شهادات ومذكرات

يوسف زيدان.. الفيلسوف المشاغب بين النقد والنقض (2)

محمود محمد عليما زلت أؤمن بل ربما أكثر من أي وقت مضي بأن يوسف زيدان في الثلاث سنوات الماضية اعتاد النبش فيما هو مسكوت عنه في التراث الإسلامي، والخروج بنظريات جديدة غير معتادة، مما عرضه للدخول في معارك متتابعة مع رجال الدين والمثقفين. في الفترة الأخيرة تحديداً، اعتاد زيدان على الظهور كضيف دائم في أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة في القنوات المصرية المتخصصة وغير المتخصصة، وهو ما استغله المفكر المصري لإطلاق سهامه الفكرية الجدلية في كل حدب وصوب، عندما قال بوجهة نظره الخاصة حول معاني القرآن الكريم واللغة العربية، وانتقد بعض رموز العمل الوطني المصري مثل أحمد عرابي وجمال عبد الناصر، الأمر الذي أثار الكثير من ردود الأفعال الغاضبة، التي طالبت بمنع ظهوره على شاشات التلفاز، ومحاكمته بتهمة ازدراء الأديان (وذلك حسب قول محمد يسري في مقاله يوسف زيدان: المفكر السكندري الذي لا يكف عن إثارة الجدل).

ففيما يتعلق  بقصة الإسراء والعراج، قال يوسف زيدان بصريح العبارة:  قال إن معجزة النبي محمد في رحلة الاسراء والمعراج (قصة من الإسرائيليات والتراث الفارسي)، مشيراً إلى أن الإسراء مذكور في القرآن، ولكن المعراج غير مذكور ومن الإسرائيليات، دون أن يأتي بدليل، وقال خلال حواره ببرنامج "الحياة اليوم" المُذاع على قناة "الحياة" المصرية، (أن عمر بن الخطاب عندما ذهب للقدس لم يجد به مسجداً ليصلي فيه، فكيف يكون هناك معراج للرسول..

لم يكتف يوسف زيدان بذلك بل قال يوسف زيدان أيضا: (إنه في القرن الثالث الهجري كُتبت قصةُ “الإسراء والمعراج” على نمطٍ لم يكن معروف-كذا- نهائياً عند الأوائل، وقال بلغةٍ عاميةٍ مصرية: (ما ينفعش نقول روى عن أحد، علشان القرن الثالث الهجري هو عصر التدوين الإسلامي، اللى قبل كده مكنش مدون، ويجب علينا إعمال العقل في الخبر، ولما حد يقولي حاجة أفكر فيها، الإسراء قصة مذكورة في القرآن، ولكن المعراج قصة روجها القصاصون في القرون الأولى، زي ما الناس بتقعد في القهاوي دلوقتي وبيحكوا حاجات) .

وكذلك كما قيل عنه: "زعمه أن المسجد الاقصى ليس في القدس، حيث وجدنا أنه في نهاية عام 2015 زعم يوسف زيدان أن المسجد الأقصى الموجود في مدينة القدس، ليس هو المسجد الأقصى ذو القدسية الدينية الذي ذُكر في القرآن، والذي أسرى الرسولُ إليه، وأن ذلك مجرد خرافات.

علاوة علي خوضه لقضايا دينية أخري حساسة يطول حصرها، وهنا أقول كلام يوسف زيدان ليس مشاغبة وإنما هو تعبير عن وجهة نظر خاصة به هو، وفي اعتقادي أنه كان لا يجوز ليوسف زيدان الحديث عنها أو البوح بها لا من قريب ولا من بعيد علي شاشات التلفاز والإعلام، لأنها تتعلق بالتشكيك في أمور تشريعية وعقائدية حساسة لا يجب بأي حال من الأحوال التصريح بها أمام الإعلام ولا أمام عامة البشر ؛ وبالتالي فالحديث عنها من وجهة نظر خاصة تمثل خط أحمر لا يجب التعبير عنه برؤي خاصة، خصوصاً في المرحلة الحالية التي تعانيها الدولة المصرية من ثورات وحروب بالوكالة في ظل ما يسمي بحروب الجيل الخامس.

ولذلك هاجمه البعض، فمنهم من قال عنه : "أنا لا أنكر أن ليوسف زيدان سقطات عديدة خاصة عندما يتكلم في التاريخ فهو يظنه رواية يستطيع فيها ما يشاء ويزيد وينقص بحسب ما يمليه عليه فكره، فمن إنكاره للمسجد الأقصي وقدسيته إلي ادعائه بأن تقديم المسجد الأقصي بدعة أموية، متجاهلاً النص القرآني أو جاهلا به أصلا إلي خلطه بين الإمبراطور هادريان واورليانوس الذي يكتب اسمه خطأ (اليانوس)، إلي نفيه لقصة أصحاب الفيل والطير الأبابيل .. وكل ما يثيره من شبهات وأساطير يمكن بسهولة كشف الخدعة فيها والتي تظهر جهل الرجل بما يتكلم به وتدليسه طلبا لإثارة الإعجاب".

ومنهم من قال عنه أيضا: " لا يكف (الروائي/ القاص/ الباحث / المفكر / المجدد / العلامة / الفهامة) يوسف زيدان عن إثارة الجدل، ولو كان بلي عنق الحقائق، والضرب بمعاجم اللغة العربية عرض الحائط، وإلقاء تفاسير كبار المفسرين في خرابته الفكرية؛ ليعلن لنا أنه الوحيد الذي يحتكر المعرفة الحقيقية، والمعنى الحقيقي لأي كلمة، والتفسير الأدق لكل جملة اختلف عليها الأقدمون والمحدثون على السواء".

ومنهم من هاجمه قائلاً :" ليس مهمًا أن يكون تفسير يوسف زيدان متوافقًا مع الثوابت التي استقر عليها العقل العربي، وكتب التفاسير والمعاجم العربية.. إنما المهم أن يكون التفسير مثيرًا، غريبًا، شاذًا، وخارجًا على المألوف؛ ليضمن احتفاء الجهال به، وترويج ساقطي اللغة والدين لخزعبلات، وتفسيرات إمامهم اللوذعية على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام التي تحتفي بما يتقيأه هذا المفكر الفذ".

ولا أنسي هذا النقد الذي وجهه الأستاذ بكر السباتين له عندما قال :" هل صلاح الدين أحقر شخصية عرفها التاريخ!؟.. ما هي زلة اللسان التي قصمت ظهر البعير!؟ وأكثر من سؤال.. يوسف زيدان أسطورة الكذب التي صنعها الأعداء لتواجه الإسلام المعتدل ومن علامات ذلك أنه نصب نفسه محل المفتي أبو عمامة، فقال الكثير من الهرج والمرج، ورغم ذلك فإن لديه نقطة ضعف تتجلى في أنه يهرف بما لا يعرف من خلال ثرثرته غير الموثقة حيث ينتهج فيها الدعائية المغرضة إذ لا تقوم على مرتكزات منهجية، والتي من خلالها حتى العلماني بوسعه مناقشة الدين بموضوعية قابلة للتعاطي والبحث، والمحاججة بالمنطق دون ضغينة (وذلك في مقاله بعنوان يوسف زيدان أسطورة الكذب).

لكن نتفق أو نختلف مع ما أطلقه نقاد يوسف زيدان من سهام فكرية من آن لآخر، فإن هذا لا يمنعني من القول بأن يوسف زيدان رمز « الجرأة والصدام » في قضايا لا ينبغي الغوص فيها؛ فهو معروف عنه افتحامه لأخطر القضايا الفكرية والدينية بـ « دم بارد » غير عابئ بمن ينهش في سيرته ومسيرته، وذلك حسب قول الأستاذة مي عبد الرحمن (في مقالها السابق الذكر في المقال الأول) .

وعلى الرغم من كل ذلك فيوسف زيدان يعد حالة فنية فريدة في المشهد الثقافى المصرى والعربى أيضا ؛ علاوة علي أنه بسبب آرائه وأطروحاته وتصريحاته – المثيرة للجدل دائما - بداية كما قلت من قبل من انتقاده للشخصيات التاريخية كصلاح الدين، وقطز، وبيبرس، وأحمد عرابي، مروراً بأحكام وقراءات وتفاسير القرآن المغفولة، وصولا إلى أن المسجد الموجود في مدينة القدس بفلسطين، ليس هو المسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم، لا نستطع إنكار دوره التفاعلى في تحريك العقول من سبات الجهل والتلقين السائدين في الثقافة الجمعية العربية .

إن البحث عن الشهرة والركض وراء جائزة نوبل، تهم تلاحق يوسف زيدان منذ مطلع عام 2000، فتارة اتُهِم المفكر بالإساءة للمسيحية وسرقة الأفكار بعد نشر روايته « عزازيل » وتارة وجد نفسه مواجها بتهمة ازدراء الأديان،  بعدما نشر كتابه « اللاهوت العربى وأصول العنف الديني » بالإضافة إلى تزييف التاريخ وتشويه الرموز الوطنية، وذلك حسب قول الأستاذة مي عبد الرحمن (في مقالها السابق الذكر).

ولكن والحق يقال فإن المشهود عن يوسف زيدان طوال تاريخه العلمي والأدبي، أنه لا يتبع مدرسة فكرية بعينها، ولا يُحسب على تيار ثقافى معين، فلا هو إسلامي أصولى متشدد، ولا هو علمانى متحرر، وإنما هو كما يقدم نفسه " مفكر وفيلسوف متحرر يميل للصوفية الإسلامية بما يعتريها من قيم روحانية كونية ؛ علاوة علي أن  يوسف زيدان لمن لا يعرفه كما تقول عنه مي عبد الرحمن، مثقف متمرد، يميل للفكر النابش عن المسكوت عنه في التاريخ والموروث الإسلامي.. حديثه ذو شجون دائما، ويمتلك حضورًا طاغيًا ولغة متقنة ومعرفة لا حدود لها، باحث عنيد لن يتراجع عن تحقيق حلم صباه حتى آخر نفس، وسوف يبقى مواظبا على تمرده و"إثارته للجدل حتى إشعار آخر، حسب قول الأستاذة مي عبد الرحمن (في مقالها السابق الذكر)".

وفي نهاية مقالي لا أملك إلا أن أقول: أرجو من الأستاذ الدكتور يوسف زيدان ألا يعود إلي مناقشة تلك القضايا الدينية الحساسة أمام القنوات المتخصصةٌ وغير المتخصصة، فُتؤخذ عليه تُهمة ازدراء الأديان، وأن يتخلى عن عباءة " أبا منصور الحلاج" في شطحاته، وهو معتقداً بداخله في ذات الوقت أنه يمتطي جواد "طه حسين" التنويري، وبيده سيف النقد عند "عباس العقاد" الذي يضرب به أعناق الدوجماطيقيين في نظره، وفي ذات الوقت لسانه يلهج بسفودات زكي مبارك في قضايا حساسة يراه عامة الناس أنها ثوابت لا يمكن الحديث عنها بخلاف ذلك .. هذه نصيحتي له.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو  مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم