شهادات ومذكرات

عبد السلام فاروق: "القاهرة" وجامعات الجيل الرابع

لشد ما أسعدنى تكريم رئيس جامعة القاهرة لى أثناء المؤتمر الصحفى الذى أقامته الجامعة بقاعة الاحتفالات الكبري معلناً إطلاق مشروعين طموحين .. أولهما: يتضمن تحديث شامل لمستشفى الفرنساوى وفق أحدث المعايير الدولية، وثانيهما: مشروع تطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية..

التطوير المزمع إحداثه يأتى فى إطار التركيز على مفاهيم جامعات الجيل الرابع، ولتأكيد أحقية الجامعة على أن تظل ضمن أفضل مائة جامعة على مستوى العالم..

أعرق جامعة وأحدث تطوير

منذ نحو 115 سنة مضت تأسست جامعة القاهرة كأحد أقدم ثلاثة جامعات فى الوطن العربي بالإضافة لجامعة الأزهر والقرويين..وقد تغير اسمها من الجامعة المصرية إلى جامعة فؤاد الأول ثم إلى جامعة القاهرة. وقد انضمت مؤخرا للوكالة الجامعية الفرانكفونية واتحاد الجامعات الإفريقية. وقد تخرج منها عدد كبير من قادة الفكر والرأى والزعماء وعدد ممن حازوا أرفع الجوائز العالمية ، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر نجيب محفوظ وياسر عرفات ومجدى يعقوب وطه حسين ومحمد حسين هيكل وعلى مصطفى مشرفة وغيرهم كثير..وحينما زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما مصر عام 2009 اختار أن يلقى خطابه من داخل أعرق جامعات الوطن العربي..جامعة القاهرة.

الجميل فيما قيل إن التطوير الذى تم الإعلان عنه وتم توفير التمويل اللازم له ذاتياً ليس إلا مجرد بداية ، وأن هناك تخطيط مستقبلى لإنشاء ثلاث كليات جديدة وهي كلية الطاقة الجديدة والمتجددة، وكلية علوم تكنولوجيا الفضاء، وكلية تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات. ما يعنى أن التطوير ليس الأول ولن يكون الأخير، بل هى حركة مستمرة فى هذا الصرح العلمى العريق.

ثلاثون عاماً على الفرنساوى

منذ عام كامل عكف مجلس إدارة المستشفيات الجامعية بمشاركة المتخصصين من أساتذة الجامعة على عمل دراسة علمية لتطوير مستشفى قصر العينى التعليمى الجديد (الفرنساوى) بالتعاون بين عدة أطراف منها مركز الاستشارات الهندسية بكلية الهندسة وإدارة المستشفى وأطراف أخرى معنية بعملية التطوير..

ومنذ ذلك الحين تم بذل الجهود لتأمين ميزانية مشروع تطوير المستشفى حتى تم التصديق عليها من لجنة الموازنة بالبرلمان ومن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، وهكذا بات من الممكن الحصول على تمويل مبدئى من عدة بنوك كان فى مقدمتها تمويل بقيمة 20 مليون جنيه من البنك الأهلى المصرى.

الفرنساوى لعب دوراً كبيراً فى إدارة أزمة جائحة كورونا، واستطاع استيعاب عدد كبير من الحالات المصابة مع تحقيق معدلات نجاح عالمية فى علاج الحالات المصابة؛ لهذا كان من الضرورى الالتفات إلى عملية تطوير شاملة لهذا الصرح الطبي الكبير بعد مرور ثلاثين عاماً على إنشائه.. وسوف تتضمن عمليات تطويره شراء معدات وأجهزة طبية حديثة لمواكبة التطورات العالمية فى مختلف المجالات الطبية، وكذلك تحديث البنية التحتية للمبانى والمنشآت. والأهم من هذا وذاك تحسين طريقة الإدارة وتحقيق إصلاح مالي وإداري وتحسين أحوال العاملين بها، لافتا إلي أن الشائعات التي تثار حول بيع مستشفى الفرنساوي غير صحيحة، حيث أكد الخشت خلال المؤتمر أن جامعة القاهرة بجميع قياداتها الإدارية والطبية قادرة على جعل الفرنساوى من أعظم المستشفيات وأنه لن يتم التفريط في العاملين بل سيتم توظيفهم بطريقة أفضل لخدمة المستشفى وخدمتهم. فلن يتم الاستغناء عن العاملين بالفرنساوى بل سيتم تطوير أداءهم على مهام تتلاءم مع طموحات التطوير وسنعمل على تحسين أحوال جميع العاملين ماديا واجتماعيا.

البشر أولاً.. قبل الشجر والحجر

المشروع الثانى فى جدول أعمال الخشت هو مشروع موجه للناس وللثقافة وللعلم .. حيث أكد الدكتور محمد الخشت فى مطلع حديثه عن مشروعات التطوير التى تتبناها الجامعة أنه لابد من النظر بجدية شديدة إلى دور العلوم الإنسانية والاجتماعية وأيضًا العلوم الطبيعية ويجب أن نهتم بالبحث العلمي في قضايا الوطن وتحديات وهموم الناس وتحقيق مقاصد التنمية من أجل الرقي والازدهار.

ولفت الدكتور محمد الخشت، إلى أن العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة القاهرة كانت خارج أي تصنيف لكنها الآن أصبحت في مراكز متقدمة، مؤكدًا أنه يطمح في أكثر من ذلك، وأن إطلاق الجامعة مشروعا لتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية يأتي في إطار التركيز على مفاهيم جامعات الجيل الرابع والربط بين مختلف العلوم لأن مشروع البحث الذى ستموله الجامعة فى إطار هذا التطوير ليس مشروعا فرديا وإنما يشترط للتقدم أن يكون من خلال فريق بحثي من تخصصات متعددة، مؤكدًا أن التكامل ليس بين العلوم الإنسانية والاجتماعية وبعضها البعض فقط ولكن بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية..‏وقال الدكتور الخشت إن المشروعات البحثية التى سيتم تقديمها فى إطار المشروع يجب أن تركز على احتياجات المجتمع بالتكامل بين تخصصات عديدة، مشيرًا إلى أن حجم التمويل للمشروعات يبدأ من 200,000 جنيه ويصل إلى 1,000,000 جنيه بشرط أن تكون البحوث المتقدمة تخدم القضايا القومية وليست بحوثًا نظرية، وأن الهدف منها هو تحقيق تقدم على المستوى العالمي، وسد الفجوة المعرفية مع الجامعات المتقدمة، وخدمة المجتمع والناس.

كما فعلت الصين!

لعل أحد أهم الأسس والمرتكزات التى أدت إلى التطور السريع فى معدلات التنمية بجمهورية الصين الشعبية إهتمامها الكبير بالعمل الأهلى التنموى والمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ بحيث تحولت البيوت الصينية جميعها فى كل شوارعها الريفية والحضرية إلى ما يشبه المصانع الصغيرة. هكذا بات المليار ونصف مواطن صينى جميعهم من المنتجين حتى غطى المنتج الصينى جميع ربوع المعمورة.. فماذا سيحدث إذا حلمنا كما حلمت الصين ثم حققنا هذا الحلم على يد أكثر من مائة مليون مصرى؟!

الحق أن من أدق وأهم وأعمق ما يهتم به المشروع الاجتماعى لجامعة القاهرة، هو التركيز على العمل الأهلى التنموى من خلال تشجيع الأيدى العاملة المصرية الماهرة على أن تسهم بدور فعال فى تدوير عجلة الاقتصاد المصري. ولطالما احتوت مصر على مهارات وحرف يدوية شديدة المهارة والتفرد، والدليل على هذا شوارع بأكملها لمثل هذه الحرف الصعبة كشارع النحاسين والخيامية وخان الخليلى والمعز، وغيرها كثير من شوارع القاهرة التى تخصص أهلها فى صياغة تحف حقيقية تباع اليوم بالمتاجر الإليكترونية بآلاف الجنيهات على أنها تحف أثرية مقلدة!

جامعة القاهرة تريد من خلال هذا المشروع تشجيع عمليات البحث العلمى والاستقصاء عن كيفية الجمع بين ما تحويه مصر من قدرات وطاقات بشرية مكنونة وبين ما تقدمه الدولة من فرص لتنظيم هذه الطاقات فى عملية اقتصادية مدروسة ومنظمة، بحيث يمكن توجيه طاقة العمل الأهلى الجمعى نحو عمليات إنتاج ضخمة وعمليات بيع وتصدير داخل وخارج مصر. بحيث يتحول المجتمع المدنى وتتحول الجمعيات الأهلية إلى جزء لا يتجزأ من روافد الاقتصادى القومى.

هذا ما يمكن أن نفهمه من تأكيدات الدكتور محمد الخشت أنه لابد أن يحدث تطور في العمل الأهلي وألا يعمل بشكل منعزل عن بعضه، ولكن من خلال قاعدة معلومات واحدة حتى لا تحدث ازدواجية في الخدمة الاجتماعية وحتى تساعد بعضها البعض وبالتالي الانتقال بالمجتمع نقلة حقيقية جديدة.

أعود فأوجه التحية للدكتور محمد الخشت على استضافته الكريمة بالمؤتمر، والشكر على تقديم درع الجامعة وشهادة تقدير غالية أعتز بها أيما اعتزاز. وأتمنى أن نرى جامعة القاهرة كعهدنا بها دائماً فى المقدمة محلياً وعربياً وعالمياً.

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم