شهادات ومذكرات

مصطفي الفقي.. رائد السيرة الفلسفية (1)

محمود محمد عليالإنسان العظيم كالمحيط الواسع، في أي ناحية تنظر إليه تراه يعانق السماء، ويوحي لقاء الأفق هذا بالارتفاع، بكل مضمونات الرفعة المعنوية والرفعة المادية معاً، لأنك في كل ناحية ترسل نظرك فيها تجد جمالاً أو فضلاً، وتقتنع فوراً بأن العين لم تحط بعد بكل الجمال الذي فيه، ولم يدرك العقل بعد كل الخير الذي احتواه.

والأستاذ الدكتور مصطفي الفقي (أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وصاحب المناصب السياسية المتعددة )- نموذجا لهذا الأنسان؛ حيث تعددت نشاطات، كإنسان، عاش حياته بكل الأعماق، وحرص دائماً علي البعد الثالث؛ ألا وهو العمق فيما يتحرك إليه، في السياسة، وفي الفلسفة، وفي الآداب، وفي الحياة الاجتماعية، وهذا ما يدفعني في هذا المقال إلي أن نغوص لنكشف مكمن العظمة في هذه الشخصية القديرة.

وهنا يمكن أن أقول : يعد مصطفي الفقي صاحب واحداً من أشهر كتاب السير الفلسفية في مصر والعالم العربي، ورائداً من رواد التحليل السياسي وعملاق من عمالقة المقال الصحفي – الأدبي، بل من أبرز السياسيين المصريين مهنية وحضورا وقلما.. لكن الناس لا تقاس فقط بمهنيتها.. وكان له دوراً متميزاً في السياسة الخارجية المصرية؛ وخصوصاً من خلال قربه من الرئيس الراحل محمد حسني مبارك ورؤساء مصر الآخرين .

ينفرد الدكتور مصطفي الفقي بين أبناء جيله - وكلهم هامات سامقة في عالم السياسة والفكر ـ بأشياء حاز بها السبق والريادة، فسبق غيره في تناول عددًا من الشخصيات بلغ 92 شخصيةً، وتحدث عن 102 شخصيةً في معرض كتابه "شخصيات على الطريق" كما وضم كتابه "عرفتهم عن قرب" معلوماتٍ عن 97 شخصيةً.

كان « مصطفى الفقي » (مع حفظ الألقاب) شخصية قوية ومحبوبة فى ذات الوقت، وله «كاريزما» متميزة حتى تأثرنا به جميعًا وانبهرنا بشخصيته في سنوات الشباب المبكر، علاوة علي أنه يمتلك المقدرة على تقديم الأمور وعرضها بشكلٍ مبسطٍ وباستخدام عباراتٍ واضحةٍ، فهو يتمتع بصفات الأستاذ والزعيم .. بذل مصطفى الفقي كل إمكاناته في سبيل تحقيق الإصلاح الفكري والسياسي، وعارض فكرة التهميش والعزل، كما ناضل في سبيل الوحدة الوطنية، والقضايا المتعلقة بالقومية العربية، من خلال تناوله لها في الكثير من كتبه ومقالاته.

ونظرًا لخبرته الطويلة ومعرفته الغزيرة بالتاريخ والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، فقد أسهم بشكل كبير في الأدب الأكاديمي في العالم العربي؛ إذ ألَّف ستةً وثلاثين كتابًا، منها «تجديد الفكر القومي» و«الرؤية الغائبة». وتسلط مؤلفاته الضوء على بعض القضايا الرئيسية التي كرس حياته لدعمها، مثل الإصلاح السياسي والفكري، والقضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، وأهمية الوحدة العربية والتضامن. كذلك يكتب مقالًا أسبوعيًّا ثابتًا في جرائد «الأهرام» المصرية، و«الحياة»، و«المصري اليوم»، بالإضافة إلى مقالاته في كثيرٍ من الصحف والدوريات الأخرى.

وُلد مصطفى الفقي في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1944 في المحمودية- محافظة البحيرة في مصر، وأنهى دراسته الابتدائية والإعدادية في منطقة دمنهور، ثم حصل على بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1966 ونال شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لندن عام 1977.

ومصطفى الفقي سياسيٌ، وبرلمانيٌ، ودبلوماسيٌ مصري؛ وقد بدأ الفقي العمل بمنصب قنصل مصر ثم سكرتير السفارة المصرية في لندن حتى عام 1975، ليشغل منصب مستشار السفارة المصرية في الهند عام 1979 واستمر فيه حتى عام 1983. وبعد أن عاد إلى مصر رشَّحه أستاذه الدكتور "أسامة الباز"، ليصبح مستشار الرئيس حسني مبارك للمعلومات عام 1985، واستمر فيه حتى عام 1992؛ وعندما ترك ذلك المنصب بدأت التكهنات حول مغادرته؛ فذهبَ البعض لتدخله بأمورٍ ليست ضمن صلاحياته، فيما قال البعض أن لوسي أرتين هي وراء مغادرة الفقي لمنصبه، بينما ذكر آخرون أن مشاكل وخلافاتٍ وقعت بينه وبين الجمعية الأمريكية إضافةً لتوتر علاقته مع رئيس ديوان الجمهورية زكريا عزمي.. وعام 1993، ثم أصبح مدير معهد الدراسات الدبلوماسية منذ عام 1993 وحتى عام 1995، ليشغل منصب سفير مصر في جمهوريات سلوفاكيا، وسلوفينيا، وكرواتيا من عام 1995، وحتى عام 1999.

كان مصطفى الفقي أحد المتحدثين في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي الدولي في سويسرا عام 1995، وشغل منصب مندوب مصر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إضافةً لمنظمات الأمم المتحدة الأربعة لمدة أربع سنوات، وشارك بصفة عضوٍ في الوفد المصري المشارك في مؤتمرات القمة العربية والإفريقية والدولية من عام 1985 وحتى عام 1992.

وقد شغل مصطفى الفقي منصب رئيس وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية عام 2001 وعضو في الهيئة الاستشارية لمؤسسة الفكر العربي في الفترة بين عامي 2002 و 2004، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ عام 2004، كما أصبح الفقي عضو لجنة الشرق الأوسط في اتحاد البرلمان الدولي لعام 2005، وعضو اتحاد الكتاب عام 2006 وعضو المجتمع العلمي المصري منذ عام 2007 وعضو المجلس الأعلى للثقافة منذ عام 2007، كما عُين عضوًا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية منذ عام 2008 وعضوًا في مجلس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة منذ عام 2008؛ ثم انضم الفقي عام 2008 للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن منذ عام 2008 ثم أصبح عضوًا في اللجنة الاستشارية لاتحاد البرلمان الدولي الخاصة بالأمم المتحدة بنفس العام.

وفي الفترة الممتدة بين عام 2000 وعام 2005 أصبح مصطفى الفقي عضوًا في مجلس إدارة نادي هليوبوليس ثم مستشار المجلس من عام 2010 وحتى عام 2016. وفي نفس العام شغل منصب عضو في مجلس جامعة دمنهور ومجلس أكاديمية الفن ثم رئيس الصالون الثقافي العربي في القاهرة.

شارك الفقي في الكثير من المؤتمرات العربية والدولية، كمؤتمرات القمة العربية والإفريقية، إضافةً لمشاركته في المنتدى الاقتصادي الدولي في سويسرا، واهتم الفقي بالفكر القومي العربي وله في ذلك الكثير من الكتابات التي ساهمت بإقامة علاقاتٍ واسعة بينه وبين الكثير من المسؤولين العرب؛ إضافةً لعددٍ من المثقفين والمفكرين. أثبت وجوده على المستوى الدولي من خلال إلقاء المحاضرات والكلمات في العديد من المحافل والجامعات والمجالس الدولية. ورشَّحته وزارة الخارجية المصرية لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، بعد انتهاء ولاية عمرو موسى في أيار/ مايو عام 2011.

وفي عام 2017 عُيّن الفقي عضوًا في مجلس أمناء المتحف القومي للحضارة المصرية، كما عمل مديرًا لمكتبة الإسكندرية منذ أيار/ مايو عام 2017 وحتى الآن. كما سجل الفقي ظهورًا إعلاميًا أكثر من مرةٍ، حيث شارك في برنامج "سنوات الفرص الضائعة" على قناة النهار الفضائية المصرية، وفي برنامج "يحدث في مصر" على قناة MBC مصر.

نُشرت مقالاته في العديد من الصحف المصرية والعربية، كما أنهى خلال حياته عددًا من الموسوعات الدولية الشهيرة والكثير من الكتب التي تناولت مواضيعًا حول العلوم الاجتماعية والآداب؛ وقد كان للفقي بصمته الخاصة في مجال الكتابة؛ ففي حصيلته الكثير من المقالات التي نشرها في عدة صحف منها الأهرام والحياة اللندنية وجريدة المصري اليوم، إضافةً لعددٍ من الكتب منها كتاب "التقارب الأمريكي السوفيتي ومشكلة الشرق الأوسط" عام 1970 وكتاب "لقاء الأفكار" عام 1993 وكتاب "تجديد الفكر القومي" عام 1993 وكتاب "حوار الأجيال" عام 1994 وكتاب "الرؤية الغائبة" عام 1996 وكتاب "ليالي الفكر في فيينا" عام 1998 وكتاب "الرهان على الحصان" عام 2002، كما كان له كتاب "حصاد قرن" عام 2004 وكتاب "الدولة المصرية والرؤية العصرية" عام 2005؛ وفي عام 2014 صدر للفقي كتابٌ تذكاريٌ، ثم كتاب بعنوان "فلسفة الكون وتواجد الوجود" عام 2015 وكتاب "سنوات الفرص الضائعة" عام 2015 وكتاب "الانفجار العظيم والفوضى الخلاقة" عام 2016، ليتبعه عام 2017 كتاب "شخصيات على الطريق" وكتاب "لقطات من العمر".

حصل مصطفى الفقي خلال حياته المهنية على الكثير من الجوائز والتكريمات منها "كأس الخطابة" عام 1965 والجائزة الأولى من المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب عام 1966، كما حصل على جائزة أفضل كتاب سياسي من معرض القاهرة الدولي للكتاب وجائزة الدولة التشجيعية عام 1994، إضافةً لحصوله على وسام العلوم والفنون من حكومة النمسا عام 1998، كذلك نال عشرات الأوسمة والنياشين من عدد كبير من الدول العربية والأجنبية، وفي أكتوبر 2019، منح قداسة البابا ثيودوروس الثاني، بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس، الدكتور مصطفى الفقي وسام القائد "The Medal of the Superior Commander of the Order of the Lion of Alexandria"، وذلك تقديرًا لجهود سيادته الثمينة في دعم العلاقات بين مصر واليونان.

علاوة علي أن لديه خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية اكتسبها من حياة مهنية زاخرة على الساحة الدولية، وقد تولى منصب مدير مكتبة الإسكندرية اعتبارًا من 28 مايو 2017 وحتي الآن.... وللحديث بقية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم