نصوص أدبية

نصوص أدبية

الجزء الرابع من: مناوشات عاطفية

أخذتني صديقتي للتعرف على أعضاء الشلّة الإثني عشر كخطوة أولى في مرحلة التحوّل والتي صارت توّحش فيما بعد كانت تترأس زعامتهن حينئذٍ جميعهنّ يكبرنني بسنوات فقد كنت في سنتي التحضرية وهن في سنوات الإختصاص والكثيرات منهن رسبن في عدة مواد في ترم التخرج وإضطررن لإعادات لانهائية لتلك المواد، صعدنا إلى الطابق الثاني وقدّمتني لمجموعة من البنات يجلسن على سجادة "فرشة" على الأرض ما أن رأيتهن حتى شعرت بإنقباض غريب في قلبي وتوجست شرّاً محتملاً شعرت بالألم لأني إعتدت خلال مسيرتي التعليمية أن الزعامة لي ولم أكن في يوم من الأيام تابعة لكنّ فكرة أن يكون لدي شلّة ومكان أخيراً ألجأ إليه دفعتني لتجرّع السم وإبتلاع العلقم، كان كرهاً متبادلاً لم يرحبن بي ولا بإنضمامي إليهن ولم تعيرني أياً منهن إنتباه سوى إثنتين فقط إحداهن ملتزمة "مطوّعة" تمسك مسبحة ١٠٠ حبة بيدها تشارك بعبارة أو أكثر بين كل تمتمة وتسبيح والأخرى إستقبلتني بحفاوة وأقبلت تمسك شعري وتعصر ذراعي بقوة ثم تبين لاحقاً أن لا إهتمام لديها بالجنس الخشن أما البقية لم يتكلفن عناء النظر إلي كانت إحداهن تأكل وإثنتين يذاكرن مادة وأربع متزوجات يتحدثن بمواضيع غريبة ومن تدير الحوار على مايبدو تزوجت حديثاً من شاب كانت تعرفه بعد علاقة حب طويلة متفاخرة بالإيقاع به وحثه على الزواج حيث أن تصرّف كهذا يعد صفة متنحية في الجينات المندرجة تحت مجموعة "ما أتزوج بنت تعرفت عليها " كانت تتكلم بتفاصيل شديدة الدقة عن زوجها وحفل زفافها وفستانها تصف التاج المرصع بالألماس المشابهه لتاج الأميرة ديانا وتعدهن بإثبات ذلك بالصور فور إنتهاء تحميضها من عند المصورة النصابة والتي على مايبدو أنها إحترقت ولم تستلمها حتى تخرجنا جميعاً الغريب أن لا أحد يصدقها ولا أحد يوقفها كذلك خاصة وأن مظهرها لم يكن يوحي بأي بروتوكولات ملكيّة لإقامة حفل زفاف أسطوري ينافس زفاف الأميرة ديانا ،و تلك التي كانت تتقمص شخصية "سعاد حسني" تتجوّل بشكل دائري تتحدث بالجوّال مع عموري "النحنوح الصغير ذو الستة عشر ربيعاً" هرّب جواله للمدرسة ليكلمها فترة الفسحة تخطط معه لهدم مستقبله

في الركن بجانب النافذة فتاة سمراء البشرة ضخمة الجثة تربط شعرها برباط مطّاطي دون أن تكلف على نفسها تمشيط مقدمته كانت تجلس متربعة منحنية الظهر تذاكر من كتاب على الأرض نظرت إلي من فوق النظارات الطبية نظرة حادّة مريبة ثمّ نطقت وليتها لم تنطق قالت موجهه الكلام لصديقتي: "البنت بريئة وغشيمة وتعرفي إننا لا نرّحب بهذا النوع"! ثمّ وجهّت نظرها إلي وقالت :" لكنك حلوة..ويجي منك" وانكفت من جديد بقراءة الكتاب لم أفهم مرادها ولا ماذا قصدت بكلامها أو بالأحرى أني فهمت لكن وددت أن أكون مخطئة، على كل حال تلك الإنسانة لم تكن بحاجة لنسبة ذكاء عاليه ولا لمهارات تحليلية فذّة لمعرفة وظيفتها وهدفها بالحياة..

في إحدى الأيام قابلتني بصدفة مفتعلة سألتني عن وجهتي أخبرتها أن محاضرة كيمياء ١٠١ على وشك البدء قالت: "أنا جايه معاك المحاضرة عندي موضوع ضروري أكلمك فيه بعد إنتهاءها" إستغربت! ما هو الموضوع الضروري الذي من الممكن أن يجمعنا ! فأنا بالكاد قابلتها مرة واحدة ودعوت مراراً أن لا أراها مرة أخرى..لم أركز في المحاضرة جيداً من التفكير شعرت بتوتر فظيع أينما أشحت بنظري أرى عجاجاً إن نظرت أمامي رأيت أستاذة متجهمة لاتعرف الإبتسامة لوجهها طريق تحدّق بي وإن إلتفت على يميني أراها تلوك علكة متظاهرة بالتركيز تشير لي بإصبعها أن أنتبه للشرح..

إنتهت المحاضرة أخيراً وخرجنا من القاعة سحبتني من يدي على الكافتيريا سألتني: تحبي أشتري لك فطور؟ قلت: لا شكراً قالت: "إذا آيسكريم من باسكن روبنز ..

وقبل أن أجيب بنعم أو لا قالت: "بلاش منه خلّي جسمك حلو التخن غير مطلوب"..

أخذت لي كوب نسكافيه دون حتى أن تسألني إن كنت أرغب بشربه أو لا عموماً كانت فتاة مريبة ولسبب غامض لم أكن أريد أن أتجادل معها او حتى أغضبها ..أن أتجنب شرّها وكفى..

سألتها ماهو الموضوع الضروري ؟ قالت اصبري نجلس بمكان هاديء، جلسنا بركن قريب من مدخل الكلية ثم بدأت تتكلم

قالت: "إسمعي..فيه دكتور فيزياء في قسم الشباب هو بروفيسور عجوز صحيح لكنه "يكح"فلوس "يط**" فلوس غني جداً طلب مني أشوف له بنت بمواصفاتك ..لاتخافي غير مطلوب منك الكثير هو صحيح بروفيسور لكن واضح إنه غشيم ويغرق بسرعه هي خرجتين وقضي الباقي تلفون ناخذ منه اللي نبغاه وبعدين غيري رقمك، أنا عندي شريحة وجوال إضافيين أهديك إياهم وخليهم في اللوكر "locker” تبعك كلميه بين المحاضرات..

كلامها كان عبارة عن طلاسم ، كنت ممسكة بكوب النسكافيه الساخن حتى أحرق يدي من الصدمة والذهول تسارعت نبضات قلبي وجفت شفتي ، قلت لها :" مافهمت..هذا البروفيسور إيش يريد مني؟ يعني كيف خرجتين وتلفون!! قصدك أخرج معاه؟! مصيبة!! مستحيل ! نهضتمسرعة كم صعقت بسلك كهربائي مكشوف

رفعت عينيها ونظرت للسقف ثم تنهدت وهي تمتم مع نفسها :" آه اففف هبله ..هبله غبية كنت متوقعه هذا"

نظرت لي بحدّة قالت "بنت..لاترفضي بغباء!! فكّري ورديلي معاك أسبوع"

يتبع

***

لمى ابو النجا

حين ينفرد خيال الشاعر

محلِّقا

في رحابك أيتها الفكرة

يسطع

بريقها

عبارات عصية على التأويل

**

آثرته صياما

مذ إخفاقات منيت بها

وأنا

للتوِّ أتهجّى

حروفا لمدى أخرق

استحال

بلحظة غبائه المدقع

بؤرة

لالتهام نفايات زمن سحيق

**

سأجعل

منها

شهادة

لزمن يعشق التزوير

أنفاسي

المنعتقة للتوّ

من أزيز المقصلة

***

ابتسام الحاج زكي

عيناكِ تغمر خافقي أشواقا

يا من هواها أشعلَ الإشراقا

*

في الضلع منّي طيرُ حبّ نائمٌ

لمّا بدت عينُ الجمال أفاقا

*

قد كنت أرفض أن أبوح بسرّنا

لكنّهُ قد جاوز الآفاقا

*

صَمَت اللسانُ عن الحديث تحرّزاً

ووجدت عينِيَ تفضحُ الأعماقا

*

والسرَّ قد يخفي اللسانُ أمانةً

ما لمْ تحرّقْ نارُهُ الأحداقا

*

كيف السبيل إلى وصالك؟ ما الّذي

منع القلوب تقرّباً ووفاقا؟!

*

أرسلتُ نبضِيَ نحوها متودّدا

فلعلّني أغدو به سبّاقا

*

وهجرت من أجل اللقاء أقاربا

ونسيت أحلام الهنا ورفاقا

*

لأحوز منها كلّ حبٍّ ممكنٍ

وأنال منها مشتهىً وعناقا

*

لكنّها جرحت بضلعِيَ طيرهُ

حتى بكى بمشاعرٍ فأراقا

*

دمعي جرى؛ تحكي القصيدة شجوهُ

والبيت يحضن صنوَهُ إشفاقا

وقرأت في عينيك متن رواية

الحزن فيها حرّق الأوراقا

*

وسمعت في بوح القصيدة حزنها

بالله ما قلب الحبيبة لاقى؟!

*

يا ليتني كنت النسيم معطراً

حول الحبيبة أمنحُ الترياقا

***

صلاح بن راشد الغريبي

من ـ باب البحر ـ نحو ـ جامع الزّيتونة

أسواقٌ تَفتح على أسواقْ

مفاتيحُ تَلِجُ وتدُور في أبواب

باتتْ طول اللّيل ساهرةً

على اللّه الأرزاقْ

زُقاقٌ في زُقاقْ

وزقزقةٌ صباحيّة

عُصفورُ القفص

القفصُ مُعلّق في دكّان

دكّانٌ بابُه أخضرُ

خضراءُ أوراقُ الدّالية

تتدلّى على جانبيهِ

سماءٌ خضراء

إلا من أشعّة الشّمس

في الدكّان إيقاعُ مِنسَج عتيق

يُراوح خُيوط ـ سَفْسَاري ـ حرير

قَبل أن أصل

يَقصِدُني النّادلُ مُسرعًا

بكأس الشّاي والنّعناع

أرُدُّ بصباح الخير

على صباحاتِ الخير

أجلسُ

لأنسُجَ أنا أيضا

سَوادًا على البياض

***

سُوف عبيد ـ تونس

السماء كثيفة السحب مع زخات من المطر المتقطع. الهدوء المطلق يخيم على المستشفى الذي يبدو كما لو أنه  مقبرة مهجورة. عدد من طيور الكراكي تعبر السماء  بشكل هندسي محكم.

تطرق الباب الكبير إمرأة مسنة مشيرة إلى الحارس بأصابعها المتجمدة التي تبدو مثل أصابع هيكل عظمي .

تعقد صفقة سرية مع الحارس بأن يحملها إلى المشرحة مزودة بكيس من الدقيق قصد تحريكه بأصابع أحد المتوفين الجدد.

-  قالت العجوز: هذا لا يستدعي الكثير من الوقت.

مقابل نصيب من المال لا يستهان به.

قال الحارس مضطربا: المهم أن نتفق على المبلغ.

قالت: بالتأكيد.

قال الحارس: إنتظري قليلا ريثما أجلب مفتاح المشرحة.

وعلى بعد أمتار قليلة يقف صديقه الحارس الضارب في الطول مثل صنوبرة في حديقة عمومية.

أحاطه بكل التفاصيل.

غير أن صديقه أعلمه بأن المشرحة اليوم خالية من الأموات.

قال الحارس الذي خفق قلبه بمجرد سماعه لإبرام الصفقة المالية.

- عندي خطة يعجز عن نسج خيوطها الملعونة كبير الشياطين.

قال صاحبه بتوتر شديد: وما هي؟

- إذهب إلى المشرحة حالا وتمدد

كما لو أنك فارقت الحياة منذ قليل.

- تأمر صديقي الداهية.

تسلل مثل البرق إلى المشرحة .

فتح أحد الصناديق الفارغة وارتمى داخله كما لو أنه جثة هامدة وظل الصندوق مفتوح الغطاء بينما يعج المكان بروائح الجثث المتعطنة.

المشرحة تتوسط ربوة مسيجة بأشجار كثيفة حيث الظلمة لا تفارق المكان المسكون بالأشباح .

إصطحب الحارس تلك العجوز الشريرة بعد تمام الصفقة وحصوله على الكنز.

فتح باب المشرحة. دخلت العجوز حاملة كيسا ممتلئا بالدقيق.

ظل ينتظرها أمام الباب.

نظرت العجوز يمنة ويسرة مستعينة بعكاز المخيلة على إنجاز المهمة الصعبة.

الحارس ممدد عيناه مرشوقتان إلى الأعلى أصفر الوجه لا حراك به

كأنه ميت يسبح في  عالم الماورائيات.

وعلى غرة أخرجت العجوز  كيس الدقيق لتحريكه بواسطة أصابع الميت حسب معتقدها الأسطوري يكتسب الدقيق قوة خارقة لتدجين   الأزواج ذكورا وإناثا وامتثالهم المطلق لكل الإملاءات الزوجية وعدم الإعتراض على أي شيء.

ما إن أمسكت العجوز أصابع الحارس المتقمص دور الجثة وفركته بقوة حتى أطلق صرخة مدوية تكاد تشق فضاء المشرحة.

فجأة تهالكت العجوز على وجهها مفارقة الحياة. حينئذ قفز الحارس من صندوق الأموات مثل أرنب بري مناديا زميله الرابض أمام الباب محيطا إياه بموت العجوز الفجئي.

***

فتحي مهذب

قَدْ عَرفْتُكُمُ واحِداً واحِداً

فَأميطوا اللِّثامَ

رَواحِلكُمْ بَعْدَ لَيْلِ الْمَعارِكِ دَلَّتْ عَلَيْكُمْ...

أَميطوا اللِّثامَ

وَتوبوا إِذا شِئْتُمُ أَوْ توَلّوا

فَلَيْسَ لَكُمْ مِن رَبيعِي وَلِيٌّ

وَلَيْسَ لَكُمْ مِنْ يَقيني نَصيرٌ

وَلَيْسَ عَلى ذِمَّتي باطِلٌ كَالَّذي فـي الْحَنادِس دَبَّرْتُموهُ.

أَنا صاحِبُ السِّرِّ

أَعْرِفُكُمْ واحِداً واحِداً،

وَأَنا في الصَّحيفَةِ دَبَّجْتُ أَسْماءَكُمْ.

غامِضونَ

وَلَكِنَّكُمْ في يَقينِيَ مُشْتَبِهونَ

فَلا الْجِنُّ قاتِلَةٌ قَدْ كَذَبْتُمْ

وَلا عَقْل طَيْرٍ يُصَدِّقُ ما قَدْ زَعَمْتُمْ

لِذا لَيْسَ يُرْعِبُني في الْحَقيقَةِ

كُلُّ الّذي بِسيوفِ الضَّلالَةِ شِدْتُمْ.

هَمَمْتُمْ بِما لَمْ تَنالوا

وَلَكِنَّني قَدْ عَرَفْتُ رَواحِلَكُـمْ

وَعَدَدْتُكُمُ واحِداً واحِداً أيُّهـا الرَّهْطُ،

لا لَـنْ تَمُرّوا،

هُنا جَسَدي صَخْرَةٌ وَفِداءٌ

هُنا في الْمَضيقِ ضَرَبْتُ وَجوهَ رَواحِلِكِمْ

وَهُنا في الْمَضيقِ يُماطُ اللِّثامُ

هُنا في الصَّحيفَةِ دَبَّجْتُ أَسْماءَكُمْ مارِدًا مارِدًا

وَبَلَغْتُ مِنَ الْعَدِّ إِثْنَيْ عَشَرْ

عَنْ سَواءِ السَّبيلِ صَدَدْتُمْ

فَساءَت خُطاكُمْ

وَسـاءَ الَّذي كُنْتُـمُ فــي لَيالـي الْخَديعَةِ أَبْرَمْتُموهُ.

ذَرونيَ لَسْتُ سَعيداً بِهذا الْجِوارِ

لَكُمْ في الْجَزيرَةِ مُتَّسَعٌ لِلرَّحيل فَسيحوا،

ذَروني وَخِلِّيَ قَدْ حَبِطْتْ كُـلُّ أعْمالِكُـمْ،

مالَكُمْ كُلَّما في النَّفيرِ دُعيتمْ تَخَلَّفْتُمُ،

وفَرِحْتُمْ بِمَقْعَدِكُمْ

أمْ حَسِبْتُمُ أن تُتْرَكــوا حيـنَ شَــقَّ امْتِشاقُ الحُسـامِ عَلَيْكُـمْ.

قَسيمُ الضّلالةِ والْحَقِّ هَـذا اللِّقاءُ

وإنِّي أَطَعْتُ خَليليَ ألّا أُصَلِّي عَلى أَحَدٍ منكمُ،

خَصَّني بِسَرائِــرِ مَـنْ نًكَثـوا

وَهَدانِيَ عِلْمَ الْيَقينِ

فَلا تَسْألونِيَ إنْ كانَ أعْيانُكم فـي الصَّحِيفَــةِ،

قَدْ يَمْرُقُ السَّهْـمُ نَحْوِيَ قَبْل ارْتِوائي بِشَرْبِةِ ماءٍ

لَوَ اَنِّيَ صارَحْتُكُمْ

وَأَزَحْتُ عَنِ الرَّهْـطِ أَقْنِعَةً

أصْبحَتْ سَرْمَدا لِضلالٍ تَجَذَّرَ عَبْرَ الْحِقَبْ.

قَدْ تَضيقُ بِيَ الْأرْضُ دَهْـرا...

يَجيءُ لِيَ السَّهْمُ "مِنْ أَلْفِ خَلْفٍ"

تُشَوَّهُ لي سيرَةٌ في الْكُتُبْ .

إِنَّني في الزّمانِ الزَّكِـيُّ أتاني خَليلِيَ عِلْمَ الْيَقينِ....

حَفِظْتُ الَّذي قَدْ وَجَبْ.

***

شعر: ميلود لقــــاح 

يعانقني الحرف والذكريات

فيشتاق قلبي لطفل ودفتر

**

وقصة حبّ رسمت رؤاها

بناصية العمر لن تتكرر

**

فكانت لنبض الفؤاد حياة

بروض الطفولة تنمو وتزهر

**

فحبّ الطفولة شيء جميل

وصفو من الحبّ لا يتعكّر

**

قضيت زماني أعانق حرفا

وثرت على الجهل كي نتحرّر

**

زرعت من العلم كلّ شتيل

ليصبح لون الطفولة أخضر

**

ومن سطوة الجهل حررت جيلا

فهبّ إلى المجد دون تأخر

**

وسرت على نهج من سبقونا

ومن أدرك المجد لن يتعثر

**

فإن غبت يانشء تبقى حروفي

نخيلا يجود بما هو مثمر

***

شعر: تواتيت نصرالدين

..................

قيلت هذه القصيدة بمناسبة تكريمي من طرف الفريق التربوي لمدرسة المجاهد. هلتالي علي بمدينة المسيلة تكريما لجهودنا بعد احالتنا على التقاعد وقد صادف هذا التكريم ذكرى 16أفريل يوم العلم2017

ها أنذا عدت ثانية بصحبة دموعي لأقف أمام صورتك المشرقة. أتأملك بعد سنوات من ظروف قاسية أبعدتني عنك مرغمة، ها أنذا أسيرة حبك الذي حفظته كأسمى ومقدساتي، ها أنذا أسيرة شذى عبـيرك فهو كنسيم الرابية في فجر الربيع، كنت أشعرك في أحلامي ويقظتي، لم أنس أبدا" ذاك المساء الساحر الذي ضمنا سوية " خلف الأشجار نغازل القمر، رائعا" كنت.. مازالت حرارة يديك تغزو مشاعري ، لمسات يدك الجريئة كانت تشدني إليك وأنا أرتجف، أحاول أن ألتصق بك أكثر، ألتحم مع جسدك الأشقر في لحظات جنون تنقلني معك الى عالم اللاوعي.. عالم لم تطأه قدما أنسان من قبل.. نتسلق قمـة.. نطفو فوق نسمة.. نختلي في زورق نجوب به آماد البحر وندع الأمواج تقذفـه حيثما تشاء.. نغور في أعماق صدفة مهجورة نمتلك فيها بعضنا ونجعلها مملكتنا الأبدية، يا لجنوني العذب، يا لروعة انطلاقي وشرودي..

عدت ثانية أنهض كل صباح مبكرا"، أقبّل أزهار حديقتي التي قدستها من أجلك، أنظر هناك.. تلك الفراشات عادت تحلّق متموجة ببهجة وسرور، تتغازل فيما بينها تقف كل واحدة منهن أمام الأخرى فخورة، متكبرة، تغيض صاحبتها بجمالها.. ما أروع ألوانها.. ما أروع الحب..

ومضيت أتأملك....

أتأمل ليلتنا الساحرة خلف الأشجار وأتذكر وقاحة أناملك الدافئة، أشعر أنك بجانبي الآن.. كأن دفء كفيك يرفعني نحو سماء من سراب.. نطوف الاثنان معا" على بحار لاشواطىء لها.. نسابق الطيور المهاجرة ونخترق أروقـة السحاب.. نحلّق عاليا" فوق سماء الشرق كطيرين عاشقين يهجران الدنيا.. لا نلتفت وراءنا.. نبحث عن بلاج جزيرة مهجورة نستلقي فوق الرمال ونستسلم للشمس.. للمشاعر.. للرغبات..

أصحيح يا حازم أحببت غيري؟ لا أصدق، لو كان ذلك حقا" فأنك تحطمني وتقذف بي صوب الفناء، لم أقترف ذنبا" أستحق به لوعتي هذه سوى أني أحببتك مخـلصة وما زلت، حازم تكلم، أتوسل إليك.. كانت نظراتك صادقة يوم التقينا، أحسست أن نبرات صوتك المرتجفة وقتها لا تكذب، أنك تحبني أليس كذلك؟ أخذت لمسات يديك الساحرتين خلف سور المنـزل في تلك الليلة المقمرة تفجر في جسدي بركان من الرغبة، لم أشعر بعدها ما حصل لمشاعري. مازالت مغمى عليها ، أحسست لحظتها أنك تسرق سنين عمري في جنون ارتشافك المتوحش لهما، كنت وكأنك تشحن برضابي بطاريتك الروحية، وعندما تغلغلت يدك متسللة إلي شعري، أغمي على روحي.. جسدي هو الآخر سقط صريع لمساتك الساحرة.. أذكر وقتها أنك تضمني بعنف، تريد أن !!.. أنك مجنون.. مجنون..

حازم، لماذا لانرحل عن المدينة إلى ما وراء الطبيعة والشمس، وراء الصوت والصدى، لاندري إلى أين ولا نريد أن ندري، ندعو موجة صماّء تحملنا بعيدا" حيث الشهب الهاربة والنجوم المتألقة، نتحول إلى نيزكين، إلى ذئبين، إلى عصفورين، نصنع حضارة بأيدينا، حضارة عذراء لاتلوثها ثرثرة منافق أو غدر حاقد، حازم أنتظر، أتوسل إليك، أسمعني قبل أن ترحل، لن أدع تلك المرأة التي أسمها أنوار أن تخطفك مني، أليس يا حازم أسم عذراء أجمل من أنوار؟ سأقتلها، سأقتلك معها ! أنتما أعدائي ! سأقتل العشاق جميعا"، سأقتل الفراشات الكاذبة، سأمزق الزهور المزيفة..

حازم أرجوك.. انتظر لاترحل..أنتظر.. أني متعبة.. أني...  

*** 

ماهر نصرت

كان عليها تقبّل الواقع الذي فرضته الحياة عليها، والموت الذي قهرها واخذ منها زوجها ورفيق عمرها، تاركا اياها  في ضياع وسط صعوبات لم تكن تعيها  أو تشعر بها، وخصوصا وانه لم يترك لها سقفا تحتمي فيه بعد رحيلة .

بساطته في فهم الحياة جعلته يعيش وفق اخلاقيات زمنه، الذي اصبح قديما بنظر الناس، خصوصا بعد أن خذله ابناؤه ونقضوا كل عهد معه، وجعلوا زوجته وحبيبته تكابد الذل والهوان من بعده. خطأ دفعت ضريبته بسبب حبه لها واسرافه في هدر المال من أجلها .

تجوالها بين اولادها، اجهدها كثيرا  خصوصا بعد أن تمكن  المرض منها وتقدم العمر بها سريعا، أصبحت كعمله نقدية فقدت قيمتها وانتفت الحاجة اليها، فيما أصبحت تعد أيام رحيلها التي تثاقلت، وتعثرت بعد أن فتكت الامراض المزمنة بها، وضعف جسدها الذي أتلفته الادوية والعقاقير، وأبر الانسولين التي اخترقت جلدها الرقيق، بقسوة وافقدته طراوته وكل ملامح الحياة فيه . 

  خاب رجاؤها وهي تستجدي اهتمامهم، وتتوسلهم  للحصول على ثمن الدواء ومكان  تقيم فيه، ولو غرفة صغيرة فوق أسطح أحد منازلهم، لتنزوي بعيدا، لا يشعر بوجوها أحد، وتكف عن التنقل الذي اتعبها وأنهكها بصحبه حقيبتها والتي كانت رفيقها الوحيد في تنقلاتها، وعباءتها السوداء، التي مازالت تضعها فوق راسها متمسكة بزيها البغدادي الجميل .

حقيبتها كانت تعني لها الكثير، فهي عالمها الخاص وصندوق اسرارها، الذي يحوي مقتنياتها، فقد كانت  تحفظ داخلها عطرها الخاص، الذي حرصت أن لا تغيره، لأنه يشعرها بالراحة ويثير فيها عبق ذكريات جميلة، انسابت من بين يديها سريعا، وعلبة سجائرها التي كان لها دور كبير في تلف ما تبقى من رئتيها، لكنها رغم ذلك لم تتوقف عن التدخين الذي  كان متنفسها الوحيد، وفيها ايضا محفظة صغيرة تخبئ بها بعض الاوراق المالية الورقية من الفئة القليلة طويت أكثر من طية، فهي الوحيدة التي تشعرها بالأمان، ووصفات من الدواء اهترئ وتمزق البعض منها دون ان تصرف، وفرشاة اسنان، تنظف بها ثلاث او اربع اسنان، هو اخر ما تبقى في فمها . 

لا صدى يسمع لصوتها، الجميع يتقاذفها من منزل الى منزل ومن مكان الى مكان، وسلوكهم الذي أصبح واضحا بل متبجحا  دون ع خجل منها  او حساب لمكانتها كأم . اصبحت تطيل الجلوس، امام باب الذكريات التي كانت عزائها الوحيد، الذي يخفف عنها وينسيها جحودهم لها ... رغم  ذلك كانت متمسكة  بالحياة قدر الإمكان، وأوهمت نفسها بالقناعة والثقة بالنفس  متسلحة بالصبر، عكس الواقع الذي كانت تتهاوى فيه الى اخر درجات الضعف.

سبع سنوات مرت على رحيل الأب ولم يتغير شيء، كان ابناؤها يشتد عودهم، و يضعف عودها  ويتأكل، أصبحت حياتها مريرة لا تطاق وهي صامته (الصمت يؤلم). اصبحت تجف من الوحدة المرئية والغير مسموعة، بدأت ترفع يدها الى السماء كل يوم وهي تطلب من الله بان يلحقها بزوجها وان يضمها قبر بين القبور الى جانبه، بعد ان كانت متمسكة بالحياة، هذا ما كانت تردده كل يوم، مع السؤال المهم الذي كان يصدح  داخلها كل يوم، أين سأبيت غدا ومن منهم سيستقبلني؟ صارت حين تستفيق صباحا تود ان تعاود غلق اجفانها وتستغرق في النوم تلافيا لمواجه دنياها .

كان الوضع  صعبا والحيرة تلفها من كل مكان. وهي تتصل بهم تباعا قلبها متشوق لهم كأم متأملة أن يرد أحدهم على اتصالها، كان الجميع يتهرب ويتجاهل اتصالاتها، وفي عصر يوم مختلف عن باقي الايام، سكن الضجيج داخلها، وتوقفت عن الكلام، والشكوى وكأنها تنتظر شيئا هي نفسها لا تعرفه. انقطعت شهيتها عن الطعام، اكتفت برشفة ماء  ثم جالت  بنظرها في المكان الذي كانت مستلقية فيه وهوعبارة عن غرفة صغيرة في منزل اصغر أبنائها سنا، والذي كان اقربهم الى قلبها، كان النهار فيه طويلا وعقارب الساعة تسير ببطء والكل منشغل في حياته. لم تكن تعلم بانه كان يوم رحيلها وان مكانها تجهزه الملائكة، وان اكفانها قد نسجت وأن  الله قد نظر اليها ولن يتخلى عنها.

باغتتها رجفة قوية، قلبت سكونها وسرت في جسدها، انتهت بشخوص عينيها نحو افق غيبي مجهول هي فقط من كانت تبصره، واصابع  يدها التي وثبت  فوق مخمل شرشف سريرها الابيض، بقوة  وكأن الروح تأبى أن تفارق الجسد، انتزعت روحها وسكن راسها دون حراك على وسادتها، التي كانت شاهدا على ما عانت من طعنات المرض وجحود اولادها، وبشاعة الحياة التي عاشتها، رحلت مصطحبة معها  كفنها، وما تبقى لها من كرامتها.

صدموا جميعهم خبر رحيلها الغير متوقع، تعالت أصوات بكائهم ونحبهم، وتمنوا او تعود لها الحياة. بعد ان  تراشق الاتهامات بالتقصير وسارعوا الى حمل نعشها، بتشييع مهيب فرض نفسه ورفع من شأنها، وقلل من شانهم وهم يرتدون ثوب الجحود والتقصير، حيث لا نداء سوف يسمع لهم بعد الآن، ولأدعوه ترفع او ترد لهم، لأن  السماء قد اوصدت أبوابها وارتد صدى صوتهم إليهم بلا  مجيب .

***

نضال البدري

في ليلةٍ ليلاءَ

وفي أعماقِ النومِ أحلم:

في ضواحي المدينةِ أسير.

ها أنا ذا اتأملُ البدايات

في وحدتي الموحشة.

كنتُ أسْرَحُ بِأفْكَارِي بَعِيداً

فجأةً داهمَني لَهيبُ الذكريات

أيقظَ أجراسي الراقدةَ خيالاً

اقتحمَني محمولاً على أمَوْاج الريح.

منْ بعيد،

صوتٌ ساحرٌ يتناهى الى سمعي،

أسمعُ صدى خريرِ الماء

آخذاً بيدي نحوَ نهرِ الوند

على حافةِ النهرِ الحزينِ أترجّلُ،

أتطلعُ الى مجرى النهر،

والصمتُ مخيِّمٌ على الوند،

على إيقاع شجى الأوجاع

أرى الوندَ العظيمَ مقطوعَ النَّفَس

حزيناً كالوداعِ، وجانباه قاحلانِ،

صوتُ النهرِ الحزين تفجَّر،

فهل منْ مُجيب؟

**

يا نهرَ الوندِ لا تشكُ،

ما جدوى شكواك المتنهِّدِ مِنْ ماردٍ.

لسْتَ الوحيدَ،

في وطني يلفُّ الحزنُ أنهارَنا

وسواقينا وسهولَنا وجبالَنا.

يا نهري، يا طاويَ أحزانِ شبابي،

ليتَ قلبكَ الهابطَ يُدركُ ما يَحُوكُ لك

الأشرارُ، والشرقُ!

أجمعَ الجيرانُ على أنْ يخنقونا.

كم مِنْ مرةٍ وضعوا السيفَ على رقابنا،

حاولوا قطعَ أعناقنا.

يا نهرَ الوند،

اليومَ عادوا، وأحيوا مآسينا.

أيُّها النهرُ،

هيهاتَ، هيهاتَ أن يُعودَ ماؤك،

نَبْعُك النَاضِبُ أقفلوا عليهِ الأبواب،

غَيَّروا اتِّجَاهَهُ الى روابٍ وسدود،

ليجفّفوا الزرعَ والضرعَ،

وتموتَ الأزهارُ على ضفتيك،

وعلى جانبيك بقايا عظامِ الأسماك.

**

لمَنْ تغنّي الطيورُ المرفرفةُ؟

الأعشابُ جفّتْ وفقدت رونقَها،

بالأمس كانتْ رياضاً ترفلُ بالخُضرةِ والأزهار.

أين رائحتُك العطرةُ، وريحُكَ الطَّيِّبةُ!

اليومَ

حتى الحَجَرُ لمْ يسلمْ من الخراب،

نهبَ اللصوصُ قيثارتَك الجميلةَ،

كانتِ الطيورُ على أنغامها ترقصُ،

تملأُ الأفقَ ترانيمَ منْ دَفقاتِ الشُّعور.

في الماضي القريب

كانَ في نهري العذبِ صدىً يأسرُ القلوب.

لم يعدْ أحبابُكَ يسمعون هديرَكَ المدوِّي

منْ بعيد.

**

على شاطئ النهرِ الحزينِ أسيرُ

صعوداً وهبوطاَ

وفي عَيْنيَّ أسىً عميق.

كانَ الحجرُ يبكي معي،

دموعُنا انهمرتْ في النهر

ظنَّها مطراً يهطلُ من السماء.

طوالَ الشتاءِ

لم تتوقفْ عن المَدِّ.

ها هو الوندُ ينحسرُ

وانفاسُه تلهثُ!!

**

بالأمسِ كنتَ تجري متحدّياً العوائق

وموجاتُك تتلاطمُ مع الصخور.

وفي الصيف تزهو كالربيع.

تتدفَّق نميراً صافياً،

كنتَ سرَّ مدينتنا

كنتَ الكوثرَ على الأرض

أسقيتنا وأسقيتَ مزارعنا،

في لهبِ الصيفِ كنتَ مأوانا.

بالأمس كنتَ تناجي شوقَنا

باسطًا لنا ذراعَيك،

تأخذُنا في أحضانك،

نجلسُ، نتجادلُ، نتسامرُ.

كنتَ لنا منهلَ الأفكار.

**

أيُّها النهرُ،

في صبايَ كنتُ أعشقُ خريرَكَ،

وأنينَ موجاتك.

وإنْ ارتحلْنا بعيداً

فإِنَّ حنينَنا وشوقَنا يشدُّنا إِلَيك

مُقيماً في قلوبنا حتى مماتنا،

نسمعُ في يقظتِنا وفي منامِنا

لحنَك الجميل،

تحتَ ظِلِّك الوارفِ التقينا.

كنتَ لنا النورَ الذي يضيئنا

في ليالينا،

أنا ورفاقي ولفيفاً من الشباب

على ضفافِك نسرحُ ونمرحُ.

مللْنا أيُّها النهرُ الحبيب،

كيف لنا أنْ نرويَ ظمأنا

في هَجِير النَّهَار.

أيُّها النهرُ، لا تيَأْسْ،

إنَّ اليأسَ يخنقُنا.

دعْني أجوبُ بينَ فلواتك.

سيبقى جسرُك صامداً رغمَ الجفاف.

سيحكي قصصَ آماسي الربيعِ للأجيال،

وعن قمرِ الصيف مضيئاً وجهَكَ.

وفيضانُ الشتاء ينسابُ في أزقةِ المدينة.

كم مرة حلمْتُ بكَ شوقاً ملتهباً.

مهما استبدَّ بنا الألمُ،

واشتدّتْ جراحُنا،

يا نهري العذب،

يبقى صَـداكَ يرنُّ في أُذني.

أجوبُ بينَ شاطئيك الحزينين،

أجمعُ بقايا صوتِكَ في الصخور،

سيظلُّ صوتُكَ يرافقُني

في كلِّ صباحٍ ومساء.

***

سهيل الزهاوي

ما كل شيء ٍيَسْتَوي بالقوةْ

أو كل شيء ٍفيهِ وَحْي نُبُوَّة

*

إنَّ (الوصايةَ) شَرْعُ أفَّاك ٍبَغَى

مُتَزَلِّف ٍ مُتَسَتِّر ٍ بِأُخُوَّةْ

*

يُبْدي لنا وَجْهاً بِعِفَّة ِ لِحْيَة ٍ

وعِمَامَة ٍ بالهـَـــــالة ِالمَرْجُوَّةْ

*

وهــو الذي للهِ يَذْبحُنا بِهِ

ماانْفَكَّ يشفي غَليْلهُ.. وغُلُوَّهْ!

*

فَهُمُ الظَّلَالُ وظِلّهَ ُوظَليلهُ

مهما أتوا بشرائع ٍ مَتْلُوَّةْ

قَرَأَوا بِــ(مَقْلُوب ِ) الكِتَابِ...وآمنوا

أنَّ (العصا) دِينٌ... ونَهْجُ (فتُوَّةْ)!

*

وثَوَابهُمْ لِمَن اسْتَخَفُّوا بوَعْيهِمْ

جناتُ (أحْزِمَة ِ) الرِّضى و(عُبُوَّةْ)!

*

إسلامنا – لاغير - أصدق في الورى

دِيناً... وهُمْ (لادِينَ) إلا(الهُوَّةْ)!

***

محمد ثابت السُميعي - اليمن

/4/2023م

في عَصّْرِ يَوْمٍ بَهيْجِ اللحَظَاتْ.

شَاهَدْتُ حِمَارِي (أَبا الحَيْرانِ) كَثيرَ الابتِسَامَاتْ.

دَنَوّْتُ مِنْهُ وقُلْتُ:

حُيْيتَ (أَبَا الحَيْرانِ) وسُعِدْتَ في جَميْعِ الأَوْقَاتْ.

قَالَ (أَبو الحَيْرانِ):

وَ حَيَّاكَ يَا (ابنَ سُنْبَه)، يَا صَديْقِي في الحَيَاةِ والمَمَاتْ.

قُلْتُ:

مَا الّذِي أَفْرَحَكَ يَا (أَبَا الحَيْرانِ) ونَحْنُ في شَدِيْدِ الأَزَمَاتْ.

قَالَ حِمَارِي (أَبو الحَيْرانِ):

يَا (ابنَ سُنْبَه) لا تَثْرِيْبَ عَليْكَ... فَإِنَّ السَّعّْدَ آتٍ... آتْ.

قُلْتُ:

بَشَّرَكَ اللهُ تَعالَى بالخَيّْرِ والبَرَكاتْ.

أَلا تُخْبِرُني بِسِرِّ انْشِراحِكَ بهذِهِ السَاعَاتْ؟.

قَالَ لي حِمَارِي (أَبو الحَيْرانِ):

إِنّي أُخَطِطُ لِخَوّْضِ الانْتِخَابَاتِ في قَابِلِ السَّنَواتْ.

قُلْتُ: مَّهٍ.... يَا (أَبَا الحَيْرانِ)... مَا هَذِهِ السَّخَافَاتْ؟.

لَقَدّْ عَرِفْتُكَ كَيّْسَ الطَّبْعِ بَعيْداً عَنِ التَرُهَاتْ.

قَالَ لي حِمَاريَ الحَبيْبُ:

لا تَثّْريْبَ عَليّْكَ يَا (ابنَ سُنْبَه)؛ اصّْبِرْ فَلِكُلِ وَقْتٍ صَلَواتْ.

وَ استَمِعْ لِسَدِيْدِ القَوّْلِ بإِنصَاتْ.

قُلْتُ يَا حَبيبي يَا (أَبَا الحَيْرانِ)؛ إِنّي مُستَمِعٌ إِليّْكَ وَمَا عِنّْدَكَ فَهَاتْ.

قَالَ حِمَاري (أَبو الحَيْرانِ):

لَقَدّْ مَرَّ العراقُ بسِنيْنٍ مِنَ الأَزَمَاتْ.

عَانَى الشَّعبُ فِيها عَصِيْبَ النَّكَبَاتْ.

وَ قَرَّرتُ أَنْ أُسْهِمَ لأَرفَعَ عَنْهُ بَعْضَ العَقَبَاتْ.

قُلتُ يَا حَبيبي يَا (أَبَا الحَيْرانِ):

أَبْقَاكَ اللهُ تَعالى ذُخْراً لِكُلِّ العِراقِيّْينَ والعِراقِيَّاتْ.

لِتَكوْنَ لَنَا عَوّْناً لِحَلِّ المُعْضِلاتْ.

الآنَ... يَا (أَبَا الحَيْرانِ) أَخْبِرني بتَفّْصِيلِ الخَطَواتْ.

قَالَ لي حِمَاريَ النَّبيْهُ (أَبو الحَيْرانِ):

يَا ابنَ (سُنْبَه) إِصّْغِ إِليّ إِصّْغَاءَ الخَلِيْلاتْ.

فَالحَدِيثُ ذُو شَأْنٍ خَطيْرٍ كَثيرِ العَقَبَاتْ!.

قُلْتُ:

هَاتِ مَا عِندَكَ.... فَأَنَا سَميّْعٌ لَكَ وسَأُعْطيْكَ المُلاحَظَاتْ.

قَالَ حِمَارِي (أَبو الحَيْرَانِ):

يَا سَيّدَنَا يَا (ابْنَ سُنْبَه)؛

قَرَّرتُ أَنْ أُأَسِسَ حِزّْباً عَليْماً بالسِّيَاسَاتْ!!.

وَ إِنَّهُ حَتّْماً حَتّْماً؛ سَيَفُوزُ بالانْتِخَابَاتْ.

قُلْتُ حُييْتَ يَا (أَبَا الحَيْرَانْ):

بارَكَ اللهُ بِكَ عَلى هَذهِ الخُطُوَاتْ.

وَ مَاذا بَعّْدُ يَا (أَبَا الحَيْرَانْ)؟؟.

قَالَ حِمَاري العَزيْزِ:

سَيَكُوْنُ لِيَ العَديْدُ مِنَ النُوَّابِ والنَائِبَاتْ.

وَ سَيَكُوْنُ بِمَعِيَّتي العَديْدُ مِنَ العَسّْكَرِ والقِيَادَاتْ.

قُلْتُ يَا حَبيبي يَا (أَبَا الحَيْرَانْ):

هَلّْ أَجازَتّْكَ سَفيرَةُ اتِّحَادِ الولايَاتْ؟.

هَلّْ أَخَذّْتَ مُوَافَقَةَ السَيّدَةِ بلاسْخَارتْ؟.

قالَ لي (أَبو الحَيْرَانِ)؛ بَعدَما شَزَرَني بعَيّْنٍ شَديْدَةِ النَّظَرَاتْ:

وَمَا شَأْنِي بتِلْكَ الإِجَازاتِ والمُوافَقَاتْ؟.

فَأَنَا حُرٌّ في بلادِي؛ بِلادُ الخَيّْراتِ والحَضَاراتْ!.

أَنا ابْنُ مَنْ عَلَّمَ الخَلْقَ؛ كتَابَةَ الحُروْفِ والكَلِمَاتْ!.

أَنا ابْنُ دِجْلَةَ والفُراتْ؛ أَنا ابْنُ أَرضَ المُقَدَّسَاتْ!.

أَنا ابْنُ الثَّوْراتِ والانْتِفَاضَاتِ والانّْتِصَاراتْ!.

فَمَنْ ذَا الّْذِي يَمْنَعُني؛ إِذّْ أَقّْدَمّْتُ عَلى تِلْكَ الخَطَواتْ؟.

مَتى يَا (ابْنَ سُنْبَه)؛كُنّْا عَبيْداً لِلأَجَانِبِ والأَجْنَبيّْاتْ؟!.

قٌلْتُ:

يَا حَبيْبي يَا (أَبَا الحَيْرَانْ):

لا تَثْريْبَ عَلَيْكَ؛ فَأَنَا كَمَا تَعّْلَمُ سَليْمَ النِّيَاتْ.

وَ أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْ شَرِّ البَليَّاتْ؛ وتَعَسُّفِ الحَاقِديْنَ والحَاقِدَاتْ.

أَكْمِلّْ حَديْثَكَ... أَجَارَكَ اللهُ مِنْ شَرِّ الحَاسِديْنَ والحَاسِدَاتْ!!.

وَ مَاذَا تَفّْعَلُ بَعّْدَ تِلْكَ الخَطَوَاتْ؟.

قَالَ لِيْ (أَبُو الحَيّْرانِ):

سَأَقُوْمُ بِمَا عَجِزَتْ عَنْ فِعّْلِهِ كُلِّ القِيَادَاتْ!.

وَسَأَقُوْمُ بِمَا لَمّْ يَقُمّْ بهِ كُلُّ الضُّبَاطِ والجَنِرَالاتْ!.

قُلْتُ:

أَكّْمِلّْ يَا (أَبَا الحَيْرَانْ)، فَتِلْكَ مُغَامَرَةٌ مِنَ المُغَامَرَاتْ.

قَالَ لِيْ (أَبُو الحَيّْرانِ):

سَأَقُوْمُ بانْقِلابٍ عَسْكَرِيٍّ مُتَعَدِدِ الصَّفَحَاتْ!.

مِثّْلُ انْقِلابِ (الزَّعيْمِ)؛ عَلى حُكّْمِ المُلُوكِ والبَاشَوَاتْ!.

فَأَنْتَقِمُ بالعَدّْلِ والإِنْصَافِ، مِنْ كُلِّ الفَاسِديْنَ والفَاسِدَاتْ!.

وَ أَنّْقُذُ شَعّْبَ العِراقِ مِنْ شَرِّ كُلِّ العِصَابَاتْ.

وَأُعِيْدُ للعِراقِ وشَعّْبِهِ أَيَّامَهُمّ المُزْهِرَاتْ.

فَبِصَرَامَةِ القَانُونِ، والحُكّْمِ بالانْصَافِ، سَتَسْتَقِيْمُ الحَيَاة.

وَسأَأْمُرُ الأَمريْكانَ بتَركِ العِراقِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتْ.

قُلْتُ:

يَا نُورَ عَيْني يَا (أَبَا الحَيرانْ):

دَعْني أَحْثُو التُرابَ عَلى رَأْسي وأَلطِمُ الوَجَنَاتْ!.

فَسَأَفْقِدُكَ بلا رَيّبٍ ولا شَكٍ... فالشَّرُ آتٍ آتْ!.

فإِنْ انْتَصَرْتَ على الفَاسِدِيْنَ والفَاسِدَاتْ.

سَيَقّْصُفُكَ الأَمريكانُ بالطَّائِراتِ المُسَيَّراتْ!.

فَلِلأَمْريكانِ قَواعِدُ في العَديْدِ مِنْ المُحَافَظَاتْ.

فَهُمّْ الّذيْنَ خَطَّطْوا لنِظَامِ المُحاصَصَاتْ.

وَ بَقَاءُ النِّظامِ عَلى ذَا الحَالِ؛ جُزءٌ مِنَ الاتّْفَاقَاتْ.

الَّتي أَبْرَمَها الأَمريْكانَ مَعَ بَعّْضِ الزَّعَامَاتِ والقِيَادَاتْ.

سَيَجّْعَلُكَ المُحْتَلُّوْنَ مَثَلاً لأَفْضَعِ المُثِلاتْ.

وَيّْليْ سَأَفْقِدُ عَزيْزي، وقُرَّةَ عَيّْني في الحَيَاةِ قَبّْلَ المَمَاتْ.

وَيّْليْ سَأَفْقِدُ عَزيْزي، وقُرَّةَ عَيّْني في الحَيَاةِ قَبّْلَ المَمَاتْ.

***

محمد جواد سنبه

* بيئة القصة: مهجرون

* زمن القصة: بعد التهجير بسنوات.

* الشخصيات: طفل في الخامسة. أمه في الخامسة والثلاثين. رجل في حوالي الاربعين تربطه آصرة نسب بالعائلة.

يدخل الطفل البراكية القديمة، يرى أمه وقريبًا له يجلسان يتبادلان الكلمات والابتسامات. إنه يحب هذا الرجل، ويستلطفه، فهو متحدّث لبق وقد تعلّم منه الكثير. كلماته موزونة ونبراته موقّعة. يستغل الطفل الفرصة يقول:

- قرّب العيد.

ترسل الام نظرة ذات معنى إلى ضيفها:

-  يا الله شو بحب هذا الولد الفرح.. صار له أيام وهو يقول قرّب العيد.

- بعرف. يقول الرجل. ويرسل نظرة غامضة نحو المرأة. يستغل الطفل الموقف:

- هاي السنة عيديتي رايحة تكون كبيرة.. الله ما أحلى العيد. مصاري.. قروش وليرات.. ملبّس ولحم..

بعد سكتة قصيرة يتابع:

- من أمي نص ليرة. من أبوي ليرة. من أخوي الكبير خمسة وعشرين قرش ومن أختى خمسة وعشرين قرش.. هيك بصير معي ليرتين.. بتنتلي جيبتي بالمصاري.

يتحرّك الرجل في مقعده الخشبي الواطي:

- شو بدك تعمل بهاي المصاري؟

يردّ عليه الطفل بدون تردد:

- بدي أشتري إشي كثير غالي.

يسأله الرجل:

- قلي.. إيش هو؟

يغمض الطفل عينيه، ويغوص في بحر من الصمت. يبتسم الرجل:

- بعرف انك ولد شاطر.. أنا متأكّد من انك بتفكر باشي كبير ومهم. يرسل الطفل إلى الرجل نظرة شكر وامتنان، يتفاعل معها الرجل مرسلًا نظرة نحو أم الطفل:

- عيديتك هاي السنة رايحة تزيد نص ليرة..

يتهلّل وجه الطفل. إنه يفهم كل ما يقال. الرجل قرّر أن يعايده بنصف ليرة. الله ما أحسن هالعيد، ليرتين ونص بصير معي، بشتري لأمي منديل بليرتين وبنيّظ (بدلل) روحي بنص ليرة.. يتغضن وجه الطفل..  وإذا ما اعطاني نصف ليرة؟ بتخرَب كلّ حساباتي... يتوجّه إلى الرجل:

- كيف يعني بدها تزيد عيديتي نص ليرة؟

يُرسل الرجل نظرة باسمة إلى أم الطفل، ويتوجّه إليه:

- أنا بأكدلك إنها رايحة العيدية تزيد نص ليرة.

يتصدّى له الطفل:

- كيف يعني.. قُلّي..

يرمق الرجل الأم بنظرة ساخنة من طرف عينه:

- عيّن خير.. أنا ضمرت على إشي اذا ضبط.. رايح اعايدك بليرة.. مش نص ليرة. روح العب برة إسه.

يخرج الطفل من البراكية، تاركًا أمه وذلك الرجل وحدهما.. هناك.. شيء ما يشدّه إلى الداخل، قلبه يدق بسرعة. ما قاله ذلك الرجل أغرقه في حالة من القلق.. فما هو الذي ضمره؟ ولماذا هو رمق أمه بأكثر من نظرة ساخنة؟.. هكذا وجد نفسه بدون وعي منه يبحث عن ثقب في البراكية حيث تجلس أمه وذلك الرجل.. وبيد كلّ منهما فنجان قهوة. ويتلصّص إلى الداخل. قلبه يدق.. يدق يدق.. بسرعة يدق.. إنه يرى الرجل يمدّ يده إلى صدر أمه.. إنه يضرع إلى الله طالبًا منه أن يلهمها القوة فتبعد اليد الممدودة إلى صدرها عنه. يا رب تبعد يده عن صدرها.. لا تدعيه ينال مأربه منك.. يُغمض الطفل عينيه.. يفتحهما.. في متاهة من الحيرة.. إنه يقف الآن بين.. بين.. فإذا ما استسلمت أمه لليدّ الممدودة إلى صدرها.. حصل على العيدية العتيدة، وإذا رفضت فإنه لن يحصل عليها.. أغمض الطفل عينيه وفتحهما ليرى أمه تردّ اليد الممدودة إلى صدرها.. يخرج الطفل عن سيطرته على نفسه.. يصفّق لأمه.. برافو أمي.. هيك بدي اياك جدعة ومخلصة.. كرامتك هي أحلى عيدية. يبدو أن صوت الطفل يصل إلى داخل البراكية. يسحب الرجل يده رادًا اياها إلى الخلف. ويندفع خارجًا من البرّاكية.. مبتعدًا عنها.. يغيب في أجمة الاشجار الواطية.. و.. تختفي آثاره.. نهائيا.

***

قصة: ناجي ظاهر

بها كونٌ يُداعِبُني بهَمْسِ

وأحْلامٌ مؤجَّجةٌ بنَفسي

*

إذا نَظرتْ أباحَتْ عَن مُناها

وأدْمَتْ تائقا يُرْدى بلمْسِ

*

تَسامَتْ فوقَ عَلياءِ انْتِهاءٍ

بروْنَقِها أبانَتْ أو بمَيْسِ

*

شَمائِلُها مِنَ الأعْماقِ نالتْ

وكمْ سَكبَتْ مَفاتنَها بأنْسِ

*

أحاورُها بروحي أو بفكْري

وتَحْرقني إذا اقتربَتْ كشَمسِ

*

تُعلّمُني جَميلاً مِنْ ودادٍ

وتُهديْني وَميْضاً زادَ أُسّي

*

مُشعْشِعةً بأضْواءِ ابْتهالٍ

مُنغّمَةٍ بألحانٍ وحِسِّ

*

تَطوفُ بنا على أفُقٍ مُنيرٍ

وتُسْقينا مَباهِجَها بكأسِ

*

حَلمْتُ بها تُعانقني بليلٍ

وتَشفيني مِنَ الحُمّى بجَسِّ

*

كأنّ وجودَها برهانُ ذِكرى

تَهادَتْ في مَرابعِنا بخِلسِ

*

أطاردُها وقلبي مُسْتَهامٌ

وعَيْنُ الروحِ في وَجَلٍ ويَأسِ

*

أجوبُ مُروجَ حُبٍّ في خَيالٍ

وأمْشي دونَ إحْساسٍ برَأسي

*

لأنّ القلبَ مَنهوكٌ بنَبْضٍ

يُردّدُ إسْمَها مِنْ فجْرِ أمْسِ

*

لنا الأيّامُ أرْديَةُ ابْتهاجٍ

تُنادينا فنَنْسِجُها لعُرْسِ

*

وكمْ دارتْ وما خارتْ قِواها

فهلْ جَلبَتْ لنا طعْماً بدَرْسِ؟

*

مُعللتي بأحْلامٍ توارَتْ

تَمادى العُمْرُ في بُعْدٍ وتَعسِ

*

فلا بَقيَتْ بها صورٌ لِكانَتْ

وقد طمَرَتْ مَحاسِنَنا بتُرسِ

*

عَجائِبُ رحلةٍ في تيْهِ عُمْرٍ

أصيْبتْ مِنْ تلوّعِها بيُبْسِ

*

فإنْ حانَ اللقاءُ على ضِفافٍ

فهلْ نَجري إلى بَعْضٍ كخُرْسِ؟

*

أنامِلها تُخاطبُني برَمْزٍ

فأسْمَعُها وأبْصِرُها بحَدْسي

*

فيا ليتَ الذي خلقَ البَرايا

يُزيّنها بأطيابٍ ووِرْسِ

*

هيَ الروحُ التي ورَدَتْ كيانا

تُسَخّرهُ لإقدامٍ وبَأسِ

*

فما تَعِبَتْ من الإصْرارِ يوماً

ولا ظهَرتْ مُدثرةً بنُعْسِ

*

تُغادرُنا إذا انْطفأتْ قِواها

وترْنو نَحْوَ علياءٍ بخُنسِ

*

لها الأبْدانُ أوْعيةُ احْتِرابٍ

إذا اهْترأتْ تُخاصِمُها بدَعْسِ

*

ترابُ الأرْضِ يَأكُلها وتَحيا

بعيداً عن مَواطنها بعُنْسِ

*

مُطهَرةٌ يُنزهها مَعينٌ

ويُنْجيها ويَرْفِدُها بحُرْسِ

*

عَشِقتُ ضِياءَها والعمرُ وَمْضٌ

يُذكّرني بأيّامي وغَرْسي

*

أناديها وقلبي دونَ نَبْضٍ

أ بَعْدَ المَوتِ ما حَفِلتْ برجْسِ؟

*

سماواتٌ بها العُشاقُ تاهوا

وعرشُ الروحِ مَخبوءٌ بكُنسِ

***

د. صادق السامرائي

10\7\2022

خَبَوْنا، أيُّها النَّائي الْمُقِلُّ

زمانٌ مَرَّ مِنْكَ، ولا تَهِلُّ

*

ترَكْتَ دِيَارَنا  قَفْراً، فبِتْنا

هَديلُ الشَّوقِ فينا لا يَكِلُّ

*

أيا بَدْراً سَقانا مِنْ هَواهُ

بجُرْحٍ غائرٍ لا يَضْمَحِلُّ

*

نروحُ نُغازِلُ الْكَلَماتِ شَدْوَاً

نُصارِعُ ، والْهَوَى داءٌ يَشِلُّ

*

فما بانَتْ نجومٌ في سَمَانا

تُنَادِمُنا، ولا وَجْهٌ  يُطِلُّ

*

فبينَ العَيْنِ منّي والتمنّي

وبينَ جَبينِكَ الوَضّاءِ ظِلُّ

*

سَرَيْتُ ، وخَيلُ مِخْيَالي شَريْدٌ

وصَمْتُ الدَّرْبِ والشَّيطانُ خِلُّ*

*

أسِيرُ مَعَ الدُّجى والنَّاسُ حَيْرى

أقيسٌ عادَ أمْ قد غابَ عَقْلُ؟

*

فقلْتُ وكلُّ نبضٍ في فؤادِي

شَدِيْدٌ لا يُداريْ، لا يَضِلُّ

*

أنا الْقَلْبُّ الَّذيْ ما ذَلَّ يوماً

لِمَيْسِ خَرِيْدَةٍ تَسْعَى تَدِلُّ  

***

عبد الستار نورعلي

تشرين الثاني/نوفمبر 2022

.............

* الشيطان: شيطانُ الشِعر

الجزء الثالث من: مناوشات عاطفية

الحب والحرمان معضلتي الأزلية منذ سن المراهقة كبرت على فكرة أن الحب عار وفضيحة إلا للزوج وما الحب قبل الزواج إلا دعارة ومعلمات دين في حصص النشاط والفراغ يخبرننا في حلقات دينية تقام في المصلى قصصاً وأساطيراً حول مآسي الحب والعلاقات والفضائح فتارةً يعرضون على تلفاز رمادي صغير بشاشة مهزوزة أشرطة فيديو لقصة فتاة عصت أهلها وانجرفت خلف خطوات الشيطان وخرجت مع شاب في سيارته وماتت في حادث على معصية الله وأخرى كانت تستمع لأغنية راشد الماجد وماتت وهي تردد "ويلاه ضاق الصدر" بدل من الشهادتين وأخرى قتلها أهلها لهروبها مع حبيبها وكأن جرائم الشرف كانت نتيجة طبيعية ومقبولة لتمردها.

و شاب كان يتفرج فيلماً ومات وهو ممسك بجهاز التحكم بيده ودفن معه وتارةً مشاهد لإنهيار مرقص في إسرائيل لرجال ونساء يرقصون على مسرح وانخسفت بهم الأرض من غضب الله في منظر مهيب وسط بكاء وصرخات وخلفية موسيقية مليئة بالآهات ومؤثرات الصدى والتحذير والوعيد وبين كل قصة وأخرى مطوعاً يصرخ ( أختاااه أختاااه إحذري إحذري) وتظهر العبارة على الشاشة باللون الأحمر يرافقها أنين ونحيب غريب وغير مبرر ،كنا نجلس بحلقة دائرية متسمرين وسط أجواء مشحونة بكل هذا القدر من الرعب والعنف قاسية على إنسانة مثلي خلقت بقلبٍ إسفنجي يتشرب كل شيء نبكي بكاءً مريراً كل أسبوع ومع كل مرة يعرض علينا نفس الشريط بنفس القصص رغم الألم النفسي الذي تتركه الأشرطة الدينية هذه علي إلا أنني دائما ما أترجى المعلمة بالإستزادة منها ..بل ان علبة مناديل المصلى لم تكن كافية لشفط تيارات دموع التوبة الجارية خلال ساعة ونصف ،كنت أخرج من المصلى مبلله بدموعي المنهمرة على مريولي الأخضر وتمسك بيدي صديقتي تعكزني بسبب فقدان توازني من شدة البكاء ومعلمة الدين تنظر إلي بإعجاب وتضع يدها على كتفي قائلة: "كلما إشتد الألم وإشتد البكاء كلما عظمت التوبة" وأدخل في نوبة بكاء أخرى محتقرة لذاتي كيف أصارحها بصور المطرب جواد العلي المعلقة على باب وجدران غرفتي أقبّلها كل صباح ومساء؟ ماذا لو علمت أني أفتتح صباحي بمشاجرات مع أخي الذي ينتزع كل يوم "بوستر" صورة جواد العلي من على باب غرفتي ويعلقها على باب الحمام..كيف أقول لها أني كتبت إسم جواد في كل ركن من الغرفة بقلم مضيء في الظلام والحرب الطاحنة التي حصلت عندما تعاون مع أختي وسرق القلم لتشويه إسم جواد وإستبدال حرف الجيم بحرف القاف على إحدى الجدران، ماذا لو علمت أني وشمت إسمه على كتفي بموس الحلاقة وكلّفت صديقتي الباكية بجانبي بحشو الوشم بعصير الفيمتو "التوت" المركّز حتى يدوم وقت أطول.

في الجامعة صدمت أن تلك الخطيئة هي السائدة والفضائل التي اعتقدتها هي الغائبة ، كان حباً منتشراً بالأجواء وفتيات جريئات يتحدثن عن علاقاتهن الغرامية الفاحشة مع الجنسين بكل أريحية بلا خجل بلا تأنيب بلا خوف بل إن السؤال الأول في أي مرحلة تعارف هو :"عندك حبيب؟" لم أعرف ماذا أجيب ولم يصدقوني بكل الأحوال إن أجبت بالنفي فكنت دائماً ما أنبذ وأترك وأبقى وحدي لأن مظهري يغدر بي ويعطي إنطباع بالدهاء والغرور لفتاة ملعونة تجيد الغواية والألاعيب العاطفية وتجويع الرجال وكأني بالعامية (مقطعة السمكة وذيلها) بينما الحقيقة أني غضة بريئة لاتدرك من كل هذا شيئاً ولم تصبني عدوى الحب.

مع الوقت اضطررت للكذب ولإختراع قصص غرام ملتهبة ولابد ان تكون فاشله حتى أجاريهن بالكلام ولأنها لم تكن مقنعة وخالية من التفاصيل كان أمري يفتضح سريعاً.

وأنبذ من جديد حتى أصبح أكبر التحديات التي واجهت هو التعرف على أي صديقة تؤنس علي روحي .

وأخيراً صادفت في أحد إختبارات معمل مادة الأحياء الدقيقة فتاة كان لها حضور طاغي، تداخل الأعراق في جيناتها وطول قامتها وشخصيتها التي تجبر الجميع الى النظر إليها رأيت فيها مايشبهني ووجدتني وبلا شعور مني جلست بقربها وعرضت عليها مراجعة المادة قبل الإمتحان.

على الرغم من هذا الحضور الأخاذ فقد بدا واضحاً عليها "أنها لم تذاكر المادة" فمددت إليها بعض البراشيم كعربون ثقة مبكر ثم أصبحنا صديقتين مقربتين فيما بعد صارحتها بأمري و"غشامتي" وبرائتي رغم كراهيتي لتلك الصفات فتعهدت بإرشادي في هذا الطريق الوعر خطوة بخطوة.

أخبرتني أن علي فتح قلبي أولاً للحب ولفكرة دخول شخصاً ما لحياتي ..

وبالفعل .. فتحت باباً دخل منه

(المتردية والنطيحة وما أكل السبع)

***

لمى ابوالنجا – كاتبة وأديبة سعودية

حيرانُ في أيِّ المواجع أنكِشُ

وبها الجديدُ مع القديمِ يُعَرّشُ

*

كم نكسةٍ حَلّتْ وكم من حادثٍ

يُودي وربّي مَنْ يُقِيلُ ويُنعِشُ

*

يتدحرجُ الالمُ المُلِمُّ بخافقي

بين القوافي ظامئٌ مُتَعطشُ

*

حيرانُ لا أدري لأينَ مَسيرتي

ساءَلتُ نفسي والفؤادُ مُشوّشُ

*

حسبي هي الدُنيا أعيشُ ظرُوفَها

ورهاءُ تُغري والمُحِبُّ مُحَشّشُ

*

ومَدارُ عُمري في مَدارِ صُرُوفِها

يبقى وفي وهمِ الاماني أجرشُ

*

بلوى حَمَلتُ وقد كتمتُ أوارها

هي للجوانحِ كلُّ حينٍ تنفِشُ**

*

حيرانُ والاوجاعُ صِرنَ ملاعبي

أحواليَ الايامُ مِنها تُدهَشُ

*

عنْ أيِّ حالٍ يا نديمي بعدما

جِزْتُ الخُطوطَ الحُمرَ عنها أنبِشُ

*

وإذا أُعاتِبُ مَنْ أُعاتِبُ يا تُرى

وهناكَ من ناسي قوارضُ تَنهشُ

*

وإذا أُعاتبُ هل أعاتِبُ غاويًا

غِرًّا ومَنْ حولي أصَمٌّ أطرشُ

*

حيرانُ لا أدري وأدري أنّني

في ظلِّ قافيتي لأفعى أحرشُ**

*

والشدُّ ما بيني وبينَ خواطري

ومَدارِ شوقي في النجومِ أفتّشُ

*

وأرى الليالي لا تُجاملُ والمُنى

خسفًا وإنّ الحُبَّ جورًا يبطشُ**

*

هو دولةٌ وله شروطُ دُخولها

أحكامها اللاءاتُ وشمٌ يُنقشُ

*

لا حَقَّ في الشكوى ومَنْ يشكو لهُ

سوطُ القصاصِ ومَنْ بها يَتحَرّشُ

*

فدولةٍ أعرافُها مسنونةٌ

صبرٌ على دربِ المُتيّمِ يُفرَشُ

*

وعلى شروطِ الحُبِّ صِرتُ موافقًا

أملًا وفي صبري الجميلِ أُرتّشُ

*

لكنني أخشى إذا نطقَ الجوى

بينَ القوافي للشريعةِ أخدشُ

*

حُلُمي وفي حُلُمي أعيشُ ومُنيتي

تبقى وأبقى في السرابِ أُجمّشُ**

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الثلاثاء في 24 كانون ثاني 2023

.................

** تنفش: انتشر

** أحرش: أستثار الكامن

** الخسف: الذل والهوان

** جمّش: داعب وغازل

** الصيف القادم

ستتسع دائرة الشيب

في رأس الفزاعة.

*

على حبل الغسيل

قمر يرتق

ثوب الأرمل.

*

يا للسعادة

فراشتان ترتقصان

على إيقاع مياه الجدول!.

*

يا للطبيعة!

عن شريك

تنادي الإوزة.

*

يا للروعة!

آذار يخفي أدوات الزينة

في جناحي فراشة.

*

رضيع،

غيمة تتدلى

مثل نهد طازج.

*

أمام الكاتدرائية

ملاك وشيطان

يتفاوضان بالإشارة.

*

القميص

الذي يلبسه الغراب

من تصميم الليل.

*

تناكحي يا طيور

عينا الفزاعة

ملطختان بالذراق.

*

الحصان النافق

بدمعتين يتذكره

المزارع العجوز.

*

ثمة مؤتمر

بالجوار

يا لفصاحة طيور الغاق!.

*

تبا للحياة الزائلة

الأقحوانة والفراشة

سترحلان قريبا.

*

ربطة عنق-

جرعة من الموسيقى

لتصير فراشة.

*

يوم غائم

بحنجرة مبحوحة

كما لو يسأل الدوري عن الشمس.

*

صلاة الجنازة

تسبق المشيعين إلى المقبرة

شمس آذار.

*

في صندوق البريد

لاجىء مذعور

العنكبوت.

*

آخر الربيع

تمضغ الشمس شعري الأشيب

طوال اليوم.

*

تحك أطرافها

غير مبالية بشيء

ذبابة في جنازة.

*

جيئة وذهابا

ينتهك مجالنا الجوي بعوض المستنقعات.

*

كم أشقاك

نوم الموتى الأبدي

يا أزهار المقبرة

*

الأقحوانة الميتة

لم ينتبه لجثتها

غير البستاني.

*

مع كل قطرة ماء

يودع الصنبور

نهارا حافلا بالجريان.

*

إلى الإسطبل

ينقل الضوء

الحصان العجوز.

*

أمام المدفأة

الحيطان  تشاركني

السهر.

*

لم تمتع بالشباب

الأقحوانة التي دهستها

حوافر الحصان.

*

احتمي بالحائط

أيتها النملة

من هنا سيمر سعادة الحصان.

*

يا للقيظ

الشمس تحتكر جميع المقاعد

في الحديقة.

*

بعناية

يمسح زجاج نظاراته

فاقد البصر.

*

جندي

يطلق دمعتين

على جثة.

*

وحده

يغني طائر الكروان

في المقبرة.

*

يصرخ عاليا

اهبطي أيتها النجوم

لا أحد معي البيت.

*

لم تمطر منذ أيام

-حزينة جدا

مطريتي السوداء.

*

ماذا لو نتقاسم

أعباء هذه الرحلة

يا صرار الليل؟.

*

مصيرنا واحد

أيتها الشجرة الهرمة

لكن مجبرون على الوقوف.

*

من البحر

يقترب القمر كثيرا

لحراسة اللاجئين.

*

من منقاره

يسقط ضوء اليراعة

طائر الوقواق.

***

فتحي مهذب - تونس

منذ صغري ما تعودت أن أنام وحيدا في ظلمة، ولا طقت أن تقفل دوني باب، حتى في ليالي الشتاء الباردة كنت افرض على مربيتي أن تترك باب غرفتي مشرعا، فغطائي الصوفي و المسخن الكهربائي كانا كافيين أن يجعلا غرفتي ترمي شواظها..

كثيرا ما كانت مربيتي تستغل استغراقي في النوم لتقفل دوننا باب الغرفة فسريرها الرحب والذي يحاذي جدار الباب كان يعرضها لنزلات البرد. هذا ما كانت تدعيه..

لم أتعود الصحو ليلا لأي سبب من الاسباب فقد وهبني الله نعمة النوم العميق، حتى حين ضرب المدينة زلزال خفيف في احدى ليالي عيد الاضحى استغربت لما كان يروج من حديث بين اصدقائي في المدرسة؛

لما رجعت في الزوال واستفسرت عما تداوله الاطفال، أمي قالت: الارض تعبت من سكانها الخاملين، أبي قال: الله يحذر عباده..

ما فهمت معنى لما قالاه، وحدها مربيتي شرحت الأمر ببساطة قائلة: ضع يديك على صدرك، تنفس بقوة، ازفر، هل أحسست بحركة يديك؟ ذاك ما فعلته الأرض..

كنت احب مربيتي مذ كانت زوجة لخالي قبل أن يموت في حادثة سير وتستقر معنا في البيت رافضة العودة الى وطنها الاصلي فرنسا خصوصا وانها لم تنجب أولاد ا..

كنت أحب سمرتها العسلية ومزيج عينيها الضيقتين النفاذتين حيث يمتزج في أعماقهما اللونان الاخضر والازرق، كما كان يثيرني أنفها الدقيق الذي لا يناسب شفتيها المكتنزتين الملونين دوما بأحمر الشفاه الوردي..

في يوم عطلة عاقبتني أمي بعدم الخروج لأني ضيعت أحد كتبي، وهكذا تعدت قيلولتي الساعتين..

في الليل نمت بعد أن راجعت معي المربية دروسي وتناولت عشائي..

الى حدود اليوم لا أدري أي شيطان جعلني استفيق ليلا على غير عادتي: أهي التاوهات التي كانت تملا فضاء الحجرة ام الحركات غير العادية التي كانت فوق سرير مربيتي..

تجمدت في مكاني وأنا ارى مربيتي على أضواء الشارع التي تعكسها النافذة في اوضاع ما رأتها قط عيني وهي تمارس سلوكات مع رجل كثيرا ما شاهدته في بيتنا أو أخذتني أمي اليه..

ما تملكني احساس بخوف ولكن خالجتني رؤى وأفكار، فمنذ هذه اللحظة أدركت لماذا كان يمنع علي النوم في غرفة ابوي، ولماذا كانا يقفلان عليهما الباب بالمفتاح..

وخلال اسبوع من مغالبة النوم ليلا عرفت كيف كان الرجل يتسلل الى بيتنا كل ليلة عبر حديقة منزله الى حديقتنا، ومن تم الى غرفتي عبر باب ثانوية تشرف على الحديقة حيث تستقبله مربيتي..

بدأت أمتنع عن النوم في سريري مفضلا سرير مربيتي التي ما استطاعت ان تشعر أمي خوفا من فضيحة قرأتها في عيوني، فهي حتما أدركت سبب عنادي واصراري على النوم معها على نفس السرير، وتوقف السيد عن التسلل الى غرفتي بعد تحذير من مربيتي لا شك..

شيئا فشيئا بدأت اتلذذ بالنوم قربها، التصق بها، أعانقها، احاول أن أدس يدي الصغيرة بين نهديها حتى اذا اخرجتها اعدت الكرة الى أن تنام..

كلما امتدت الأيام زدت ألفة بما يدور في خلدي وبما أحاول أن أنفذه مع مربيتي، هي نفسها تعودت حركاتي، كنت أمسك بحلمتيها وادعكهما تماما كما رايت الرجل يفعل، ثم بدأت اصر على أن امتصهما حتى إذا قاومتني هددتها بالذهاب الى امي فترضخ، ثم شرعت ألعق بطنها وادس أناملي في أماكن حساسة من جسمها..

تنبهت امي إلى أني ما عدت استطيع الصحو مبكرا كعادتي وأن صفرة بدأت تعلو وجهي، ثم كلمتها مديرة المدرسة عن رغبة النوم الشديدة التي بدات تغالبني في الفصل..

اسئلة متعددة طرحتها علي امي، ثم ابي ومن بعدهما معلمتي كنت اجيب عنها بمهارة أثلجت صدر مربيتي وأراحت الى حد ما بالها مما جعلها تحضنني اكثر، بل تمادت الى أن تقنعني بإقفال باب الحجرة دوننا حتى نمارس طقوسنا بلا خوف من احد..

زاد جسمي هزالا أخاف امي علي...

ذات مساء وجدت ابي بنفسه ينتظرني بدل السائق بباب المدرسة، استلقيت على المقعد الخلفي، نمت.. لم أحس بنفسي الا وانا ممدد على سرير ابيض في عيادة، أول من وقع عليه بصري رجل عرفته وعرفني، نظر الي بعينين قرأت فيهما الرعب والخوف، كنا وحيدين في الغرفة، ما ان اقترب مني حتى توهمت انه سيقتلني..

لم اجد بجانبي غير قنينة سيرو تتدلى من حاملتها نثرتها وضربت بها الرجل على راسه..

بعدها لا ادري ما وقع.. هو ترنح وسقط أرضا بعد أن فار دم جبهته، وانا اسغرقتني غيبوبة أفقت منها على صوت مدير العيادة ومعه ضابط شرطة يسألاني ماذا وقع؟

بعد يومين كنت أركب الطائرة في رحلة علاج الى فرنسا..

وانا في الطائرة فتحت عيني مرتين: مرة تخيلتني وكأني ساهوي الى بئر عميقة، ومرة حين احسست أن ابرة قد نفذت في ذراعي.

كنت محاطا بممرضتين، في عيونهما كنت اقرأ الفضول ونوع من الشماتة: كيف يتم غض الطرف عن طفل مع مربية بلا مراقبة؟

بين صحو وغياب سمعت احداهما تهمس لصاحبتها:.

ـ غبية، كيف كانت قانعة تعوض رغباتها باللعب مع طفل صغير؟

حين وصلت مطار" أورلي" تظاهرت بالنوم، وظلت اسماعي وحدها تقتنص الصدى من حولي..

بعد يومين كنت ممددا على اريكة مريحة وامامي طبيب.. أجفلت بادئ الامر..فكل طبيب صار عندي نسخة شبيهة بالذي كان يتسلل الى مربيتي.. بيننا كانت آلة تسجيل على منضدة صغيرة ؛كانت أسئلة الطبيب عميقة: عن تعلمي، عن علاقتي بوالدي، بأمي، بمعلمتي وأصدقائي...عن الأطفال الذين ألعب معهم في الحي وعن الذين لا أحبهم...

لم يسألني عن مربيتي الا بعد أن طرح أسئلة كثيرة عما احبه في حياتي وما لا أحبه، ثم فاجأني:

ألا تذكر مربيتك وتحن اليها؟

قلت: لا.. تلاعبت بي رغم أني كنت أثق بها.. وبصراحة كنت لا اعرف ما اريد..

قال: حسنا وماذا تعرف عما كنت تريد؟

قلت: مارايت الطبيب يفعل مع مربيتي..لقد كنت ألاحظ أشياء ماعهدتها في حياتي..

ـ الم تحدثك ماما عن ذلك يوما؟

ـ لا..ماما كانت تصر دوما على أن تعلمني ان كل انسان له جسد..هو ملك له وكل من فرط فيه يعاقبه الله، ومربيتي فرطت في جسدها، واستغلت جسدي، كانت أمي دوما تقول لي: جسدك ملكك واياك ان تترك أحدا يعبث به او يلمسه.. فقط ماما وبابا لهما الحق في لمسه ومسؤولان عن نظافته وسلامته..

حرك حاجبيه رضى ثم قال: وهل راقك ما كان يفعله الطبيب مع المربية؟

صمت لحظة ثم قلت: لا ادري.. ولكن حين خلعت ثيابها توهمت اني كنت قادرا على أن أحاكيه..

قال وقد فاجأني: وهل كنت قادرا حقا؟

قلت:بصراحة كنت لا اعرف نفسي ولا اقدر سوء رغباتي..

قال: هي مازالت تريدك؟ هل تبادلها الرغبة؟

قلت بعصبية: أكرهها..لا اريد ان اراها مرة أخرى.. فقدت أصدقاء مدرستي..تغيبت عن دروسي.. جلبت المشاكل لابي وأمي....

ضحك وقال: الكل راض عنك..والكل يحبك، اصدقاؤك ينتظرون عودتك الى المدرسة..معلمتك هاتفتني من لحظات تسأل عنك...

سكت قليلا.. تبسم ثم قال: هل لك صديقة؟

افرحني السؤال..قلت: طبعا كل بنات فصلي صديقات لي..

هز راسه وانحنى علي قائلا: صحيح..طفل مليح الوجه مثلك..مجتهد..من اسرة بأصل ونسب لابد ان يكون محبوبا..

وقف وقد كانت بوادر الارتياح بادية عليه وقال:

هل تعرف انك ساعدتني في معرفة ما في عقلك..كنت أظنك ستكرهني كطبيب وربما تضربني كما ضربت طبيبك المغربي.. الحمد لله انه بخير وهو يتمنى ان يقابلك ليعتذر لك..هل تقبل اعتذاره؟..

صمت..ثم قلت:

ما تعودت أن اضرب أحدا.. الخوف وحده جعله امامي شيطانا..ذكرني بقصة عزازيل ابنة الشيطان التي قراتها..

أجهشت بالبكاء.. ماتصورت يوما أن اجد نفسي في موقف كهذا..

تابع حديثه:ساخرج من عندك وانا مرتاح لاني تعرفت عليك أولا...ولاني فجرت دموعك..ابك حتى تغسل كل مافي عقلك وبين ضلوعك..

ناولني منديلا ورقيا ابيض ثم انصرف.

بعد يومين نظمت إدارة المشفى مباراة في كرة اليد بين فريقين احدهما من خارج المشفى وحيث أني كنت اتقن اللعبة فقد اشركوني ضمن الفريق المحلي..كنت أصغر اللاعبين ولكني سجلت ثلاث إصابات رائعة..

كنت الاحظ الطبيب المعالج يراقبني من نافذة مكتبه وقد كانت أمي معه؛سرني ان أبصرتها سعيدة بلعبي..

أعرف انها لن تحقد علي وانها ستسامحني ولكني مع الأسف لم أكن في مستوى ثقتها ولا ثقة والدي الذي أحبني بلاحد..

هكذا كنت ولمدة عشرة أيام أشارك في نشاط رياضي او سنمائي او مسرحي؛احسست اني دخلت عالما جديدا خصوصا وخلال ثلاث جلسات أخرى مع طبيبي الذي اقنعني ان مامر بي مجرد حلم.. وكان كل مرة يرد الحلم الى شيء كنت أنا السبب فيه..

بصراحة بدأت انسى تلك الكوابيس التي ارقت ايامي بل صار عندي ميل الى نوم لايترك لي فرصة لاسترجاع مامر بي.. فانا وطيلة وجودي في ذلك المشفى كنت نائما او مشاركا في نشاط او اساعد مرضى المشفى في الحديقة او المقصف..

بعد عودتي لوطني كان استقبال طاقم مدرستي مبهجا من خلال حفل صغير نظمته الإدارة..كان الكل سعيدا بعودتي..

في نهاية السنة الدراسية واثناء حفلة توزيع الجوائز قدم الى رجل جائزة المثابرة والنجاح.. أحسست كأني اعرفه.. شكرته بقبلة على خده، لكن صورته ظلت تشغل بالي..من هو؟ وأين رأيته..

حين تذكرت.. ضحكت من نفسي.. كم تتلاعب بنا الأحلام والذكريات !!..

قضيت عطلة تلك السنة في بيتنا الصيفي بالجنوب المغربي، طيلة العطلة كان أبي لا يفارقني، صرنا معا أشبه بصديقين حميمين، كل منا يمتطي فرسا ثم نقطع المسافات الطويلة..

كان يحكي لي عن دراسته في العراق، عن ثورة عبد الكريم قاسم التي حضرها في الستينيات، عن محاولة زواجه بعراقية امتنع أهلها ان تصاحبه الى المغرب.. عن بداية حياته العملية كاستاذ للتربية الإسلامية قبل ان يترك مهنته الى القضاء بعد ان حصل على دبلوم المدرسة العليا للدراسات القانونية، عن حبه لأمي وزاوجهما....

لم ينس ان يذكر المرحوم خالي وزوجته التي صارت مربيتي بعد موته..

كنت ألاحظ انه كان يراقب كلماتي وانفعالاتي بدقة متناهية وهو يحدثني عنهما..

كنت اصمت وأحس بضيق من ذكرها الى أن كان ذات مساء وقد خرجنا من المسرح بعد مشاهدة مسرحية رائعة اسمها فولبون: لبن جونسون..

سألني: مارايك في فوسكا خادم فولبون؟

قلت: الخدم قد يظلون خدما ولو استغنوا، لكن اول ما يستغنون يصيرون خطرا على من أحسن اليهم..

صمت قليلا ثم قال: ليس بالضرورة يابني لكنها النفس البشرية تصير شرسة اذا غزاها الخوف وقلة الوعي، كذلك كانت زوجة خالك، الخوف مني جعلها تتجاوز حد الاخلاق والقيم، هي غير ملومة على ما اقترفته مع صديقنا الطبيب، فهو من تعدى على حقوق الجوار وحرمة الصداقة.. لو لم يتحرش بها ويستغل وحدتها وطيبتنا لما وقعت في ما وقعت فيه...

كان يتلفظ كل كلمة ويترقب ردة فعلي...

قلت له:هل تعلم انه هو من قدم الي هدية النجاح؟

ضحك وقال: ادري وانا من اقترحت ذلك على إدارة المدرسة..كنت أحب ان أرى ردة فعلك..وان اغيضه عساه يدرك ان ليس جميع الناس حيوانات بلاعقل مثله، فما جدوى علمه اذا لم يفده في حماية الإنسانية؟

أحسست كانه يحدث رجلا عاقلا كبيرا لاطفلا في مثل سني، وتذكرت انها كانت عادته حتى حين كان يناقش معي مضمون كتاب فلسفي اوقصة مما كان يدفعني لقراءته..

قال بعد صمت ساد بيننا:

ـ هل تعبت ام تفكر؟

قلت أفكر..

بسرعة اتاني رده: لاتفكر في شيء كلنا خطاؤون..هي تجربة كم اسعدني ان تمر بها وان نتادرك نتائجها قبل أن تستفحل، لكن اظن أن ابني اكبر من ان تؤثر فيه حادثة بسيطة... هي تجربة مفيدة لكنها في غير وقتها اخرجتك عن طهرك واوقعتك في انفعالات قبل الأوان، ولكنها علمتك معادن بعض الناس وكيف يجب ان نتعامل معهم بالحذر لكن بلا حقد عليهم، لان لهم ظروفهم الخاصة.. بالمناسبة هل تعلم ماذا قالت مربيتك في التحقيق:

وقبل ان ارد عليه قال: قالت: وحدي اتحمل مسؤولية كل ما وقع..انا من أغريته وشجعته، لماضبطني مع الطبيب كنت أخاف ان يبلغ عني..

وبدل ان افجر الحدث تكتمت عليه وأغريت صبيا بما لا يستحق..

قلت: ماعاد يهمني أمرها ولن انام بعد اليوم الا وحدي..

ضحك وقال: يابني !!.. الانسان الحقيقي هو من يشعل شمعة، يخرج بها في يده والجو عاصف، فيحتاط من ان تطفئها الرياح..اين قوة العزيمة اذا عالجناها بالهروب؟

ادركت ماذا كان يرمي اليه.. كان يريد مني ان اصير رجلا بعقل وعزيمة لا امعة اميل حيث الريح تميل.....

بعد نهاية العطلة كنت انسانا آخر، انسانا هو ما اجده اليوم في شخصيتي وقراراتي، في تعاملاتي مع غيري..

بعد ربع قرن مرت على الحادثة، التقيت بمربيتي خلال هذه المدة مرتين، مرة حين أتت تودعنا بعد ان قررت العودة الى وطنها، وقد احسست نحوها ببعض من نفور اما في الثانية فقد صادفتها حين انتقلت لأتابع دراستي في فرنسا كانت كاي امراة قد رسمت السنوات اثر الضنى والتعب على وجهها، وفي عيونها الزرقاء التي صار يتخللها نوع من الضبابية، حتى سمرتها قد تحولت الى لون قمحي باهت وتوزعت على جبهتها بقع بيضاء، كانت تجتهد في تغطيتها بمساحيق وادوية..

***

محمد الدرقاوي

لملمْ نجومَ الليلِ في كيسٍ يُخبّأُ لا يُرى

والبدر أيضاً هاتهِ، وحذارِ أن تتأخرا

واجلبْ لنا كيسًا قديمًا باليًا مُغبّرا

فإذا أتتْنا الشمسُ تنثرُ شعرَها فوق السماءْ

قيّدتُها في الكيس ثمّ رميتُها في بئرِ ماءْ

وأعدتُ قنديلَ السّما لمكانِهِ مُستبشِرا

وجعلتُهُ ملكَ الليالي الساحر المُتكبرا

مِن ثَمَّ أطلقتُ النجوم كنهرِ دُرٍّ قد جرى

لأطيلَ عمرَ الليل كي نبقى معًا كي نسهرا

***

شعر: إسراء فرحان - سورية

من كتاب : قمر الزمان

نحنُ الآنَ

وأَعني : أَنتِ وأَنا

أَصبَحْنا خارجَ الزنازين

والأَقبيةِ والكهوفِ

وأٌقفاصِ البلادِ القاسية

التي كُنّا خوفاً نُسَمّيها

" و

ط

ن "

لأننا محشورونَ فيهِ مُضطرينَ

حيثُ لا ماء لا خبز

لا كرامة لا كهرباء

لا شمس نظيفة لا حرّية

لا عافية ولا أَية نوافذ أملٍ وخلاص

ولهذا أُضْطررنا للهروب

الى منافي الله الرحيمة

أَكثرَ من هذا الديناصور

الطاعنِ في القسوةِ والوحشةِ

والذي سهواً نُسَمّيهِ : الوووو

طنننننننننننننننننننننننننننننننننْ

-عفواً ...

رقمُ الوطنِ المطلوب

خارج الخدمةِ الآنَ

ويُمكنكم إعادةَ طَلَبِهِ ثانيةً

بلا سهوٍ ولا وهمٍ

ولالالالالالا خونةٌ

ولا عملاءٍ سفلة

ولا طغاةٍ قتَلَةْ

ولا تجّارِ وطنٍ

معروضٍ للبيعِ

في سوقِ " الخردةِ "

والاوطانِ المُستعملة

***

سعد جاسم 

في بَهوِ الْمحكمةِ الأخرص الْمُهاب

مئاتُ الرؤوسِ التّائهة

تَرتقبُ في قلقٍ واٌضطراب

صُدورَ آخرِ الأحْكام

محكمة!

جلوسْ

سكوتْ

نظامْ !!

على يميني اُنتصبتْ مِلفّاتٌ

تهم ٌ... قضايا ...أحكامْ

كقنابلَ موقوتةٍ

كعمودَ ألغامْ

وعلى يَساري مُقرِّرٌ وسِجِلّ وأقلامْ

وأمامي، في قفصِ الإتهّام

يَمْثلُ رأسي....

غائرَ العينينْ

مُكبّلَ اليديْنْ

لا امتناع لا اضطراب ولا استفهامْ

بيني وبين رأسي المتّهمِ

حاجزٌ قويُّ البنيانْ

سوٌر.. لا بل مدخُل قضبانْ

وثلاثة ُامتارٍ...مِسافةُ أمانْ

- أنت موقوفٌ بتهمةِ الْعِصْيانْ!!

أجبْ .

فأنت مُدانْ !

-- سيدتي القاضية

أنا لا أعلمُ معنى العصيانْ

فهل يستقيم ُجوابٌ

في قضيةٍ مجهولةِ الْقَرائنِ والْبيانْ

- تضليلُ الرّايِ العامّ

الْحشدُ والإعتصامْ

التّحريض على الحكّامْ

والدّعوة لإسقاط النّظامْ

تلك أركانُ تهمةِ العصيانْ

فلا مفرّ لك منَ الإعدام ْ!!3124 زهرة الحواشي

* التهمة الأولى تَضليلُ الرّأيِ الْعامّ

- تقولُ الحكومةُ عبرَ الإعلام:

الوطنُ هزيلٌ منهكُ الأوْصالْ

والثرواتُ في اضْْمحلالْ

ومنَ الوطنيةِ مزيدُ التّقشّفِ

ومضاعفةُ الجباية ِو الطّاعةُ والإمتثالْ

فكيفَ تَتهِمُ الْحكومةَ بالْكذبِ والبُهتانْ !!

- سيدتي القاضية

أتمسّكُ بِرأيي وبكلِّ الأقوالْ

فَوطني أكرمُ الأوطانْ

وأرضي طِيبَة وسخاءٌ وحنوّ وحنانْ

قمحٌ وزيتونٌ تمورٌ وبُقولٌ

وجنانُ كرومٍ وبرتقالْ

ومعادنُ خالصةٌ حديدٌ وبِلّورٌ ونحاسٌ

وفسفاطٌ ورخامْ

وبحري وخِلجانيِ

دٌررٌ ومَرجانْ

وهذا العالمُ يا سيِّدتي

على خيراتِ أرضي شاهدٌ عِيانْ

وليِ على كلِّ حرفٍ دليلُ وبرهانْ

وأنت يا سيدتي الفاضِلة

قد أدّيت القسم َو الإيمانْ

وليس لي غيرُ ضميرك ضمانْ

وشرفُك ووقارُك للإحتكامْ

فمن منّا الصّادق

فَمن المدانْ؟

.

.

* التهمة الثانية: الْحشْدُ والإعتصامْ

دعوتَ إلى الٌتجمْهرِ واٌحتلالِ الشارعِ والإعتصامْ

-- سيدتي القاضية

أتمسّكُ بأقوالي

وإن عدتُ إلى الشّارعِ فسأكرّرُ أفعاليِ

فالشّارعُ يا سيّدتي منزليِ

مكانُ عملي إذ لا عملَ لي

مأوايَ وملجإي

أنا المفقّرُ المعطّلُ

أنا المفروزُ المكبّلُ

لا سكنَ لي ولا زيجةَ ولا أطفالْ

لا جوازَ سفرٍ ولا تأشيرةَ ولاعنوانْ

ليس لي غيرُ شارعيِ حيثُ أكونُ مكانْ

ولا غيرُ شارعي ورفقتي موطئَ أقدامْ

والعجبُ كلُّ.العجبِ

أن يختلفَ المقامْ

فأنا على الشّارع مرغمٌ إرغامْ

وأما الحشدُ يا سيدتي

فطبيعةُ الأمورِ أن تتقاربَ الأمثالْ

فالمهمّشُ للمهمّشِ حبيبْ

والمفقّرُ من المفقّرِ قريبْ

والمعطّلُ مع المعطّلِ معتصمٌ مجيبْ

نطالبُ بالشغلِ من أجل كرامتنِا فما الغريبْ

أليست هذه أبسطُ حقوقِ الإنسان !!

فهل مطلبي يا سيدتي جريمةٌ حتّى أدانْ !!.

.

.

* التّهمةُ الثالثة:

- التّحريضُ على الحكّامْ

فهل لك في هذا كلامْ؟

- سيدتي القاضية

في فقهِ التحريضِ جانبانْ

وأنت عارفةُ العرفانْ

أوّلهما مادّي ،،أكتوسْ ريّوسْ،،

أي التّأثيرُ . وأدواتُهُ

استعمالُ سلطة ٍ

أو إهداءُ هديّةٍ

أو تنفيذُ تهديدٍ

أو ابتكارُ حيلةٍ

أو إرسالُ عملةٍ وأموالْ

فهل تَرَيْنَني قادرا على هذه الأفعالْ

وأمّا المعنويُّ يا صاحبةَ الميزانْ

ال،، مانْس رِيَا،، أي العزمُ على تحقيقِ الجريمة

فاُسْمحي لي جنابَكِ بسؤالْ:

منْ قتّل أصدقائي عُزّلاً برصاصِ الْغدرِ والْعدوانْ

منْ شرّدَ أصحابي إلى أهوالِ البحارِ وجشعِ الرّبانْ

منْ أباح دمي في كهوفِ الدّاخلية ِ

ووراءَ القُضبانْ

كمْ تفنّنَ الْجلّادونَ في تعْذيبي

كم اٌنتزعوا إنسانيةَ رفاقي وأنكرُوا مفاهيمَ الإنسانْ

فهل سمعتِ يا قاضيةَ الأحكامْ

عن قلعِ الأظافرِ..

وعنْ وضعِ،، الدّجاج الْمصْليِّ.،،

وكرسيِّ الكهرباءْ

وإطفاءِ السّجائرِ فوق جلديِ

ورائحةِ الشّيّ والدّخانْ!!!

ذلك الْعزمُ أي الْ،،مانس ريا،،

على تحقيقِ الجريمةِ ليسَ عَزمي

بلْ هو عزمُ الحكّامْ

فهم أصحابُ التّشريعِ

والتّطويعِ والتّنفيذِ

والسَّجنِ والتّسخيرِ والتّسريحِ

والأوامرِ والإلزامْ

وهذا ما قرّروه في شأني

فهل حرّضَ على تحقيقِ مأساتي

غيرُ الحكّامْ !!!

فيا قاضيةَ الميزانْ

منِ الضّحيةُ ومنِ الٌمدانْ !!!

.

.

* التّهمةُ الموالية: الدّعوة لإسقاط النّظام

بلْ هو ،،الشّعبُ يريدُ. إسقاطَ النّظام ْ،،

شعارُ الأحرارْ

أيقونة ُملايين الثّوّارْ

ضدّ أنظمةِ العهرِ والإستهتارْ

وإنْ ساقني جلّادي إلى آخر قرارْ

فَسيظلُّ مطلبيِ

تاجًا على هامتي

تُردّده جماهيرُ الأحرارْ

حاملةً نَعشي:،،الٌشعْب يريد إسقاط النّظام،،

وينقشُه الرِّفاقُ على وجهِ قبري

فوق صفحاتِ الرّخامْ !!

فهل بعد قرارِ الشُّعوبِ

لهذا الوباءِ حقّ الإستمرار !!

وأنا يا قاضيةَ الأحْكامِ

قبل صدورِ الْحكم ِ

وبعدَ تنفيذِ الإعدامْ

متمسّكٌ بتجريمِ الحكّامْ

وبإسقاطِ النّظامْ !

ــ حَضرةَ النّائبِ الْعامّْ

نحنُ قاضيةُ القضاةِ والأحكامْ

حَكمناَ وأمْضينا وقد تأكدْنا

من تلفيقِ القضايا وكيدِ الإتّهام ْ:

بإسقاطِ حكمِ الإعدامْ !!

وعدمِ سماعِ الدّعوى !!

وإطلاقِ سراحِ المتّهمْ في الحالْ !!

ـــــ  يَحيا العدل !!!! ويسْقط النظام !!!

***

الشاعرة التونسية زهرة الحواشي

من كتاب رأسي في قفص الإتهام .

عدت بعد ثلاثين يوماً أجمع فتات حلم وكلمات....

عدت أقف على حافة الحرف الذي كان عصي على الكتابة....

كنت حينها أستظل بالشمس وعلى إستعداد لفصل الحرائق عندما كان البرد يمد ظله وتلك القطرات الممطرة تصفعنا على وجوهنا...

بعد ثلاثين يوماً خرجت من صومعتي وفتحت نوافذ قلمي وبسطت أوراقي على شرفاتي..

جئت مؤثثة بالصمت لا بالحديث كنت كحبل متدلى في زاوية الحياة كأنني أفرغ حقائب فكري ونبضي من إزدواجية التفكير وثقل النبضات...

بعد ذاك الإعتكاف الكتابي أشعر اليوم بذاك الهبوط السريع الذي يشدني إلى الأسفل وكأنني سوف ارتطم بالفراغ...

أشعر بضجر مخيف فوق أطراف أصابعي وكأن الأبجدية أخذت بالإنحصار في داخلي...

هل تعلم المدى الذي أرغب فيه بالكتابة وبأن تتكاثر الكلمات التي تولد مع أول صرير قلم وبأن تضج العناوين عند بابي مشرعة الفرح الطافي من النبضات كتلك التي تشبه إمتلاء الأرض بالمطر...

أود أن أنتشل بعضي من بعضي  ومن تلك الحشائش اللغوية التي إلتصقت بها عندما كنت أسير بجانب الحبر الممزوج بالدمع...

أود أن أنتفظ من ضجري الذي قيدني كطائر محبوس في عش علوي لا يقوى على الخروج...

من هشاشة نبض أتعثر به عند مفترق سطر..

***

مريم الشكيلية - سلطنة عُمان...

وجد مدخل مركز الشرطة الذي يجري فيه التحقيق عن مقتل رجل مهم على فراشه مكتظا بالصحفيين والمصورين والمخبرين مما صعب وصوله إلى حيث يجتمع المحققين فسلم عليهم وقبل أن يسأله أحدهم عن سبب دخوله أخبرهم أن لديه معلومات عن القاتل فتركوا كل مايشغلهم ورفعوا أنظارهم المفتوحة باستغراب نحوه وتفحصوه إذ لم يظهر عليه خوف أو اضطراب أو تردد ودعاه كبيرهم إلى الجلوس أمامه وسأله من دون أن يأمر أحد معاونيه بفتح محضر ..

. ماذا تعرف عن الجريمة وما علاقتك بالمغدور؟

. انا القاتل والمقتول رفيق سلاح سابق وزميل عمل

. امجنون انت؟ وهل سمعت بقاتل جاء ليعترف بارتكاب جريمة قتل من دون ضغوط؟

. نعم انا بكامل قواي العقلية وارادتي

هنا التفت كبير المحققين وطلب فتح محضر التحقيق وإحضار شرطي مسلح للوقوف خلف المتهم ومراقبته

. امر كبير المحققين المدون بكتابة كل حرف وكل كلمة يلفظها المتهم وطلب من الشرطي المختص تشديد حراسته وسأل المتهم ..

. هل ترغب بحضور محامي عنك يحضر التحقيق فهز المتهم رأسه بالنفي

. لماذا قتلته مادام كان رفيق سلاح وزميل عمل؟

. في زمن النظام السابق رفضنا الانخراط في صفوف الجيش والمشاركة بأحد الحروب العبثية للنظام ونفذنا خطة بالهروب إلى الشمال ومن هناك حاربنا مع بعض الفصائل السياسية ضد النظام لكن بعد فترة عبرنا إلى إحدى دول الجوار وشاركنا من هناك أيضا بالحرب ضد النظام وعندما حانت الفرصة غادرنا البلد الجار إلى بلد آخر بعيد وتشاركنا الغربة والزاد والسكن حتى عرفنا كاخوين وبعد أن تعلمنا لغة أهل ذلك البلد ومهنة نعتاش عليها وحصلنا على الإقامة وجنسية ذلك البلد كنا نلتقي أهلنا في بلد مجاور في فترات متباعدة وفي إحدى الزيارات أخبرت امي برغبتي بالزواج من إحدى بنات منطقتنا القديمة ووعدتني خيرا وقبل نهاية الألفية الثانية بأشهر وصلتني رسالة من امي تطلب فيها وصولي إلى بلد الزيارة خلال شهر فاخبرت رفيقي وصديقي بالأمر ووعدني بالذهاب معي لكن قبل الزيارة تعرض إلى عارض صحي فتخلف ولما وصلت وجدت امي وامرأة أخرى بعمرها وشابة جميلة معها ورجل مسن وبعد عدة أيام اتممنا فيها كل شيء وعقدت قراني على تلك البنت واتممت تصديقه في سفارة البلد الذي أقيم فيه وسفارة بلدي الام ثم ودعتهم عائدين للوطن وعدت انا إلى بلد المهجر بعد يومين ، وهناك رحب بي صديقي وهناني وسألني عن صفات واوصاف العروس كثيرا ثم اطلعته على صوري معها فابتهج فرحا وأخبرني أنها أصغر بنات خالته ففرحت بهذا الخبر إذ أصبحنا أقرباء واصهار وتمنى لي كل السعادة بعد ذكر أهل العروس بكل الصفات الحميدة

. قال كبير المحققين..

انت جئت هنا لتعترف على ارتكاب جريمة قتل أو لقراءة سيرة حياتك ونضالك ضد النظام السابق؟

. كلها مرتبطة ببعضها وأن كنت غير راغب بسماعها فاكتب في محضر التحقيق اعترافي بالقتل من دون لماذا وكيف ومتى واودعني السجن أو اعرضني على القاضي؟

. يبدو أنك غير مبالي بخطورة ماقمت به من جرم ولا يهمك المغدور بقدر اهتمامك برواية قصة حياتك في المهجر وفي الوطن؟

. هنا حدثت جلبة وأخبر أحد الحراس كبير المحققين بوصول قاضي التحقيق لسماع أقوال المتهم شخصيا والإشراف على تدوينها في محضر التحقيق .

. وسع له كبير المحققين مجلسا بجانبه وأصبح المتهم بمواجهة الاثنين معا وبعد مجاملات وظيفية وضيافة بسيطة دخل القاضي معترك التحقيق وطلب الاطلاع على ما دون في المحضر ولما اكمل القراءة التفت إلى المتهم وقال بطريقة مريحة غير متشجنة .. نعم اكمل استاذ

فتوسعتا عيني كبير المحققين لما سمع القاضي يخاطب المتهم بلطف وكلمة (استاذ) وخمن في نفسه أن المتهم ذا شأن عالي وأن قاضي التحقيق لم يأتي من تلقاء نفسه إنما كلف بمتابعة التحقيق مباشرة من دوائر عليا لذا قرر ان يحني رأسه للعاصفة ولا يختلف معه أو يسيء للمتهم بمنطق أو سلوك بوليسي ثم ابتسم للقاضي وأشار بيمناه للمتهم بالتفضل ..

. استئنف المتهم ..

بعد سنة أكملت مراسم زواجي وأوراق (جمع الشمل) والتحقت بي زوجتي وسكنت معها في بيت خاص بنا وكان صديقي الذي هو قريب زوجتي ضيفنا الدائم حتى بدون مواعيد وتعاملنا معه كاخ لكلينا وهكذا سارت ايامنا حتى سقط النظام السابق وعدنا للوطن فمنحنا المسؤولين الجدد حقوقنا (الجهادية) وعوضونا عن ما لحق بنا ونسبنا إلى وظائف مهمة وحصل كل منا على بيت كبير لكن في منطقتين متباعدتين وأصاب علاقتنا بعض الفتور حتى جمعتنا ظروف الوظيفة في دائرة واحدة هو مديرها وانا نائبه من هنا بدأت الخلافات بيني وبينه من جهة بحكم سلوك كل منا في العمل وبيني وبين زوجتي من جهة أخرى بعدما كانت زوجتي تلاحظ الثراء الذي هو فيه والنعمة التي تدفقت انهارا من بيوت وعقارات ومزارع وسيارات مع انه لم يتزوج حتى تلك اللحظة مما اضطرني بسبب الخلاف أن أنقل خدماتي إلى دائرة أخرى ومن ثم الانفصال عن زوجتي حسب طلبها رغم أن لي منها ولد وبنت يحملان جنسية البلد البعيد ويقيمان فيه وبعد مرور سنة عرفت انه اقترن بطليقتي فعديته جاحدا ناكرا للاخوة التي بيننا وقررت قتله متى ماسنحت الفرصة مهما كلف الأمر وعندما سنحت الفرصة كتبت له رسالة ذكرت فيها اني قاتله خلال الليالي الثلاثة المقبلة ورميتها من تحت باب السياج ومضيت وعندما حانت الفرصة دخلت عليه في غرفته بعد انتصاف الليل وضربته طلقة واحدة وخرجت من دون أن أرى أحدا أو يراني

هنا قال قاضي التحقيق لكن في راس الضحية اطلاقتان

قال المتهم هذا سلاحي ويمكن فحصه

طلب منه قاضي التحقيق التوقيع على المحضر

بعدها وقع كبير المحققين والقاضي الذي أمر بالآتي

(يودع التوقيف على ذمة التحقيق لحين ورود تقرير الطب الشرعي)

. كان كبير المحققين يخطط للإيقاع بالمتهم من أقصر الطرق لكن ظهور قاضي التحقيق وتسيده المشهد دفع به إلى استبدال الغريم فقرر تتبع سقطات القاضي خصوصا أن هناك خفايا قد تحتاج إلى عقل بشري متمرس غير القرائن الشرعية فقام بالخطوة الأولى وهي ارسال أداة الجريمة (مسدس) المتهم إلى الطب العدلي لتحديد عدد المقذوفات  منه بعدها تصرف بشكل سري وحصل على ماصورته كاميرات المراقبة ولم يطلع قاضي التحقيق عليها .

. استلم قاضي التحقيق تقرير الطب العدلي الذي كان بضع كلمات (أطلقت على الضحية رصاصتان عيار ٩ ملم الأولى على بعد متران و ٧٠ سم من الإمام من جهة اليسار وأحدثت

جرحا في الفك السفلي وتحت الاذن والثانية عن بعد (١٥) سم وخرجت من مكان إصابة الطلقة الأولى وكان المدة الزمنية بين الاطلاقتين لا تتعدى الثلاثة ثواني .

. استدعى كبير المحققين زوجة القتيل ووجه لها تهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد لكنه عجز عن إثباتها بعد أن عرف منها أنها سجلت افادتها ومكان تواجدها لحظة الحادث إضافة لعثورها على رسالة التهديد التي أخبرت عنها القاضي ثم سألها.. بمن تشكين في قضية مقتل زوجتك؟

. فأخبرته أن الحكم يصدر بناء على قرائن وليس شكوك خصوصا وأن الكهرباء في ليلة الحادث كانت معطوبة من المصدر

. تم إكمال الأوراق التحقيقية وفق الطريقة التي رغب بها قاضي التحقيق في سير التحقيق وقدمت إلى محكمة الجنايات التي لم تجرم المتهم الأول واعتبرت أن المتوفي مات منتحرا قبل إطلاق النار عليه من المتهم بقرابة الثلاثة ثواني وحكم بجنحة إطلاق النار على جثة بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ .

لكن كبير المحققين لازال مقتنعا أن القاتل هو الزوجة وأن ماتم هو تصفية حسابات وقرارات المحكمة جاءت بناء على ذلك .

***

راضي المترفي

الجزء الثاني من: رواية: مناوشات عاطفية

بعد كل حوادث السقوط تعاملت ولأول مرة مع مثل هذه المواقف بنوع من الكوميديا والاستهزاء وبدأت أحكي ماحصل لي في تلك الليلة المعتمة لصديقاتي ومعلماتي بالمدرسة كأحد مظاهر الفخر والإعتزاز بأنني وبالرغم من كل ما تعرضت له من مآسي مازلت متمسكة بمواقفي، كنت أشعر بالرضا بالمدح والإطراء على ثباتي وجهادي في مثل هذه الأيام ووسط جيلي الفاسد..

كنت أرى أن الإهتمام بمظهري الأنثوي وبأناقتي هي أحد مظاهر الفسوق والإنسياق خلف خطوات الشيطان خاصة وأن خطوط الموضة لم تكن تناسب قناعاتي لذلك كان لابد لي من إبتكار خط موضة حسب معاييري الخاصة والتي كانت كارثية بطبيعة الحال (بلوزة بأكمام طويلة تحت فساتين السهرة "السواريه" تنانير قصيرة فوق بناطيل الجينز، تسريحة شعر مستوحاة من العصرالفكتوري ) وأشياء من هذا القبيل..

كنت مثار سخرية كبير ليس فقط على مستوى العائلة إنما لمعارف العائلة ، فقد كان علي التصدي لكل ذلك التنمر والتعنيف على جميع الأصعدة وتحمل المقارنات المستمرة بيني وبين البنات اللواتي في نفس عمري بحضورهن ووسط محاولات أخواتي وقريباتي بإصلاح مايمكن إصلاحه من مظهري العام وعنادي وعنف ردود أفعالي،توصل الجميع لإتفاق صامت على عدم ابداء تعليقات سلبية لانه لم يكن هناك أي إحتمال تعليق إيجابي.

لم تتوقف الكوارث عند ذلك وحسب بل إمتدت إلى الإنتقاد اللاذع لكل من خالفتني متهمة إياها بالضعف والفساد وقلة التربية وانعدام المسؤولية الأخلاقية والوازع الديني.

قررت والدتي الإحتفال بعيد ميلادي ولأني رفضت بشدة الإحتفال بغير أعياد المسلمين إستبدلته بإحتفال بنجاحي وحصولي على المركز الأول. لعل ذلك الإحتفال يساهم في جلب بعض السلام لروحي.

ولأنني لست مبذرة بطبعي فقد كان إرتداء الملابس القديمة وإعادة تدويرها خياراً مناسباً لي بل أكثر راحة من ناحية نفسية ولم يكن يهمني حالة تلك الثياب سواءً مهترئة كانت، جديدة، أم عصرية.

لبست تنورة سوداء مصنوعة من الجلد قصيرة لمنتصف الفخذ كنت قد إشتريتها في لحظة غفلة أنا وإبنة الجيران والتي كانت زميلة لي بالصف كذلك لكني أضفت إليها بعض الرتوش الخاصة، لبست تحتها بنطال من الجينز الأزرق الفاتح واستبدلت القطعة العلوية العارية بقميص رسمي أبيض واسع أغلقت أزراره من الرقبة وحتى آخره، فرقت مقدمة شعري من المنتصف وجدلت أطرافه وخرحت من الغرفة.

رأتني والدتي قالت: "يابنتي على الأقل إفردي شعرك، رتبيه ..."

لم أتركها تكمل الجملة، رددت بكل حزم "ماما لو سمحتي أنا حرة"..

رن الجرس وفتحت أختي الباب لإستقبال صديقاتي

دخلن وبيد كل منهن هدية، وفي أثناء إنشغالي بالسلام على مروى وأختها مروج إلتفت إلى اليمين وإذ بأختي تعلق عباءة هنادي وهذه المعصية الكبرى متجسدة أمامي.

كانت ترتدي نفس التنورة التي إشتريناها معاً مع فارق بسيط وهو أنها لبست الطقم كاملاً بدون إضافتي الإبداعية التنورة البنّية القصيرة والبلوزة عارية الظهر الذي كان يغطيه شعرها النحاسي الغجري، كعب عالي وعدسات عسلية ومكياج برونزي.

أقبلت علي بكل رقة وباركت لي واعطتني هدية مغلفة بالبالونات والشرائط الذهبية المميزة جداً عن كل الهدايا الأخرى ضيفتهن في صالة الضيوف، تلك الغرفة في شقتنا الصغيرة والتي أحببتها كثيراً يتوسطها كرسي خشبي يتسع لثلاث أشخاص وعلى اليسار كرسي مفرد آخر وكرسي خشبي هزاز على اليمين، منجدة بقماش يحمل نقوشاً برتقالية وبنية لأوراق الخريف المتساقطة، وفي منتصف الجدار لوحة زيتية كبيرة رسمها والدي لمنظر سفينة راسية على الشاطيء في وقت الغروب..

تلك الغرفة كانت تشع دفئاً طوال العام حتى في صقيع تلك المدينة الجبلية.

جلست هنادي على الكرسي الخشبي الهزاز أمامي، أثار مظهرها الفاسق إستفزازي لكنه إنطبع بذاكرتي طويلاً، فقد بدت بتلك اللحظة وكأنها التحفة الناقصة في الغرفة التي يكتمل بها الجمال.

كان حديثنا منصب حول المدرسة والمعلمات والمقالب وبعض الشائعات وفجأة قطعت الحوار قائلة : "بنات مللنا من قصص المعلمات لتحكي كل واحدة منا عن قصة حبها أو من يعجبها مثلاً حب من طرف واحد"

إحمر وجهي خجلاً رددت عليها :"ليس هناك من داعٍ لمثل هذا الكلام الآن مازلنا صغاراً"

قالت: " معقول أن لا أحد علق بقلبك؟ معقول لم تعجبي بأي شخص؟ لا أصدق إما أنك تكذبين أو تملكين قلباً متصحراً"

ثم توقفت عن متابعة الكلام حينما رأت أن مزاجي بدأ يزداد حده وتدخلت مروى "لحل النزاع"

في تلك الأثناء دخلت والدتي تطلب منا الذهاب لغرفة الطعام لإطفاء الشموع وتناول العشاء وبالرغم من إستمتاع صديقاتي إلا أن كلام هنادي كان يجُرّني لشيء مجهول ويعصف بأفكاري وبكل قسوة : معقول أن قلبي معطوب لدرجة أنه غير صالح للحب؟! لماذا؟! ولماذا لم تخجل أبداً من التصريح بإعجابها بإبن خالتها؟!

كنت كلما حاولت البحث عن إجابة لا يحضر تفكيري سوى صورة أحد أبناء الجيران ودفء ذكريات حب الطفولة البعيد، شعرت بلهيب غريب في صدري شعور يشبه أن أمد يدي مقابل شمعة أشعر بحرارتها في منتصف كفي من بعيد، إن إقتربت حرقت يدي.

أشعلت أختي الكبرى الشموع على الكعكة ومددت يدي حينها لأختبر ذلك الإحساس الذي صنعته بخيالي ..

كنت غارقة باللذة والتأنيب والإستحقار بذات الوقت وبدأن البنات بالغناء لي بأغنية عبدالحليم حافظ بحكم انني رفضت تشغيل المسجل..

قلت: رجاءً الغناء والتصفيق حرام نكتفي بالمباركة"

قالت هنادي: " طيب اذا أطفأنا الشموع نصفق؟ أم نقول الله اكبر.." ضحك الجميع من التعليق هذا ضحك هستيري، لم أكن أعلم لماذا كانت تصر هذه البنت على إستفزازي وكأن القدر وضعها بطريقي لغربلة معتقداتي وزعزعة تطرفي وكأنها صحوة التحول في حياتي.

ثم ومع مرور الوقت بدأت أشعر بالإكتئاب، أقف أمام المرآة وأنظر إلى كل مظهري بإستياء، كنت أدرك أن معهم حق لكن الأخذ بنصائحهم بمثابة الضعف بالنسبة لي ولم يعد مخزون الثناء الذي أتلقاه من معلمات الدين في المدرسة كافي لإخراجي من براثن اليأس..

نزلنا إلى جدة بزيارة لمنزل عمي.. هناك وبالغلط رآني ولد عمي، صحت بوجهه لعدم ازاحة نظره عني فقال:

"اعتقد انك فعلا جميله واجهل لماذا تشوهين نفسك"

نزلت كلماته علي مثل الصاعقة، فهذه المرة الأولى التي أسمع بها هذه العبارة.

***

لمى ابوالنجا - السعودية

خسر الفرس الرهان

*

تلفع الليل بالمصابيح

*

شاخ الصباح مبكرا

*

ذبلت كرمة الباب

*

ننتظر حربا نربحها

*

هربت أسرار الصدور

*

حيوانات أليفة توحشت

*

خاوية صفائح الأزبال

*

هجرت الديوك الفجر

*

سرقتنا أحلام النهار

*

بُحَّ صوت القطار

*

سُرِقَت ساعة المئذنة

*

التقى عرس وجنازة

*

أجّل الجنرال جنازته

*

خطف البوم نظّارتي

*

تراشقت الأبصار الهلال

*

هاجرت نساء مدينتا

*

توسّعت مقبرة المدينة.

***

د. قصي الشيخ عسكر

ألا يكفيكِ!! فُكّي في الهوى قيدي

أنا المصلوبُ بينَ النّهدِ والنّهدِ

*

ألا يكفيكِ؟ ماذا بعدُ يا عمري؟

فما أبقيتِ إلّا الجرحَ في البُعدِ

*

أنا المذبوحُ في صدري مساميرٌ

وأنتِ النّارُ، زيدي النّارَ واشتدّي

*

مَشَيتُ الوعدَ يُدمي الشّوكُ أشواقي

مَشيْتُ الوعدَ يشكو هَجْرَكُم وَعدي

*

أنا شكوايَ يا عُمري قناديلٌ

تُضيء البردَ علّي أتّقي بَردي

*

هجرْتِ القلبَ في ليلِ الهوى.. رِفقًا

فأصلُ الوَجدِ، كلُّ الوَجدِ مِن وجدي

*

وظلَّ الهجرُ يكوي القلبَ يُشقيهِ

فكوني فيه نارَ الوصلِ وامتدّي

*

تَرَكتِ الجرحَ في قلبي فأعياني

وكُنتِ النّورَ تَسقي شمسُهُ وردي

*

أنا في النّاسِ.. بينَ النّاسِ.. لكنّي

إذا ما غِبتِ فيهم بَينهم وحدي

*

فكم حاوَلْتُ أُخفي الشّوقَ في صدري

وكم حاولتُ لكن ليتَ ذا يُجدي

*

جعلتُ الحبَّ سلطاني وميداني

وعنه اليومَ جئتِيني لِترتدّي

*

ألا يكفي؟ أنا لا ليس يكفيني

فخلّي الحبَّ أُعطي فيه ما عندي

*

سأبقى العمرَ، كلَّ العمرِ أهواكِ

فمن يهوى كما أهواكِ مِن بَعدي؟

***

د. نسيم عاطف الأسديّ

لكنْ من يستجوبُ وطناً..؟!

مَنْ يجرؤُ أن يفعل ذلك..؟

منْ يستجوبُ وطناً كَمنْ يستجوبُ سيفاً في لحظة انفصال الجسد.

كلنا هنا، والوطنُ بعيدٌ..

هل يمكن أن تكون فجأةً بلا وطن..؟!

بحرٌ وبحرٌ وتوابيتُ للموتى، وصناديقُ سوداء أيضاً، كيف يفكّر البحرُ؟

فلا أحدَ يعلمُ كيف يفكّر البحرُ!

أنا التي قطعتُ كلَّ تلك الأميالِ، هل أحاكم البحرَ، أم هو من يحاكمني؟

لكنّي لم أمتْ، وذلك القاربُ المطاطيُّ الذي حملَ العشراتِ وصلَ إلى الشاطئ.

كان الموجُ يرتفعُ، وكنا نبتعدُ عن المياه الدولية ونقتربُ من المياه الإقليميةِ، وكلَما

قال أحدٌ - حتى لو كذبة- إنَّنا اقتربنا من المياه الإقليمية كان قلبي يرفرفُ مثل طائر،

لكن كل أطرافي منقبضة ومتشنجة من الخوف والتوتر، فأنا إما أن أعيش أو أموت،

فَقَبْلَ رحلتي هذه غرق قاربان، أحدهما خشبي والآخر مطاطي..

كنت أحاول أن أهرب من فكرة الموت إلى فكرةِ الحياةِ بقفزةٍ نوعية مباشرة، لكنَّ

فكرةَ الموتِ تتصارعُ مع فكرة الحياة..

امرأةٌ مع ستة من أطفالها تجلسُ جواري..

كنا ننحشرُ بطريقة غريبة؟ حتى أن قدمي تخدَّرتْ ونمَّلتْ ولم أعد أشعر بها، وكذلك

لم أستطع أن أحرّكها، ففوقها أكوامٌ بشريةٌ من أطفالٍ صغار لعلهم كانوا نائمين، فلم

أستطع أن أحركها أبداً خشية أن يستيقظوا، فينشغلوا بفكرة الموت مثلي..

فلا شيء يشبه الموت في استبعادِهِ كفكرةٍ حالية..

لا شيءَ يشبهُهُ..

الموسم الأول.."ربما وطن"

غداً يصبحُ هذا المكانُ ذكرى، وسأغادره عائداً إليك أنتِ.

أنتِ التي طالما انتظرتِ، كما انتظرتُ أنا..

كنتِ تقولين أسئلتي غريبة جداً..

هذا لأنكِ غريبة، أحياناً، في بعضِ تصرفاتِك..

كنت تضعين السَّكر في كوب الشَّاي، أو القهوة، ولا تحركينها.

أسألك لماذا؟

تقولين لي، الشاي ساخن جداً، سيذوب السكر من تلقاء نفسه دون تحريك.

حفظتُ عبارتَكِ تلك، ودونتها في أحد فقرات ذلك الفيلم الوثائقي الذي أعددته بتقنياتٍ

بسيطة. فيلمٌ وثائقي اشتغلتُ عليه سنين، يتحدث عن وطني البعيد..

لم أنسَ نكهة شايك "الاستثنائي".

نكهةٌ مغريةٌ مطيَّبة بحَبّ الهال والقرفة..

تفوحُ رائحته، فتملأ المكان دفئاً وحميمية، فيقتربُ الوطنُ الذي ظننتُ قبل قليل أنّه

بعيدٌ جداً..

رائحة الشاي والهال، وعروق القرفة، جعلته قريباً في لحظات..

ثم ما لبث أن ابتعد مثل طيف الحبيب..

قلتُ لكِ في آخرِ رسالةٍ كتبْتُها لكِ من خارجِ الوطن..

لم أتركْ عنواني، خشيت مجيئكِ إليَّ وأنا قررتُ مسبقاً أن أهجرَ هذا المكان، فأنا لا

أديم البقاء في المكان الذي أكاتبكِ منه.. لا أريدك أن تتعبي في البحث عن رجل بلا

هوية. وربما بلا وطن..

**

الموسم الثاني..

"كلُّ العصافيرِ هربَتْ من يدي إلا..."

لم تردي على رسالتي السابقة...

سأعذركِ، فالحواجزُ كثيرةٌ على الطرقاتِ، وبين كلّ حاجزٍ وحاجز هناك وطنٌ

ترعاه الصدفةُ فقط. لم يعد ساعي البريدُ أميناً هذه الأيام...

أو ربّما ماتَ على الطريق، فالرَّصاصُ هناكَ أكثرُ من همومِ أصحابه.

قرَّرْتُ من هذه اللحظة - التي كنتُ فيها في مكان لم أحدده بعد- ألا أكتبَ لك..

فلا أريدُ أن أثيرَ حزنَكِ الذي كفَّ عن التطور..

أعتقدُ أنّك ستفهمين صمتي..

صمتي هو خوفي عليكِ، وليس هناك سببٌ آخر..

**

موسم ثالث..

أزمةُ جراحٍ..

كيفَ أفسّرُ لك غيابي ثلاث سنوات..؟!

كيف أفسّرُ لك عدم عثورك عليَّ؟

كيفَ أكافِئُ انتظارَكِ..؟

لعلَّ الحلمَ الذي كنتُ بصدد تكوينِهِ، ثم تحقيقه يأتي برفقتكِ..

المشكلة ليس بعدد الخيبات، بل بقدر ما تكون الخيبةُ أكبر من الأخرى..

قد أقول لك كبرتُ أكثر مما يجب:

"أخذَتِ الهموم من شبابي وعمري"

رويدكِ.. لازلت شابة..

كلُّ هؤلاء الأولاد..!!

أحسسْتُ أنك ستقولين: وكل هذا الوطن..كل هذا الألم..

البارحة سقطت قذيفة بجوارنا.. الشظايا وصلت هذا الجدار.. "أشرت بيدك إليه..

أكلْتُ منه..

بكيتِ.. رأيتُ دموعَكِ.. تابعتُ انبهاري بوقارها..

دخلْنا السنة الرابعة.. كأنّها كانت عقوداً..

لم أفقدِ الأملَ من عودة أب أولادي المفقود. يقولون لي سيعود آخرون، يقولون إنه

ربما لقي حتفه في معتقله، لا أحدَ يدخلُ سجن "صيدنايا" ويخرج حياً...

على الأقل يخرج معطوباً مثل هذا الوطن...

هوّني عليكِ..! إن رأَتْكِ أمي تبكين "راح تزعل هه "...!

قلت: "كل شي ولازعل أمك يابني"..

كفكفت دموعك وقلت:

- هل لازلت تكاتب حبيتك؟

- نسيتُ الأمرَ كلَّه، رسائلي انقطعت.. كذلك رسائلها..

في تلك اللحظاتِ كان أولادُ "أم سليم" يجمعون شظايا تلك القذيفة ويلعبون بها..

**

موسم آخر...

ثلاث سنوات..وأكثر بقليل..

طرقْتُ بابك..تغيَّر البابُ. وتغير المكانُ قليلاً..

وحتى الآن لم تغبْ عني تضاريس المكان.."المكان القديم طبعاً" لأنك لم تبتعدي

كثيراً عنه عندما حملْتُ أغراض رحيلك..

لا أحدَ ينسى بيتَه..

لم تكبري كثيراً، لكنَّ التجاعيدَ نالت من شبابك..

رائحةٌ تفوحُ بالمكانِ..

أغلي الماء على النار كي أغسلَ بعضَ ملابسِ الصبية..

- لِمَ غبْتِ عني كلَّ هذه المدة؟

- كنتُ في الغوطة..

- أيهما..؟

- كلُّه وطني..!

- أعرف، لكن ماذا كنتَ تفعل هناك..؟

ثارني الفضول والألم، فذهبت الى داريا أصوّر فيلماً وثائقياً. بقيت هناك عاماً،

هناكَ درَّسْتُ في أحد المدارس متطوعاً، بعد أن تم فصلي من وزارة التربية.

- كيفَ دخلْتَ وخرجْتَ ووصلْتَ إلينا بعد هذه "الغيبة"؟

- آه.. قصة طويلة لن تصدقي لو رويتُ لك أحداثها..!

"يتبع بعد عرض الفيلم"

***

أسماء شلاش

عِبر آخر ما تبقّى من أثيرٍ

قُبلٌ سافرةٌ

تقصدُ العروقُ الباردةُ

تشتعلُ..

فافتحْ لحياتكَ كأسين وارتجفْ

بما يعيدُ للقلبِ وكره البعيد

كلَّ شيءٍ راقد تحت ظلّي

أعبر الأجساد والبيوت به والموانئ والهجير

أمرّ بالأوهام كقطٍّ أعمى تبذلهُ الشكوك

مُتَّكِئاً على ما يحرسهُ الصباح من خيال

الظلال دروب أخرى للصهيل

تعيرُ أجسادنا خطىً ذابلة

يا حسرة...

أنّا لنا أنْ نفتحَ باب الماء والشمس

بما يوقظ الكلمات والبرتقال عند تُربة خيالنا !

رشقة من هذا الورد على الأعتابِ

يسقطُ بها ظلّي والهلال

يدورُ في مدار الليل

أَسِفاً لهذا الخواء يقول

ويختفي.

***

زياد السامرائي

أُحِبُّكِ وَالْقَلْبُ قَالَ: ابْتِسَامْ

حَبِيبَةُ قَلْبِي كَبَدْرِ التَّمَامْ

*

أَصُونُ هَوَاهَا أُحِبُّ لُمَاهَا

أَنِيقٌ رَشِيقٌ عَلَيْهِ السَّلَامْ

*

عَشِقْتُ هَوَاهَا أَلِفْتُ ضُحَاهَا

وَلَيْسَ عَلَيَّ بِحُبِّي مَلَامْ

*

وَأَحْلَى مَسَاءٍ لِقَلْبِكِ رُوحِي

وَقَلْبُكِ فِي الْعِيدِ بَيْنَ الْأَنَامْ

*

لِأَنَّكِ قَلْبِي وَرُوحِي وَحُبِّي

وَعَقْلِي يَذُوبُ كَقَلْبِ الْحَمَامْ

*

أُحِبُّكِ وَالْعِيدُ يَرْنُو إِلَيْنَا

حَبِيبَيْنِ يَقْتَسِمَانِ الطَّعَامْ

*

أُحِبُّكِ وَالشَّاتُ قَلْبٌ جَمِيلٌ

لِنَأْوِي إِلَيْهِ بِجُنْحِ الظَّلَامْ "

**

شعر د. محسن عبد المعطي محمد - شاعر وروائي مصري 

وماذا بعدُ في عدن ِ؟!

وماذا بعدُ في عدن ِ؟!

*

سؤالٌ حاضــــرٌ يُدْمـي

فؤاد الصَبِّ.. والمُدُن ِ

*

جِرَاح ٌلايُضَمِّدها

دمٌ مأجور في البَدن ِ!

*

غُيومٌ لايُبَدِّدها.

ضباب ٌكــاملُ الدَّخَنِ!

*

وأغوالٌ مُشَــــــــفَّرةٌ

لرعب ٍقابض ِالثمن ِ!

*

فماذا بعد ياهــــــــذا..

وياذاكَ..سوى الإِحَنِ

*

سوى الإفراط والتفريط

في معــــزوفة الزمنِ

*

سوى الأنجاس يَنْشُدهم

عبيدالدرهم العَفِنِ !

*

وطابـــــورالظلاليـــــات

في سِرٍّ.. وفي عَـلَنِ ِ

*

(مصائبنا)..(فوائدهم)

بشتى مذاهب الخَوَنِ !

*

وربك إنهم شـــــرٌّ

على الأوطانِ لايَبِن ِ

*

هنا.. وهناك..فاحْذرهُمْ

دماهم زمرة الوثـن ِ!

*

فمـــــــاذا بعد ياهذا..

وماذا بعد في عدن ِ؟!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

كان ذلك خلال زيارة أقارب لنا في الناصرة، وفدوا من الاردن، بعد حرب الايام الستة. وكنّا كلنا شوقًا لأقاربنا واهلنا هناك، فقد كنّا نعرفهم بالاسم، لكن.. بالشخص.. لم نكن نعرفهم. وقد استغرقتنا بهجة اللقاء، فتهنا فيها.. أنا لي عمّ ولي خال، الحمد لله أننا التقينا بهم أخيرًا وهاهم يفدون إلينا زائرين.. مدّة أيام سنتعرّف خلالها عليهم جيدًا وسوف نبدأ العلاقة من حيث انقطعت لتتواصل أواصرها. جلس الجميع يتبادلون الحديث والذكريات، أما نحن أبناء الجيل الجديد، فقد شرع كلّ منّا في التعرّف على الآخر وكأنما هو يعرفه من قبل.. ألسنا أقرباء؟ ألسنا من قرية واحدة، بات اسمها قريبًا جدًا من القلب لكثرة ما تردّد.. دخل كلّ منّا ضيوفًا ومستضيفين، في خانته الخاصة، فقد احتضنتْ عمّتي أخاها، فيما راحت والدتي تُقدّم واجبات الضيافة وهي تسترق النظرات إلى ابنة عمّي الصبيّة الطالعة.. طلوع البدر.. نعيمة. ضبطتُ أمي أكثر من مرة تتمعّن بابنة عمّي، فابتسمت لي كأنما هي تريدني أن التفت إلى ابنة سلفتها. لا أخفي أن ابنة عمّي كانت زهرة ذلك اللقاء، ووردته المتفتّحة الفوّاحة، وكان ما يلفت النظر فيها.. وجهها البسّام وقوامها الميّاس. ناهيك عمّا تمتّعت به من توجّهات أخلاقية أدهشتنا وأثارت مكامن محبّتنا لها.

لاحظت عمّتي اهتمامنا نحن جميعًا بابنة أخيها، فأرسلت ابتسامة رائعة مُمرّرة إياها بين الجميع تقريبًا ومتوقّفة عندي، وعندما عادت عمّتي إلى بيتها برفقة أخيها وابنته، وجدت نفسي أرافق الجميع إلى هناك، هل كان ذلك اهتمامًا بآصرة الدم المتوهجة.. أم إعجابًا بابنة عمّي؟.. في المساء استوقفتني عمّتي منادية:

- نعيم..

- نعم خالتي؟

- شو رايك بنعيمة ابنة عمّك؟

غضضت النظر أرضا ولم أجب. فعادت تقول:

- أنا بفكر انها تكون إلك.. انت شاب متعلّم وهي متعلّمة وبتفهم.. لم أفه بأية كلمة وتابعت صمتي، فجاءني صوت عمّتي من بعيد:

- السكوت علامة الرضا.. نعيمة رايحة تكون زوجتك بإذن الله.

اقتربت زيارة الاهل من الانتهاء وابتدأنا نستمع إلى كلمات الوداع تتردّد هنا وهناك في هذا اللقاء أو ذاك، إلى أن حان موعد الرحيل، وحزم زوارنا الاعزاء أمتعتهم للعودة إلى منفاهم القسري في الاردن، وما زلت أتذكّر أن عمّتي طلبت سيارة أجرة لتقل أخاها إلى الجسر، وترافقه إلى هناك، لتعود بعد ساعات وبرفقة ابنة أخيها نعيمة. وبدون أن أسألها قالت لي إنها تحدّثت إلى أخيها بخصوص ارتباطي بابنته، وانه وافق بكلّ رضا وسرور، وتركها لإجراء مراسم الزواج والبناء بي. ما إن سمعت هذا الكلام من عمّتي، حتى انتابني شعور بالخيلاء، فنعيمة ابنة عمي الرائعة ستكون زوجتي خلال فترة قصيرة من الزمن، وسوف يجمعنا بيت واحد. ما أروع هذا.

في الايام التالية تعرّفت على نعيمة أكثر.. فأكثر، وكنت كلّما تعرّفت عليها أكثر.. أزداد إعجابي بها، وما زلت أتذكّر وهل أنسى تلك النظرات التي تبادلناها في غفلة من المحيطين بنا. كنّا، هي وأنا، نعيش حالة أشبه ما تكون بحلم جميل، وكانت نظراتها الفاتنة تخترق قلبي لتقول لي إنني موجود، وإنه يحقّ لي، أنا المُهجّر ابن المُهجّر، ما يحق لكلّ الناس في العالم من هدوء وسكينة.. بيت وزوجة جميلة ومهذبة أيضًا.

هكذا وجدتُ نفسي أتردّد على بيت عمتي أكثر ممّا أتردّد على بيتنا، وكان يزيد في فرحي رضا عمتي وتشجيعها لي على الاسراع بالارتباط بابنة أخيها، يللا شدّ حالك.. بكرة بتبني أحلى بيت مع نعيمة. أنا متأكدة من انكوا، انت واياها، رايحين تكونوا أعز اثنين وأحن اثنين. بقي الامر يجرى على هذا النحو مدة شهر.. عندها جرى تغيّر في تصرفات نعيمة أخذ يظهر رويدًا رويدًا.. حتى بات السكوت عليه أشبه ما يكون بالخطأ القاتل، وقد لاحظت يومًا إثر يوم.. ولقاءً بعد لقاء لنا، نعيمة وأنا، أن حالة من الحزن ابتدأت بانتيابها، فعزوت ذلك لحنينها إلى بلدتها.. أمها وعائلتها، وحاولت أن أشرح لها موقفي دون حِكم ومواعظ، فأنا قادر على أن أعوّضها عن كلّ ما يمكن أن تخسره بانتقالها إلى بلادنا للارتباط بي. وكنت الاحظ أن نعيمة تتفهّم كلامي فتعود الابتسامة المفارقة إلى وجهها لتزيده رقةً وجمالًا.

قضت نعيمة حوالي شهر آخر إضافي.. بين مدّ وجزر، فهي حينًا فرحة وآخر مغتمة، الأمر الذي دفعني لقضاء الليالي وأنا افكّر فيها وفيما يمكنني أن افعله للتخفيف عنها، ودفعها إلى حظيرة الهدوء والطمأنينة. وأذكر أنني حرصت على تقديم ما اشتهته نفسها ورغبته روحها دون أن احوجها للطلب، فما أن كنت أشعر أنها بحاجة إلى أمر.. مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، حتى أسعى لتحقيقه لها، الامر الذي كان يدفع عمّتي لامتداحي أمامها بصورة تبيّن لي مع مضي الوقت أنه مبالغ فيها، الامر الذي جعلني أفكّر في أكثر من اتجاه، فمن ناحية نعيمة.. كنت ألمس أنّ معاناتها تزداد يومًا إثر يوم، دون أن تبوح لي بسببها، ومن ناحية عمّتي.. شرعت في التساؤل عمّا يدفعها لامتداحي أمام نعيمة وكأنما هي تريد أن تقنعها بأمر.. لا تريد الاقتناع به. أدخلني هذا الوضع بطرَفيه، نعيمة وعمّتي، في نوع من الصراع النفسي والتساؤلات المتواصلة، فما الذي يحدث؟ وماذا عليّ أن أفعل للتخلّص من وضع لا يُحسد أحدٌ عليه؟ هكذا ابتدأت أجد نفسي في دوامة.. عليّ الخروج منها.. قبل التورّط فيها أكثر. وكان أول ما فعلته هو أن أضع نعيمة تحت المراقبة طوال الوقت، فما الذي يدفعُها إلى تلك المشاعر غير المريحة؟ وبقيت أشعر بحالة من التخبّط والتوهان إلى أن كان ذات مساء، فرأيت عمّتي توجّه كلمة لوم واضحة إلى نعيمة، الامر الذي أخرجها عن طورها، فدفعها للدخول إلى أقرب غرفة منها، وأوصدت الباب وراءها بقوة. كانت هذه الحركة الواضحة.. القشّة التي قصمت ظهر البعير، فقد فهمت أن هناك ما يجب أن أعرفه، لئلّا أندم في المستقبل. لم أنم تلك الليلة وقضّيت ساعاتها مفتّح العينين مفكرًا فيما عساني أفعله. وقرّ رأيي قبل بزوغ الفجر على أن أتخذ خطوة تمكّنني من وضع نهاية مقبولة لوضع لا أحد يُحسد عليه.

في اليوم التالي اغتنمت فرصة خروج عمّتي لشراء بعض الحاجيات البيتية الضرورية وجلست إلى ابنة عمي:

- نعيمة.

- نعم ابن عمّي.

- هل يمكنك أن تكوني صريحة معي؟

- ما سبب سؤالك؟

- منذ فترة أشعر أنك غير مرتاحة.. في هذا البيت.. هل تضايقك عمّتي؟

همت دمعة من عين نعيمة.. ألقت شعاعًا شحيحًا على ما يدور. وقد تساءلت عمّا إذا كانت نعيمة غير راضية عن الارتباط بي، فاتخذت قرارًا قاسيًا جدًا ضدّ نفسي، قبل أن يكون ضد أيّ من الناس. كان ذلك بعد أن سألت نفسي عمّا إذا كنت أروق لنعيمة كما راقت لي، وكان لا بدّ لي مِن التأكد من هذه النقطة الملتهبة. قلت لها:

- اسمعيني جيدًا.. منذ فترة أشعر أنّ هناك مشكلة بينك وبين عمّتي.. قولي لي.. هل هذا صحيح؟ قولي لي أنا ابن عمك ووجعك يؤلمني، صارحيني وتأكدي أنني سأكون عوانًا لك ولن أكون ضدك مهما كانت مُصارحتك لي. ما إن نطقت بهذه الكلمات حتى شرعت نعيمة في حديث تخلّلته الدموع والتأوهات، فهمت منه أنها تودّ العودة إلى بلدتها.. إلى أمها وإخوتها، وأن عمّتي اقتصّت منها ومنعت عنها الطعام والشراب كي تبقى. لا أنكر أنّ كلمات نعيمة هذه أدخلتني في حالة من التمزّق والضياع، إلا أنني ما لبثت تماسكت، وعدت إلى اتزاني المفقود قلت لها: هذه بسيطة.. أنا من سيذهب إلى عمّتي وأنا مَن سيقول لها إنني لا أريد الارتباط بك، أعتقد أنك بهذه الطريقة تعودين إلى بلدك وأهلك. انفرجت أسارير وجه نعيمة وظهرت عليه علامات الرضا والشكر، وعادت إليها ابتسامتها الساحرة. أما أنا فقد شرعت بتنفيذ ما وعدت به.. وقلبي يتمزّق..

***

قصة: ناجي ظاهر

عَبّاسُ والْــــعُـودُ

واللّحنُ إذْ يَسْــري

*

سِحرٌ ويَنسَــاب

مِن لَمسةِ الوَتْـــــرِ

*

فَالفنّ مِحـرابٌ

بالنُّـور والطُّــــهْـــرِ

*

واللّحنُ أحيانِي

كالزّهر في الصَّـخـر

*

إذْ لاحَتِ الذّكرى

كالنُّور في الفَـجـر

*

ذكـرَى لأحبابـي

غـابُـــــوا ولا أدري

*

يا ليـتَ ألـقـاهُم

في ليلةِ القَــــدْر !

***

سُوف عبيد ـ تونس

................

تحية مودّة إلى الصديق الفنّان الأستاذ ـ عبّاس مقدّم ـ بمناسبة مساهمته في ندوة تكريمية للشّاعر وقد أدّى الفنّان.. قصيدتان للشّاعر من تلحينه وذلك بالمكتبة الجهوية بولاية بنعروس وذلك يوم الأربعاء 3 مارس 2021

في كـلﱢ لحظةٍ

تَهرمُ  داخلي امرَأةٌ

وتُزهِرُ أُخرى..

تَتَقاسمُ جسَدِيَ

حُورياتٌ وملائكةٌ

وقبيلةُ الغَجرياتِ

**

في مَهدي لَهفَتي تَغفوُ

أرواحاً لَمْ تُخلَقْ بعد

**

أظمَى أنتَ لأمواجِ الياقُوت....؟

تلوَّى في صَخبِ الرَّملِ

راقِبْ الدُلفينَ تارةً مِنْ بعيد

وتارةً اِغرقْ في جُنونِيَ الهادِئ

**

يتَشظّى على شاطئِ الدَّهشةِ

بَعدَ اللهيب

لن ينام البَحرُ

**

يا ااااأنفاسَكَ

شَغَفُ قيثارةٍ يُغري سَمائِي

وأنا الكوكبُ المُتمَرّدُ

على طقوسِ الفضاءِ

أتهادَى على نبْضِكَ

شَهقةً شَهقة..

كَبنَفسجةٍ شاردةٍ

في وادي الغَجرْ

***

سلوى فرح – كندا

هشيمِ الأحلام

عقيمة هي الأيام

تقيم في الأسر

ترحل في التيه

صدى الصوت يتردد

في الفراغ

في العدم

صراع الذكريات

بين البدايات والنهايات

الوقت يقود مراكبه

بدون بوصلة

يسلك خطوط القلق

خطوط الوهم

خطوط الضياع

الجهات تائهة في غياهب الزمن

في الصدر القلب يلهث

لا وقت ليستريح

ينبض على إيقاع الحياة الشاردة

تنطوي الصفحة تلو الصفحة

بدون ضجيج

الشعور غياب…

الآلام…

الاوجاع…

لا تروضها مسكنات

الهروب والتجاهل

ولا راحة البعاد

ولا نعمة النسيان

ويستمر سَفر الهروب

على دروب الشرود

يجري ويجري

و

ي

ج

ر

ي

***

عباس علي مراد

ثمة وحش اسمه "اسرائيل"

له مخالب حادة مثل مشرط جراح

تمساح ذو انياب مفترسة

ذيله في اوروبا

ورأسه في البيت الابيض

هو وحش ارهابي

والوحيد الذي يحظى

بحماية ورعاية الامم الغربية

وخوفا ان تصاب سلالته

من الانقراض

تبناه المطبعون

وادخلوه في حدائق الحيوانات العربية

غير انه يحتاج الى ترويض

تحت دهاليز الفصائل الفليسطينية

اما الانظمة العربية الرجعية

فقد زجت بالوطن العربي

في سجن كبير

واودعت مفاتيحه ل"أسرائيل"

***

بن يونس ماجن

وحدي أنادي ودمعُ العينِ ينهملُ

أينَ الذي كان ملءَ البيتِ ينتقلُ

*

أسائلُ الوقت والذكرى تعللُني

ولا مجيبٌ على سؤلي ولا عملُ

*

أمشي وحيدًا وظلّي صار يسألُني

حتى متى يستبيكَ الحزنُ يا رجلُ

*

أمشي وحيدًا سوى حزنٍ تلبّسني

تاهتْ خطاي وضاقتْ حوليَ السبلُ

*

من أين أبدأ، والأيام مقبرةٌ

ومعولُ الدَّهر يشكو ثِقلَهُ الجبلُ

*

يا عالم السر، مازلنا على أملٍ

أن نلتقي ساعةً والجرحُ مندملُ

*

أبكي زمانًا مضى من دونِ نائبةٍ

أبكي زمانًا أتى والقلبُ منشغلُ

*

أمضي إلى القبر لا حيٌّ فيسمعَنِي

ولا أنا بعدَ هذا الرزءِ احتملُ

*

يا أيَّها العيدُ لا توقظ مواجعَنا

فقد سئمناك، هل نروى إذا نهلوا؟

*

يا أيّها العيدُ كم أيقظتَ بيْ أملاً

والآن نحيا ولا من قادمٍ يصلُ

*

جئنا إليك ووسطَ الروحِ متقدٌ

من المشاعر حتّى تاقت المقلُ

*

طفنا حواليك يا من كنتَ تحضنُنا

قد مرّنا القحطُ بعد الفقدِ والخبلُ

*

جئناك والليلُ مخنوقٌ بغربتِهِ

ووحشةُ القبرِ منها يهربُ البطلُ

*

يا وابلَ الغيثِ بددْ حرَّ وحشتهِ

واسقِ الظميءَ نميراً قَطرُهُ خَضِلُ

*

واكْتم شجونًا مضت دهرًا ترافقنا

هيهات يسلمُ منها السمعُ والمقلُ

*

من يخبرُ الحيَّ أن الموت مرحمةٌ

وأنَّهم بعد هذا العمر ما رحلوا

*

إنَّ القبور تنادي من يمرُّ بها

وتسألُ الرائحَ الغادي وتبتهلُ

*

ذكراك يا حسنٌ فينا موطئةٌ

لن تنتهي أبدا ما دالت الدولُ

*

لا تركننَّ إلى الدنيا وقد ضحكتْ

يومًا بوجهكَ فهي المكرُ والحيلُ

*

وقل لمنْ شيَّد الدنيا على أملٍ

إنَّ الممات على الأبواب ينعدلُ

*

يا سيِّدي ليس عندي غيرُ غرفتهِ

أزوره كلَّ يومٍ وهو منشغلُ

***

د. جاسم الخالدي

الفصل السابع من رواية: غابات الإسمنت

ثمّ حلّت ليلة أخرى رافقتني فيها السيدة النقيب إلى شقتها، كنت أشغل بالي بأسئلة كثيرة:

أين أهلها؟ وكيف تقضي بقية لياليها؟ هل تقضي كلّ ليلة مع واحدة أخرى حتى إذا انقضى الليل صرَفتها؟

ليس بالضرورة أن يكن سجينات، هي صاحبة سلطة، وتؤدي دورًا مهمّا في الحياة، ولها نفوذ، فكيف تقضي لياليها؟

ليست الغيرة كما أظن، صحيح أنني قرفت تلك الليلة، لكنّ شعوري بالنفور خفّ مع العملية الثانية، كانت لطيفة معي، شفافةً تهيم في رومانسية مفرطة، ليست جميلة، غير أنها ليست قبيحة، فيها بعض الخشونة، ومع ذلك حين تتجرد من ملابسها تبدو برشاقة أنثى، سأعوّد خيالي على أن أراها رجلا، حتى يصبح الخيال حقيقة.

أمامي ثلاث سنوات أروّض نفسي خلالها على الحياة الجديدة، لقد خانني رجل... فهل تخونني امرأة؟

..............*

لم أعد أتقزز.. بدا لي الأمر أقل من طبيعي، وعندما بردت، مررت يدها..، ثم راحت تلعق أصابع رجلي، وما بين الأصابع، فاشعر بنشوة وخدر غريبين.

لا أظن أنها تمثل معي دور الرجل فقط، فقد تطلب منّي أن....... وأقبلها بعنف، أجدها تلعب دور الاثنين وفق تتابع زمني: الرجل أو المرأة، فأصبح أنا رجلا أو امرأة وفق هواها، ذلك يوفر لي الأمان، ففي الليلة الأولى عندما استفقنا على صوت المنبه قبل الفجر وجدت رأسي فوق ذراعها اليمين وراحة يدها اليسرى على صدري، نمت بعمق كما لو أنني لم أنم ليلة في عمري كهذه، تركتْ قدمي وسألتني:

ـ ها حبيبتي بماذا تفكرين؟

ـ خطر على بالي سؤال، هل ستنزعجين إذا سألت؟

ـ أبدًا، أنت تأمرين، ما دمت أحببتك لا تترددي!

ـ هل بيت أهلكِ هنا؟

ـ كلا، في مدينة أخرى تبعد عن هنا 400 كيلو مترا.

وتطلعتُ بعينيها فقلت بابتسامة:

ـ تقضين الليل وحدك؟

فمطت شفتيها وقرصت خدي:

ـ بدأنا نغار؟ اسمعي...

ـ لا تغضبي أرجوك.

قلت ذلك وأنا أظن أني عثرت على جنّة أَنستني بحيرة الدم، فأخشى أن أفقدها بسبب الفضول الذي يدفعني.

ـ لن أغضب... اسمعي جيدا، أنا أحببتك وأريد أن أساعدك، وها أنا أقول أحبك بجنون ولن اختار عليك أخرى، تستطيعين أن تحبيني وتكتفي بي، الرجال مجرمون والدليل وجودكن بالسجن، أو على المشانق، نحن نقدر أن نكون رجالا ونساء في الوقت نفسه، كل واحدة هي رجل وأنثى فما حاجتنا لهم؟

بقيتُ صامتة... فأخذتْ يدي وطبعت عليها قبلة:

ـ أووه صغيرتي الجميلة، أنتِ أجمل مني، لذلك إذا خنتني مع واحدة سأقتلك.

ـ محال.

ـ تقسمين؟

ـ أقسم.

ـ إذن دعيني أخطط مستقبلك، سأريه صورتك... ستكونين محظيته... طبعا ذلك مقابل شيء، لن تمنحيه نفسك مجانا، بالمقابل سأتحدث مع سيادة الوزير، لتدخلي دورة أمنية في الأيام القادمة، حتى إذا خرجتِ فتحتِ صالون حلاقة، فتأتي إليك النساء، يجب أن نعرف كل شيء، زوجات موظفين كبار... مديرين عامين... مسؤولين... ستكونين أكبر من مخبرة... سيدة أمن، وستملكين صالونا وتبقى علاقتي بك، لا يهمني مع من تكونين من الرجال، أريدك أن تستغليهم أو تستغلي المسؤول الذي ستصبحين محظيته بشطارتك؛ لكنك ستكونين لي وحدي.

الحرية... المال... الغنى... أملك نفسي، وبيدي كلّ ما أرغب من جاه ونفوذ؛ الناس لا يعرفون من أنا... هناك سند قوي... جدار يحمي ظهري... النقيب تكره الرجال... لعلها لا تملك سببا وجيها لكرهها إيّاهم ، أما أنا فهناك ألف سبب وسبب، بل بُحيرة دم بيني وبين عالم الرجال الذين طعنني أحدهم وهو أقرب الناس إليّ - زوجي- طعنة غادرة في ظهري تعادل آلاف الطعنات، فكيف لا أقبل بعشيقة تترك نجماتها وتركع تحت قدمي تلعق أصابع رجلي، تحبّني وتقسم أنّها لن تخونني؟

كدتُ أحب زوجي حبًا لا يختلف عن الجنون، أظن النقيب صادقة، تريدني لها وحدها، تحاول أن تدفعني لأبني مستقبلي من جديد... لو خرجت من السجن فماذا عليّ أن افعل؟ أهلي تبرؤوا مني... سأعيش منبوذة، ولو رحلت إلى مدينة أخرى ماذا أفعل وقتها؟ من يساعدني؟ هل أتاجر بجسدي؟ المجتمع نسيني... الماضي يطاردني... كيف أعيش؟

وصوتها الدافئ ينتشلني من سرحاني:

ـ هل أنتِ معي؟

ـ نعم... اختاري لي أنت، شرط ألا تتركيني.

ـ (يا ستي) غدًا عندما تتعرفين على السادة الكبار لعلك تضجرين مني.

وعن لا وعي هتفت:

ـ حبيبتي.

واحتضنتْ كل منّا الأخرى بين ذراعيها، ورحنا نغيب ثانية بلهاث محموم ثم نغفو متلاصقتين ولم يوقظنا إلا منبّه الساعة قبل الفجر.

فجأة شعرتُ أن بداخلي إنعامًا أخرى؛ امرأة لا يعرفها سوى الجمر الذي اكتوت به، والخيانة التي أوصلتها إلى القتل والسجن، امرأة استيقظت حين خذلها الجميع، إنعاما جديدة أقوى من قضبان السجن ومن كفّة ميزان غير منصفة.

واكتشفت أني أحبّ؛ لكن بطريقة أخرى، وإن جاء هذا الحبّ معاقاً؛ لكنه بلا شكّ سيهديني إلى حياة أخرى.

***

ذكرى لعيبي

................

* حذفتُ الجُمل لجرأتها، لكنها مطبوعة في النسخة الورقية.

 

 

بعد أن قدمت طلبا للطلاق، وبعد رفضها لكل محاولات الصلح والتي عرض الزوج خلالها تنازلات كثيرة سعيا للحفاظ على لحمة الأسرة وأسرارها سيما وأن المطالبة بالطلاق له منها إبن.. تقف الزوجة أمام القاضي مؤكدة إصرارها على الطلاق.. تنتصب في تحد مقلق بين كل من حولها، كأنها تريد أن تعلن عن انتماء طبقي ارستقراطي ذي نسب رفيع، ومجد في التاريخ تليد، وغنى فاحش موروث، تتعالى في كبر، متعمدة ابراز فتنة مما بالغت في ارتدائه من لباس، وما تحلت به من ذهب وعقيق، ترنو الى زوجها بنصف إغماضة ساخرة، مما أثار القاضي الذي ظل يتابعها بنظرة متفحصة، تكشف بعضا من انزعاج يحاول إخفاءه..

"شيء ما غامض وراء هذه السيدة هو ما تبديه غرورا وحبا في الظهور بهيأة متصنعة، ومعرفة زائفة، فهل تستغل وجودها كاسم مشهور في سوق المال والمعاملات التجارية بهذا الحضور؟.. "

الى جانبها يقف الزوج ممتقع اللون، خجلا من موقف لم يفكر يوما أنه سيجد نفسه فيه، يترقب في حياء، مضطربا نقمة على امرأة، استحلت أن تضع نظارات سوداء على عينيها فتتنكر لكل أفضاله وخيره، يطرق برأسه الى الأرض.. "ترى بماذا ستعلل طلبها؟".. وأي الحجج لديها غير ما اعترف به هو نفسه تلقائيا قبل أن تجره للمحاكم؟متوسلا منها سترا به تحقق كل ما تريده منه، لكن الطمع الذي أعماها، والغرور الذي ركبها، وسوء قراءة حماتها وأثرها البليغ في تنشئة ابنها أنساها كل ما قدمه لها.. يرفع الزوج رأسه، يعب نفسا قويا ثم يلتفت وراءه مستنجدا بأمه الجالسة خلفه، يستمد منها قوة.. باطمئنان راسخ تنظر الأم اليه، و بسمة صادرة من راحة ضمير بدعم يقيني وكأنها تريد أن تقول شيئا، تستحيي أن تبديه أمام هذا الحضور فلا تملك غير الصمت، لكن عيونها تنفث بسمات القوة، لسانها قلب فمها لا يلهج الا بدعوات الرضا وهي تترقب ما ستصرح به زوجة ابنها:

ــ سيدي القاضي !.. زوجي هذا قد اهانني، أدخل بيتي متشردة، أولجها حمامي، وكساها ثيابا من خصوصياتي، ثم نام معها على سريري، أحط بكرامتي وسمعتي ـ سيدي القاضي ـ أصرعلى الطلاق كما أصر على تعويض مادي لا يقل عن خمسمائة مليون درهم كرد الاعتبار، وان يقتسم معي كل ثروته التي بنيتها بذكائي واجتهادي، بجمالي وجهدي وثقة الزبائن في ذوقي، حتى مكنته من اكتسابها وجمعها....

يقطب القاضي حاجبيه، و يحرك عينيه علامة اندهاش، فكأن المرأة الواقفة أمامه لا يتلخص حضورها الا في تشريد الزوج انتقاما، لا لتطلب حقا منطقيا يخوله لها القانون.. يلتفت القاضي الى الزوج ثم يقول:

ـ مارايك في الذي تدعيه زوجتك؟

يتنهد الزوج بعمق ثم ينظر بلا تركيز في وجوه الحضور سهاما من حوله، خصوصا من جمعيات نسائية اقبلت لمساندة الزوجة، يحاول ان يخفي اضطرابه بإطلاق يديه وتشبيك أصابعه..

كل صور الماضي تتدارك تباعا أمام عينيه.. من اين سيبدأ؟

حاويات القمامة، جيوش الذباب، نباح الكلاب، مواء القطط، مشردون يفجرون أكياس الأزبال، روائح النتانة....

توهم أن كل الاسرار النتنة عن ماضي هذه الماثلة أمامه قد رماها في بئرعميقة، وعليها بنى بلا رجعة، لكن ها هو البناء يتفجر فترمي البئر خبثها من حيث لا يدري.. يفتح فمه، ويمرر لسانه على شفتيه يبلل جفافهما، يبلع ريقه ثم يبدأ كلامه بهمس: اللهم احلل عقدة من لساني:

سيدي القاضي: ما قالته زوجتي صحيح، لكن اسمحوا لي أن ابدأ من حيث أنهت كلامها..

يصمت قليلا وكأن صوت أمه يهزه من الداخل: "مشاكلك يا بني من ضعفك هزمتك في بؤسها وفي غناها، فاحذر ان تهزمك في دعواها ومن ورائها حماية ممن لايعرفون حقيقتها "..

يحس ضيقا في صدره، يتنفس بقوة كأنه يحاول أن يعب هبة برد تشرح ماضاق ثم يتابع:

زوجتي هذه الماثلة أمامكم بكل هذه الحلي والحلل، وهذا المظهر الباذخ لا يعدو غطاء لخواء باطني عن حقيقة الانسان واصله، زوجتي هذه هي نفسها لم تكن غير متشردة تدق أبواب البيوت يوميا، شحاذة، تتسول وتطلب الصدقات..

همهمات تتحرك بين الحضور، ونظرات استغراب من بعضهم لبعض حينا وللزوجة حينا آخر، ادعاءات لا تصدق!!.. مجنون !!.. كيف يرمي سيدة وشهرتها في سوق المال ذائعة مذ عرفوها، بتهمة استجداء البيوت؟

يضرب القاضي بمطرقته ليعيد للقاعة هدوءها، وهو لا يقل استغرابا عن الحضور لما فاجأه، ثم يطلب من الزوج أن يتابع كلامه..

_ زوجتي هذه صادفتها ذات يوم وانا عائد الى البيت قلب مزبلة تبحث بين ركامها، تزاحم القطط والكلاب صناديق القمامة، رق قلبي لها، خصوصا وانها كثيرا ما طرقت باب بيتنا متسولة اذا سبقها جامعو الأزبال الى صناديق الحي؛ ترجلت من سيارتي متوجها اليها، أخذت بيدها، الى السيارة ثم تابعت الطريق الى البيت، أدخلتها حمام أمي، وقدمت لها مما في دولاب أمي من ثياب، كما ناولتها عطرا ومساحيق من خزانة أمي، لما اغتسلت وخرجت من الحمام، انبهرت لما رأيتها !!..

تغيرت كلية وصارت امرأة ثانية، فوارة بمظهر الحسن والجمال فوران حوريات الجنة في أحلامنا؛ وأنا على وشك توديعها بالباب أقبلت أمي بعد زيارة لاحد اقاربنا، لما رأتها، حسبتها أنثى من صديقاتي، أو احدى كاتبات شركتي، لكن حين سلمت عليها ودققت فيها النظر، استغربت أمي من ان الواقفة أمامها ترتدي ثيابها، وان عطور أمي هي ما يفوح من الزائرة..

نظرتْ اليَّ امي نظرة استفسار، فغمزتها بعيني واضعا يدي على فمي، كأني اتوسلها الا تغضب، او تطرح اي استفسار، يجرح الزائرة أو يحط من كرامتها..

يتوقف الزوج هنيهة:كأنه يسترد أنفاسه، في وقت تبدأ الزوجة مترنحة في مكانها متضايقة مما صرح به زوجها، لم يخطر ببالها لحظة أن الزوج الوديع الصامت الخجول الذي كان لا يتحرك الا بإذنها وأمرها، والذي كم كرهت سلبيته تنصب عليها كعدوى مما جعلها تهمشه في كل أعمالهما التجارية، من أين استمد كل تلك الشجاعة التي تجعله يفضحها امام الحضور، كل ما تعرف ان وداعته وخجله كثيرا ما كان يلزمه صمتا ليس أمامها فقط ولكن مع الكثير من الناس.وهي من كانت تستغل حياءه هذا في تحقيق كل رغبة هفت لها نفسها.ماذا صار ومن أنطقه؟؟..

ـ"لعلها أمه التي استعادت صرامتها مما عانته معي، وما عرفته عني وما أخطط له، ولئن ربته على الخنوع والاستسلام فهاهي تحول سكونيته وضعفه الى قوة تباغتها في زوجها..

تعلو همهمات الحضوربين استغراب، وتكذيب، ومتباغثة، وشك يهدئها القاضي بدقات ملتمسا هدوءا يسمح بمتابعة القضية..

يأخذ الزوج نفسا طويلا ثم يتابع:

كان وقت الغذاء قد حان، فأقسمت عليها أمي ان تتناول غذاءها معنا؛

بعد الغداء تركتها أمي منشغلة بعروض التلفاز وشرب الشاي، وأتت الي

تستفسرني عنها.. عن دولاب ملابسها الذي انتهكه ابنها اكراما للزائرة، عن عطورها ومساحيقها التي تعتز بها كبقية من هدايا المرحوم والدي؛ لم أخف سرا على أمي، ولم أحاول ان اتكتم على أي شيء بل أخبرتها حتى عن أسمال الزائرة اين وضعتُها..

وفاجأتني أمي القوية الصبور بدمعات تنحدر على وجنتيها قالت:

ــ كم من جمال مسخه الفقر وغيبه الإهمال والحاجة !!.. حرام أن تذوي هذه الفتنة بين صناديق القمامة وركام الأزبال، هذه البنت لو طاوعتني فمحال أن تخرج من بيتي بعد اليوم..

مرة أخرى يتوقف الزوج عن الكلام قليلا وكأنه يشحن صدره بقوة تمنحه القدرة على المتابعة...او ربما كان يفكر كيف يختصر حديثه، وكيف ينتقي الكلمات التي لا تجرح الواقفة بجانبه، فماحكاه كاف كتحقير يمسها كوجه تجاري في سوق البزنس، كما يطول سمعته كونها زوجته وام ابنه..

هكذا سيدي القاضي بدأت هذه السيدة حياتها معي؛ظلت معنا في البيت تتشرب من عاداتنا، وطقوسنا، وطريقة حياتنا، أعادت لها والدتي تربيتها دقة دقة كما يقولون الى أن صارت واحدة منا، ألفناها وألفتنا، فصار لها ما لنا، وعليها ماعلينا، والحق يقال أننا تلمسنا فيها ذكاء بعد ان تغيرت حياتها، صارت تقرأ وتكتب، تحاور وتناقش، تلتهم المجلات وتنتمي لأكثر من جمعية نسائية، وكشهادة انصاف انها كانت تختزن قدرات هائلة مكنتها من تجاوز كل عارض يحول دون بلوغها ما تريد...ثم بدأت تتقرب مني، واليها بدأت أميل...

وكانت المفاجأة من والدتي أن أتزوجها..

وبعد احاديث طويلة، وتفكير عميق، ونقاش عن الغير من حولنا، عن زيف المظاهر والأسماء والألقاب، عن ألسنة المجتمع الطويلة وأبواقه القوية، اقتنعت بان الامر يخصني وحدي ولا يهم احدا غيري..

بعد سنة من زواجنا، لاحظت اهتمامها بالتجارة وبافكارها التي قد تمكنها من اختراق عالم التقليعات، وبايعاز من والدتي مرة أخرى، فتحت لها متجرا للألبسة النسائية ثم آخر للعطورات والماكياج، لكن بعد ان انجبت ابننا الوحيد بدأت تتغير.. صارت لا تستقر في مكان، متنقلة بين دور العرض والموضة، وبين اكثر من مدينة وعاصمة عالمية، جوابة للمراقص والملاهي، وكنت المهضوم الذي صار نكرة وانا من حول النكرة من العدم الى علم في مضامير الحياة وأسواق المال والتجارة...

يتوقف الزوج قليلا وكأنه يكتم غصة خنقته، يبلع ريقه، ثم يتابع ٠٠

- اهملتني سيدي القاضي، وأهملت بيتها وابنها، ولولا أمي اطال الله في عمرها، ما وجدت من يسهر على ابني او يهتم بشؤوني...

يحس الزوج وكانه يخرج من بين الأمواج، يتصبب عرقا، لكنه أخف مما كان قبل ان يحكي... يلتفت الى أمه، ابتسامة رضا وتشجيع تتربع على وجهها.. ثم يمسح الحضور بنظرة خاطفة جعلت أكثر الأفواه تنسد حيرة أو تعلن لعنة، بل و كثيرات شرعن في الانسحاب من قاعة المحكمة حفاظا على لحمة الانتماءات..

كان القاضي يتابع القصة مستغربا أن تكون التي أمامه قد كانت من شحاذات الشوارع، وهي اليوم تشكو زوجها لسلوك كانت هي أول من غرفت منه وارتوت.. يلتفت القاضي الى الزوج ويقول:والمتشردة الثانية؟! سؤال تطاولت له الأعناق وارتخت الأسماع بترقب.. وجوه بين الدهشة والسخرية والتأنيب...

يتنحنح الزوج، ثم يتنفس بغصة عميقة من قهر:

ما فعلته مع المتشردة هو نفسه ما حدث مع زوجتي، مع فارق ان زوجتي بقيت في بيتنا واستطابت الحياة فيه واكتسبت عادات البيوت الكبيرة ولكنها لم تتعلم ان الحر من دان انصافا كما دين..

يشرئب برأسه جهة أمه، فيلاحظ القاضي أنها تشجعه فيستعجل الزوج على الحديث..

زوجتي هذه سيدي القاضي لم تستطع ان تتخلص من أمراض نفسية تتلبسها، ربما هي نتاج تربية ومعاناة، وسنوات قهر، فاقة وحرمان، ومن شب على شيء شاب عليه: الطمع، وعدم القناعة و الرضا، والتطلع لما عند الغير...وهذا ما ولد فيها صفات: الكذب والجشع، وتزوير تاريخها وحقيقتها امام غيرها...

ينظر القاضي الى الزوجة وكأنه يتابع اثر كلام زوجها على محياها من تذمر وقلق، ثم يحول النظر الى الزوج وكأنه يدعوه لمتابعة كلامه:

حين كنت اودع المتشردة بالباب اعطيتها مالا وألبسة أخرى، وعطورا، ثم قلت لها:

ـ لا اريد ان اراك بعد اليوم تتعاطين التسول، لك سأبتاع احدى الشقق الاقتصادية تأويك، وستصير لك نفقة شهرية لتدبيرشؤونك، فحرام أن يذوي هذا الجمال على عتبات التسول..

ارتمت علي وعانقتني وهي تبكي ثم قالت:

ماذا بقي لم تقدمه الي يا سيدي؟

أحسست برغبة تشدني اليها فهمست لها:

لك كل ماتريدين... فقط اياك ان تمارسي التسول بعد اليوم.. أكره أن أرى أنثى بحمالك تذل نفسها، تحتقر ما وهبها الله من أنوثة وقد ممشوق..

ودون شعور منا وجدنا نفسينا معا فوق سرير غرفة نومي...

سيدي القاضي، أن أكون قد سقطت في الحرام فهذا لا أنكره واني به اقر وأعترف، أسأل الله تعالى ثوبة نصوحة منه، لكن جرمي لا يمكن أن يغيب ما فعلته مع هذه المرأة كحق من حقوق الله، قد صادفها حظا من حظوظها دون غيرها، يكف عنها مذلة السؤال والتشرد، وربما هي احق به من غيرها ممن صاروا يملأون الطرقات وابواب المساجد حتى صرنا نعثر بينهم على من يمتلكون شققا ودكاكين في اكثر من حي، بل وفي اكثر من مدينة يتنقلون في سيارات يملكونها..

سيدي القاضي !

انا اخطأت، وذنبا قد ارتكبت، ولن أقنط من رحمة الله، لكن ما قمت به مع تلك السيدة هو خير قدمته ما كان في اعتقادي ولا نيتي - يشهد الله -استغلالا، او انتظار جزاء، او مقابل.. ان ماحدث ـ سيدي القاضي ـ هوضغط من حرمان، وغصة من اهمال، واغراء من شر النفس وكيد الشيطان، يلزمني اصلاحه عاجلا، لذلك اطلب مهلة قصيرة، اعقد فيها قراني على المتسولة، ولزوجتي حق الاختيار ان تقبل بضرة او تصر على الطلاق، لكن اكراما لابني منها لن أطالبها بتعويض عما صارته، وعن نقلتها النوعية من حياة المزابل مع القطط والكلاب والحشرات، والنوم في الازقة والشوارع الى حياة أهل البيوت الكبيرة الذين يحسون معنى أن تكون انسانا فقيرا ثم يغنيك الله من فضله، ولن أطالبها برأس المال لما تدره عليها متاجر انا من فتحتها بمالي وعرق جبيني.

يطرق القاضي برأسه الى منصة الحكم، يستحوذ عليه تفكير واحد، و كمشة من الأسئلة تتسابق الى لسانه فارضة عليه أجواء من التصورات والظنون.

ماذا يغري هذا الشاب في الفتيات المتسولات؟

ما نوعية الإثارة التي تحركه نحوهن؟ هل هو جمالهن الذي قد وأده الفقر؟

أم هي بصمة نفسية خاصة لديه يستقبلها بلذة ومتعة قدلايستحليها غيره؟

لماذا كانت نظراته تتحول الى انكسار، فيبادرالى الالتفات لأمه يستمد منها القوة والشجاعة؟ هل هو الخجل وحده ام في حياته ما يحسسه بالدونية رغم غناه؟ واذا كانت الرحمة قصده لماذا ينساق الى ما حرم الله؟

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب 

 

مع ترجمة للانكليزية

بقلم: عبد اللطيف غسري

***

عندما ألقاك ألقى

كلّ ما قد ضاع من دنيا وجودي

عندما ألقاك تنمو فرحتي...

مثل ورود..

وأرى الدّنيا بعينيك جمالا

مشرقا كالشّمس في كلّ النجود

عندما ألقاك يسمو الحبّ...

في أعماق ذاتي

سابحا دون قيود

عندما ألقاك ألقى أملا ...

يرعى ودّي وعهودي

عندما ألقاك من غير وعود

يسجد القلب للقياك...

بمحراب السجود

إنّ في لقياك بعثا وحياة

لفؤاد غاص في بحر الرّكود

فاضرمي نار الهوى ...

رفقا بقلبي

إن نار الحبّ تذكو شعلة...

دون وقود

***

شعر/ تواتيت نصرالدين

...............

When I meet You

By Touatit Nassr-EdDeen

Translated By Abdellatif Rhesri

***

When I meet you

I find all that which

I have lost in my lifetime

When I meet you

My joy grows

Like a rose

And I see the world

So pretty in your eyes

Shining like the Sun

Casting light everywhere

When I meet you

Love becomes a high value

Deep inside me

Moving freely

When I meet you all by chance

My heart kneels down for your presence

In the sanctum of love

For, meeting you

Is a sort of resurrection

For a heart that has long been

Leading a dull life

So, kindle the flame of passion

But be gentle to my heart

The flame of love

Can be set without fuel

 ***

Morocco

30/07/2010

............................

ترجمة الشاعر المحترم عبد اللطيف غسري

من المغرب بمنتديات نبع العواطف الأدبية

في نصوص اليوم