شهادات ومذكرات

عادل رسمي.. عاشق المناهج وطرق تدريس العلوم الاجتماعية

محمود محمد علييعد التعليم من أهم الاستراتيجيات القومية الكبرى في حياة الشعوب المتقدمة والنامية، فقد برزت الأهمية الحيوية للتعليم في تحقيق استقرار الشعوب وأمنها ورفاهيتها، وتقدمها نتيجة للدور الذي يقوم به من خلال المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالتعليم هو مصدر إنماء القوى العاملة التي تعمل على إنجاح خطط التنمية وتحقيق أهدافها. وتواجه المؤسسات التعليمية بصفة عامة العديد من التحديات، مما دعت الحاجة لإعادة النظر في أساليب التطوير والتخطيط لها، ومن أهم ملامح التطوير الحديثة، إدارة الجودة، وتخفيض العمالة، وإعادة الهيكلة، والتخطيط الاستراتيجي.. وهلم جرا.

وإذا كان لمشروع التعليم هذه الأهمية، وهو الأساس في توجيه أبناء الأمة وبناتهم فلابد له من رجال لديهم التأهيل العلمي الكامل والخبرة التامة والعقول المستوعبة لواجبات المربي ومهامه في قيادة العملية التعليمية حتي تحقق هذه الرسالة السامية أهدافها النبيلة؛ ومن هؤلاء الرجال الأستاذ الدكتور عادل رسمي حماد على النجدي- أستاذ المناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية وعميد كلية التربية بجامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية (والذي أشرف بالكتابة عنه هنا في هذا المقال)؛ والذي يعد بحق، أحد الرموز المصرية التي أثرت التعليم التربوي بجامعة أسيوط الزاهرة، حيث عاش حياته من أجل أن يصبح التعليم التربوي والتخطيط الاستراتيجي الركيزة الأساسية لتحقيق التقدم والرخاء للمجتمع، وفي كل تجاربه التربوية ومؤلفاته ودراساته الميدانية، كان ينطلق من رؤيته الخاصة لطبيعة المجتمع، وحراكه اليومي وتطلعه للمستقبل، في إطار ميراثه الحضاري والإنساني، فمزج في دراسته بين دوائر الاجتماع والتاريخ والتربية، وبنزعة إنسانية ظلت سمة ملازمة له، انحاز إلى هموم المواطن البسيط (مثل سائر أساتذته بجامعة أسيوط )، وعاش طيلة حياته يدعو إلي الإلمام بكل ما هو جديد في التدريس ووضعه موضع التنفيذ في العمل التربوي؛ ولا سيما إن العالم يشهد قفزات نوعية وكمية في مجالات الحياة جميعها، وإن البقاء علي الاستراتيجيات والأساليب التقليدية في التدريس سيزيد الهوة بيننا وبين بلدان العالم المتقدم.

والدكتور عادل رسمي هو واحداً من الأساتذة التي تفخر بهم جامعة أسيوط الذين استطاعوا بحوثهم ومؤلفاتهم أن ينقلوا البحث في المناهج وطرق تدريس العلوم الاجتماعية من مجرد التعريف العام بهما، أو الحديث الخطابي عنهما – إلي مستوي دراستهما دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارمة إلى أبعد حد: فالمنهج لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

وهو قمة في التواضع، فهو الإنسان الخلوق بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني ودلالات، فلقد وهب حياته كلها لجامعة أسيوط الزاهرة : تعليماً وبحثاً، وظل اهتماماته الرئيسية هي اهتمامات أستاذ جامعي يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن، ومن هنا فإنه يمثل القدوة والريادة وستظل بحوثه التربوية تمثل المنارة التي يهتدي بها الباحثون في الظلام تمثل الشعلة الخالدة، شعلة الفكر، وما أعظمها من شعلة .

وحتي لا ينسينا الحديث الجميل عن عادل رسمي (مع حفظ الألقاب) فاسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم لك نبذة عن سيرته الذاتية .. عادل رسمي هو من مواليد  10 / 12 / 1972 م، حصل علي ليسانس الآداب والتربية من قسم التاريخ بكلية التربية – جامعة أسيوط، 1994 بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف، وحصل علي الماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية " تاريخ "  1998 بتقدير عام ممتاز، ثم حصل دكتوراه "الفلسفة" في التربية (مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية " تاريخ " ) 2001، .. تدرج في عمله بالجامعة ؛ حيث نال درجة أستاذ مساعد عام 2007م، كما حصل علي درجة الاستاذية في عام 2012 م .. ثم أخذ يتدرج في المناصب الإدارية إلي أن صار عميداً لكلية التربية بالقرار الجمهوري رقم 78 لسنة 2015 وذلك ابتداء من 18- 2- 2015 وحتى الآن في فترتين متتاليتين.. وخلال تلك الفترة استطاع أن ينجز انجازات كثيرة ؛ نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر : تحويل قسم تربية الطفل الى كلية رياض الأطفال بجامعة أسيوط، وإنشاء مركز تعليم الكبار بجامعة أسيوط كثالث مركز لتعليم الكبار على مستوى الجامعات المصرية، وتطبيق نظام التوقيع الكترونى لجميع العاملين بالكلية لتكون الكلية الأولى على مستوى جامعة أسيوط، وإعداد لائحة دراسات عليا جديدة بنظام الساعات المعتمدة بها تخصصات لم تكن موجودة من قبل وفريدة على مستوى الجامعات المصرية، وتطوير البنية التحتية من قاعات تدريس، والحصول على درع الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد كأول كلية تربية معتمدة على مستوى الجمهورية، وتفعيل كثير من البرامج الخاصة فى التربية الخاصة لطلاب الدراسات العليا فى تخصصات تربوية كثيرة .. كما أسهم في إنشاء أول برنامج لإعداد معلمي العلوم والرياضيات باللغة الانجليزية كأول برنامج بجامعات صعيد مصر وبرنامج إعداد معلم مدارس المتفرقين في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا كأول برنامج بالجامعات المصرية. كما توجد له إسهامات كبيره في خدمة المجتمع؛ ومن ضمتها انشاء مركز تعليم الكبار، والذي ساهم في محو أمية 5400 مواطن بأسيوط خلال العام الحالي.. علاوة علي اختياره مراجع خارجي ورئيس فرق مراجعة بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد.. كذلك أسهم في اعتماد كليات التربية بعين شمس والمنيا والدراسات الإنسانية "بنات جامعة الازهر"، وغيرها من الكليات... علاوة علي الكثير من الإنجازات التي يطول حصرها هنا في هذا المقال.

وقد قدم عادل رسمي عدداً كبيراً الكتب والمراجع العلمية ؛ نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر :رسالته في الماجستير وكانت بعنوان "أثر استخدام نموذج جانييه لتدريس المفاهيم على التحصيل في الدراسات الاجتماعية وتنمية التفكير الاستدلالي لدى تلاميذ الصف الثاني الإعدادي" من كلية التربية – جامعة أسيوط 1998 م .. وفيها حاول عادل رسمي الإجابة عن أثر استخدام نموذج جانييه لتدريس المفاهيم في تدريس مفاهيم وحدتي خريطة الوطن العربي الطبيعية والسياسية وظهور مقرر الدراسات الاجتماعية بالصف الثاني الإعدادي وانعكاساته على تحصيل التلاميذ وما أثر استخدام نموذج جانييه لتدريس المفاهيم على تنمية التفكير الاستدلالي لدى تلاميـذ الصف الثاني الإعدادي... وللإجابة على هذين السؤالين قام عادل رسمي بتحليل محتوى وحدتى الدراسة لتحديد المفاهيم المتضمنة بهما وعرضها على السادة المحكمين للوصول إلى القائمة النهائية لمفاهيم الوحدتين، ثم قام بتحديد الدلالة اللفظية لكل مفهوم من مفاهيم الوحدتين بالرجوع إلى الكتب المتخصصة وآراء المحكمين، وفى ضوء ذلك تم إعداد دليل للمعلم لتدريس مفاهيم وحدتي الدراسة فى ضوء نموذج جانييه لتدريس المفاهيم، ثم قام عادل رسمي بإعداد اختبار تحصيلي فى مفاهيم الوحدتين واختبار للتفكير الاستدلالي وعرضهما على السادة المحكمين وإجراء التجربة الاستطلاعية لكل منهما للتأكد من ثبات وصدق وزمن ومعامل سهولة وصعوبة مفردات كل اختبار، بعد ذلك قام عادل رسمي بتطبيق اختباري التحصيل والتفكير الاستدلالي على مجموعتى الدراسة قبليا، ثم درس المجموعة الضابطة مفاهيم الوحدتين باستخدام الطريقة التقليدية – تقديم وتعريف المفهوم – بينما درست المجموعة التجريبية مفاهيم الوحدتين باستخدام نموذج جانييه لتدريس المفاهيم، بعد ذلك تم إجراء التطبيق البعدى لاختباري التحصيل والتفكير الاستدلالي وتم استخدام الأساليب الإحصائية المناسبة لمقارنة الفروق بين متوسطات درجات تلاميذ المجموعتين ودلالتها الإحصائية، وقد توصلت الدراسة إلى أن استخدام نموذج جانييه فى تدريس مفاهيم وحدتي الدراسة قد أسهم فى تنمية تحصيل التلاميذ للمفاهيم والتفكير الاستدلالي لدى المجموعة التجريبية وبفروق دلالة إحصائياً عن المجموعة الضابطة.

أما رسالته في الدكتوراه فكانت بعنوان" برنامج مقترح في الدراسات الاجتماعية لتنمية مفهوم المواطنة لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية" من كلية التربية – جامعة أسيوط 2001م ..وفي الرسالة حاول عادل رسمي الإجابة عن السؤال الرئيسي التالي: ما أثر برنامج مقترح في الدراسات الاجتماعية لتنمية مفهوم المواطنة لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية؟ الطرق والأساليب: الإجابة عن هذا السؤال الرئيسي قام عادل رسمي بإعداد بوضع تصور مقترح لتفعيل دور المدرسة الإعدادية في تنمية قيم المواطنة للمجتمع المصري، حيث توصل في النهاية إلي وضع معيار بأبعاد مفهوم المواطنة يقوم علي فكرة أن التربية من أجل المواطنة هي الهدف المحوري للتربية السياسية وتعني مساعدة الناشئين والشباب علي استيعاب الواقع والتفاعل مع إشكالياته بطريقة موضوعية ناقدة بما يتيح لهم اتجاهاً إيجابياً نحو المشاركة، إضافة إلي حسن رعاية النخبة منهم وإعدادهم للقيادة، وتمثل المدارس الإعدادية إحدي المدارس التعليمية المتميزة وذلك لكونها تمثل دعامة لتنمية المهارات اللازمة للمواطنة الحقة.

كما قدم عادل رسمي عدداً كبيراً من البحوث العلمية المنشورة فى مجلات ومؤتمرات داخل وخارج مصر بلغت أكثر من 17 بحث فردي أو بالاشتراك مع باحثين آخرين؛ ولاشك أنه في تلك البحوث برزت شخصية عادل رسمي بوصفه واحداً من عشاق فلسفة المناهج وطرق تدريس العلوم الاجتماعية؛ وبالأخص التاريخ فهو من المؤمنين بأن مادة التاريخ تعد من أكثر المواد أهمية لما يقع عليها من مسؤولية إعداد وبناء أفراد المجتمع، فهي اكتسبت أهميتها من خلال ما تحققه من وظائف عديدة لبناء المواطن عقلياً ووجدانياً تعود عليه بالنفع، ويختص منهج التاريخ في نظره بدراسة الحاضر وجذوره في الماضي القريب والبعيد؛ حيث يتبع قصة الفرد ونشاته وتطوره وعلاقاته ومشكلاته وتطورها مما يوضح جذور الحاضر الذي نعيش فيه ويحدد اتجاهات المستقبل، فهو يسجل أحداث الماضي في تسلسلها وتعاقبها، ولكنه لا يقف عند مجرد تسجيل هذه الأحداث، ولكنه يظهر الترابط بين الأحداث وعلاقة السببية بينها، ويفسر التطور الذي طرأ في حياة الأمم والمجتمعات والحضارات المختلفة وبين كيف حدث هذا التطور ولماذا حدث، استنتج عادل رسمي من ذلك أن دراسة التاريخ تؤدي إلي بناء القدرة علي التحليل والنقد وبناء شخصية الفرد فتجعله مواطناً إيجابياً صالحاً في المجتمع.. وقد اتضح ذلك من خلال بحثه "فاعلية وحدة مقترحة في مقرر التاريخ في ضوء أبعاد ثورة 25 يناير فى تنمية الانتماء الوطني لدى تلاميذ الصف الأول الثانوي".. (مشترك مع د. شيماء مكى محمد).

ويضيف عادل رسمي أن دراسة التاريخ ليست مجرد دراسة للماضي وأنها دراسة تستهدف الماضي وموازنته للحاضر حتي يضمن جذور المستقبل؛ حيث يري في بحثه عن" فاعلية وحدة تاريخية مطورة في ضوء أبعاد التربية المستقبلية لتنمية مهارات استشراف المستقبل والوعي بالقضايا المستقبلية لدي تلاميذ المرحلة الإعداديـة (مشترك مع د. محمود كمال علي معبد ود. جمال حسن السيد إبراهيم)؛ أن التفكير في المستقبل في هذا العصر يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الناس، ويحمل من الخوف والتردد أكثر ما يحمل من البشائر والآمال. وإذا كانت أبعاد الزمان الثلاثة تُعد كائناً موضوعياً واحداً، يتواصل فيه الماضي والمستقبل عبر ديناميكية الحاضر، فأصبح الإعداد للمستقبل هدفاً استراتيجياً للتربية الحديثة.

أما في بحثه عن" الرضا المهني لدى معلمي الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الابتدائية في مصر في ضوء تطبيق استراتيجيتي التقويم الشامل والتعلم النشط"، فقد كشف لنا علي رسمي لأول مرة عن  معرفة درجة الرضا المهني لدى معلمي الدراسات الاجتماعية بالمرحلة الابتدائية في مصر في ضوء تطبيق استراتيجية التعلم النشط ببعض مدارس المرحلة الابتدائية وتعميم تطبيق استراتيجية التقويم  الشامل بالمرحلة الابتدائية.. وتوصلت الدراسة إلي وجود مجموعة من الصعوبات التي تواجه معلمي الدراسات الاجتماعية في تطبيق استراتيجيتي التقويم الشامل والتعلم النشط، مما يؤدى إلي انخفاض درجة الرضا المهني لدى المعلمين مجموعة الدراسة، بحيث كان أداؤهم في مقياس الرضا المهني ضعيفا؛ مما يؤكد أن الصعوبات التي يواجهها المعلمون في تطبيق هذه الاستراتيجيات الحديثة تؤثر في رضاهم المهني..

أما بحثه وعنوانه "فاعلية برنامج مقترح في الجغرافيا الطبية لطلاب المرحلة الثانوية في تنمية بعض مهارات الوقاية الصحة الجغرافية والوعي البيئي لديهم (مشترك مع أ. د أحمد زارع )؛ حيث يقول: تعد الجغرافيا الطبية أحد فروع الجغرافيا التي ظهرت في السنوات الخرة القليلة الماضية والتي تهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان وبيئته الجغرافية، وتظهر هذه العلاقة في أجل صورها في أمراض الإنسان ومشكلاته الصحية، لذا تمثل الجغرافيا الطبية فرعاً أساسياً من فروع الجغرافيا التطبيقية، وهي تختص بدراسة التوزيع الجغرافي للأمراض، وإبراز العلاقة بينها وبين عناصر البيئة الطبيعية والبشرية، وتقويم آثارها السلبية علي حياة الإنسان، وعلي أحواله المعيشية والاقتصادية، وعلي قدراته المختلفة، والبحث عن أساليب مكافحتها والوقاية منها، ومدي توفر الخدمات الطبية اللازمة لعلاجها، ورفع المستوي الصحي العام للمجتمعات البشرية.

ويطول بنا الحديث وفي النهاية لا نملك إلا أن نقول بأننا لسنا نستطيع في مقال كهذا، أن نزعم بأننا قادرون علي تقديم رؤية ضافية شاملة ومستوعبة لكل جهود الأستاذ الدكتور عادل رسمي في المناهج وطرق تدريس العلوم الاجتماعية، وحسبنا هذه الإطلالة السريعة الموجزة علي الجانبين الإنساني والعلمي لمفكر تربوي، ونموذج متفرد لأستاذ جامعي نذر حياته بطولها وعرضها لخدمة المناهج وطرق تدريس العلوم الاجتماعية، وأثري حياتنا الفكرية بكل ما قدمه من جهود ونتمني له التوفيق والسداد .

فتحيةً أخرى مني لأخي وصديقي الأستاذ الدكتور عادل رسمي الذي لم تجزبه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ، وشعور إنساني رفيع، وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل تاريخ المناهج وطرق تدريس العلوم الاجتماعية من بوابة واسعة متفرداً.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم