تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

صالح البياتي: عيون الأطفال تضئُ ليلَ غزةَ..

الجراح

كيفَ أنفذُ لِجُرحِكَ لأُضَمِدهُ؛ ولأعماقِ روحِكَ المسحوقةِ لاخففَ ألمها، أوأصرخُ معكِ صرخةً تنفجر من نياطِ القلبِ، كما الحشرجةُ بحنجرةِ المحتضرِ، وكيفَ أبكي؛ وأجعلُ دموعي تسيلُ قاطعةً المسافةَ الطويلةَ بيننا، لتصلَ لعينيكِ، لتكونا معاً عيناً واحدةً تغرقُ بالدموعِ، لنكنْ جُرحاً واحداً ينزفُ حتى الموتِ، وحُزناً موحداً يختصرُ كلَّ الأحزانِ، ودمعةً واحدةً بحجمِ كلِ القنابلِ.

صرخةٌ واحدةٌ هادرةٌ تخترقُ الأهوالَ؛ قويةٌ رغمَ فداحةَ الخطبِ، تنفذُ من هواءٍ ملوثٍ بالفسفور، الى عنانِ السماءِ، لتصلَ للملكِ العادلِ.

عيون الأطفال

كيفَ أنا المحتمي بجدرانِ صمتي وخوفي؛ اشاركم أهوال الرعب ! كيف أستعيرُ منك شفتيك؛ اللتين قبلتَ بهما طفلتكَ، التي فاضتْ روحُها بين يديكَ، لأواسيكَ بكلمات خرساء، وهل أجرأ أن أنظرَ الى عينيها كما نظرتَ انتَ.. رأيتُكَ تفتحهما برفقٍ بأناملكَ، وتنظرُ حزيناً لعينيها، لو أني أستطعتُ تلكَ اللحظةِ أنْ أكونَ كجني سليمانَ، وأقفُ جنبكَ، ماذا تراني سأقولُ لكَ، وانتَ تودعُ طفلتكَ الصغيرةَ، تحملُها بين يديكَ، كأنها لعبةً توقفتْ عنِ الحركةِ.

قالوا في خضمِ المأساةِ، كيف سننظرُ بعدَ الآنِ في عيونِ أطفالِ غزةَ " ؟

سأقولُ إن كان السؤالُ بريئاً.. سيطولُ الإنتظارُ، حتى تكفُ الوحوشُ الخارجة من أوجارهِا المظلمةِ، عن نهشِ أجسادِ الأحياءِ. وسيعيدُها الضميرُ العالمي الى المكانِ الذي إنفلتت منه.

هما دائرتان

دائرةُ الخوفِ التي أتسعتْ في أحداقِ الأطفالِ، ودائرةُ الأمانِ التي ضاقتْ في عيونِ الأشرارِ، وستكونُ هي التي تقضي عليهم في نهايةِ المطافِ..

لمسةُ حنانٍ

هل سيجرأُ أحدٌ من الآباء الذين صبوا حِممَ النيرانِ من السماءِ، انْ يلمس وجهَ طفلٍ أو طفلتةٍ من أبناءهِ لمسةَ حنانٍ؛ بتلك اليدِ التي ضغطتْ على ازرارِ الموتِ، ويقول له او لها: "أحبكَ أو أحبكِ، ام سيدسُ وجههُ بترابِ العارِ لفظاعةِ جريمته، ولنظراتِ أطفالِ العالمِ الذي تلاحقه، لأن اعيادُ ميلادهم ستنقلب رثاءٍ باكٍ، وشموعهم ستضئُ قبورَ الأطفالِ الشهداءِ في غزة...

هل يستحقُ هؤلاءِ القتلةِ شرفَ الأبوةِ، فنخاطبهم كآباء.. بكلمةِ أبٍ التي لا تليقُ بوغدٍ مأجورٍ؛ ومعبدهُ مأخور.

وسائلُ الأعلام شهدتْ ورأتْ وبثتْ صورَ المأساةِ المروعةِ، ولكن عجزوا عن معرفة أسماء الضحايا الذي يسقطون كل يوم، لكن اللهَ في علياءهِ، يعرفُ أسمائهم كلهم؛ فهذا الطفلُ الشهيد: أسمهُ البحرُ فيصبحُ المحيطُ، و صبيٌ آخر اسمهُ البطل فيصير الأبطال، وطفلةٌ اسمها الزهرةٌ تصبحُ خمائلُ الأزهارٍ، وصبيةٌ اسمها السماءُ يكبرُ إسمُها حتى يصيرُ السماواتٌ، وأخرى اسمُها المسرةُ، وأخوها أسمه السلامُ، فيرتفعُ هتافُ الملائكةِ

(المجدُ للهِ في الأعالي، وعلى الأرضِ المسرة والسلام)

وكما انَّ اللهَ يعرفُ اسماؤهم واحداً واحداً، يعرفُ أيضاً ألوانَ أعينهم، أعسليةً كانت كلونِ ضفيرةِ صبيةٍ فلسطينيةٍ، أم خضراء بلون زيتون فلسطين، أو زرقاء كبحرِ غزةَ، أم هي سوداءُ كدمعةِ أمٍ مفجوعةٍ حزينةٍ.

الجريمة المكتمة الأركان

لدى اللهُ أرشيفاً كاملاً بأسماءِ القتلةِ؛ أحصاهُم وعدهُم عدا، لكنه لا يناديهُم بأسمائِهم، يومَ تنعقدُ محكمتُه الإلهيةِ، ينادى عليهم : تعالَ يا قاتلُ، ينكسونَ رؤوسهم الى الأرضِ حتى تلامسَ ارجلهم المقيدة بالسلاسل، وأيديهم بالأغلال.

الصغارُ يكبرون في تلك اللحظة الحاسمة، وقاتليهم يصغرون حتى يصيروا كالنمالِ، يخافون ان تسحقهم النعال، في قاعة المحكمة المكتضة بستةِ آلافِ طفلٍ .

أحقيقة ما نرى !!!

كنتُ مسحوقاً جداً، حتى كدتُ من شدةِ انسحاقي وتأثري أن اخترقَ الشاشةَ الضوئية وأنفذُ للداخل، قال البعضُ من شدةِ استيائِهم، أيحدثُ هذا أمامَ العالمِ أجمع، وبوجود اللهِ في السماءِ والأرض، ومحكمةِ العدل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة وحقوق الأنسان، كل هذه المنظمات الأممية موجودة ايضا؛ فماذا سيحصل أكثر من ذلك إذا لم يوجدُ اللهُ، وبغياب تلك المنظمات التي لا قيمة لها؛ فماذا سيحصلُ إذاً !!!..

الجريمة عمياء وكسيحة

في رؤوسِ الصهاينة ورثة النازية (شعب الله المحتار وليس المختار)، عيونٌ ولكنها مطفأةً، ولهم أقدام ولكنها كسيحة، فأين ستهربون من العقاب !!

جرائمكم كبيرة لا تغتفر، ستحدث مساومات وأتفقات، قد تكون عادلة أو جائرة، ولكن مهما كانت سيقتصُ اللهُ منكم جميعا وإلا حاشاه ... سيخسرُ لقبه " ألحاكمُ العادلُ"

للدم لون واحد

لا يسمحُ في مجلس " الملأِ الأعلى" السماوي، أن يرفع صوت الفيتو الأمريكي، وليس عندهم محاباةٍ لشعب مختار، لأن اللهَ لم يخلقْ دماً مقدساً وآخرا مدنسا، كذبَ من أدعى :

"أن قطرة دم واحدة مقدسة، تعادل الف قطرة دم مدنسة"

كذبتم .. ستغرقون في بحر دم متلاطم؛ الدماء التي سفكت لن تختفي؛ أو تتبخر في رمال صحراء النقب، ولن تمنحكم مزيداً من الأرض، ستلاحقكم تلك الدماء كألسنة نارٍ تحرقكم .

ودم تحت ألأظافر

لا يخدعنَّكم الوهمُ،عند مرآى قطرة دمٍ تحت أظافركم، فتظنوا أنها من جرحٍ صغيرٍ باداةِ قصِ حادةِ، كلا انها قطرةُ دمٍ حيةٍ؛ تشهدُ على ما اقترفته ايديكم، قطرة ُ دمِ طفل قتلتموه؛ سترونها كل مرةٍ تنبعُ قانية تحت أظافركم، وإذا كرهتم ان تروها، كفوا عن تقليمها؛ حتى تطول وتصل لأقدامكم، فتتعثرون بها في الطريق، تقومون ثم تسقطون الى ما لا نهاية...

***

صالح البياتي

 

في نصوص اليوم