شهادات ومذكرات

سعد جاسم: سعد يوسف.. وداعاً

2564 سعدي يوسف 1برحيل الشاعر الفذ (سعدي يوسف)؛ يكون الشعر العراقي والعربي والعالمي قد خسروا واحداً من أكبر وأهم قاماتهم ورموزهم وايقوناتهم الذهبية.

لقد قال سعدي يوسف في واحدة من قصائده المهمة:

{كلُّ الأَغاني إنتهتْ

إلّا أَغاني الناسْ

والصوتُ لو يُشْترى

ماتشتريه الناسْ

عَمْداً نسيتُ الذي

بيني وبين الناسْ

منهُمْ أَنا مثلُهم

والصوتُ منهم عادْ

**

والليلَ بُتْنا هُنا

والصبحَ في بغدادْ}

* أيها الأخضر إبن يوسف:

يا فينيق الشعر والحياة والرفض

والمنافي والاحتجاج والمغامرات

الحياتية والشعرية والجمالية ؛

أنا لاأَرثيك ... ولا أَبكيكَ

حيثُ أَنَّ المراثي لاتليق

بشاعر عظيم هو أَنتَ

إنَّكَ ستبقى حاضراً وخالداً في قلوبنا

وارواحنا وذاكراتنا ابداً .

* أبو حيدر: المعلم والأب والاخ والصديق

نَمْ ساطعاً ورائعاً وناصعاً

ونَمْ هنياً وبهياً وأَبياً ونقياً

وعلى روحك السلام.

2564 سعدي يوسف 2

* (سعدي يوسف سيرة مُكثَّفة)

سعدي يوسف: شاعر ومُترجم وقاص عراقي

وُلد في البصرة وتحديداً في ابي الخصيب عام 1934

تخرج من دار المعلمين العالي ببغداد 1954

عمل في التدريس والصحافة

غادر العراق في السبعينيات واقام في العديد من المنافي والمغتربات ... ومنها لبنان وسوريا والجزائر والاردن وكندا .. وفي ربيع القرن الأخير اصبحت لندن مقر اقامته الدائم .

نال العديد من الجوائز في الشعر

ونذكرُ منها:

جائزة سلطان بن علي العويس، وقد سُحبتْ منه لاحقاً

الجائزة الإيطالية العالمية

جائزة كافافي من الجمعية الهلّينية

جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ

حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا

وهكذا انتهت رحلة الالف ميل لواحد من اعظم شعراء

العصر الحديث .

2564 سعدي يوسف 3* ببلوغرافيا: الشعر والترجمة والقصة والمقالات:

الشعر:

1- القرصان (1952) – مطبعة البصري - بغداد

2- أغنيات ليست للآخرين (1955)- مطبعة الأديب - البصرة

3- 51 قصيدة (1959)- بغداد – بمساعدة من وزارة التـربيـة

4- النجم والرماد (1960)- مطبعة اتحادالأدباء

5- قصائد مرئية (1965)- المطبعة العصرية – صيدا

6- بعيداً عن السماء الاولى (1970)- دار الآداب – بيروت

7- نهايات الشمال الإفريقي (1972) – دار العودة - بيروت

8- الاخضر بن يوسف ومشاغله(1972)- مطبعة الأديب - بغداد

9- تحت جدارية فائق حسن (1974)- دار الفارابي - بيروت

10- الليالي كلها (1976)- مطبعة الأديب - بغداد

11- الساعة الاخيرة (1977)- دار الآداب - بيروت

12- كيف كتب الاخضر بن يوسف قصيدته الجديدة (1977)- دار الآداب

13- قصائد اقل صمتاً (1979)- دار الفارابي - بيروت

14- الاعمال الشعرية (1980)- دار الفارابي بيروت

15- من يعرف الوردة (1981)- دار ابن رشد - بيروت

16- يوميات الجنوب يوميات الجنون (1981)- دار ابن رشد - بيروت

17- مريم تأتي (1983)- دار حوار - اللاذقية

18- الينبوع (1983)- دار الهمداني - عدن

19- خذ وردة الثلج، خذ القيراونية (1987)- بيروت – دار الكلمة

20- محاولات (1990)- دار الآداب

21- قصائد باريس، شجر ايثاكا (1992)- دار الجمل - ألمانيا

22- جنة المنسيات (1993)- دار الجديد - بيروت

23- الوحيد يستيقظ (1993)- بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر

24- ايروتيكا (1994)- دار المدى – دمشق

25- كل حانات العالم (1995)- المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت

26- الأعمال الشعرية - ثلاثة مجلدات- (1995)- دار المدى – دمشق

27- قصائد ساذجة - 1996- دار المدى - دمشق

28- قصائد العاصمة القديمة (2001)- دار المدى

29- اربع حركات – قصائد مختارة- (1996)- قصور الثقافة - القاهرة

30- حانة القرد المفكر (1997)- دار النهار - بيروت

31- يوميات اسير القلعة (2000)- دار المدى

32- حياة صريحة (2001) – دار المدى

33- الأعمال الشعرية (أربعة مجلدات) – 2002 – دار المدى – دمشق

34- الخطوة الخامسة (المجلد الخامس من الأعمال الشعرية) – 2003 – دار المدى

35- صلاة الوثـني – دار نينوى – دمشق – 2004

36- حفيد امريء القيس - دار المدى – دمشق- 2006

37- مختاراتي – دار آفاق – القاهرة – 2007

38- الشيوعيّ الأخير يدخل الجنّة – دار توبقال – الدار البيضاء - 2007

دار المدى – دمشق - 2007

39- أغنية صياد السمك وقصائد نيويورك – دار آفاق – القاهرة 2008

40- قصائد الحديقة العامة – دار الجمل – بيروت 2009

41- الأعمال الشعرية (المجلد السادس) – دار الجمل – بيروت 2009

42- الديوان الإيطاليّ – دار الجمل – بيروت – بغداد 2010

43- في البراري حيث البرق – دار الجمل- لا بيروت- بغداد 2010

2564 سعدي يوسف 4{الشعر مترجم صادر في هيأة كتاب}

1- أوراق العشب – والت ويتمان (1979)- دار ابن رشد - بيروت

2- وداعاً للإسكندرية التي تفقدها – كافافي (1979)- دار الفارابي – بيروت

3- إيماءات - يانيس ريستوس (1979)- دار ابن رشد - بيروت

4- الأغاني وما بعدها – لوركا (1981)- دار ابن رشد

5- ديوان الأمير وحكاية فاطمة – غونار أكيلف (1981)- ابن رشد

6- شجرة ليمون في القلب – فاسكو بوبا (1981)- ابن رشد

7- سماء صافية - أونغاريتي (1981)- ابن رشد

8- قصائد – هولان (1981)- ابن رشد

9- باب سيوه وقصائد أخرى - توم لامونت (2001)- ألِف – القاهرة

10- حليب مراق – سارة ماغواير – دار المدى (2003) - دمشق

{ترجمات أخرى}

1- تويجات الدم – (رواية) - نغوجي واثيونغو (1982)- دار ابن رشد

2- الحوالة - (رواية) – عثمان سمبين (1983)- مؤسسة الأبحاث العربية- بيروت

3- زمن القتلة - (مقالة عن رامبو) – هنري ميللر (1979)- المؤسسة العربية - بيروت

4- تصفية استعمار العقل - (دراسة) - نغوجي واثيونغو (1985)- مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت

5- المفسّرون – (رواية) – وولي سوينكا (1986)- مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت

6- الشمس الثالثة عشرة – (رواية)- دانياتشو ووركو (1985)- مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت

7- خرائط – (رواية)- نور الدين فراح (1987)- الهيئة المصرية العامة للكتاب

8- حياة متخيلة –(رواية)- ديفيد معلوف (1996)- دار المدى

9- ملعبة طفل – (رواية) – ديفيد معلوف (1998)- دار المدى

10- الصرخة الصامتة – (رواية) – كينزابورو اوي (1999)- دار المدى

11- متشرداً في باريس ولندن – (رواية)- جورج اورويل (1998)- دار المدى

12- باراباس _ (رواية) _ بار لاغركفيست – دار المدى

13- الأمير الصغير – أنطوان دو سانت إكســوبري – 2002- دار المدى

14- في بلادٍ حُـرّة – ف0س0 نايبول – 2002- دار المدى

{أعمال قصصية ونثرية ومسرحية}

1- نافذة في المنزل المغربي – قصص قصيرة (1974)- مطبعة الأديب - بغداد

2- سماء تحت راية فلسطينية- يوميات (1983)- ابن رشد - بيروت

3- يوميات المنفى الأخير (1984)- دار الهمداني - عدن

4- أفكار بصوت هادئ – مقالات (1987)- مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت

5- عندما في الأعالي – مسرحية (1989)- دار الآداب - بيروت

6- مثلث الدائرة – رواية (1994)- دار المدى

7- خطوات الكنغر – يوميات ومقالات (1997)- دار المدى

8- يوميات الأذى – (2005) – دمشق – دار نينوى

9- يوميات ما بعد الأذى – 2007 – دمشق – دار نينوى

{أعمال باللغة الإنجليزية}

Troubled Waters (poems) –Beirut 1995

Without an Alphabet، without a face- Minnesota 2002

{أعمال باللغة الفرنسية}

Loin du Premier Ciel - Anthologie

Sindbad – Actes sud (1999)

{أعمال باللغة الألمانية}

Fern vom ersten Himmel- Verlag Hans Shiller، Berlin 2004

{أعمال باللغة الإيطالية}

I giardini dell' oblio- De Angelis Editore، Roma 2004

{مختارات من شعر سعدي يوسف}

نظرة جانبية

"حين تنظرُ عبرَ الزجاجِ المواربِ نظرتَكَ الجانبيةَ

تبصر أن الغيومَ ارتدتْ ورقاً من غصونٍ زجاجيّــةٍ …

هل تمادى الرذاذُ على مَسكن النملِ؟

هل هجستْ سـلّـةُ الزهرِ سنجابَـها يترجّـحُ؟

هل كنتُ أهذي بأسماءِ مَن رحلتْ أمسِ

تاركةً مخدعي بارداً يتنفّسُ؟

كان القطارْ

مسرعاً بين قُصوى محطّــاتهِ والمطار …

انتبهتُ إلى أنني لم أكن في دمشقَ؛

ولا أنا في القاهرةْ

وانتبهتُ إلى أن أمطارَ آبٍ حقيقيّــةٌ

مثلَ ما أنني جالسٌ لِصقَ نافذةٍ …

أسمعُ الآنَ صوتَ الرذاذِ الذي صار في لحظةٍ مطراً

أسمعُ الطائراتِ …

الصواريخُ تنقضُّ

إني أُقِــيمُ الصّــلاة".

**

2564 سعدي يوسف 5قصيدة مريم تأتي / سعدي يوسف

- 1-

وللحظةٍ غمرتْكَ بالقبلاتِ

ثم نأت متوجةً بخوصٍ أبيضٍ .

في أي نهرٍ سوف تنغمس الأناملُ؟

أي ماءٍ سوف يبتلّ القميصُ بهِ؟

وأيةُ نخلةٍ ستكون مُتّكأً؟

وهل يَسَّاقطُ الرُطَبُ الجَنِيّ؟

أكان جذعُ النخلةِ المهتزُّ أقصى ما تحاول مريمُ؟

الأشجارُ موسيقى،

وهذي الشقة البيضاءُ في بيروت ما زالت أمام البحرِ

تخفق في البعيد مدينة مائية أخرى

وألمحُ وجه جَدّي: زرقةَ العينين، والكوفية الحمراءَ

ألمحُ في الحواجز وجهَ مريمَ،

في المحاور خطوةَ الملكِ المتوّجِ بالقذيفةِ

يدخل الرومانُ منتظمين كردوساً،

وقوميون يقتتلون في الدكانِ .

مريمُ في مدينتها،

وأنت تراقب الطرقَ البعيدة: هل تجيءُ اليومَ؟

كانت عند مزبلة الرصيفِ

وأوقدتْ نيرانَها،

ومضتْ متوجةً بأدخنةٍ،

تباركت المدينةْ .

لهفي عليكَ وأنتَ مشتعلُ

في الليلِ خلف الساترِ الرملِ

هل كان ينبض دونك الأملُ

أم كان يخفق منتأى الخيلِ؟

كلما جئتُ بيتاً تذكرتُ بيتا

كلما كنتُ حيّاً تناسيتُ ميْتا

غير أن الذي جئتُهُ

غير ان الذي كنتُهُ

لم يعدْ لي

لم يعدْ غيرَ ظِلّ

وليكنْ !

إن ظلاً يصيرْ

خيرُ ما يُرتجى في ظلام المسيرْ

- 2 -

لو كنتُ أعرفُ أين مريمُ

لا تَّبعتُ النجمَ نحو بلادها،

لكنّ مريمَ خلّفتني في المتاهة منذُ أن رحلتْ

وقالت: سوف تلقاني إذا أحببتَني .

في الرمل أبحثُ عن أناملها

وفي أطلال "عينِ الحلوةِ" السوداءِ عن عينينِ،

في باب "الوكالة" أسألُ الشبّانَ: هل مرّتْ؟

وبين صحيفةٍ وصحيفةٍ أتسقّطُ الأنباءَ

في المذياع، أمس، سمعتُ صوتاً: صوتَ مريمَ؟

أم تراها تسكن الطلقاتِ

بين الليلكيّ وبين حيّ السلّمِ المنخوبِ؟

بيروتُ التي استندتْ الى أحجارها

فزّتْ كطير البحرِ،

والعشاقُ يمتشقون رشاشاتهم

والبحرُ يهدأُ

ينصتُ الأطفالُ للصوتِ المباغتِ ...

في البعيد حرائق "،

والطائراتُ تدورُ في أفقٍ رصاصيٍّ

لكِ العشاقُ والطلقاتُ ... مريمُ

تدخلين، إذن؟

تعالي ...

هذا الفضاءُ نظلُّ نطرقهُ

حتى نرى في الوحشةِ العَلَما

حتى يدور الطيرُ نُطلِقُهُ

نحو النجومِ ليطلق القَسَما

في البراري فلسطينُ، في قبّراتِ المخابيءْ

في الرصاص الكثيفِ

وفي صيحةِ الراجمةْ

في الأغاني فلسطين، في الخصلة الفاحمة

في قميص الشهيدْ

في حديدٍ يردّ الحديدْ

في يدٍ

في زنادْ

في اقتراب البلادْ

- 3-

ها نحن، مريمُ، نرسمُ الطرقاتِ في الليلِ الملبّدِ

نرصدُ الطلقاتِ تتبعنا

ونقفز مثل عصفورين مذعورين بين قذيفةٍ وقذيفةٍ

ها نحن، مريمُ، نهبط الدرجاتِ نحو الملجأ الليلي،

نحصي الطائراتِ مغيرةً

ونقولُ: آمَنّا ...

ونمشي، خلسةً، للبحرِ

نجلس خلف أكياس الترابِ

ونرقب الأمواجَ تهدرُ، والشبابَ مقاتلينَ ...

ثيابُهم مخضّرة" كالصخر عند شواطيء المتوسطِ

انتظري قليلاً، كي نقول لهم: سلاماً

كي نباركَ بالدموع سلاحَهم

كي نمسحَ الخصلاتِ بالماءِ القليلِ

ونمضغَ الخبزَ المجفف صامتينَ ...

ومريم، المرآةُ والرؤيا،

بشارةُ أن نموتَ ممجّدينَ

وأن نعيشَ كما يعيش الرفقةُ البسطاءُ

مريمُ تسكنُ الميلادَ

تسكن في الدم العربيّ

نتبعها، وتتبعنا

ولكنا، هنا، في قسوةِ اللحظاتِ

ننسج من عباءتها هويتَنا

وندخلُ في القيامةْ

في الموقع الحجريّ رايتُنا

مغروزة في وقفةِ الزمنِ

سنظل نغرزها ونغرزها

حتى نفجّرَ نبعةَ الوطنِ

وليكنْ ما يكونْ

وليكنْ أن يجيء الجنونْ

وليكنْ ...

إننا القادمونْ

**

قصيدة: صلاة الوثني

إلى عبدالرحمن منيف

يا رَبَّ النهرِ، لكَ الحمدُ:

امْنَحْني نِعْمةَ أن أدخلَ في الماءِ …

لقد جفَّ دمي

ونشِفتُ؛ قميصي رملٌ، وشفاهي خشبٌ

حتى حُلمي صار طوافاً في مَذأبةٍ صفراءَ …

امنَحْني، ياربَّ النهرِ

كِساءَ النهرِ،

لكَ الشكرُ

لكَ الحمدُ

فمَنْ لي غيرُكَ، يا عارفَ سِرِّ الماءْ؟

…………...

……………

……………

يا ربَّ الطيرِ، لكَ الحمدُ:

امنَحْني أنْ أتَقرّى بين يديكَ جناحَ الطيرِ

امنحْني نِعمةَ أن أعرفَ نبضَ قوادمِهِ وخوافيهِ

وأنْ أدخلَ فيهِ …

لقد أُوثِقْتُ، سنينَ، إلى هذي الصخرةِ، يا ربَّ الطيرِ:

أدِبُّ دبيباً

وأرى كلَّ خلائقِكَ ارتفعتْ نحوَكَ تحملُها أجنحةٌ

إلآّيَ …

امنَحْني، يا ربَّ الطيرِ، جناحينِ !

لكَ الشّكر …

……………

……………

……………

يا ربَّ النخلِ، لكَ الحمدُ:

امنَحْني، يا ربَّ النخلِ، رضاكَ، وعفوَكَ:

إني أُبصِرُ حولي قاماتٍ تتقاصَرُ

أُبصرُ حولي أمْطاءً تَحدودِبُ،

أُبصرُ من كانوا يمشونَ على قدمينِ انقلبوا حيّاتٍ تسعى …

يا ربَّ النخلِ، رضاكَ وعفوَكَ

لا تتركْني في هذي المحنةِ

أرجوكَ !

امنَحْني، يا ربَّ النخلةِ

قامةَ نخلةْ …

**

قصيدة: أكثر من ذكرى، أقل من ذاكرة

يا أرضنا المشتراة المباعةَ، والمشتراةَ المباعةَ، ثانيةً

أنتِ، يا وجه مَن يتذكّر منّا تواريخَ ميلادهِ:

بعُدنا عن النخلِ ...

لكنّ الناس كثيرو النسيان، هذه الأيام، بل كاد النسيان يغدو وباءً، حتى صار المرء يُحاذر ويتّقي خشية أن تصيبه العدوى، وما أدراك ما العدوى!

أمّا أنا فلا أخشى على نفسي من نفسي، أعني أنني لا أستطيع أن أنسى تاريخ ميلادي ...

صحيحٌ أنني أجهلُ اليوم، والشهر أيضاً (وهو أمرٌ كان سائداً في قديم الزمان)، إلا أنني أعرف العام جيِّداً،وهو العامُ الرابع والثلاثون بعد تسعمائةٍ وألف . بالتأكيد أنا لم أسعَ كي يتطابق هذا العامُ مع تاريخ التأسيس العجيب للحزب الشيوعي العراقي، لكنّ

العراقي فتوّةً وشباباً .

قد يقول قائلٌ: ولماذا مضيتَ في هذه الحماقةِ حتى الآن؟ أليس العالَمُ مسالك ودروباً؟ ألم يخطر لك أن تختار سبيلاً تمضي فيه، ولو إلى حين؟

ولسوف أقول لهذا السيد القائل:

الشيوعية ليست حزباً . الشيوعية فلسفةٌ وموسيقى .

إنها إطلالةٌ جذريّةٌ على الكون، ومسعىً لهندسة جماله، من أجلِ فقراء الكون ومعذَّبيهِ . وأنا ماضٍ معها لأنني مقتنعٌ بفلسفتها، ومحبٌّ لموسيقاها الكونيةِ .

وما دام في العراق حزبٌ شيوعيٌّ فأنا معه.

الأمر بهذه البساطة . وأنا امرؤٌ بسيطٌ .

وإن كان للناس أبراجهم، كما تنشر المجلاتُ، فأنا لي بُرجي أيضاً:

البرج

كلّما ضقتُ بالسهل ِ، واجَهني عالياً ...

كان صخرُ الجبالِ القريبةِ ينمو عليه، وتنمو على الصخرِ أعشابُهُ ...

كان برجاً قديما.

منه أُبصرُ حتىالقلاعَ مُوطّأةً، والسماءَ التي يحتويها سديما

كان بُرجاً قديما

مائلاً لليسار قليلاً، ومنهدمَ البابِ

يدخله الصاعدون

ويخرج منه الذين يرون النجومَ القريبة.

ولقد يأخذُ السائحون

في حقائبهم بعضَ أحجارهِ ...

للمَعارضِ والكتبِ والمدنِ المستريبة.

وهو يسخر، في صمته، عالياً ...

مُشرِعاً بابَه المنهدم

مائلاً لليسار قليلا

ماثلاً في المعارضِ والكتب والمدن المستريبةِ هَمّاً مُقيما

كان بُرجاً قديما...

**

قصيدة: إذاً خُذْها عند البحر

قد جاءتكَ، متوَّجةً، فارعةً

متهلِّلةً

وعلى مَفرِقِها النجمُ القُطبيُّ …

مزركشةً

أغصاناً وغلائلَ، دوحةَ ميلادٍ، في لحظةِ ميلادٍ

ستدقُّ البابَ، لينفتحَ البابُ ؛

أتأخذُها في أدنى السُّلَّمِ

منتصبَينِ وملتصقَينِ

كصندوقِ كمانٍ …

أَمْ تُمهِلُها كي ترقى السُّلَّمَ ذا الدّرْجاتِ السَّبعِ؟

تفكِّرُ أنتَ:

المَمشى بين نهايةِ هذا السلَّمِ والغرفةِ

أطولُ من أن تتحمّلَهُ

من أن تصبرَ …

هل تأخذها في المَمشى؟

هل تهصرُها لِصقَ الحائطِ؟

لكنْ ستفكِّرُ أنتَ:

لماذا لا تتبعُها حتى الغرفةِ

حتى متنفَّسِ ضَوعِ أراكٍ، ومَجَسِّ حريرِ أرائكَ …؟

سوف ترى شمساً بينكما

شمساً ومجرّةَ أقمارٍ

ونَثيثاً من طَلٍّ سرّيٍّ …

ولسوفَ تكونانِ سعيدَينِ ومرتجفَينِ ؛

……………….........

……………………..

…………………….

تفكِّرُ أنتَ:

ولكنّ بهاءً كبهاءِ الزائرةِ العُليا أقدسُ من أن يؤخَذَ

بين أراكٍ وأرائكَ …

إنّ بهاءً يستغرقُ كوناً لا يتحمّلُ ضِيقَ مكانٍ ؛

………………........

……………………

……………………

حسناً يا ولدي !

الآنَ تعلَّمتَ من الغائبِ شيئاً

وعرفتَ …

إذاً، خُذْها عندَ البحر

***

سعد جاسم

 

 

 

في المثقف اليوم