شهادات ومذكرات

وداعاً وحيد حامد.. عاشق السينما والدراما

محمود محمد عليفقدت الأوساط الثقافية والفنية في مصر والعالم العربي، السبت الماضي، الموافق الثاني من يناير 2021م، قلماً من أهم الأقلام إلتى أبدعت للسينما المصرية، وللمشاهد المصرى والعربى لسنوات طويلة، وخاطبت الضمائر والعقول والقلوب بأجمل الاعمال السينمائية والدرامية ؛ ومنها: أفلام: الإرهاب والكباب، والمنسي، والبرئ، وطيور الظلام، والنوم في العسل، وطائر الليل الحزين، وغريب فى بيتى، والبرئ، والراقصة والسياسي، والغول، والهلفوت، واللعب مع الكبار، واضحك الصورة تطلع حلوة، وسوق المتعة. ومسلسلات: البشاير، والعائلة، والدم والنار، وأوان الورد، والجماعة.

إنه الكاتب الكبير والسيناريست المصري العملاق "وحيد حامد"، الذي توفي عن عمر 77 عاماً بعد تدهور حالته الصحية في أحد مستشفيات القاهرة، ولقد كان " وحيد حامد" واحداً ممن أثروا السينما والدراما المصرية بأعمال، ستبقى محفورة في الذاكرة الفنية لمصر والعالم العربي، وقد دشن عدد كبير من رود موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" هاشتاج وحيد حامد وتصدر الهاشتاج قائمة الأكثر تدولاً على تويتر، وجاءت التغريدات كالآتى: المبدع وحيد حامد في ذمه الله انا لله وإنا اليه راجعون.. اللهم أغفر له، وأرحمه، وأسكنه فسيح جناتك، شكرًا وحيد حامد علي تاريخك المُشرف للدراما وللسينما وللثقافة المصرية.. الخ.

ووحيد حامد هو واحد من أعظم من كتبوا وألفوا للسينما العربية، عبر الخمسين الماضية؛ حيث عبرت أعماله عن كل قضاياه الإنسان العربي، كما لم يعبر أحد وهو، وواحدا ممن جعلونا نحب السينما، ولا ننسي عمله الرائع في فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي كان من تأليفه ، وهو بحق شخصية ابداعية خاصة واستثنائية في وجدان الفن المصري والعربي.

ولد وحيد حامد في الأول من يوليو 1944، بمحافظة الشرقية، وتخرج في قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1967، ليبدأ بالتوازي رحلة البحث عن تحقيق حلمه في كتابة القصة القصيرة، فكانت أول إصداراته مجموعة قصصية بعنوان "القمر يقتل عاشقه"، ولكن فجأة تغير المسار، وتحول الاهتمام لكتابة الدراما بنصيحة من الكاتب الكبير "يوسف إدريس"، لتنطلق رحلة السيناريست وحيد حامد بين جدران ماسبيرو، ومطلع السبعينيات، بكتابة الدراما الإذاعية والتلفزيونية، قبل أن ينطلق في مجال الكتابة للسينما نهاية السبعينيات، بفيلم "طائر الليل الحزين"، إخراج يحيى العلمي، الذي كرر معه التعاون عام 1981 في فيلم "فتوات بولاق" عن قصة لنجيب محفوظ ؛ أيضا يقوم بكتابة المقال السياسى والاجتماعى فى أكثر الصحف انتشارا، ويحظى بجمهور واسع من القراء وكذلك أشرف على ورشة السيناريو بالمعهد العالى للسينما لمدة أربع سنوات، متتالية أخرج منها عددا من أفضل كتاب السيناريو الحاليين.

ثم واصل وحيد حامد معاركه ضد التطرف والفساد السياسي معاً في أعمال؛ مثل "دم الغزال"، 2005 وفي 2006 قدم فيلم "عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رواية علاء الأسواني، ومن إخراج مروان حامد، وهو فيلم أثار الزوابع في عصره بسبب اقتحامه لكثير من الخطوط الحمراء السياسية والاجتماعية والجنسية، كما حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.

ومن أعمال وحيد حامد الأخيرة المختلفة "احكي يا شهر زاد" إخراج يسري نصر الله 2009، الذي ابتعد فيه عن نقد القشرة السياسية والدينية للمجتمع ليغوص في جذور الاستبداد والفساد داخل الأسرة والعلاقات الاجتماعية نفسها.

وبعد غياب طويل عن التلفزيون عاد وحيد حامد في 2010م، ليقدم الجزء الأول من مسلسل "الجماعة" الذي يرصد فيه بشجاعة نشأة وصعود جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مصر، ثم آخر أعماله الجزء الثاني من "الجماعة" في 2017 ويفصل بينهما مسلسل اجتماعي بديع هو «بدون ذكر أسماء» الذي يشرح فيه ببراعة العلاقات الاجتماعية بين الطبقات المختلفة.

كان وحيد حامد بدأ مسيرته بكتابة القصة القصيرة والمسرحية فى بداية مشواره الأدبي، ثم اتجه إلى الكتابة للإذاعة المصرية فقدم العديد من الأعمال الدرامية والمسلسلات، ومن الإذاعة إلى التليفزيون والسينما ؛ حيث قدم عشرات الأفلام والمسلسلات.

ولقد كان "وحيد حامد" بحق قيمة فنية كبيرة جداً، ونموذجا للكاتب الكبير، الذي يستشرف آفاق المستقبل، من خلال أعماله الفنية، بطريقة لطيفة جداً، وقريبة من الواقع.، ولا شك في إن الكلام لا ينتهي عن الكاتب وحيد حامد، وتأثيره سيستمر لعقود طويلة، فهو من العلامات المؤثرة في تاريخ الصحافة وتاريخ الكتابة السينمائية والدرامية.

وقد لاقت أعمال المؤلف وحيد حامد إعجابا من كافة المحافل المحلية، والدولية وحاز عنها على عدة جوائز، وآخرها في 2020 م، حاز جائزة الهرم الذهبى التقديرية لإنجاز العمر من مهرجان القاهرة السينمائى الدولي فى دورته الـ 42 ؛ وهو أيضاً كاتب السيناريو العربي الوحيد الذي كرمه مهرجان «دبي السينمائي الدولي» في آخر دوراته 2017، والذي كرمه مهرجان "القاهرة" أيضاً في دورته الأخيرة منذ عدة أسابيع.. ليلتها صعد وحيد حامد إلى المسرح لتحية الحاضرين الذين استمروا في التصفيق واقفين لعدة دقائق، وكان الإرهاق يبدو عليه وهو يستدعي ذكرياته وأساتذته الذين ساهموا في تكوينه ونجاحه.

رحم الله المبدع عملاق السينما والدراما وحيد حامد، خالص العزاء لأسرته وللفن المصري، ولكل محبيه في مصر والعالم العربي .. إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم إغفر له وإرحمه وإسكنه فسيح جناتك ..شكرًا وحيد حامد علي تاريخك المُشرف للدراما وللسينما وللثقافة المصرية .. وداعاً أيّها المُعلّم ... وستبقى ابداعاتك ونحن معها، نحارب طيور الظلام.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم