تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

أحمد غانم عبد الجليل: احـتـجـاج

احمد غانم عبدالجليلطعنته بعصبية شرسة، طعنةٌ إثر أخرى، صار تحت وطأة قدميّ المتدافعتين مع أقدام أخرى، ترفس أحشاءه المحترقة، فتاتًا متفحمة لا معالم لها، لم نشعر بلسعات شرر االنار المخترق أذيال ثيابنا، تلاطمها أيادينا لدى ركضنا المشتت، نبحث عن فريسة أخرى نتقافر لاصطيادها بحرقة أكبر، صوت الخطيب الزاعق يزمجر في آذاننا، وجهه الممتقع يصب براكين غضبه في انتفاض صدورنا ووجوهنا المحمرة المعروقة وأكفنا الملوثة، في أصواتنا المبحوحة متخبطة الهتافات وسط الشوارع الممتدة أمامنا بمتاجرها المغلقة، لم يبقَ عَلم لم تنله حرائقنا الملتهمة أنجمها المرصوصة ضمن محيطها الأرزق وخطوطها، أحمرها وأبيضها، عدسات الفضائيات تصور فيضاننا المسترسل من ساحة إلى أخرى، قوات حفظ الأمن سدودٌ تحوطنا عند مفارق الطرق، يقيمون المتاريس أمام الدوائر، حملقاتهم تغور في لهيب نظراتنا الحانقة على الطغيان.

أنهكت، تلاشت قواي ومن معي، انزويت إلى فرعٍ ضيق، ومن فرعِ إلى آخر صرت أجر خطواتي المتعبة، وصلت الدار الصغيرة المتوارية بين ركام أحد الأحياء المقذوفة على هامش المدينة الكبيرة، لأول مرة منذ فترة طويلة لا أحاول التخفي عن أنظار صاحب الدار، وإن لم ألمح له أثرًا، صوته الأجش يدوي في أذني، يطالبني بالإيجار المتأخر مهددًا ومتوعدًا، ولا أدخل على أطفالي ذابلي الوجوه، المترقبين دومًا ما يمكن أن تحمله يداي، بوجهٍ بطنت زفرات قهر البطالة الطويلة تخضناته، بعد تسريحي ومئات غيري من الفائضين عن العمل، أو يسمعون صراخي في وجه أمهم النادبة حظها باستمرار، تمددت على السرير في استرخاء تشعب بين جنبات جسدى المجهد، تغامرني لذة قائد عاد متوجًا بأبهى الانتصارات من جبهة القتال، والتلفاز الصغير، كثير الأعطال، في الصالة المفقرة من الأثاث يوالي نقل أخبار البلاد الفوارة نفطًا ونارا.

***

أحمد غانم عبد الجليل

كاتب عراقي

في نصوص اليوم