آراء

"الماكرونية" وتحدي ذوي السترات الصفراء وعبرة التاريخ والدرس العربي!

الطيب بيت العلوي(تتكون "الأزمة السياسية" تحديدًا من حقيقة بداية موت القديم، والجديد الذي لم يولد بعد...، وخلال هذه الفترة الزمنية، نلاحظ بروزالظواهرالمرضية الأكثر تنوعًا وغرابة، التي تنجم عن تناقضات القديم ومفاجئات تجليات الجديد). ترجمة بتصرف عن: أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci

"كل الأمم تتغير في شكلها، الكون ذاته يخضع لتحولات شاملة .. !.طبيعته دائمة بصدد التغيير، ولكأنه يساعد على خلقه من جديد"--- إبن خلدون

" الإنسان يبحث عن مرحلة سعيدة حيث يكون حرا ومعانا. إنه يجدها في بداية نهاية النظام الإجتماعي ... بين النظام واللانظام تسود مرحلة لذيذة"-- مونتسكيو

 لا يزال الجدل يدورحتى كتابة هذه السطور بين أهل الإختصاص الفرنسيين في سوسيولوجيا الحركات الإجتماعية، حول كون حركة السترات الصفراء: إنتفاضة وعصيان مدني وتمرد؟ أوهي إستنساخ للثورات الفرنسية السابقة لأعوام (1770-1799-1802-1848 ؟) التي يتم اليوم مراجعتها على ضوءالمعطيات الجديدة التي تقوم بها أبحاث "ّسوسيولوجيا الثورات" التي تخصص متحف الثورة الذي أقامه فرنسوا ميتران في عام 1984 في قصرفيزيل القريب من مدينة "غرونوبل"؟

بمعنى أن هذه الحركة تطرح اليوم–ونحن في مستهل 2019- الجدل الحاد لمحاولة الفصل في إشكالية ثنائية وتزاوج :( ثورة/إنتفاضة.) بمعنى: هل الإنتفاضة : ثورة فشلت؟ وأن: الثورة إنتفاضة نجحت؟ فيتم اليوم طرح هذا التساؤل :هل حركة السترات الصفراء إنتفاضة ستنجح ؟ أمن أنها ثورة ستفشل؟

 ومن هذا المنظور، فإنه من الصعب معالجة حركة إجتماعية طارئة كهذه، ومحاولة إختزالها أوتسطيحها –على هدي بذاءات الكتابات العربية في" الربيع العربي "، بممارسة هذاءات لغة "اليقين" التي تسود عادة أساليب المقالات المتسارعة الإنفعالية، علما بأن الأحداث المستجدة في مجال السياسة، غالبا ما لا تظهرفي أول أمرها على حقيقتها، (وخاصة فيما يخص الإنتفاضات أو الهبات الشعبية) وهذه الملاحظة تنبطق بالخصوص على الحركة المذهلة والمفاجئة للسترات الصفراء، التي بدأت في 17 نوفمبر2018، والتي لم تقل كلمتها الأخيرة حتى كتابة هذه السطور

من الناحية السوسيولوجية:

 حركة مفاجئة ومُحيًرة:

حركة بدأت صغيرة مكونة من ثمانية أفراد خارج باريس" النخبة" فنالوا شهرة واسعة في كل أنحاء البلاد، عبر شبكات التواصل الإجتماعي، بسبب مطالبهم العملية والواقعية، إثر الإرتفاع الصاوروخي المفاجئ لأثمنة البنزين التي أفاضت الكأس وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، لتكشف لذوي العقول النيرة، عن تراكمات أخطاء سياسية فادحة لمدة أربعين عاما، ليكتشف أخيرا أحفاد فلاسفة النهضة والأنوار والتنويروالتثوير، عن تراجيديا من لهم الحق في العيش في بلدهم بموجب الشرعية الدستورية، التي تخول لهم الحق في إختيار الحاكم وتبديله عند الإقتضاء، وبين من لهم"حق القوة" في تسييرالشعب بموجب حق إمتلاك البلاد والعباد، تحت مسميات "ذلقراطيات" و"تغييرات" التي هيمجرد ثرثرات شبع منها أبناء " ديكارت وروسو وفولتير"

 حركة كانت في البداية غيرمسيسة وغيرنقابية- تنضمت في البداية من أجل مواجهة زياة الضرائب، وغلاء المحروقات، والغلاء الفاحش للمعيشة التي أرهقت الفرنسيين الفقراء والمتوسطي الدخل، وكانت محفزا لغضب هؤلاء، - وهو أمرغفل عنه متدكتروالسوسيولوجيا، وعباقرة الإعلاميين الرسميين، ترجمه الإنتشارالمفاجئ للحركة الذي لم يشتم رائحته أي خبير سوسيولوجي أو يراه أي محررصحفي أومحلل سياسي، إلى حين حدوثه (مما يذكرنا بظهور ترامب في أمريكا الذي لم يراه عباقرة الإعلام والسياسة والسوسيولوجيا والتواصل ومراكزالإستطلاعات ليبررو المذل لاحقا فشلهم لاحقا ا با التمسك ب" الروسوفوبيا"-وما يزالون- .. !)، مما جعل الحركة–سريعا-هدفا سياسيا إستثنائيا للإحزاب الديناصورية التقليدية لكل التوجهات الإيديولوجية والنقابات السياسية سواء من إجل الإمتطاء أو الإحتواء أو الإختراق أم التذويب !

ظاهرة متزئبقة:

 - حركة تطورت مع مرورالأيام إلى "ظاهرة متزئبقة" ومستعصية على التصنيفات السوسيولوجية الكلاسيكية لأنماط " الإنتفاضات" المعتادة، مما يجعل من الصعب "الإمساكُ"بها أوإحتواؤها، حيث تسارع على الشاشات الفرنسية ظهورناطقين مزيفين بإسمها، ترفضهم وتكذبهم رموزالحركة بإستمرار، مما أدي في الأسبوعين الأولين للحركة، إلى ظهوربلبلة داخلية فيها، فسره معلقون متسرعون على التخبط والإرباك داخل الحركة ودليل إقتراب نهايتها، مما منع من ترجمة سياسية حقيقية مٌقنِعة للحركة، الأمرالذي تداركه رموزها في الأسبوع الثالث للمظاهرات، فبدت بعد ذلك أكثرنضجا وإصرارا ووضوحا لتستقطب مفكرين متمردين وفنانين صادقين ممن يحاربهم النظام مثل" ألان سورال" و"ديودوني" و" إتيان شوار": وحتى الفيلسوف المثير للجدل والمتزئبق " ميشيل أونفري"....، حين تبين لهؤلاء يسرالقضاء على حركة شعبية فرنسية متفردة، في مهدها، وسهولة تذويبها وإحتوائها-كما حدث في حركة مشابهة لها في عام 1995 في زمن الرئيس "جاك شيراك"

من الناحية السياسية:

الخيبات السياسية "للماكرونية"لمواجهة الحركة:

فصلت في الجزإ الأول من هذا المبحث في الأسباب السياسية والإجتماعية والثقافية التي أدت إلى الظهورالمفاجئ لهذه الحركة، وسوف نحاول هنا التركيزعلى فشل حكومة ماكرون في إستيعابها أوالقضاء عليها لتتحول إلى سرطان مخيف ينخرفي جسم "الماكرونية"حيث:

- فشلت الحكومة الفرنسية في إستيعاب هذه "الظاهرة"ولم تجد وسيلة عقلانية في محاورة حركة اجتماعية شعبية ذات طبيعة جديدة، قادمة من أعماق فرنسا المهمشة والمحقرة–وليس من باريس الصفوة و"النخبة"-، كظاهرة تطورت في سرعة البرق لتصبح رادارًا–عمليا وواقعيا- للإفلاسين: السياسي والإعلامي، وزيف الشعارات الصاخبة لكل "ماركات " الديموقراطيات الغربية، وكًشْفَ حساب للحقل السياسي الفرنسي لأكثرمن 40 عامًا(فصلت في بعضه في الجزأ الأول من هذا المبحث)

- فشل إيمانويل ماكرون-حينما تفتقت ذهنيته عن اللجوء إلى إستخدام وصفات قديمة معتمدة في الدول الديكتاتورية الثالثية متسربلة بلبوس (المابعد –حداثوية)، بالدفع بوزيرداخليته "كاستانير"، إلى أن"يفتن"الحركة من الداخل، ويشغلها بالبلطجة ويشتتها بالترعيب، عبرالعنف المفرط المؤدي إلى 14 قتيل وآلاف الجرحى والمعطوبين أعطابا أبدية مث فقدان الايادي أو الأرجل أو العينين، والمحتجزين بطرق غيرقانونية، حيث أظهرالتجمع العاشروالحادي عشر للحركة، مدي هول الهوة التي تفصل ما بين الحكومة الفرنسية وشعبها، وطرح تساؤلات محرجة للمفكرين الأكاديميين حول "حقيقة الديموقراطية الغربية" المرصعة، وحقيقة تبني الدولة لشعارات الثورة الفرنسية (1789 – 1799) ومدى جدوى الأطروحات الغربية البراقة سواء في الداخل الغربي أم خارجه (وكأن صبي روتشيلد نشأ في كوكب آخر)

- فشل ماكرون في إقتراح مجموعة من التدابيرالإجتماعية والإقتصادية لتهدئة فوران الإنتفاضة، بعد أن لاذ بالصمت لأسابيع– إذلالا للحركة-، تلاه ظهوره المسرحي المضحك، عبرما أسماه "النظام" ب"الحوارالوطني"، الذي كان في الواقع مهزلة إضافية لماكرون وإحتقارا للشعب الفرنسي، حيث تم إقتياد مجموعة من أعضاء مجلس النواب المنتقين كموالين"للماكرونية"وكان لسان حال "الحوارالوطني"هو:" أنا ماكرون الإله جوبيتير"، أستمع إلى الدهماء يصخبون، ولا يكون إلا ما أرى، ولو كره الثورانيون الشعبويون العديمو الأسنان "مما ذكرالشعب الفرنسي بلويس السادس عشر والملكة أنطوانيت، ويذكرنا نحن الثالثيين بالحكام الديكتاتوريين في دول المتخلفين !

- فشلٌ لماكرون في الأسبوع الذي تلي خطاب ماكرون، بالرغم من تقلص نشاط الحركة بشكل ملحوظ، عزاه العديد من المعلقين إلى المؤشرات الأولى على بداية نهاية الحركة بسبب تهديدات وزيرالداخلية التي تلت خطاب ماكرون، وبسبب برودة الطقس المفاجئة، وحلول عيد الميلاد المسيحي ونهاية العام، ومراهنة الكثير من المحللين السياسيين على إستمرار إنخفاض المشاركين في الإنتفاضة في الأسابيع المقبلة، كمؤشارات أولية لبداية مرحلة تذويب الحركة، الشئ الذي ظهر عكسه مع سبتي الأسبوع العاشر والحادي عشر حيث خابت من جديد كل تنبؤات كهنة معابد "إستطلاعات الرأي" وكهان المحللين السياسيين والصحفيين

 فشلٌ في الصميم لماركون عندما أصبح عدوالشعب المبين (المكروه شعبيا بنسبة أعلى من نظرائه"الرؤساء النصابين السابقين مثل- هولاند وساركوزي-) فتحول ماكرون إلى مهزلة التاريخ الفرنسي المعاصر، تفسرها سلة من الإقتراحات البالزاكية، التي أظهرت التحليلات الجادة، أن مسخرة "الحوارالوطني"هي مقترحات طغت عليها شطارة الحيل المُحاسبية كنقط قوى في"الماكرونية" التي أوصلته إلى السلطة، -(وهذا جانب تفصيلي)- والتي كانت إستمرارا للخطط الفرنسية-في الداخل والخارج- لمدة طويلة - لما بعد الجنرال دوغول- لم تتغير في المضمون منذ ساركوزي مع تغيير الأقنعة وتعديل في الديكور.

 فشلٌ وطني: عندما خان إيمانويل ماكرون وعداً قطعه على نفسه في الإنتخابات الرئاسية، وهوإجراء نقاش حول جحافل الهجرة الشرسة المستقدمة -عنوة - من الدول "الفاشلة (كمصطلح أمريكي أوبامي)"، أي من تلك المناطق التي يقنبلها الغرب نفسه من أجل تغييرأنظمتها ونهب خيراتها بهدف"دمقرطتها"، حين إعتقد ناخبو ماكرون في البداية، أن الرئيس سوف يفي بوعوده فور رئاسته، فقام-(درا للرماد في العيون)- بتسجيل مشروع النقاش حول الهجرة على أولويات جدول أعماله-التي كانت الشغل الشاغل للفرنسيين -لكن رئيس وزرائه إدوارد فيليب تخلى عن الفكرة بدون أي مبررأو مناقشة المشروع في مجلس النواب، مكتفيا فقط بالتصريح بأن النقاش لن يحدث !... وكفى !."-ومع ذلك إرتعب ماكرون وبادرإلى إلغاء زيارته إلى مدينة مراكش، للموافقة على الإتفاقية الدولية الكارثية المشبوهة التي عقدتها الأمم المتحدة، بشأن الهجرات المكثفة التي ستولد المزيد من الهجرات المليونية الهائلة إلى أوروبا عبر فرنسا، فإضطر إلى إرسال وزير خارجيته إلى المغرب سراً

فشلٌ عندما أثارماكرون من جديد–مثل عديليه ساركوزي وهولاند- مسألة الهوية الفرنسية وحماية "المكاسب الجمهورية التاريخية"، لضرب شرائح الشعب الفرنسي ببعضه بقصد صرف أنظاره عن المشاكل الحقيقية، فتم المسارعة إلى خلق حركة بوزرجوازية "ناعمة ولطيفة ومتحضرة"بقصد مناهضة "عنف"ذوي السترات الصفراء، تحت إسم "الأوشحة الحمراء" متبنية شعارات الشتم والسب والقذف وتحقير خلق الله من الفرنسيين "الكسالى الخشنين القذرين، والبلطجية اللامتحضرين، والجهلة أعداء الجمهورية الفاشيين المعادين للسامية والمثليين (حيث أن الأولى يقمعها البوليس ويقلص من عددها وحجمها الإعلاميون، بينما يحمي الثانية في مسيرتها ويضخم الإعلام من عددها، ويشيد "مثقفو الآلة الماركونية" بشعاراتها-المذكورة آنفا)–وهذا جانب تفصيلي قد نعود إ ليه لاحقا في مبحث آخر–حيث ظهرالصراع الواضح ما بين "فرنسا الفوق" وفرنسا التحت" مما يؤشرإلى تزايد الشرخ ما بين"المترفين والمستضعفين في بلاد "الوفرة الإقتصادية و

الديموقراطية وحقوق الإنسان"

وحسب إستطلاعي الشخصي قمت به بنفسي ميدانيا لعشرة أسابيع متواصلة، متابعا للحركة في عين المكان، لاحظت تزايد الإهتمام بكتب مثل" الأمير" لماكيافيللي، والبؤساء لفيكتورهيغو، والكوميديا الإنسانية لبلزاك، وقصة مدينتين لديكنز، وأفضل العوالم لهيكسلي والمعذبون في الأرض ل"فرانز فانون"، بينما إنصب الإهتمام برواية جورج أورويل" 1984"تلك الرواية التي صورت بطريقة تنبؤية مجتمعا شموليا يخضع لدكتاتورية فئة صغيرة، تحكم باسم "الأخ الكبير"الذي يمثل الحزب الحاكم في المجتمعات الغربية المستترة بألبسة الديموقراطية.

 فشلٌ جوهري للماكرونية وموتها السريري الحتمي:

إن إجراءات "الماركونية" لن تحل أي مشكلة جوهرية فرنسية سواء على المدى الأقرب أو الأبعد، (رغم التعنتر والتعبقرالماركوني على مستحمري الرؤساء الثالثيين الفاشلين) وذلك سترا لعيوب النظام الفرنسي الداخلي وموت الماكرونية، حيث تم وضع النقاش حول الهوية الفرنسية تحت السجادة، بعد فشل مسرحية "الهجوم الإرهابي الإسلامي" المفبرك في ستراسبورغ في شهر يناير، في إعادة اللحمة المفقودة ما بين الشعب والحكومة، وبهدف صرف أنظارالعالم والداخل عن تزايد شعبية الحركة، ولم تعد تجدي ورقة الهجومات الإرهابية المُختلقة في المزيد تضبيع الشعب الفرنسي (لأنه لم تعد الحبكات القديمة واللخبطات الجديدة الغربية تجدي نفعا"، بعد أن ساندت مجلة " شارل إيبدو الكاريكاتورية" الحملة الماركونية ضد الحركة، واصفة إياها بالظلامية والرجعية والإمعية ( فبهت الذين ما يزال يؤمن ب" بالشعوذة الديموقراطية " وقرف خرافة "حرية التعبير" الغربي.

فشلُ الماكرونية في الإستجابة للتحدي الشعبي الذي تمثله السترات الصفراء، كونها جزء من استمرارية إعادة هيكلة الحياة السياسية الفرنسية المتعفنة التي طالت حوالي 40 سنة والتي تم إنتخاب إيمانويل ماكرون بهدف إعادة الأمورإلى نصابها، -والتي بسببها ومنت أجلها يعتبرالشعب الفرنسي الأكثر تمردا وثورية –كما وكيفا- في التاريخ الغربي- بعد أن دمر ماكرون الحزبين الرئيسيين(الديغولي والجمهوري) اللذين قاما ببناء سياسة "التناوب"-منذ عهد ميتيران-، والإستفادة من بعض نقاط ضعف المعارضة، حيث إنقلب ماكرون على من آتو به إلى"الشلة" (مثل ألان مانك وجاك أتالي وهولاند) فخلق ماكرون عوض ذلك، فراغا سياسيا مهولا متلونة بألوان عقدية وإيديولوجية سوريالية غير مفهومة لأحد، تيسيرا للصًولان والجولان في الميدان، إستغلالا لتعفن الأحزاب وجشع قادتها وإستضباع أتباعها...، وتبريرا لخططه المعروفة في التقلب في المواقف السياسية والتخلي عن المبادئ الوطنية الأساسية للسيادة الفرنسية، ببيع البلاد إلى مجموعة بروكسيل ولإسرائيل، وللأمريكي والأطلسي وللخليجي (وكأننا بماركون في مزاجيته وتحجرعقليته ودهائه وخبثه، إستنساخ ردئ لترامب وأوباما معا).

-ظاهرة السترات الصفراء كانت نتيجة لسيادة الرعب السياسي في البلاد، والخبط الثقافي والقرف السياسي والخلط الفكري، المؤدية إلى تفشي مظاهرالفقر البشع "الثالثي"في البيوت الفرنسية" المتحضرة" التي طالت كل شرائح الشعب الفرنسي من الفقراء ومن والطبقة المتوسطة المرتعبة من مظاهر الفقر "الثالثي" الذي أخذ يطبع-منذ فرانسوا ميتيران- الحياة الإقتصادية والإجتماعية، التي أوصلت الشعب الفرنسي- في عام 2018- إلى الحضيص عبرمشاريع ماكرون "المافيوزية"– المبهمة الأسباب والمجهولة المقاصد والأهداف- حيث لا يوجد أي تبريرعقلاني لغلق المستشفيات العمومية المجانية-و خاصة في الأرياف الفقيرة (وإحلالها بالمصحات الخصوصية على الطريقة الأمريكية مما أدي إلى تزايد عدد الموتى في القري والمناطق النائية بسببب "تشطيب المرافق الطبية المتقدمة الحكومية المجانية) إضافة إلى مفاجئة ماكرون الجميع بمشروعه الإجرامي بإزالة صندوق الضمان الإجتماعي(الذي هو مفخرة فرنسا دوغول الذي تميزت بها فرنسا دون سائر بلاد العالم المتحضر )

إضافة إلى تخلي "النخب الفكرية" الفرنسية عن مبادئها وخيانة الاحزاب اليساروية و"التقدمية" لقضايا الشعب والعمال، عندما تأمركت تلكم الأحزاب في الشأنين الداخلي والخارجي أكثرمن الأمريكي، وتأسرلت الأكثرمن الإسرائيلي أطلسية أكثرمن الأطلسي، وأكثر ليبرالية من الرأسمالي التقليدي، -إنها طامة القرن الواحد والعشرين أكثر القرون طرا نشرا للزيف والبهتان والأراجيف-كما فصلت في ذلك عبر مقالاتي منذ عالم 2005-

- والنتيجة أنه لم تعد"المعارضة " في فرنسا -بكل توجهاتها سوى ديكور، وأصبح قادة كل الأحزاب مجرد حيوانات مفترسة متربصة بالطريدة الضعيفة، التي هي الشعب الذي فقد الأمل في نخبه ومفكريه وسياسييه مبدعيه وأحزابه الذين الذين أضحى معظمهم مجرد أغبياء مفيدين" للنظام")، لتصبح حركة السترات الصفراء هي بحق التي تمثل المعارضة والشعب وفرنسا الإقصاء في فرنسا العميقة في المدن البعيدة عن باريس "عاصمة الزيف والبهرجة والأنوار الفاقعة" التي تخفي معاناة الأرياف وإضطهاد ثقافتها وأعرافها، في مواجهة مصيرية أمامية ومباشرة مع الدولة المتعفنة حنى النخاع بنخبها السياسية والفكريية والإعلامية، حيث أصبحت حركة السترات الصفراء- منذ تظاهرتهم في الأسبوع الثالث- يرفضون أي مزيد من التفاوض مع "صبي روتشيلد" ولا يقبلون عن إستقالته بديلا

- معضلة ما كرون المأساوية هوأنه يتصرف مثل إله أغريقي يطل على الرعية من أعالي جبال الأولمب:حقرشعبه، وسامي بنفسه إلى مستوى يوليوس قيصرروما وببسمارك أوروبا، ونابلوليون فرنسا، فأنزله ذوو السترات الصفرإلي حقيقة ما يساوي، لخصها لنا المفكروأستاذ علم الإقتصاد"إتيان شوار"Étienne Chouard في جملة قصيرة:" ماكرون هو قصة التدليس السياسي والفكري الغربي، ودراما نصب" النخب الغربية" على العالم، وخيانة قضايا الشعوب المنهوبة والمسلوبة الإرادة، والنموذج الأمثل للتبعية لمجموعة بروكسيل، والأطلسي، ومعرضا صارخا للصوصية رهن البلاد لأبناك روتشيلد" ... !

أما عندي أنا !، فلا أملك من القول إلا كما قال" أبو حارث المحاسبي" أحد متصوفي وزهاد العراق الأوائل، ومن شيوخ إبن حنبل، حين قال: "الباغي باحث عن مدية حتفه بظلفه، ومتردد في مهاوي تدميره بمساوئ تدبيره، ولكل عاثرراحم إلا الباغي، فإن القلوب مطبقة الشماتة بمصرعه"....وهذا كلام لا يستوعبه عديمو الجدوى من السياسيين، ولايعلقه البغاة ولا الطغاة من الحكام المتجبرين !

 

د. الطيب بيتي

 

في المثقف اليوم