ضد أكثر من 60 شخصا معظمهم سياح أوربيون ويابانيون، ... في أعقاب الهجوم، سحقت قوات الأمن المصرية الميلشيات .. بينما اتهمت جماعات حقوق الإنسان نظام مبارك بالتعذيب علي نطاق واسع . ..

ومحمد حسنى السيد مبارك، الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية، تولى الرئاسة عقب اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات على يد تكفيريين فى بداية العقد قبل الأخير من القرن الماضى. فقد استهل مبارك حكمه بالإفراج عن معتقلى سبتمبر، وكان من بينهم ساسة كبار وحزبيون مشاهير، مثل الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، والقطب الوفدى فؤاد سراج الدين، وعدد كبير من اليساريين والناصريين والإسلاميين، فى خطوة اعتبرها البعض بداية جيدة لتدشين نظام سياسى يقبل التعددية السياسية وتداول السلطة والديمقراطية، وأعقب ذلك خطاب شهير قال فيه "الكفن مالوش جيوب"، وشكل أول حكومة برئاسة فؤاد محيى الدين، ومنح الصحافة هامشا من الحرية المنقوصة، أو ما يسميه البعض "حرية الصراخ".

اتسمت السياسة الخارجية لمبارك بشكل عام بكونها سلمية، وظل حليفا قويا للولايات المتحدة، ما جعله وسيطا كبيرا في عملية السلام العربية – الاسرائيلية، وكان مبارك مهندسا لعودة مصر الى الصف العربي في ثمانينيات القرن المنصرم بعد نحو عقد من العزلة بسبب توقيعها على اتفاقية السلام عام1979 مع اسرائيل عن طريق بناء علاقات مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يتمتع بنفوذ قوي في ذلك الوقت.

وتحت حكم مبارك دعمت مصر صدام حسين في الحرب بين العراق وايران.لكن في عام 1990 انحاز مبارك الى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لمعارضة الغزو العراقي على الكويت، وتحت حكمه ايضا اصبح منتجع شرم الشيخ المصري ساحة لمفاوضات السلام الدولية.

وفي عام 1999 وافق مبارك على ضخ الغاز الطبيعي المصري الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية، فيما وصفه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك بـ "خط انابيب السلام" .

بيد أن المشاعر تُجاهه مُختلفة ومُتضاربة، فالأغلبيّة العُظمى ترى فيه بأنّه حقّق الاستقرار والأمن، وأعاد العلاقات مع جميع الدول العربيّة التي انقطعت بعد اتّفاقات كامب ديفيد، ولكن ما قيمة هذا الاستقرار إذا جاء بالقبضة الحديديّة وغِياب الإصلاحات الديمقراطيّة ورفع سقف الحريّات، والتّوزيع العادل للثّروة، وتعزيز القضاء المُستقل والعدالة الاجتماعيّة واجتِثاث الفساد من جُذوره .

علاوة علي وقفات من فصول تاريخ لا ينسى لحسني مبارك، وأوراق مبعثرة تكتب فترة لا يمكن إسقاطها من ذاكرة مصر الحديثة، أكثرها سطوعا المشهد الختامي، فمهما كان الخلاف على العقود الثلاثة التي قضاها مبارك في السلطة فلا يسع أحد أن ينكر حجم المفاجأة في سقوط إمبراطورتيه خلال 18 يوما من غضبة الشعب... تلك الفصول من حياة مبارك كتبها الشعب وكانت أكثرها تدوينا، وسواها فصول كان لابد فيها من شهادته بنفسه، أما الأولى فسنواته الست التي قضاها إلى جوار السادات نائباً، ففيها رأي بالضرورة ما لم يتمكن آخرون من رؤيته، وفيها عرف ما لم يعرفه سواه، وفيها جرى إعداده ليكون رئيساً، وفيها كان الرجل الثانى فى الدولة دون منافس، وما خفي كان أعظم... أما الثانية فالسبع الأخيرة من الثلاثين عاماً التي قضاها في القصر، ففى عام 2004 صارح وزير خارجيته أحمد أبوالغيط بأنه يشعر من فوق كرسى الحكم بأن الأمريكان يخططون للإطاحة به، رواها أبوالغيط بالتفصيل في مذكراته، وأنه احتفظ بما سمعه لنفسه، ولم يصرح به لإنسان، على مدى سبع سنوات كاملة، هى الفترة بين همس مبارك بما أحس به من جانب الأمريكان لوزير الخارجية، وبين تخليه عن السلطة فى 11 فبراير 2011 (وذلك حسب قول طلال رسلان في مقاله رحل حسني مبارك.. بما له وما عليه).

لقد شاءت الأقدار لهذا الرجل أن يتحمل مسئولية البلاد كاملةً وأن يكون رئيسًا لها بعد اغتيال الرئيس الشهيد محمد أنور السادات في العرض العسكري في أثناء الاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة 1982 وكعادتنا نحن المصريين دائمًا ما نتفاءل بالرجل الثاني وننظر له نظرةً مختلفة على أنه الأنسب لهذا المنصب الرفيع والأقدر على تمثيل دولة كبرى بحجم جمهورية مصر العربية وللحق أن مبارك كان فعلًا على قدر المسئولية ووصل إلى شعبية جارفة بالشارع المصري وذلك حسب قول عبدالعال محمد البهنسي في مقال له بعنوان الرئيس مبارك.. ما له وما عليه ! ... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم