شهادات ومذكرات

أول معاهدة سلام مكتوبة في العالم

يسري عبد الغنيقادش أو تل النبي مندو مدينة أثرية قديمة سورية، تقع على نهر العاصي إلى الجنوب الغربي من حمص بحوالي 24 كيلومترا

وهي عاصمة مملكة كنزا ويقع تل النبي مندو على بعد 5 كيلومترات إلى الغرب من مدينة القصير، جرت فيها معركة قادش الثانية بين المصريين والحثيين.

المواثيق و المعاهدات من شأنها ان تنظم العلاقات بين الدول والحرص على احترام وتقديس حياة الشعوب وتأمين حمايتها في الحرب والسلم وهذه معادلة حرصت على اتباعها الدول في عهدنا الحالي والإمبراطوريات في العهد القديم.

وتعد معاهدة (قادش) اقدم اتفاقية سلام عرفها التاريخ وقد ابرمت بين امبراطوريتي الحثيين والفراعنة المتنازعتين حيث تضمنت بنودا قانونية وعسكرية ودبلوماسية نظمت العلاقات بينهما مع مباركة دينية ولمسة دبلوماسية ماكرة.

وحول اهمية هذه المعاهدة التاريخية أجمع الباحثون على انها تعتبر الاساس لجميع المعاهدات التي توالت بعدها على مر 33 عصرا من ابرامها اذ انها جمعت بين تطبيق القوانين (التشريعات) وضمان حق الشعوب وتأكيد اقامة سلام عادل وشامل وتعزيز اواصر العلاقات العسكرية و الدبلوماسية". ان المعاهدة وقعت بين الحثيين والفراعنة الذين كانوا في حالة حرب دائمة في الجبهات الشمالية وتحديدا في مدينة قادش قرب محافظة حمص السورية في عام 1296 قبل الميلاد حيث تولى قيادة الحثيين فيها الملك (حاتسولي) فيما تولى قيادة المصريين الفرعون (رمسيس الثاني). الروايات اختلفت حول المنتصر في هذه المعركة "بيد ان (رمسيس الثاني) قد اضطر في نهاية المطاف الى الانسحاب من سورية الشمالية والوسطى حيث توصل الطرفان في عام 1280 قبل الميلاد الى عقد الصلح و توقيع المعاهدة التي نسبت لهذه المعركة"

ان هذه المعاهدة نقشت على لوائح من الفضة باللغتين الفرعونية الهيروغليفية والبابلية المسمارية وانه عثر عليها اثناء عمليات تنقيب اجريت في شمال الاناضول في مدينة (بوغازكالة) في محافظة تشورم. ان بنود المعاهدة اكدت "اهمية اقامة علاقات جيدة بين الدولتين والسعي الى احلال سلام اساسه احترام سيادة اراضي الدولتين والتعهد بعدم تحضير الجيوش لمهاجمة الطرف الاخر واقامة تحالف وانشاء قوة دفاعية مشتركة واحترام الرسل والمبعوثين بين الدولتين لاهمية دورهم لتفعيل السياسة الخارجية واخيرا اللجوء الى لعنة الالهة كضمانة لهذه المعاهدة و معاقبة الناكث بها". ان اهمية هذه المعاهدة تكمن في انها اول معاهدة مكتوبة في التاريخ وقد اتخذت مثالا للمعاهدات التي تلتها في العصور الوسطى لما تضمنه نصها من مقدمات وبنود وخاتمة.

وتعرض هذه المعاهدة حاليا في متحف الاثار في مدينة اسطنبول و توجد نسخة منها في مقر الامم المتحدة في نيويورك. مطابقة لهذه المعاهدة ظهرت في مؤتمر تحالف الحضارات الذي عقد في منتصف شهر ديسمبر2012 في مدينة اسطنبول على أمل بان يسهم هذا الميثاق القديم في الهام الشعوب في وقتنا الحاضر باقامة تحالفات مبنية على الحضارات والثقافات والمعتقدات والمجتمعات في مختلف انحاء العالم.

 

بقلم: د.يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم