آراء

قاسم حسين صالح: العراقيون.. شعب مضحوك عليه!

بالمختصر.. الفرق السيكولوجي الكبير بين الشعب العراقي زمن النظام الدكتاتوي و زمن النظام الديمقراطي، ان العراقيين كانوا زمن النظام الدكتاتوري تحت سيطرة حاكم سادي،فكانوا مجبرين على طاعته بحال تحققت فيه معادلة (سادية حاكم مقابل مازوشية شعب)، وانه تحرر بعد التغيير من المازوشية وما عاد خائفا من الحاكم.. ولكن في مفارقة تحققت فيه معادلة (حكام فاسدون مقابل شعب مضحوك عليه!).

تعني المضحوك عليه.. المخدوع، المستغفل، وتعني المخدوع ان الخادع يظهر له خلاف ما يبطن وان المخدوع يصدق بالظاهر . ومعنى المستغفل هو الأنسان الساذج البسيط الذي يثق بآخر يعده بما يتمناه او يريده ويعمل نقيض ما وعد.

قصدنا من هذا الموضوع ان العراقيين مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات .. فهل سيبقون بعد توالي خيباتهم لعشرين سنة.. مضحوكا عليهم؟!

كانت اول (ضحكه ) و أول (استغفال) للعراقيين يوم جاء من سلمت لهم اميركا السلطة في 2003 وعزفوا على الوتر الطائفي.ويومها راحت ملايين من جماهير محافظات الوسط و بغداد تهزج بانتصار.. الضحية: (صارت عدنه وما ننطيها) !

وكانت اكبر ضحكة واستغفال لمعظم العراقيين يوم تشكلت في 2006 اول حكومة دستورية .فلقد استبشرت جماهير الشيعة تحديدا بتولي حزب الدعوة اعلى سلطة بالدولة.وحصل ان المضحوك عليهم والمستغفلين الذي صبروا وانتظروا،اكتشفوا انهم ضحك عليهم واستغفلوا فخرجوا بمظاهرات وهزجوا (الله واكبر ياعلي الأحزاب باكونه).

المضحوك عليه.. يبقى مضحوكا عليه!

في انتخابات 2010 تأكد للعراقيين انهم مضحوك عليهم (مخدوعون!)،وانهم كانوا يعرفون الحكام والقادة السياسيين الذين يضحكون عليهم، ومع ذلك فانهم اعادوا انتخابهم!.ومع ان الدكتورحيدر العبادي اعلن يوم اصبح رئيسا للوزراء في 2014 انه سيضرب الفساد بيد من حديد.. ولم يضرب، معترفا بان الفساد في العراق صار مافيا تمتلك القوة والمال والفضائيات .ومع كل هذا البلاء.. فان العراقيين اعادوا انتخابهم!. وبوتثيق أدق فأن 20% منهم بقوا مضحوكا عليهم،و 80% اكتشفوا انهم مضحوك عليهم فامتنعوا عن التصويت.ومع ايجابية هذا الاكتشاف المتأخر،فان امتناعهم عن التصويت اتاح الفرصة للمضحوك عليهم بان ياتوا للبرلمان بمن ضحكوا عليهم!. والأغرب، ان من ضحكوا عليهم يعيشون مرفهين فيما هم بدون كهرباء في عصر الغليان الذي يتصدره العراق عالميا!.

وحكام العراق يتباهون بان لديهم برلمان ديمقراطي انتخبه الشعب، فيما برلمان (2010) مثالا، فاز فيه 15 نائب فقط باصواتهم، فيما الباقي (اكثر من 200 نائبا) لم ينتخبهم الشعب بل فازوا باصوات تصدقت بها قوائمهم بينهم معمم حصل على 79 صوتا وصار نائبا!، ظهر في الفضائيات يحمد الله ويشكره على حياة الرفاهية التي يعيشها العراقيون!،وما كان ليفعل هذا الا بعد ان جعلوا العراقيين شعبا مضحوكا عليه.

ومع ان حكومات العراق واحزاب السلطة بكل مسمياتها ومكوناتها الأجتماعية سرقوا المليارات،وبينهم من حولوا عبر البنك المركزي العراقي ملايين الدولارات على دفعات لجهات (مجهولة!) وافقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط في بلد يعد الأغنى بالمنطقة،فان العراقيين يعيدون انتخابهم ويعرفون انهم مضحوك عليهم!

واذا صح ان انتخابات مجالس المحافظات ستجرى بموعدها المحدد في الثامن عشر من ايلول المقبل، واذا صح ان التيار الصدري لن يشارك فيها !، وكذلك تيار محمد شياع السوداني، وان الأحزاب الجديدة(281 حزبا!) وقوى التغيير والديمقراطية ستبقى غير موحدة.. فان من ضحك على العراقيين واستغفلهم عشرين سنة،سيفوزون في اختيار محافظي المحافظات ومسؤولي المحافظات التنفيذين الذين يتمتعون بصلاحيات الاقالة والتعيين واقرار خطط المشاريع .. وستبقى كل ابواب ونوافذ الفساد التي ضحكوا فيها على العراقيين في كل محافظاته.. مفتوحة،لتوصلنا الى فاجعة تجسدها هذه الحقيقة:

ان العراقيين هم اكثر شعوب البلدان النامية المضحوك عليه.. سياسيا واخلاقيا ودينيا.. وسيبقى عشرين اخرى مضحوكا عليه ما دام حيتان الفساد يبقون.. هم الدولة!.

***

أ.د.قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم