شهادات ومذكرات

طارق بوحالة: رحيل الناقد الأردني يوسف عليمات

تفقد الساحة النقديّة العربيّة الناقد الأردني "يوسف عليمات" وهو في أوج عطائه النقدي، ويعد الفقيد من بين المتخصصين القلائل في نشاط النقد الثقافي، وهو الذي اشتغل فيه أكثر من عقدين من الزمن بحثا وكتابة وتدريسا.

وقد استهل تجربته في هذا النشاط بكتابه المهم "جماليات التحليل الثقافي الشعر الجاهلي نموذجا، الصادر عام 2004، وفيه سعى جاهدا من أجل الكشف عن الوجه المشرق للقراءة الثقافية، وذلك بسبر مخبوءات النصوص الشعرية القديمة والبحث عن الجماليات الثقافية المختزنة.  ليأتي كتابه "النسق الثقافي" قراءة في أنساق الشعر العربي القديم والصادر عام 2009، والذي واصل فيه ما بدأه في الكتاب الأول، بتقديم قراءات نقدية تتوسل بمقولات النقد الثقافي كاشفا عن المضمرات النسقية المختزنة خلف البناء اللغوي والجمالي للقصيدة العربية القديمة. وللتذكير فقد فاز هذا الكتاب بجائزة عبد العزيز البابطين في فئة نقد الشعر عام 2013.

ليقدم الفقيد بعد ذلك كتابا ثالثا موسوما " النقد النسقي" تمثيلات النسق في الشعر الجاهلي والذي صدر عام 2015،  وفيه يطرح اإبدالا نقديا على شاكلة النقد الثقافي والنقد الحضاري وهو النقد النسقي، ليتتبع عليمات في هذا الكتاب أهم مواطن الأنساق الثقافية المبثوثة في الشعر العربي الجاهلي.

وقد صدر له مؤخرا كتاب في موضوع ثقافة النسق، تجليات الأرشيف في الشعر العربي القديم، وهو تتبع في مواطن الصراع بين أرشيف الشاعر العربي قديما وبين أرشيف السلطة، وكيف لهذا الأخير أن يتحول مع مرور الوقت إلى نصوص مكرسة ومعتمدة يصعب مقاومتها.

ومما يسجل أن يوسف عليمات لم ينخرط في السجال الذي كان دائرا مع مطلع هذا القرن بعد صدور كتاب النقد الثقافي للناقد السعودي عبد الله الغذامي، والذي أثار كثيرا من اللغط النقدي وغير النقدي حين انقسم النقاد بين مساند لطرح الغذامي وبين معارض له.

ويختار يوسف عليمات مقترح "الجماليات الثقافية" باعتباره مدخلا أساسيا في القراءة الثقافية، مستعينا به بديلا عن مقترح العيوب الثقافية عند الغذامي. متحملا المسؤولية النقدية بروح علمية نزيهة بعيدا عن الصراعات النقدية المميتة.

ومن خصائص النزاهة العلمية عند يوسف عليمات أنه حافظ على تخصصه في النقد الثقافي، مركزا على معرفته الواسعة في الشعر العربي القديم، وخاصة الجاهلي منه، ويرجع هذا الاهتمام إلى التكوين النقدي والمنهجي الذي اكتسبه الباحث بواسطة معاشرته للنصوص الشعرية القديمة، وكذا من خلال ثقة وتشجيع أستاذه  الناقد الأردني عبد القادر الرباعي الذي خط له تصدير كتابه جماليات التحليل الثقافي معلنا فيه عن ميلاد ناقد ثقافي متميز. وقد خلّف الفقيد وراءه تجربة نقدية ثرية تحتاج إلى من يكملها خاصة من زملائه في الأردن الذين يتقاسمون معه التوجه نفسه والاهتمام النقدي ذاته.

رحم الله الباحث المثابر والناقد المحترف يوسف عليمات

 

د. طارق بوحالة - الجزائر

 

في المثقف اليوم