نصوص أدبية

خوفُ خوفٍ مؤجل..

توفيق بوشريقررت يا سيدي – هي هنا قريبة من نزوتها وأريحيتها المصرية – أن أصارحك بأن مشكلتك الكبيرة هي الصراحة والاعتراف، لا لا.. لا أقصد الصراحة تجاه الآخرين حتى لو تعلق الأمر بجدار أو بطريق أو دبابة قديمة صدئة تركت على باب مدينتك كذكرى حانقة تنتظر اعترافا أو صراحة مثل التي نحن نتحدث عنها، أو أتحدث عنها يا سيدي.. أحبك وأنت تبتسم لوقعها الفريد على وعيك أيها اللعين – طبعا مزحة – لا تستطيع أن تكون صريحا مع ذاتك، حتى اختياراتك خاضعة لتردد كبير دون أن يكون لديك عذر مقبول.. تبدو في كل مرة غير قادر على فعل ما تحبه وأنت تتحمل مسؤولية ذلك، بل قبل كل مسؤولية، أنت مثل دجاجة تهم بعبور الشارع، دعني أصارحك ولنؤجل غضبك، أو لتؤجل ما تريد أن تنفجر به في وجهي، لدينا الوقت الكافي كالعادة لتبادل اتهامات فارغة مضحكة أو حتى نخوض مباراة مصارعة ما بعد حرة نستعمل فيها الحجارة وقد نصل إلى السكاكين والسواطير.. ولكن لماذا لا تتصرف بعفوية فحسب؟ أحيانا لسنا في حاجة إلى أي تفكير لنقوم بما يلزم في وضع ما.. لماذا ننجز حسابات بليدة ونضرب أخماسا لأسداس منصهرين في عقلية ماكرة بغباء، وجلة خائفة من لا شيء بينما يجب أن نخاف من ذلك الخوف ذاته كما صرح روزفلت  ذات قول.. كأننا نخشى فقدان سند لم يكن حاضرا بشكل جلي في يوم ما البتة أو ربما لا وجود له.. إنه العجز.. تبا لم نتقن العجز حتى لو لم نكن عاجزين حقا؟ حسنا أخبرني لماذا قلت لها بأنك لن تتخلى عنها وأنت لم تحبها ولا لحظة؟ ما الذي تخشاه من مصارحتها بالحقيقة؟ حسنا يمكن أن أفسر ما يروج بداخلك دون أن تقول شيئا فأنا أخشى عليك من مزج التبرير بالعجز والكذب المجاني مرة أخرى.. أنت غير قادر على إيذاء مشاعرك فيها لأنك تخشى الذنب والعقاب.. حسنا ولماذا لا نفرغ أرواحنا من النفاق وندخل عالم المحاسبة لكي تعاني مدة ما ثم نتعافى بكل مرح وقد صرنا أخف من ريشة أو حتى نسمة هواء.. لنخرج إلى الشارع متحررين من أية رغبة في الخشية أو الفقد أو العقاب.. لم توجد هذه الحياة لنهابها ولكن لنقاومها ونعبر مطباتها بفشل متتال حتى النجاحات المؤقتة التي لا ترعبنا لأننا نكون تعلمنا تطبيق ما نؤمن به عوض جعله شعارات قبيحة نختبئ خلفها ونخفي شياطيننا تحت لمعانها وبريقها السافر.. يا سيدي.. لست في حاجة إلى التفكير هنا، حتى لا تتراجع ودائما تحت نفس الذرائع التي لا تؤمن بأية موضوعية.. لأنها تخمد كل محاولة غير مقتنعة قبل أن تعزم على قلب مسار حياتك.. أول خطوة أن تعتبر نفسك رهينة لدى عقليتك التي يقف بينك وبين الحرب عليها أوهام عقلك الخامل.. يجب أن تتعذب قليلا لكي تتخلص من عقدة مبادئ لا ديكارتية.. ثم خض مغامرة أمريكية كفرقة قوات خاصة تنتشلك بجرأة وقوة – خارج الرعونة والبطولة الترامبية (نسبة إلى الخارق ترامب) من براثن وثوقيتك وجاهزية عالمك الداخلي غير القادر على التضحية بالانسجام مع عالمك الخارجي الوهمي.. ستشعر بحرية حقيقية ولو أنها ستكون مثل فضاء فارغ تماما خفيف للغاية يحلق في شبه عدم.. قل كلمة كنت لا تجرؤ حتى على التفكير فيها.. اصرخ.. انتقد ذاتك دون حاجة إلى أية مرآة.. العن حضورك الهش.. أدر شريط ذكرياتك وانخرط في سيل شتائم لنفسك حتى تشعرا معا بأنكما تنصهران ولا رغبة لأحدكما في قتل الآخر.. لقد بدأت تتماهى مع ذاتك في صفائها وحقيقتها ولو بالنسبة إلى لحظتك الخاصة، انفجر ضاحكا.. صافح روحك. مد يدك ولتكن متسخة لتجتاز أول اختبار، الحيطة الجبانة.. كن على سجيتك مع صورتك الجديدة.. ها قد بدأت تشعر بالصراحة.. لم يعد بك حاجة إلى إخفاء شيء أو مراوغة أو شعور بذنب أو وجل من عقاب.. أنت الآن مثل الشمس تماما.. لا يعنيك أن تكون أشعتك ضارة.. هذه حقيقتك يا حبيبي.. تفضل يا سيدي؟ لقد تحررت تماما.. لكن، لا تنس أن الحرب لم تنته ولن تنتهي أبدا.. ولكنك ستكسب معركة وحيدة تحتاج إلى حرص على نتائجها وتعزيزها بكل البشاعة الممكنة التي بدأت تفكر فيها بإزاء الآخرين. لا تضحك.. أو اضحك بشراهة ولتكن ضحكة ماكرة ولكن احذر امتزاج المكر بالنفاق حتى لا تخسر حياتك التي ابتكرتها للتو من عدم سلبيتك.. ثانيا: تمرن على تلقي الضربات واللكمات وشتى صنوف الشتائم واللعنات وربما أكثر من قبيل السكاكين والسواطير وبنادق الصيد أو حتى البيض الفاسد.. تقول لم تفكر في ذلك؟ سأضحك أنا الآن: ما زلت بليدا على محاولة الحياة..

 

توفيق بوشري - المغرب

 

في نصوص اليوم