آراء

الأبعاد الحقيقية للغزو الأمريكي لأفغانستان (6)

محمود محمد عليفي هذا المقال السادس نعود ونكمل حدثنا عن البعد الحقيقي لعزو الولايات المتحدة لأفغانستان وذلك عقب أحداث 11 سبتمبر مباشرة، وفي نناقش: البعد الثالث وهو البعد الاقتصادي، وفي هذا نقول: في عام 1994م أصدر البيت الأبيض وثيقة بعنوان "استراتيجية الأمن القومي للارتباط والتوسع ”" National Security Strategy For Reengagement and Enlargement ” والتي تتحدث عن إمكانية اسـتخدام نفط بحر قزوين من أجل تنويع مصادر الإمداد بالطاقـة في سبيل تقليص الاعتماد الأمريكي على بترول الخليج العربي، وذلك من خلال تشجيع منتجين ومصدرين جددين للأسواق الأمريكية، فالاعتماد على بترول الخليج وحده أمر محفوف بالمخاطر في ظل التوترات التي تعيشها المنطقة آنذاك .

ومـن هنـا جاء الاهتمام الأمريكي بمفهوم "أمن الطاقة، وبالتـالي برز بترول بحر قزوين باعتباره البديل الأمثل، حيث تـشير تقديرات وزارة الطاقـة الأمريكيـة إلى أن الاحتياطيـات المحتملة، لنقط بحر قزوين تـصل إلى 200 برميل، وهو رقم يقترب كثيراً مما لدى السعودية صاحبة أعلى احتياطي نفطي في العالم (69 مليار برميل)، أما من حيث التوزيع فإن مجموع ما تنتجه ثلاث دول هي أذربيجان، وقازاقستان، وتركمنستان، يصل إلى 5 ملايين برميل يومياً، في حين يتركزالقدر الأكبر من الاحتياطيات النفطية في كازاخـستان وأذربيجـان، وإلى حـد أقـل أوزبكستان، وتشير تقديرات عدة إلى أن أكثر من نـصف الثروة النفطية المحتملة في المنطقـة يقـع في كازاخـستان، وبتقديرات الحكومة الأمريكية يتوقع بلوغ الإنتاج النفطي في كل من كازاخستان وتركمنستان وأوزبكستان بحلـول عام 2010م إلى مستوى 5.4 مليون برميل إذا ما أزيلـت العقبات السياسية.

ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الغزو الأمريكي لأفغانستان لم يكن مجرد رد فعل تلقائي على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لأن التحضيرات وخطط العمليات العسكرية، كانت مجهزة من قبل، فالغزو كان سيحصل تحت أي مسوغ لأهمية وضع أفغانستان في الجغرافيا السياسية لأوراسيا الذي هو عبارة عن محيط للثروة النفطية التي تتصارع عليها القوي الإقليمية والدولية، لأن المنطقة تحتوي على 60 % من الناتج العالمي، فالسيطرة على أفغانستان ستفتح الطريق إلى آسيا بعيدا عن السيطرة الروسية، بالإضافة إلى التحكم في التوازنات الإقليمية في المنطقة من خلال مراقبة نمو القوي النامية التى تعد بمثابة تهديد للمصالح الأمريكية في العالم (الصين، روسيا، الهند)، أضف إلى ذلك تأمين أنابيب النفط والغاز الآتية من آسيا الوسطي عبر أفغانستان وحماية المشاريع الكبري، فيما يخص إنشاء أنابيب نفط جديدة، مثل: مشاريع شركة "أتوكال" في تركمانستان ونقل النفط عبر أنابيب متوجهة إلى المحيط الهندي عبر أفغانستان، بهدف الالتفاف على روسيا وإيران، من أجل نفط بحر قزوين دون الاعتماد عليها .

كما يلاحظ أن هناك ارتباطاً مادياً ومعنوياً بين الغزو الأمريكي لأفغانستان، وبين مضامين السياسة الخارجية الأمريكية وانعكاس ذلك على أمن المنطقة، وخاصة القوقاز، فقد احتلت هذه المنطقة أهمية كبيرة منذ منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي في مرتكزات السياسة الأمريكية، وأعلنت الأخيرة أن هذا الإقليم يمثل عمقاً حيوياً لمصالحها الاستراتيجية، وأنها تتطلع إلى تطوير الديمقراطية، وخلق اقتصاد السوق الحرة، واحتضان السـلم والأمـن والتعـاون، وإدمـاج هـذا الإقلـيم بمنظومـة الأمـن الجماعيـة الدوليـة، فوجـود الولايـات المتحـدة فـي أفغانستان حمل ويحمل بين طياته هدفاً استراتيجياً، ضد دول الجوار (القوقاز) من أجل احتواء روسيا وإقصاء إيران ومراقبة الصين، وتغطية تحتية قائمة على التعددية الجيوسياسية في القوقاز من جنوبه وانتهاءً بشماله وإنشـاء منظومـات لممـرات نفطيـة أورو- آسـيوية لا تمـر عبـر الأراض الروسـية والإيرانيـة والصـينية، وبـذلك تتوجس روسيا خيفة من أن الولايات المتحدة تهدف إلى طردها من دائرة تنمية الطاقة القوقازية، ولذا لا غرو أن نجد هناك تلاقياً للمصالح الايرانية – الروسية ضد تنامي النفوذ الأمريكي في القوقاز وبحر قزوين .

وتمثل موارد الطاقة في منطقة القوقاز وبحر قزوين مصدراً هاماً للطاقة الرخيصة، كما يقلل الاعتماد على نفط الخليج العربي في إطار المسعى الأمريكي لتنويع مصادر الطاقة من النفط والغاز الطبيعي، ومن أجل هذا الغرض قام البيت الأبيض في عام 1994 بإصدار وثيقة بعنوان (استراتيجية الأمن القومي للارتباط والتوسيع)، وقد نصت هذه الوثيقة على إمكانية استخدام نفط وغاز بحر قزوين من أجل تنويع مصادر الطاقة، مما يؤدي إلى تقليل الاعتماد الأمريكي على مصادر الطاقة من منطقة الخليج العربي، وقد ذكرت تقارير وكالة الطاقة الدولية كيف تطورت مراحل سيطرة الشركات الأمريكية على موارد الطاقة في المنطقة، وذلك على النحو التالي :

1- ففي /24/ 10 1993 تم الاتفاق بين الحكومة الأذرية والكونسورتيوم الذي يضم عدد شركات النفط المحلية والدولية والأمريكية على استثمار حقلي Chirag-Azeri وقد بلغت حصص بعض الشركات الأمريكية في هذا الكونستوريوم، مثل شركة أمكو Amoco حوالي 17.1% وكان نصيب شركة يونيكال Unocal حوالي 15 % وشركة بانازول Penzoil حوالي 9.81 % من المشروع.

2- في /14/ 08 1994 قام الرئيس الأذربيجاني بزيارة واشنطن واتفق على توقيع ثلاث عقود مع كل من الشركات الأمريكية Exxon - Mobil-Chevron، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية تعاون مع شركة Amoco الأمريكية هذه الاتفاقية تتيح للشركة الحق الاستثنائي في إجراء المباحثات وقد نص حول حقل Inam، وقد نص العقد الأول على استكشاف واستثمار حقلApshereon جنوب بحر قزوين والذي بموجبه حصلت شركة Chevron على 30 %من المشروع والحق في ممارسة عملية التنقيب، أما العقد الثاني فيهتم بالتنقيب في حقل Tagiev.Z بواسطة شركتينExxon- Aioc، حيث تحصل كل منهما على 50 %من أسهم المشروع، أما العقد الثالث فتم توقيعه بين شركتين Aioc -Mobil بخصوص حقل Ogaz الموجود شرقي باكو وينص هذا المشروع على تكافؤ المساهمة بين الشركتين الأمريكيتين والأذربيجانية، لكنه يعطي الحق في مباشرة عملية المشروع إلى شركة "موبيل" الأمريكية .

3- وفي 2/12/1995 بدأت شركة Caspian International Company في عملها في أذربيجان، حيث قامت بعملية استكشاف في حقل "كاراباخ" وهي شركة أمريكية مشتركة وفي الفترة 6-9/4/1997 عقد مؤتمر في دالاس حول منطقة بحر قزوين .

4- عرضت فيه شركة "هوستن" Houston أكبر مجموعة من التقارير والخرائط وقواعد البيانات حول منطقة بحر قزوين، وفي 11/ 05 /1998 قامت وكالة الطاقة الأمريكية بعقد مؤتمر حول احتياطات الطاقة في منطقة بحر قزوين وأجرت مسحا استراتيجياً للمنطقة، وفي 11/ 05 /1998 وضعت شركة "سوكار (Socarتقريراً حول كمية الغاز الطبيعي القابلة لاستخراج وقدرتها بحوالي 15 مليار م3 وفي 20/5/1998، شركة قدمت "First Exchange Crop" (FEC) عدة مشاريع استثمارية في بحر قزوين وخاصة في كل من كازاخستان وأذربيجان وتركمنستان .

5- وفي يومي 25- 26/ 06/ 1998 عقد مؤتمر دولي في مركز التجارة العالمي في نيويورك من أجل بحث مشاكل النفط والغاز الطبيعي وخطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي في منطقة بحر قزوين، وفي 13/ 11 /1998 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تمويل مشروعات البنية التحتية اللازمة لصناعة النفط والغاز الطبيعي في تركمنستان .

6- وفي 11/ 10/ 1999 شرعت شركة "شيفرون" Chevron الأمريكية بالتباحث مع حكومة كازاخستان على صفقة شراء 25 % من استثمارات حقل تنجيز "Tengiz "وفي 02/ 11 /1999، قامت الولايات المتحـدة الأمريكية بتقديم منحة تقدر قيمتها بـ 425 ألف دولار لدراسة إمكانية إنتاج وتطوير حقول الغاز في أذربيجان حيث تقوم بهذه الدراسة شركة Enron .

يتضح لنا من العرض السابق لنشاط الشركات الأمريكية في منطقة القوقاز وبحر قزوين مدى اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على موارد الطاقة في المنطقة، كما أنها لم تكتف بتواجد شركاتها النفطية في المنطقة، بل سعت إلى السيطرة على منابع النفط والغاز الطبيعي في المنطقة، بالإضافة إلى رغبتها في السيطرة على أنابيب نقل النفط والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية، حيث قامت بتنويع طرق تصدير النفط والغاز الطبيعي عبر عدة دول حول منطقة بحر قزوين، وقد جاءت هذه السياسة بهدف التحكم في سيطرة روسيا وإيران على موارد الطاقة في المنطقة .

وهنا يمكن القول بأن حقق الغزو الأمريكي لأفغانستان عدة مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة أهمها:

أ- السيطرة على نفط بحر قزوين:

إن أحد الدوافع الرئيسية الغزو الأمريكي لأفغانستان هو السيطرة على منطقة قلب آسيا المليئة بالنفط، بما يضمن تنويع مصادر الطاقة العالمية وتقليل الاعتماد الأمريكي على نفط الخليج العربي الذي يصعب السيطرة عليه حيث يعد بحر قزوين ثالث أكبر احتياطي للنفط والغاز الطبيعي في العالم، لاسيما وأن الفريق السياسي الجمهوري الذي أدار الحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان، هو نفسه الذي خاض- قبل عشر سنوات- الحرب في الخليج من أجل النفط (آل بوش – ديك تشينى- كولن باول)، ومن ثم يجيئ تحالف بوش – تشينى السياسي من خلفية تحالف المصالح البترولية .

وجدير بالذكر أن معهد النفط الأمريكي في واشنطن والذي يعتبر صوت شركات النفط الرئيسية اعتبر إقليم بحر قزوين الغنى بالنفط بديلاً لنفط الشرق الأوسط، وتختلف التقديرات المتنوعة في تقييم حجم الاحتياطات التي يمتلكها بحر قزوين من النفط والغاز، وإن اتفق الخبراء على أن المنطقة تأتى على الصعيد العالمي بعد منطقة الشرق الأوسط وقبل بحر الشمال، من حيث الاحتياطات وفقاً للتقديرات التي قدمتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن حجم الاحتياطي النفطي المؤكد لبحر قزوين يصل إلى 10 بلايين برميل والاحتياطي المحتمل بليون برميل، كما تتميز المنطقة بوجود كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث يصل الاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي إلى 170,4 تريليون متر مكعب، وقد بلغت صادرات منطقة بحر قزوين من النفط خلال عام 2001م حوالى 920 ألف برميل سنوياً .

إن هاجس السيطرة على منابع النفط عالمياً غدا متحكماً في توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ومن ثم مبرراً لغزو أفغانستان التي وإن افتقرت في ذاتها إلى الثروة النفطية، إلا أنها تقع على تقاطع طرق تصدير هذه الثروة صوب الغرب .

2- دعم مصالح شركات النفط الأمريكية:

يمكن القول بأن مصالح شركات النفط الأمريكية قد شكلت ضغطاً متزايداً على الإدارة الأمريكية، للقيام بدور قيادي أكثر في دول جنوبي القوقاز وآسيا الوسطي، لا سيما في ظل تنامى مصالح شركات النفط الأمريكية منذ النصف الثاني في عقد التسعينيات، وكان لزاماً على الولايات المتحدة ترجمة هذه المصالح الواسعة إلى أهداف سياسية، بما يكفل حصول الشركات الأمريكية على أكبر حصة ممكنة من كعكة بحر قزوين النفطية، وهنا لنا أن نؤكد على أهمية "موقع أفغانستان" في إطار هذا التحرك الأمريكي للسيطرة على نفط منطقة بحر قزوين التي غدت بيئة مواتية لتنافس اقتصادي محتدم بين بعض الشركات النفطية العالمية في الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، والخليج، وآسيا التي تتولي مشروعات إنتاج النفط في جمهوريات آسيا الوسطي، وتوصيله إلى الأسواق العالمية .

ولعل أبرز الحالة الدالة على مثل هذا التنافس المحتدم أو الصراع بالأحرى، تلك التي طرفاها الأساسيان شركة "بريداس" الأرجنتينية من جانب وشركة "يونكال" الأمريكية من جانب آخر من أجل مد أنبوب مشترك من تركمانستان إلى أسواق الغاز في شبه القارة الهندية، وإلى مجمع لتصدير النفط بالقرب من كراتشي في باكستان لأن هذا الأنبوب المشترك كان من المفترض أن يمر عبر إقليم غرب أفغانستان الى كانت تسيطر عليه طالبان في ذلك الوقت .

وبإلإضافة إلى ذلك فقد تم إعلان الحرب الأمريكية على أفغانستان بعد أسبوع من إعلان "شيفرون وتكساكو" (وهما من كبري شركات النفط الأمريكية) عن اتحاد بينهما في هيئة كاتل بلغ حجم ميزانيته 100 مليار دولار واحتياطاته الصافية 11,5 مليار برميل من النفط وإنتاجه 2,7 مليون برميل من النفط ويدخل حقل "تنكيز" النفطي في كازاخستان والذي لا يبعد كثيراً عن أفغانستان في إطار شبكة الإنتاج النفطي لهذا الاتحاد، وهو ما يعد مسوغاً إضافياً لاحتلال أفغانستان . وللحديث بقية !!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم