شهادات ومذكرات

سهير عبد السلام.. فيلسوفة في مجلس الشيوخ المصري

محمود محمد عليلقد صدق قول القائل بأن المشاركة السياسية للمرأة تعد من أهم الموضوعات التي تثير الجدل في الفترة الراهنة، حيث أن المرأة تمثل نصف المجتمع تقريباً، وهي تربي النصف الأخر، كما أننا أصبحنا نلاحظ زيادة دور المرأة في الأنشطة الاجتماعية بشكل كبير، وكذلك أصبحنا نلاحظ زيادة نسبة المتعلمين من النساء، ولقد اتسع نشاط المرأة في العمل بشكل عام، حيث أصبحنا نري حالياً المرأة المعلمة، والطبيبة، والمهندسة، والإعلامي.. إلخ، وكذلك أصبحت تلعب دوراً فاعلاً في النقابات المهنية علي مختلف أنواعها، وكذلك أصبحت تلعب دوراً هاماً في كافة أنشطة المجتمع، وترجع أهمية المشاركة السياسية للمرأة، إلي أنها تحقق لها التكافؤ في الفرص، وكذلك تحقق العدالة بين الرجل والمرأة، سواء من الناحية السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، وكذلك تجعل المرأة في قضايا بلادها متساوية مع الرجل؛ كما تتعدد الأدوار التي يمكن أن تلعبها المرأة، وذلك لتحقيق المشاركة السياسية، وذلك في إطار المؤسسات الرسمية (السلطات الرسمية الثلاثة)، أو المؤسسات الغير الرسمية، حيث يمكن أن تلعب المرأة دوراً في السلطة التشريعية (البرلمان)، وذلك من حيث كونها ناخبة أو مرشحة أو نائبة.

وكل هذا ينطبق حول تلك الشخصية التي سأتحدث عنها الآن ؛ ألا وهي الأستاذ الدكتورة سهير عبد السلام (عميد أداب حلوان السابق والنائبة بمجلس الشيوخ المصري الحالي)، حيث زاملتها منذ أكثر من ربع قرن، عندما كنت أعمل مدرساً للمنطق وفلسفة العلوم بجامعة حلوان في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت زميلاً لي بقسم الفلسفة، وكانت تتمتع بقدرة فائقة على الوصول لأهدافها، وخبرة طويلة فى العمل الأكاديمى والإدارى، اكتسبتها من عملها كأستاذ للفلسفة السياسية فى كلية الآداب بجامعة حلوان، ثم عميداً للكلية لدورتين متتاليتين وذلك خلال السنوات الماضية.

ولما كانت سهير عبدالسلام (مع حفظ الألقاب ) تعد أستاذ فلسفة سياسية، فقد أهتمت بكل القضايا والمشكلات السياسية، وطبيعة الفكر السياسي الغربي والعربي فى العصور المختلفة، والدراسة النظرية أثارت لديها الرغبة فى تطبيق ذلك فى مجال العمل، بالإضافة إلى أن رسالتها لنيل درجة الدكتوراه، والتي كانت تدور حول «الأيديولوجية والثقافة السياسية»، وهذا فى الواقع جعلها تطرح حلولاً لكثير من المشكلات والقضايا، باستخدام الفكر الفلسفي والمنطقي؛ إضافة إلى أن هذه ليست أول تجربة لها فى العمل السياسي، لأنها كانت عضو مجلس محلى محافظة القاهرة عام 2008 بطريق الانتخاب أيضاً؛ إضافة إلى أنها عقدت دورات تدريبية فى كثير من الأحزاب والمؤسسات السياسية الهامة، لتدريب الشباب والمرأة على العمل السياسي.

كما شغلت سهير في عام 2008 عضوية المجلس المحلي لمحافظة القاهرة، وألقت فى 2014 سلسلة محاضرات حول "دور المرأة في الواقع السياسي"، وساهمت فى عقد ندوات تثقيفية سياسية حول التنمية ومشاركة الشباب، خلال الفترة من 2016 - 2018، وألقت محاضرات سياسية للتوعية والتثقيف السياسي في ائتلاف حب الوطن، قبل الانتخابات الرئاسية 2018، وفى 2020 ألقت سلسلة محاضرات سياسية بالأمانة العامة لحزب مستقبل وطن حول الشائعات ودور الإعلام الجديد.

وتكريماً لما قامت به على مدار سنوات طويلة، حصدت العديد من الجوائز؛ ففى عام 2019 اختارتها أكاديمية النيل للعلوم الحديثة والتنمية البشرية ضمن أفضل الشخصيات الإبداعية المطورة على مستوى الوطن العربي، وكرمتها الجمعية المصرية للكتاب والإعلاميين الشبان، تقديراً لعطائها لسنوات طويلة فى عمادة كلية الآداب بجامعة حلوان.

وكل ذلك جسد بداخلها رغبة فى الترشح لمجلس الشيوخ ؛ خاصة وأنه لم تعد هناك أى قيود تحد من مشاركة المرأة فى المجالس النيابية، بل على العكس، فالحد الأدنى من تمثيلها فى مجلس الشيوخ 10%، وفى «النواب» 25%، وليس هناك ما يمنع أن تكون النسبة أعلى من ذلك، فقد جاءت النسبة كحد أدنى وليس أقصى، إضافة إلى مشاركتها بقوة فى الوزارة الحالية، وفى الهيئات والجهات المختلفة، ومنها القضاء، فلا توجد جهة سياسية أو سيادية غير ممثل بها المرأة.

وعندما استضافها برنامج "السفيرة عزيزة" المذاع عبر فضائية "دى إم سي"، لا أنسي تلك المقولة التي قالتها؛ حيث قالت: إن المرأة صارعت كثيراً حتى تصل إلى حق التصويت الانتخابي، وأنها تتمتع بذلك الحق فيجب على كل امرأة أن تقوم بذلك التصويت والمشاركة "؛ ولم تكتف بذلك، بل أشارت، إلى أن من أسس الديمقراطية داخل أى مجتمع أن هناك دوراً فعالاً للمرأة؛ إضافة إلى أن يكون هناك مساواة بينها وبين الرجل على حسب الكفاءة، كما أضافت بأن المرأة المصرية شاركت فى المظاهرات عام 1919، وأيضا لها مشاركات سياسية فعالة؛ وأكدت، أن مشاركة المرأة فى العمليات الانتخابية تكون نابعة من شعورها بحجم المشكلات التى توجد فى المجتمع، مشيرة إلى أن المرأة أول من تمس أى تغييرات نظراً لأنها أساس الأسرة لذلك تدافع عن أى مشكلة تمس سلامة أسرتها؛ وأوضحت، أن المرأة بدأت أن تدرك حقوقها بالفعل، مؤكدة أن المجلس القومى للمرأة مستمر بالتوعية فى دور المرأة فى السياسية.

وبالفعل اختارت سهير عبدالسلام أن تخوض انتخابات مجلس الشيوخ ممثلة لحزب مستقبل وطن وقائمة "دعم مصر" التى حصدت غالبية مقاعد هذا المجلس، وهذا لم يكن وليد الصدفة، فمن قبل كانت سهير عبد السلام كثيراً ما كانت تحلم بأن يكون بمصر مجلس حكماء، وهو المتوفر الآن بمجلس الشيوخ الذي دخلته ونجحت فيه بجداره، ومجلس الشيوخ في نظره هو الذي يجمع ما بين جميع الاختصاصات والوزارات المختلفة، موضحة أن مجلس الشيوخ يوجد به فكر مستنير يقوم فى النهاية على تقديم كل ما من شأنه مصلحة الوطن والمواطن ؛ ومن ثم فإن مجلس الشيوخ في نظرها يقوم بوضع فكرة أو خطة وبرنامج عمل يتم اقتراحه، وتتم الموافقة عليه ويرفع إلى البرلمان أو لرئيس الجمهورية، لافتة إلى أن عمل مجلس الشيوخ عظيم ومصر تحتاجه فى تلك الفترة.

وحول الأهداف التي تحاول سهير عبد السلام تحقيقها من عضويتها بمجلس الشيوخ، وهو تقديم الرؤى، والأفكار الجديدة، والتصورات، والخطط الاستراتيجية، التى يمكن أن تحدث تنمية اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، ومن ثم فأنا أهتم بالشأن العام وبالتوعية والتنمية الثقافية فى المجتمع، وهذه أهم القضايا التى تشغلنى، وبالفعل المجتمع المصري فى حاجة ماسه جدا لنهضة ثقافية، وأخلاقية، وحضارية.

وأنا واثق أن سهير عبد السلام يمكن أن تفيد فى هذا المجال من خلال عضويتها مجلس الشيوخ، ولا أنسي تصريحها الذي قالته علي منبر جريدة "الوطن المصرية" بأن :" القوانين الخاصة بالمرأة، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية، وكل ما يتعلق بتشريعات مقاومة العنف ضد المرأة، ستكون مطروحة للتطوير والتعديل ضمن أولوياتي فى مجلس الشيوخ"؛ بل وأن كل ما يخص المرأة سيكون محور اهتمام سهير عبد السلام؛ خاصة التشريعات التى تخدمها وتحقق أمنها واستقرارها، وفى مقدمتها قوانين الأحوال الشخصية، وقضايا الحضانة، وعمل المرأة، ومقاومة العنف والتنمر والتحرش، كل هذه القوانين مطروحة للنقاش، ومن ثم يمكن تعديلها أو الإضافة لها.

وأنا واثق بأن سهير عبد السلام ستنجح في أن تكون "شيشرون مصر" في مجلس الشيوخ ؛ خاصة وأن لديها أجندة مقترحات متمثلة في كونها مهتمة بالثقافة، ودور القوى الناعمة فى المجتمع، وقدراتها على الارتقاء بالقيم الأخلاقية فى المجتمع، وتقديم صورة مشرفة لمصر أمام العالم، وأمام المواطن ليعتز ببلده، ويشعر بانتمائه له، وأن يكون هناك مشروع واسع المدى للنهوض بالوعى الثقافي والسياسى للمواطن، وتلبية متطلباته الثقافية والإنسانية، بشكل يتناسب مع دور مصر وتاريخها وحضارتها العريقة، وكل ذلك فى خطوة لإعادة بناء القيم فى المجتمع.

علاوة علي إيمانها الشديد بالتنوع الذي يؤكد أن حزب «مستقبل وطن» لا يهدف إلى الاستئثار بالمجالس النيابية، وإنما بالتكوين المتعدد داخل تلك المجالس للتعبير عن مختلف الأفكار والآراء والأيديولوجيات المختلفة تحت قبة البرلمان، لأن تعدد الآراء واختلافها فيما بينها تحت قبة مجلس الشيوخ أمر حيوى، يعلى مصلحة البلاد، للوصول إلى الرأى الصائب، ووجهة النظر الأقرب للتطبيق ويخدم المصالح المختلفة للمواطنين والدولة.

هذا بالإضافة إلي أن اهتمامها ينصب على الجانب التوعوي الثقافي، فغياب القيم الأخلاقية في ظل التطور التكنولوجي في حاجة إلى إعادة نظر، وهنا تقول سهير عبد السلام : "نحتاج إلى إعادة نظر في الأخلاق وتشكيل شخصية تضيف للمجتمع"؛ وأشارت إلى أنها تهتم بإعادة الحرف التراثية إلى مصر، ونشر الفنون، للارتقاء بوجدان المجتمع، وذلك من خلال الاهتمام بقصور الثقافة، معتبرة أن ذلك الجانب مهم للإنسان المصري، مؤكدة ضرورة أن يكون التعليم عن بعد جزءا من الثقافة الجديدة، وأن تهتم الأسر بنشر ثقافة التميز بعيدًا عن فكرة الكليات العليا أو القمة، والضغط على الطلاب للحصول على درجات مرتفعة فحسب؛ وأوضحت سهير عبد السلام، أن دور المجلس لا علاقة له بالخدمات، التي من المفترض أن يقوم بحلها المجالس المحلية، التي تواجه المواطنين، وبذلك يحمل عبئا كبيرا عن المجالس النيابية، التي من المفترض أن تمارس دوراً تشريعياً رقابياً.

وثمة نقطة مهمة جديرة بالإشارة أود أن أشير إليها هنا في هذا المقال، وهو موقف سهير عبد السلام من جائحة كورونا ؛ حيث رأت أن الدولة المصرية وضعت إجراءات حازمة وصارمة، لمواجهة فيروس كورونا، وحرص الدولة على صحة المواطنين، باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية، لمواجهة انتشار الفيروس، وهو ما يدل على أن علي تأكيد الدولة ودورها في دعم ملف الصحة للمواطن، وتلبية متطلباته؛ خاصة في ظل الموجه الثانية لفيروس كورونا.

وحول موقف سهير عبد السلام من التعليم الهجين، فهي تري أنه يمثل نتيجة تلك الإجراءات الحديثة فى التعليم وهو جزء أساسى من العملية التعليمية وكان لا يعتمد علية من قبل بشكل الكافى، وأشارت النائبة أنه مع تفشى فيروس كورونا المستجد أدرك أعضاء هيئة التدريس والطلاب بالجامعات ضرورة الحاجة إلى تطوير الذات واكتساب مهارات التواصل عبر المنصات الإلكترونية المختلفة ؛ كما أن عملية التعليم الهجين في اعتقادها واجهت العام الماضي العديد من المشاكل مثل "عدم توفر البنية التحتية المناسبة، وأن اعضاء هيئة التدريس لم يكونوا مؤهلين للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى أن هناك قطاع كبير من الطلاب، لم يستطيعوا الوصول الى منصات التعليم، بسبب عدم توافر شبكة الانترنت لديهم ؛ وأن الجامعة اتخذت إجراءات واستعدت مع بداية العام الدراسي الجديد، وذلك عن طريق توفير بنية تحتية وتطوير منصات الكترونية، تستوعب التعليم عن بعد.

وحتي لا نطيل علي القارئ الكريم، فلا أملك في نهاية هذا المقال إلا أن أقول تحية طيبة للدكتور سهير عبد السلام التي كانت وما تزال تمثل لنا نموذجاً فذاً للفيلسوفة ذات المعية السياسية والبرلمانية والتي نجحت في أن تعرف كيف تتعامل مع العالم المحيط بها وتسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام ؛ حيث يحاول الكثيرون فيه أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت رئيس وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لسهير عبد السلام تلك المرأة العظيمة التي لم تغيرها السلطة، ولم يجذبها النفوذ، ولكنها آثرت أن تكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع، وسوف تبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً .

 

د. محمود محمد علي

قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم