شهادات ومذكرات

عن الكاتب الروسي فيريسايف

ضياء نافعفيريسايف قبل كل شئ اديب وطبيب في آن واحد. ولد في روسيا الامبراطورية عام 1867، وعاصر كل احداثها الكبيرة مثل الحرب الروسية – اليابانية (وشارك فيها كطبيب عسكري ولديه رواية قصيرة بعنوان – في الحرب اليابانية) والحرب العالمية الاولى (شارك فيها كطبيب عسكري ايضا)، وتوفي في روسيا السوفيتية عام 1945، اذ انه رفض الهجرة من روسيا كما فعل معظم المثقفين الروس بعد ثورة اكتوبر 1917، ولهذا، فانه عاصر ايضا كل احداث روسيا السوفيتية مثل ثورة اكتوبر والحرب العالمية الثانية ونهايتها، اذ انه توفي في حزيران 1945، اي بعد شهر من الانتصار على الهتلرية، وفي كل مسيرته الطويلة هذه كان طبيبا واديبا معا، وفي هذه الثنائية الغريبة (ان صح التعبير) تكمن احدى صفات التميّز لدى فيريسايف، اذ ان تشيخوف مثلا كان ايضا طبيبا واديبا معا، الا انه تفرّغ للادب وترك الطب واقعيا، اما فيريسايف فقد مارس عمله في كلا المجالين معا، ومن الطريف ان نشير هنا، ان فيريسايف (وهو ابن طبيب بارز في حينه بمدينة تولا الروسية ومؤسس مستشفى فيها) التحق في الجامعة لدراسة الادب اولا، وبعد ان انهى دراسته تلك، عاد والتحق في الجامعة من جديد لدراسة الطب، وانهى ايضا دراسته هناك، وهكذا اصبح فيريسايف يمتلك اختصاصين - الادب والطب، وبقي هكذا طوال حياته متنقلا بينهما، وموحّدا لهما ايضا، وتوجد الان مستشفى بموسكو تسمى مستشفى فيريسايف، ويوجد تمثال للكاتب فيريسايف في مدينته تولا، تم افتتاحه عام 1958 .

لن نتوقف في مقالتنا هذه عند مهنة الطب طبعا، بل نريد فقط ان نتحدث بايجاز عن فيريسايف الاديب، كي نرسم صورة قلمية له للقارئ العربي، الذي يعرف عنه القليل جدا ليس الا. قبل كل شئ يجب القول، ان فيريسايف الاديب متعدد المواهب جدا، فهو قاص وروائي وكاتب مسرحي ومترجم وناقد ادبي وباحث وكاتب مذكرات وكاتب مؤلفات وثائقية (وهي كتب تعتمد ترتيب الوثائق فقط وصولا الى رسم صورة قلمية متكاملة لشخصية شهيرة – ما)، وفي كل نشاطاته الادبية والفكرية الواسعة والمتنوعة هذه كان واقعيا وموضوعيا ويستند في كتاباته وبحوثه ودراساته دائما الى مصادر دقيقة واصيلة لا تقبل الشك، وكل هذا طبعا هو تأثير مباشر لمهنة الطب، اذ لا يمكن للطبيب الا ان يكون واقعيا في نظرته الى كل شئ حوله، فالطبيب يفحص اولا ثم يشخّص المرض ثم يحدد العلاج، وهذا ما فعله فيريسايف واقعيا في ادبه الابداعي .

  لنستعرض قليلا نشاطات فيريسايف الابداعية . فقد كان ينشر ومنذ عام 1887 قصصا قصيرة، وآخر نتاجاته في هذا المجال صدر عام 1945 بعنوان – قصص غير مختلقة عن الماضي، ولديه حوالي عشر روايات قصيرة، اما مساهماته في الكتابة المسرحية، فقد نشر مسرحيتين، واحدة منها بالاشتراك مع الكاتب الشهير بولغاكوف بعنوان – الايام الاخيرة، وقد صدرت عام 1935، وهو مترجم للشعر  الاغريقي القديم، وقد زار اليونان من اجل هذا، وأصدر ديوانا خاصا يحتوي على ترجماته من الشعر الاغريقي القديم وحاز عام 1919 على جائزة بوشكين على هذا الديوان، ولازالت ترجمات فيريسايف الشعرية تطبع، ويعاد طبعها في روسيا لحد الان،

 وتوجد لديه مجموعة من كتب المذكرات، منها – (مذكرات طبيب) والتي أثارت ردود فعل كبيرة عندما نشرها، اذ انها تعدّ صورة فنية وسيكولوجية عميقة لفلسفة مهنة الطبيب، و(في سنوات الشباب)، و(السنوات الطلابية)، و(مذكرات أدبية)، اما في مجال النقد الادبي، فيوجد عنده كتاب صادر عام 1910 عن دستويفسكي وتولستوي، وتوجد لديه ثلاثة كتب ضخمة يصنّفها النقاد تحت تسمية – وثائقيات، وتعتمد – كما ذكرنا أعلاه – على ترتيب الوثائق فقط وربطها مع بعض حسب تسلسلها الزمني، وهذا الاسلوب بالكتابة يحتاج الى معرفة معمقة جدا بالموضوع، ولأن فيريسايف كتب عن اديبين كبيرين في تاريخ الادب الروسي، فان هذه الكتب تعتبر الان كتابات في النقد الادبي، واصبحت هذه الكتب مصادر اساسية لكل من يريد ان يكتب عن هذين الاديبين، والكتب هذه هي – بوشكين في الحياة (1925 – 1926)، غوغول في الحياة (1933)، ورفاق بوشكين (1937) . لقد نشرت مقالة خاصة حول كتاب فيريسايف عن غوغول في الحياة بعنوان –  غوغول بقلم فيريسايف، واخطط لاحقا لكتابة مقالة حول فيريسايف وبوشكين، اذ ان الكتابين عن بوشكين تستحقان التأمل، وتستحقان تقديمهما للقارئ العربي بلا شك.

الكاتب الروسي فيريسايف ينتظر المترجمين العرب والباحثين العرب ....

 

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم