نصوص أدبية

حمزة..كلنا أنتَ..كلنا دمُكَ

جسدكَ ليس ذاك الأفق الدامي الذي خسرناهُ.. وروحك ليس سرب حمام ودَّعناهُ..

بل هو سورية كلها..بدفئها وعطرها وسحرها وأنوثتها المستترة الكاملة العفيفة..

فلن يقطِّعوا رحمَ أنوثتها لكي لا تنجبَ أطفالاً مثلك أنتَ..

لأنها علمتنا ألا نتفاوضَ على دمك...دمك أنت...

والآنَ.. الآنَ جئنا نودعك ونتفحصُ تفاصيل الجسد الذي ستشرق منه آخر شمس ودعناكَ على تخوم الحنين...تغرينا ابتسامتك الطفولية..ونبكي بحرقة النار..لم نقترفْ إثماً سوى أننا أحببناكَ واختصرنا الحب في اسمك.. واختصرنا الحرية في اسمك.. كي لا تموتَ العصافيرُ فقط لأنها تنفضُ الندى عن جناحيها...

 

فيا حمزة...كيف أرثيكَ؟

بأي كلام ٍ؟

بأيِّ معنىً؟

بأي لغة ٍ؟

بأي قافية ٍ؟

الآنَ...كأني تعلمتُ الفنون كلها وأتقنتُ الكلامَ كله..

والحزنَ كله..والحبَّ كله...

فقبلكَ لم أعرف الشعر وبعدكَ صرتُ شاعرة ً..

قبلكَ لم أعرف الدمعَ وبعدكَ صرتُ غارقة ً..

قبلكَ لم أعرف النثرَ وبعدكَ صرتُ ناثرة ً..

قبلكَ لم أعرف الحبَّ وبعدك صرتُ عاشقة ً..

قبلك لم أعرف الحزنَ إلا الحزنَ والحزنَ..

وصرتُ الآن ناسكةً بصومعةٍ من الحزن..

أأخفيه فيحرقني...؟ وأظهره فيقتلني...؟

ويزرعني سيفاً من الوجع... يغطيني بوهج ٍ من الحبر...

يعلقنني كمئذنة..ويرسمني بلون من براءتكَ..

أسيرُ... وخلفي طيفكَ المصلوبُ يتبعني...

وخلفي برهان دمك َ ..

كيف لا أعرفه.. وهو الذي قد كان يعرفني...؟

كيف لا أحفظه وأدرسه..وأقرؤه ...؟

إنه حمزة...اسمه حمزة...فما أحلاه من اسم ٍ ...!!

وجهٌ مثلُهُ القمرُ... وعينٌ كأنها البحرُ..

تعذبني..وتغرقني ببراءة أحلى الزهر ِ ...

وبسمةُ عصفور معذبةٍ ملوعةٍ... تعلو محياكَ يا قمراً من الأنوار والعطر ِ ..

وصوتُ طفولة غنّاءٍ يطربني ويوقظني بعد غفوة الذل...

يحاسبُ صمتي...ويصفعني بدم ٍ أنقى من البحر ِ

فاعرف أنه قدرٌ...فلا يحاسب نفسه القدرُ ..

فأبكي.. وأبكي على ذراع أمنيتي..

أبكي وقلبي يلفُّ أوردتي.. وعيني تطلب الرفق...

وروحي ممزقة مثل أشرعتي...

تمدُّ يديك تسحقني بجرح يكتب التاريخَ..

يغيِّر التاريخ.. يفضحُ التاريخَ...

فأقتربُ..منكَ أقتربُ.. أقبِّلُ جبينكَ الوضَّاءَ في حلمي...

لكنَّ الجرحَ يلثمني...

فأمد يدي إلى كفيك أحضنها وألمسُ في خمائلها طفولة تفقهَ الآلام..

تفهمُ الأوجاعَ.. فأضيعُ... وأمحو خطاي عابقة ً.. حافية ً أبعثر شالي..

لأرسمَ دربَ أسئلتي ... فتبدأ ثورة أخرى..

حمزة لونٌ من الشفق... وقنديلٌ بليل أوطاني وأحزاني..

وصوتُ الآتي والآتي..

حمزة أغنيةٌ معذبة بين الغيم ِوالبحر...

بين الوعد ِ والفجر..

بينَ قصائد ِ العشاق.. بين ملاحم الفرسان...

حمزة وطني المقتولُ والمصلوبُ والمسفوكُ والمغتصَبُ والمنهوبُ والمسروقُ والمقهورُ..........

حمزة عطرٌ نثرناه على الدنيا لتصحو...ووجع كتبناه...

حمزة...كلنا أنتَ يا حمزة .. كلنا أنتَ...

 

سورية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1777 الجمعة 03/ 06 /2011)

 

 

في نصوص اليوم