نصوص أدبية

صبيحة شبر: العزيمة

قررت هذه الساعة أن تضعي حدا لمعاناتك الطويلة وتعبك المستمر، صبرك فاق الحد و نضالك يسير في طريق مسدود، لا كلمة عرفان ولا نظرة من عين، تشعرك إن إيثارك اللامحدود لم يكن عبثا وان حبك آتى بعض أكله، هذه الساعة فقط تمتلكين القوة التي طالما حلمت بها، وتقهرين ضعفك ... لمَ الاستسلام ؟ولمَ يتواصل معك نزيف القهر، وماذا جنيت من سهرك الليالي الطوال بجانب سريرها تعتنين بها، الأمهات يحلمن أن يكبر الأولاد وتنمو البنات ليتمتعن بالحياة وقد أزهرت الشجرة المعطاء، وأينعت ثمارا من زهرات جميلة، تمنح شذاها الجميل فماذا تنتظرين أنت ؟ تحملت أوجاع الحمل وتعذبت أثناء الولادة، وسهرت بجانب المهد ليالي طوال تأملين أن تثمر جهودك بكلمة شكر او نظرة حنان، أو لفتة محبة،تنسيك كل ما قمت به من جهود، هذه اللحظة تقررين أن تتناسى كل تعبك المضني، فالحياة جدير بها الأقوياء، أما المساكين الضعفاء فلا يستحقون أن يعيشوا، ولدت قطعة من اللحم لا تملك الأحاسيس الخمسة، انتظرت أن تعبر عن مشاعر، ان يرتسم على محياها معنى، انتظارك طال بلا فائدة، وجهها مبهم،فمها المفتوح دائما يطالب بالمزيد من الطعام، تلتهم ما تقدمين لها بدقائق، وتفتح فمها من جديد، حتى مضغ الطعام لا تعرفه، تعبت وبلغت معاناتك حدا لا يمكنك المواصلة، أنت إنسانة، هرب منك زوجك وابناك، وخاصمتك ابنتك قائلة ان زوجها لايفهم ترددك السقيم هذا،طالبوك جميعهم أن تضعي حدا لهذه الحياة العسيرة التي تكتوين بنارها، وأنت وحدك المسؤولة عن هذا الاستمرار، عطفك يقف حائلا دون تحقيق ما يريدون، هي قطعة لحم لا تشعر ولا تنطق، حتى كلمة ماما التي حلمت بها وناضلت وتحملت كل الصعاب من اجلها، لم تعرف كيف تقولها، مخلوق فريد لا يملك القدرة على شيء، الطفل حديث الولادة يضحك حين تناغينه وتلعبين معه، يتعرف الى أمه من بين العديد من الناس، ضاعت أحلامك سدى وخابت آمالك،وغادرك الزوج والابناء آملين منك ان تقرري وأد معاناتك المستمرة، كي يعودوا إلى عشك الدافيء الحاني..

لا صعوبة في تنفيذ ما اعتزمت عليه، تبتعدين عن مكان نومها، وتحاولين الخروج من المنزل، مهامك كثيرة وعليك انجازها بين شراء الحاجات الضرورية ومتطلبات المعيشة، كثر دائنوك ولم تعد وظيفتك قادرة على الوفاء، بمتطلبات الفم المفتوح، فم نهم لا يشبع ولا يرتوي، تظلين تضعين فيه ما عندك من لقم فيزدردها طالبا منك المزيد، أين يمكنك الهروب؟ لعنة حلت عليك وكنت تظنينها نعمة،تنسيك تعب الأيام وسهد الليالي الطوال، حرمت نفسك من الكثير، ومنحتها عن طيب خاطر، تحبسين نفسك في المنزل، رغبة في تنفيذ ما تطلب منك، لا تعرف الكلام ولا تستطيع المشي، عيناها خاليتان من التعبير،لا يبدو عليها معرفة من تكونين، تفتح فاها، تطلب منك المزيد وأنت متأهبة للطاعة، لا تعرفين ما العمل

- اخرجي سيدتي من المنزل، وامكثي هناك ساعات ولا تعودي قبل يوم كامل..

هل حقا حان وقت الخلاص ؟ وهل تستطيعين فعلا أن تنفذي ما أشار به عليك الطبيب، كلهم نصحوك بإنقاذ نفسك من براثن هذا المخلوق الغريب، الأمل ما فتيء يداعب خيالك، من يدريك لعل الطب يتقدم،ويكون قادرا على إنقاذها مما تعاني منه من تخلف،وضمور الأحاسيس، من يعرف ماذا تخبئ لك الأيام ؟ لم يطاوعك قلبك على الإقدام،على فعل يأباه لك القلب وترفضه العواطف، ولكن أي قلب هذا وأنت ظمأى لمن تناديك بماما، وقد بذلت من اجلها كل ما تستطيعين،وهرب زوجك واولادك ومعارفك وأصدقاؤك، طالبين منك التسلح ببعض شجاعة يتطلبها الموقف السليم

قررت هذه اللحظات ان تنقذي نفسك وان تبدئي من جديد، لعل الشمل يلتم،والجرح الغائر في الأعماق يندمل، والخيبات المتلاحقة تبرأ أسقامها المعشعشة في الروح، لا يتطلب الأمر جهودا فوق العادة، وسوف تنقذينها أيضا مما هي فيه، فلا نفع فيها.

- فكري بالأيام سيدتي، ماذا يمكنها ان تفعل حين يحل بك مكروه ؟ ستظل وحيدة، إنها عاجزة عن أي شيء .

تستمعين الى النصائح،تنهمر عليك من كل الجهات، وصراعك رهيب،ليس بمقدورك أن تبتي بالأمر، لماذا لم يقم بهذا العمل زوجك او ابنتك ؟ اوابناك الغائبان ؟ولماذا تركوك وحدك مع هذه المهمة الشاقة ؟

أعباء الحياة تشتد صعوبتها عليك، وأنت وحيدة مع مخلوق لا يعي شيئا ويطالبك بإطعامه باستمرار

- قلبك مريض، رعايتها والقيام بكل أمورها وتنظيف ما تحتها، يتعب قلبك ويضعفك ..

- كوني قوية ونفذي ما اشرنا به عليك

تنظرين إليها، خالية من كل صفات الإنسان، كتلة ليست متناسقة تأكل بشراهة..

- إنها مخلوق غريب، توجد بنسبة واحد بالمليون

- ستعذبك، تفترس قدرتك، تقضي على طاقتك، ليس لديك الخيار

تسيرين في الشوارع المتعددة، شارع يفضي بك إلى آخر، قلبك يفكر بها، هل يمكنك الاستمرار في عمل ما قررت القيام به، وقلبك هل تستطيعين إسكاته، الحيرة تستبد بك، هجرك الجميع، أدركوا ألا نفع يرتجى، الطب عاجز، وإمكانات الشفاء مستحيلة، وقد خلت المخلوقة من أي رغبة، تمضي الساعات طويلة كئيبة، هل تواصلين؟

***

صبيحة شبر

16 آب 2010

 

 

في نصوص اليوم