نصوص أدبية

صائدة الفئران / عبد صبري أبو ربيع

- الآن سوف تعرف المصير الذي ينتظرك؟

أنت لا تفهم ماذا أقول وماذا اعني ؟ ولكني أراك تحرك كلتا أذنيك .. ربما تسمع ما أقول . كان الفأر ينظر إليها وهو يهتز بين يديها ويلوي ذيله نحو الشمال واليمين . كانت عيناه تلوح بشئ لا تفهمه ، ثم يغمض عينيه وهكذا عجز من التململ بين أصابعها وعلى غفلة منها تمكن من نهش إحدى أصابعها بصورة خاطفة . رمت به الى الأرض وهي تصرخ من الألم حتى اجتمع عليها بعض من كان في البيت وهم يكثرون من الضحك المتواصل وهي تزداد حنقاً وضرباً بقدميها في الأرض وصاحوا بها :

 

- ما هو إلا فأر ٌ صغير .

نظرت إليهم والغيض يتراقص على شفتيها وهي تهتز كسعفة في ري عابرة .

- فأرٌٌ صغير ..! نعم هو فأرُ صغير ولكن ... أتدرون ماذا فعل هذا الفأر الحقير ؟ لقد مزق أجمل ثيابي وانتم تضحكون؟

صمتوا .. وكأن شيئاً أبصروه وهو يلوح لهم بحزامٍ ناسف . جمدت أوصالهم من الدهشة والذهول الذي أصابهم وبعد هذا الصمت المريع أطلق احدهم ضحكة صارخة تبعه الآخرون بالضحك وكأنهم ربطوا بحبل حتى دمعت عينوهم ومدوا أناملهم الى وجناتهم ليمسحوا هذه الدموع المتناثرة على شفاههم وهي تنظر إليهم تارة أخرى وكانت أكثر استسلاماً لهذا الموقف الجديد الذي لا ينفك يراودها حتى قالت في نفسها (ويح نفسي مابهم ... ألا يعرفون ما ثمن هذا الثوب الذي مزقه هذا الفأر اللعين)؟ .

 

اقتربوا منها وصاروا يواسونها بالرغم من أنهم كانوا كل واحد ٍ يوكز صاحبه بكوعه وأطراف حواجبهم تتحرك وتمر بسرعة ٍ نحو عين كل واحد منهم بالغمز . وكانوا يشكلون نصف دائرة حولها وهي جاثمة على الأرض تحرك أصابعها وتخط حروفاً لطالما أدركت أنها هي المصدر الأساس للبقاء وللوصل الى مبتغاها . ولكن .. بئس التمني بين هؤلاء ورفعت كلتا عينيها نحوهم وكانوا هم يتمعنون فيها بعيون تشبه عيون أبو بريص (ما لهؤلاء مني ومن هذا الفأر الهارب)؟ .أتراهم يشاركوني ألمي .. أم هم يتضورون من الضحك حتى الاستكانة .

أشارت بيديها الى موضع الهروب وكانوا يشكلون صفاً واحداً وكل واحد منهم يمسك بقلم من حديد ثم بدؤا الحفر وهي تنظر إليهم حتى جاؤا على أكثر الجدار وهم يتناوبون في الحفر وكل مرة يسألوها:

- في أي اتجاه كان هروب هذا الفأر؟

وكانت هي في عالم أخر تركتهم يتناوبون في الخفر ونفق الفأر لا زال بعيداً عنهم وصاح احدهم بهم :

- أتدركون ماذا تفعلون .. سوف ينهار هذا الجدار !

ابتسمت اخيراً ربما هذا أول الذين أدرك ماذا يفعل .. وهل تراهم يفهمون ذرات التراب المتناثرة في عيونهم وعلى وجوههم التي تزداد غبرة وكأني بهم لا أعرفهم . واستداروا بأجمعهم إليها وهم يرونها تمسك بقلم من رصاص .

- سيدتي أنتِ صائدة فئران . لكن ما هذا القلم الذي بين أناملك؟

أسبلت عينيها وأمسكت بقوة بقلمها الذي اتكأ على تلك القراطيس التي تناثرت وهي تؤشر لهم على الطريق الصحيح الذي يؤدي الى نفق الفأر الهارب وكانوا جامدون كأنهم الحجر المسنون . 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2305 السبت 15 / 12 / 2012)

في نصوص اليوم