آراء

جملة نحوية من نمط جديد

محمد الدعميبعدما هبط الرئيس دونالد ترامب بالقرب من بغداد على أيام الأعياد في الولايات المتحدة، دون علم حكومة بغداد، لم يتبق للمرء أي شك بثمة انزلاق في بؤرة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط باتجاه الشرق (ناهيك عن إعلانه قبل بضعة أيام بأن أميركا باقية في الشرق الأوسط).

لا يمكن للمرء أن يقرأ هذه الزيارة المفاجئة لإحدى قواعد القوات الأميركية إلا بوصفها نصا سياسيا، ناهيك عن حقيقة تجاهل الرئيس ترامب الاتصال بالحكومة العراقية. يشكل هذا النص بنية جملة نحوية مفيدة، إذ مثّل هذا الهبوط المفاجئ فيها “الفاعل”، أما الجزء الثاني من الجملة (أي الفعل والمفعول به والتكملة)، فإنما يتكون من تجريد الرئيس ترامب الشقيقة سوريا من كامل قيمتها الجيوستراتيجية، بقوله بأنها لا تزيد عن “رمال وموت”، في إشارة واضحة المعالم إلى انزلاق بؤرة اهتمامه إلى حيث يوجد الغزير من النفط، أي إلى العراق.

أما بقية النص الأميركي، كما أقرأه بوضوح الآن، فقد استكملته الحكومة الإسرائيلية عندما حذرت العراق من تزايد النفوذ والدور الإيراني بداخله، الأمر الذي يعني (بالنسبة لها) إكمال مد الجسر البري الرابط بين العدوين اللدودين إيران وإسرائيل، عبر العراق، ثم سوريا، مع مقاربة لبنان بالقرب من حدود إسرائيل مباشرة.

والحق، فقد تأكد لي زحف بؤرة البنتاجون نحو العراق، ليس فقط من خلال ما قاله الرئيس ترامب لجنوده في العراق خلال زيارتهم بما يفيد بأن العراق سيشكل القاعدة العسكرية المركزية في الشرق الأوسط، مميطا اللثام عن اعتماد العراق نقطة انطلاق للتحركات العسكرية الأميركية للجم أو بتر من تريد عبر الشرق الأوسط، سياسةً معاكسة لما فعله الرئيس السابق باراك أوباما الذي أعلن الانسحاب العسكري من العراق على نحو نهائي نهاية سنة 2011.

إننا نشهد اليوم جميع المؤشرات وهي تتوجه إلى بغداد، بدليل ما أشيع في العراق عن طلب قيادة القوات الأميركية إخلاء القصور الرئاسية في محافظة الأنبار، غرب العراق، علما أن هذه القصور خدمت مقرات للقيادات العسكرية الأميركية بعد احتلال العراق، 2003. زد على ذلك ملاحظة الرغبة الأميركية بإيجاد موطئ قدم عسكري ثابت لها بالقرب من أغزر حقول النفط العراقية حوالي مدينة كركوك التي تشهد صراعا للهيمنة عليها بين الحكومة العراقية وبين حكومة إقليم كردستان، لنفس السبب. لذا، فإذا ما أخلت حكومة بغداد قاعدة K1 (أي 1.Kirkuk) العسكرية المشرفة على كركوك وآبارها النفطية الغزيرة، استجابة لطلب البنتاجون، تكون الجملة النحوية المذكورة في أعلاه قد اكتملت بنيتها من فاعل قوي متسلط إلى مفعول به مذعن لا يملك ما يفعله، بل وحتى علامات التنقيط.

 

أ.د. محمد الدعمي

 

في المثقف اليوم