شهادات ومذكرات

زينب رضوان.. رائدة النسوية الدينية في مصر (1)

محمود محمد عليشهدت الحركة النسوية في العقود الأخيرة تطورات عديدة، كان أوضحها تحولها من مجرد حركة اجتماعية مطلبية إلي حقل معرفي، وبروز طيف واسع من التيارات النسوية انطلاقاَ من خلفيات ومرجعية متباينة إثنية وأيديولوجية، أو حني دينية كالنسوية المسيحية والنسوية اليهودية وأخيراً النسوية الإسلامية .

وقد أخذ تيار النسوية الدينية في التبلور التدريجي منذ الموجة النسوية الثانية علي يد بعض الدارسات المسيحيات ممن تخصص في الدراسات الدينية، وحصلن علي درجات علمية تؤهلهن لقراءة النص المقدس، وشرعن في إعادة تأويله من منطق البحث عن التحيزات الذكورية التي همشت وضعية النساء الدينية وقلصت حضورهن داخل المؤسسة الدينية .

وبصفة عامة هناك اتجاهان للبحث يقعان في نطاق النسوية الدينية ؛ الأول نظري، ويتعلق بالبحث عن البني والأنماط السلبية التي التصقت بالفكر الديني عبر العصور بشأن النساء، ويتجه نحو تفكيك هذه البني بردها إلي البيئة الثقافية والتاريخية، التي ظهرت فيها بحسبانها تجليات لها ولا تعبر عن مراد الرسالة الإلهية . والثاني تطبيقي ويستهدف إنتاج معرفة دينية بديلة مبنية علي المزج بين المناهج والأدوات الدينية الكلاسيكية ومناهج البحث النسوي الحداثية، وتنهض بها الباحثات انطلاقاً من ضرورة تضمين خبراتهن الأنثوية لتقديم تأويل أكثر عدالة للنص المقدس .

وقد أخذ تأثير النسوية الدينية في الانتقال من الغرب إلي الشرق، فمنذ الثمانينيات من العقد الماضي اتجهت بعض الباحثات المسلمات كالباحثة اللبنانية عزيزة الحبري، والمغربية فاطمة المرنيسي إلي مقاربة النصوص الدينية الإسلامية، بغرض الكشف عن التحيزات التي سيقت في تفسيرها، ثم انضم إليهن أخريات من مصر ؛ مثل الأستاذة الدكتورة زينب عبد المجيد رضوان (1943-2013م)- أستاذة الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم -جامعة القاهرة – فرع الفيوم سابقاً، حيث سعت إلي إنتاج معرفة دينية انطلاقاً من مناهج وأدوات البحث النسوي، فكان جل اهتمامها يتمحور حول النص وكيفية قراءته .

والدكتورة زينب رضوان واحدة من أشهر الداعيات للفكر النسوي بعد إضفاء الصبغة الشرعية والدينية عليه، وتقدم أطروحاتها في هذا المجال تحت لافتة التجديد الديني والخروج من أسر الفقه والفقهاء الذين اجتهدوا، وفقاً لظروف عصرهم التي تغيرت تغيراً شديداً، ولم تعد تلائم عصرنا الحالي، ومن ثم ينفسح المجال واسعاً أمامها لإضفاء مشروعية ما على الفكر النسوي المتهافت، كي يصبح مقبولا من القاعدة الجماهيرية المسلمة التي لازالت ورغم كل محاولات التشويه تستشعر بفطرتها الحق.

وقد شغلت الدكتورة زينب رضوان منصب عميد كلية دار العلوم- فرع الفيوم، (وهي كلية ذات طابع إسلامي متخصصة في دراسة علوم العربية والشريعة الإسلامية)، وتتميز شخصية زينب رضوان ( مع حفظ الألقاب) بطابع الجدية، حيث كان الحوار معها من أصعب الأمور؛ وخاصة مع أولئك الذين لا يحسنون استخدام عقولهم ؛ فهي لا تقبل هذراً ولا فوضي. والألفاظ لديها ينبغي أن تكون علي قدر معانيها، فالتزيد مرفوض، والفيهقة مستحيلة . لذلك كانت دائرة أصدقائها ضيقة جدا، ومعارفها قليلين، وصارت الفكرة التي شاعت عنها في الوسط الأكاديمي أن الصغار يخشون منها، والكبار يهابونها.

ولدت زينب رضوان في 14 نوفمبر 1943، حيث حصلت على بكالوريوس الفنون والتعليم في الفلسفة من كلية البنات بجامعة عين شمس العام 1964، والماجستير في الفلسفة الإسلامية من نفس الكلية عام 1972،، ودرجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة الإسكندرية عام 1978، ثم تدرجت في مناصيها الإدارية، حتي حصلت علي درجة الأستاذة في عام 1990م، وفي عام 1994 عُينت رئيساً لقسم الفلسفة الإسلامية، وفي عام 1997 م عُينت وكيلاً لشئون التعليم والطلاب وكيلا لشئون التعليم والطلاب - كلية العربية والإسلامية- جامعة القاهرة.

علاوة علي خبرات أخري منها: أنها في مقتبل حياتها عُينت باحث مساعد "معيد" بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية  1965، ثم  باحث "مدرس مساعد" بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية 1972، خبير"مدرس" بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية  1979، ثم مشرف على مشروع الدراسات الإسلامية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية  1979، رئيس وحدة البحوث الدينية والمعتقدات بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية  1981 وحتى 1979، خبير اول "أستاذ مساعد" بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية 1983،  ثم أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الدراسات العربية والإسلامية – جامعة القاهرة – فرع الفيوم 1990، ثم رئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية الدراسات العربية والإسلامية جامعة القاهرة فرع الفيوم  1994 وحتي 1997، ثم عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية جامعة القاهرة  1997 وحتى 2003، ثم رئيس قسم الفلسفة الإسلامية 2003، ثم أستاذ الفلسفة الإسلامية المتفرغ 2004، ثم وكيل مجلس الشعب عن الفئات 2005، وكانت عضوًا فى المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ووكيلة لمجلس الشعب، وعضو فى المجلس القومي لحقوق الإنسان ومشاركة فى العديد من المؤسسات الدولية، حصلت على جوائز من العديد من الهيئات العلمية والإسلامية فى مصر والخارج، واستمرت تتدرج في مناصب إدارية أخري إلي أن وافتها المنية يوم الأربعاء الموافق 27 مارس 2013.

وهَبَت زينب رضوان حياتها كلها للفكر الإسلامي داخل وخارج الجامعة: تعليماً وبحثاً، وظلت اهتماماتها الرئيسية هي اهتمامات أستاذ جامعي، يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن . وكانت تعتقد أن قدراتها الخاصة لا تقل بحال من الأحوال عن قدرات أي باحث مماثل لها في أوربا . لذلك فإن حوارها مع كبار الأساتذة في أوربا، كان يتسم بالندية . وكانت تصحح الكثير من آرائهم بالاعتماد علي المنهج العلمي الحديث في البحث والدرس الفلسفي؛ وبالذات عن المرأة والفكر النسوي.

وللدكتورة زينب رضوان الكثير من الكتب والمؤلفات المنشورة ورقياً والكترونياً، من بينها: النظرية الاجتماعية في الفكر الإسلامي: أصولها وبناؤها من القرآن والسنة، التعليم الديني في مصر، المرأة في المنظور الإسلامي: بعض القضايا، ودور الإسلام في تحديد الخلفية التاريخية لمكانة المرأة في مصر، والبعد الديني لظاهرة الحجاب بين الجامعات (جزآن)، وتصنيف العلوم عند عبد الرحمن بن خلدون،  والتصور الإستشراقي لبعض الأفكار الدينية، والطرق الصوفية في مصر، الإسلام في قلب مصر، قيم التنشئة الدينية في مرحلة التعليم الإبتدائي، معالجة الصحف اليومية لقضايا الفكر الديني خلال الفترة من 1970- 1981،  الاحياء الإسلامي بين الصحوة والتطرف" دراسة في تحليل العوامل والتفاعلات عام 1988،  حركات المعارضة السياسية في الفكر الإسلامي، ونظريات ومذاهب في الأخلاق،  وأحكام الأسرة في ضوء الشريعة الإسلامية، والإسلام وقضايا المرأة، ومسيرة الحضارة والمرأة المصرية، حق الزوجة في السفر بين القانون والشريعة،   تعدد الزوجات، وميراث المرأة، والمرأة بين الموروث والتحديث، والتفسيرات الخاطئة للدين كأحد معوقات التنمية أمام المرأة، وفلسفة التشريع العقابي في الإسلام، والروحانية منهج إيجابي للحياة في الإسلام، والحس والعقل والروح في الفكر الإسلامي. وهلم جرا .

ومن خلال تلك الكتب والبحوث يتبين لنا أن زينب رضوان قد قضت سنوات عمرها فى البحث العلمي والخدمة العامة، وكانت قدوة لتلاميذها فى التواضع والوطنية والتفاني فى العمل، والدفاع عن الإسلام بعيداً عن التشدد والتعصب بكلية الدراسات العربية والإسلامية، ومؤلفة العديد من الكتب فى الفكر والفقه والشريعة تميزت بالعمق والأصالة والتزمت بالمنهج العلمي؛ كان من بينها كتاب عن "المرأة فى المنظور الإسلامي"، حيث اهتمت الدكتورة زينب بقضايا المرأة فى المجتمعات العربية، وبينت في هذا الكتاب بالدليل أن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من المبادئ الأساسية فى الدين الإسلامي، الذى يقرر للرجل والمرأة حقوقاً متساوية في الأهلية، وحيازة المال، وتملك العقار، والتعاقد، والتكسب، والمصالحة، والتقاضي، ويحتفظ للمرأة بشخصيتها المدنية الكاملة وبأهليتها فى تحمل الالتزامات وإدارة أموالها، ولم يعط الإسلام للمرأة الحق في طلب العلم فقط، بل جعله فريضة واجبة عليها واعترافا بشخصية المرأة في نطاق الدولة سوى الإسلام بينها وبين الرجل فى حق المشاركة السياسية، وقررت الأحكام الشرعية في الإسلام حق المرأة فى العمل، وفى إطار الحياة الزوجية أعطى الإسلام للمرأة حق اختيار الزوج، والحق فى حضانة الطفل، والحق فى الانتقال بالطفل، ولها وحدها الحق في العودة أو عدم العودة إلى زوجها بعد الطلاق وليس لأحد أن يرغمها، ويشترط الإسلام أن يكون الرجل مساوياً للمرأة فى المركز الاجتماعي والمالي ولا يشترط أن تكون المرأة كفئا للرجل، وعقد الزواج في الإسلام عقد رضائي يقوم على الإيجاب والقبول، ومن حق المرأة أن تشترط على زوجها أن تقيم في بلدها أو في بيتها، وألا يتزوج عليها وغير ذلك من الشروط باتفاق الطرفين كأي عقد من العقود، وللزوجة أن يحسن الزوج معاملتها.. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم