شهادات ومذكرات

عبد العال الحمامصى رائد الأدب الروائي والقصة القصيرة (1)

محمود محمد عليليس من المعقول أن تمر علينا هذه الأيام ذكري وفاة صهري وخال أولادي، الأديب الكبير، والروائي القدير "عبد العال الحمامصى"، وأن نمر عليها مرور الكرام، دون ذكر، أو وقفة، أو تسليط الضوء على شيء من منجزاته وابداعاته ؛ فقد كان سيادته ظاهرة فريدة ومميزة في مجال المؤلفات القصصية، والدراسات النقدية، والأعمال الفكرية والحوارية ؛ حيث كان يمثل أهم الأسماء اللامعة في سماء الأدب المصري الحديث ؛ إذ أسهم فيه بقسط وافر، وتعد لبناته الأدبية التي وضعها بالجهد والعرق بمثابة الأساس الذي بني عليه الكثيرون من تلامذته مشاريعهم الأدبية ورؤاهم في مجال الأدب الروائي والقصة القصيرة.

والأديب القاص عبد العال الحمامصي أحد الأدباء البارزين في مجال القصة القصيرة التي ظل يكتبها طوال 40 عاماً، لم يقترب خلالها من كتابة الرواية - وبعد هذه الفترة الطويلة شعر أن الوقت قد حان لكتابة رواية هي الأولى في مسيرته الابداعية، أنجز منها جزءً كبيرا،ً وهي بعنوان "فتيات حفلة العاشرة".

والحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون، وهي أن "عبد العال الحمامصى"، ظل قاسماً مشتركاً في الساحة الثقافية خلال ما يقرب من الخمسين عاماً في القرن الماضي ما بين إبداعات شخصية ومشاركات فاعلة في واقعنا الثقافي المصري؛ حيث أسهم - محرراً وكاتباً - في العديد من الصحف والدوريات، كما عضواً بارزاً في مجلس إدارة اتحاد الكتاب المصري وجمعية الأدباء ونادي القصة، كما كانت له قيمته بين كتاب القصة القصيرة، ومسئولا ثقافياً.

كان عبد العال الحمامصي قمة في التواضع، فهو الإنسان بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني ودلالات، فلقد وهب حياته كلها للأدب الروائي والقصة القصيرة: تعليماً وبحثاً، وظل اهتماماته الرئيسية هي اهتمامات شاعر وأديب يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن، ومن هنا فإنه يمثل القدوة والريادة وستظل رواياته وقصصه تمثل المنارة التي يهتدي بها الإنسان في الظلام تمثل الشعلة الخالدة، شعلة الفكر، وما أعظمها من شعلة .

ولد عبد العال الحمامصي في يونيو عام 1932 بمدينة أخميم بمحافظة سوهاج، الراحل بدأ مجاله الأدبى عندما وصل إلى القاهرة قادماً من مدينة أخميم بمحافظة سوهاج قبل 50 عاماً، وكان الكاتب الراحل قد عاش حياة أدبية حافلة، بدأها فى مجالات عديدة كان أبرزها اختياره عضواً مؤسساً بمجلس إدارة اتحاد الكتاب، مع الراحلين "يوسف السباعى" و"ثروت أباظة"، حتى وصل إلى سكرتير عام الاتحاد ؛ كما عمل فى مجال الإنتاج السينمائى مع المنتج "عدلى المولد"، وعمل كذلك كاتباً ومشرفاً على القسم الثقافي بمجلات الصباح، العالم العربي، الهلال، الزهور، القصة، ثم رئيس تحرير سلسلة "إشراقات أدبية" التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1976، وقدم من خلالها العديد من أدباء أقاليم مصر، كما شغل منصب السكرتير العام لنادي القصة، وعضو مجلس إدارة جمعية الأدباء، وعضو لجنتي القصة والكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2003، وعضو المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب. ورحل عن عالمنا عن عمر ناهز 77عاماً، عام 2009م بمرض السرطان ويقول الكاتب "مصطفى عبد الله" إن الأديب الراحل عبد العال الحمامصى كان قد احتجب عن الساحة الأدبية والثقافية خلال العام الأخير، وأخفى المقربون منه نوعية مرضه عنه.

وللأديب عبد العال الحمامصي عدد كبير من المؤلفات القصصية والدراسات النقدية والأعمال الفكرية والحوارية، وذلك علي النحو التالي:

1 ـ الأعمال القصصية:

أ ـ [للكتاكيت أجنحة] صدرت عن دار الكاتب العربي عام 1968 وقــد نالت {كاس القبانى} عـام صدورها، وقد كتبت عن هذه المجموعة عديد من الدراسات النقدية.

ب ـ [هذا الصوت وأخرون] صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى عام 1980 وقد نالت جائزة الدولة التشجيعية فى عام 1981.

ج ـ [بئر الأحباش] مجموعة قصصية صدرت عن هيئة قصور الثقافـة عام 1994. وقد فازت بجائـزة أحسن مجموعة قصصية فى عام 1994 فى معرض الكتاب الدولي السابع والعشرين.

د ـ [فرحة الأجراس] مجموعة قصصية صدرت عن مكتبة الأسرة.

ثانيا: الأعمال الدراسية والنقدية:-

1 ـ [البوصيرى المادح الأعظم للرسول] صدر عن دار المعارف.

2ـ [القرآن معجزة كل العصور] صدر عن دار المعارف.

3 ـ [كتب قرأتها] انطباعات غير نقدية صدر عن المجلس الأعلى للآداب والفنون.

ثالثا: الأعمال الحوارية:-

1 ـ [هؤلاء يقولون فى السياسة والأدب] صدر عن دار الهلال.

2 ـ [أحاديث حول الأدب والفن والثقافة] صدر عن دار المعارف.

3 ـ [هؤلاء قالوا لى] صدر عن دار المعارف.

رابعا: الأعمال الفكرية 1 ـ [أقلام فى موكب التنوير] صدر عن هيئة الكتاب فى سلسلة مكتبة الأسرة عام 1996

2 ـ [راحلون فى وجداني] صدر عن هيئة الكتاب فى سلسلة مكتبة الأسرة عام 1998.

3ـ [أفكار لأمتي] صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى سلسلة مكتبة الأسرة عام 1999.

وحصل الحمامصي على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 1981 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عامي 1993 وجائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2003م .

إذا أردنا أن نبحث عن الجوانب الإنسانية في شخصية عبد العال الحمامصي، فلن نجد أنسب من الحوار الذي أجرته معه إحدى القنوات التليفزيونية عن حياته ومسيرته الأدبية، حيث يحدثنا عن الثوابت التي ساهمت في تشكيل شخصيته علي المستوي الإنساني والأدبي ؛ فنجده مثلاً يحدثنا عن تجاربه الأدبية المبكرة فيقول: " كانت البداية عندما تلمست طريقي إلى عالم الأدب عن طريق قراءة الكتب المترجمة والكتابات الذاتية الموجودة في مكتبتَي جدي وخالي وعندما التحقت بالدراسة في سوهاج قرأت في مكتبة الأمير فاروق - كما كانت تسمى في ذلك الوقت - أو مكتبة رفاعة الطهطاوي، فكنت اقرأ في كل مكان؟ على الرصيف وتحت الشجر، حتى في الشارع.. أما تجاربي الأولى فسيندهش البعض عندما يعلم انها كانت شعراً.. والأكثر إثارة للدهشة أنني كنت أغنيه، إلى أن وجدت طريقي إلى القصة، واكتشفت أنها أقرب الأنواع الادبية قرباً من قلبي وأقدرها على التعبير عن رؤيتي للكون والوجود، رغم أن النظرة وقتها إلى الأدب الروائي والقصة كانت نظرة متدنية، حتى أن (عباس العقاد) قال أن بيتا من الشعر يقول ما تقوله رواية بأكملها".

ويستطرد الحمامصي فيقول: " وكانت أول قصيدة يخطها قلمي هي (صمت ودموع) عن حرب 1948 وما سببته من مآس في البيوت المصرية والعربية ونشرتها مجلة البعكوكة، لكن أول قصة حقيقية فكانت بلا خطيئة.. نشرتها مجلة قصتي، ثم توالت الأعمال بعد ذلك حتى صدرت أول مجموعة لي عام 1986 تحت عنوان الكتاكيت لها أجنحة وقال عنها أحد النقاد أن بها ارهاصات هامة.. ومثلت المجموعة اتجاهاً واقعياً بمعنى الواقعية التي اسماها روجيه جارودي فيما بعد الواقعية بلا ضفاف".

وقد سئل عبد العال الحمامصي:" رغم هذا الوسط الثقافي المزدهر لم تظهر مجموعتك الثانية للنور إلا بعد 13 عاما كاملة من تاريخ اصداراك الأول.. فكانت مجموعة هذا الصوت وآخرون في عام 1981 فهل كان يستغرقك شيء آخر بعيداً عن القصة؟.

وأجاب عبد العال الحمامصي قائلاً :"القصة بالنسبة لي هي الوسيلة الوحيدة القادرة على أن أحملها رؤيتي للعالم.. وعلى سبيل المثال "قصة الساعة الخامسة والعشرون" في مجموعة هذا الصوت وآخرون لو قرأت الآن لربما تجدينها نبوءة لما يحدث الآن في عالمنا من اتجاه للعولمة ومحاولة إلغاء التاريخ والانغماس في عملية الحداثة المبتورة.. وليس طول المسافة بين مجموعة قصصية وأخرى عجزاً عن الإنتاج لكنه محاولة للإجادة وتقديم الجديد كما أصدرت خلال هذه الفترة عدة كتب نقدية ودراسات".

كما سئل عبد العال الحمامصي:" هل تعدد اتجاهات الكتابة يثري تجربة الكاتب أم يفقده التركيز في مجال ما ؟.

وأجاب قائلاً:" كثير من كبار كتابنا تعددت مجالات كتاباتهم.. فتوفيق الحكيم كتب المسرح والرواية والفكر والنقد وطه حسين كان مفكراً وربما يكون كاتباً ما في جانب من الجوانب أكثر تأثيراً من مجالات أخرى.. ودليل ذلك "إحسان عبد القدوس" - كتب الرواية لكن عندما كان يكتب المقال كان ينتظره القارئ المصري والعربي".

وسئل الحمامصي أيضاً هذا السؤال: كيف ترى موقع القصة القصيرة على الساحة الأدبية الآن؟.

فأجاب قائلاً:"هناك اعمال روائية وقصصية ممتازة وربما لو كانت اللغة العربية لغة عالمية منتشرة كالإنجليزية لكان الأدب العربي الآن أدباً عالمياً وكان المستوى الذي وصلت إليه الرواية والقصة القصير هو المستوى الذي يتجاوز الكتابات العالمية.. أما القصة القصيرة على المستوى العالمي.. فربما تجدها الآن ليست في المستوى الذي وصلته في القرن التاسع وفي النصف الأول من القرن العشرين فليسن هناك كتابات رائدة الآن كما عرفنا في الماضي.. وإذا عدنا لأدبنا العربي فهناك شيء لافت للانتباه وهو أنه بالرغم من كثرة فرص النشر وتعددها لم تزد معها الإبداعات الجيدة فأصبحت الأسماء غير المبدعة تجد طريقاً للنشر دون أن تقدم ابداعاً حقيقياً.

وكذلك سئل قائلاً:" وهل يرى عبد العال الحمامصي بعين الناقد ثمة مواهب أدبية جديدة وسط هذا الزخم من النشر؟.

وهنا أجاب الحمامصي قائلاً: " النقاد الآن ينشغلون بالتنظير وليس بالتطبيق,, ويتناولون الرواية أو الشعر بنفس المفاهيم التي يتناولون بها مجموعة قصصية.. فعملية الرصد والمتابعة وتطبيق المناهج على الابداعات غير موجودة الآن.. ويقول النقاد.. كيف اتابع كل هذا؟ .. أما أنا إذا تحدثت بشكل مفصل عن نفسي فأرى من خلال السلاسل الأدبية التي تصدرها مصر والعالم العربي مواهب متعددة تبشر بالخير.. دون أن أذكر أسماء لكن لا شك أن هناك حركة ابداعية روائية مزدهرة وأرجو أن تتاح لها الفرصة.

وسئل الحمامصي أيضأ: وكيف ترى قضية الفجوة بين القارئ والمبدع؟.

وهنا أجاب قائلاً:" عندما نقول أن القارئ القديم لم يعد له وجود وأن الكتاب يشكون من عزلتهم بسبب زيادة أجهزة الإعلام والقنوات التلفزيونية فإننا نبالغ بقدر كبير.. لأن مهما تعددت لدينا وسائل الجذب فلن تعادل وسائل الجذب في الغرب رغم ذلك لا يزال الكتاب هناك هو سيد الموقف وضمير الحضارة.. لأن هناك يوجد الوعي بالكتاب وقيمته".

وحول روايته بئر الأحباش سئل الحمامصي هذا السؤال: ماذا أضافة بئر الاحباش مجموعتك الأخيرة للكتابة الأسطورية التي اندرجت المجموعة تحتها؟.

وهنا أجاب قائلاً: الشيء المميز للمجموعة والتي صدرت عام 1994 هو أنها ربطت الاسطورة بالواقع لم تجعل الأسطورة شيئاً خرافياً منعزلاً عن الناس، بالاضافة إلى أن أصدق التجربة هو ما جعل لها هذا التفرد ؛ حيث تقوم بئر الاحباش على تجربة خاصة عايشتها منذ كنت طفلاً صغيراً في صعيد مصر، ومن أهم التعليقات النقدية التي اذكرها حول المجموعة، هي أن المجموعة تندرج تحت الكتابة الحداثية بمعنى الحداثة هي الأسلوب للعصر والذي يجعل متلقي العصر لا يشعر أن ما يراه قد حدث في زمن مضى.

ويستطرد الحمامصي فيقول:" فالحداثة هي الوعي بالعصر وبالأساليب الفنية المتعددة والحداثة هي الإضافة وليست هي الانسلاخ، ولكن ما أكثر ما نراه الآن من تهويمات شكلية ولا تترك شيئاً في ذهن المتلقي، والدليل أننا عندما نقرأ المعري والجاحظ، فنجدهم يكتبون حداثة، فلا نشعر بالانفصال عن كتاباتهم.

وفيما يتعلق بروايته فتيات حفلة العاشرة سئل الحمامصي هذا السؤال: أخيراً ما هي أحدث كتاباتك التي لم تصدر بعد؟.

وهنا أجاب الحمامصي قائلاً: " هي الرواية الاولى في حياتي بعد 40 عاما من الكتابة، وهي بعنوان فتيات حفلة العاشرة، وقد انجزت فيها جزءً كبيراً وهاماً، ولكن لا يزال هناك جزء باق.. وقد يندهش القارئ عندما يعلم أنني أصدرت كتابة اطلقت عليها اسم رواية، عندما كنت في الرابعة عشرة تحت عنوان "بين أحضان السعادة والشقاء"، وتمت طباعتها على نفقة تلاميذ أخميم بلدتي.. أما القصة القصيرة فما أكثر المجموعات الموجودة في مسودات، لكن لم يحن وقت وضعها في آلات الطباعة.. وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم