تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

محمود محمد علي: عمرو موسي .. رجل دولة أم ناشط سياسي؟

فاجأني عمرو موسي عندما خطب لنا خطبة عصماء في جلسة الحوار الوطني والتي انعقدت في الرابع من مايو 2023، وكأنه ألقى كرة من اللهب، وذلك حين تكلم فيما لم يتوقعه كثيرون، وكان مسكوتا عنه طوال السنوات الماضية، فيما يتعلق بفقه الأولويات والحريات والحقوق، وتحميل الحكومة المسؤولية عن الأزمة الراهنة.

في كلمته، قال موسى إن الناس يتساءلون "ماذا جرى وماذا يجري؟ وأين فقه الأولويات في اختيار المشروعات؟ وأين مبادئ الشفافية؟ وما حالة الديون المتراكمة ومجالات إنفاقها وكيفية سدادها؟ خاصة أن الاقتصاد متعب ومرهق".

وقبل أن يفيق الحاضرون من وقع التساؤلات، أضاف موسى -الذي ترأس لجنة الخمسين التي أعدت دستور البلاد عام 2014- أن "الناس يتساءلون عن الحريات وضماناتها، والبرلمان وأدائه، والأحزاب وآلياتها، وعن الاستثمار وتراجعه وهروب الاستثمارات المصرية لتؤدي وتربَح في أسواق أخرى، كما أن الناس يتساءلون عن التضخم والأسعار إلى أين وإلى متى".

وانتقد موسى -الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق- أيضا السياسات الأمنية في مصر، متسائلا "هل سيطرت السياسات الأمنية على حركة مصر الاقتصادية فأبطأتها وقيدتها؟ هل شلت البيروقراطية المصرية حركة الاستثمار فأوقفتها".. وطرح علامة الاستفهام الكبرى بشأن المحبوسين، بقوله "الناس يتساءلون عن مصير المحبوسين احتياطيا… آن الأوان للتعامل المباشر والفوري والشامل مع هذا الملف لنغلقه نهائيا.. ونتوجه إلى ما هو أهم وأبقى".

هذا الخطاب الذي ألقاه عمرو موسي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يفوق الخيال، حيث وصفه البعض بأنه "رسالة نارية" من "فارس الدبلوماسية المصرية .. ضرب فأوجع".. وقال آخر أن موسى قدم توصيفا دقيقا للحالة المصرية، مطالبا الحكومة بالإنصات لصوت العقل والحكمة، مضيفا "إنا لمنتظرون".. بينما قال آخرون إنه كلام تأخر كثيرا، خاصة ما يتعلق بـ"فقه الأولويات للمشروعات الحكومية".

أما من وجهة نظري، فالأمر يختلف، لا سيما وأنني هنا أمام عمرو موسي الناشط السياسي وليس عمرو موسي رجل الدولة، وشتان ما بينهما، فعلي حد علمي أن رجل الدولة هو الرجل الذي يرتفع فوق مصالحه الشخصية، ويمتلك رؤية واسعة الأفق بعيدة الأمد لمصالح بلاده لتنهض بأحوالها وترقى بأوضاعها على الصعيد العالمي، فتمنحها مؤسسات مستقرة، وتصلح من شئونها وترفع مكانتها بين دول العالم، هؤلاء بالطبع سياسيون، ولكن البصمات التي تركوها في تاريخ مجتمعاتهم تؤهلهم لأن يطلق عليهم رجال دولة من أمثالهم: بانديت جواهر لال نهرو في الهند الذى ساهم في تشكيل نظامها السياسي الديمقراطي وسياساتها الخارجية، وشارل ديجول في فرنسا والذى أرسى دعامات الجمهورية الخامسة واختط لبلده سياسة أوروبية قائدة ومستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية.

وعندما نتأمل تاريخنا المصري منذ بدايات الحركة الوطنية والديمقراطية فى أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر نلحظ على الفور أن مصر كانت تزخر بالعديد من رجل الدولة والشاغل لمناصب السياسية، والذي يتمتع أيضا بصفات السياسي من حيث قوة الحجة وبراعة التعبير والقدرة على التواصل مع المواطنين، سواء من تولوا مقاليد الحكم أو من نشطوا في المجال العام.

وقد كان عمرو موسي الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية واحدا من هؤلاء، ثم ارتد بعد أن فقد كل مناصبه السياسية، فتحول إلى ناشط أقرب إلى الراهب التي يهب حياته وجهده ووقته وكيانه للقضية التي يؤمن بها .

وعندما جيئ به في جلسات الحوار الوطني ليقول كلمته رأيناه يريد أن يلبس عباءة مارتن لوثر ونيلسون مانديلا اللذان أفنيا أعمارهم في مجال مكافحة التمييز العنصري ونشر افكارهم ومعتقداتهم ونشرها بين مؤيديهم وان ينافسونهم على هذا اللقب بمجرد كتابة خاطره في مدونه او كلمه على مكبر صوت ويسجلوا لقب مناضل سياسي وبكل كفاءه، وذلك من خلال فكرته عن «الناشط السياسي» الذي تكوّن في أفق الحياة المصرية بشكل واضح بعد أن احتلت الجماهير الغاضبة ميدان التحرير لإجبار مبارك على الخروج من السلطة. وقتها وجد عشرات الشبان والفتيات أنفسهم أمام الكاميرات المسلطة عليهم.. تطلب منهم أن يتحدثوا وأن يفسروا ما يحدث وعن أهدافهم. ومن خلال هذا الحراك الشعبي والغياب الحزبي، فبرز عمرو موسي الناشط السياسي .

أتساءل ماذا لو كان عمرو موسي أثناء إلقاءه الخطاب شاغلا لمنصب رئيس الوزراء، هل سيقول ما قاله، أم لا ؟ .. والإجابة في بطن الشاعر، والشاعر هنا عمرو موسي، والذي أقول له: " لقد عودتنا أنك رجل دولة وليس ناشط سياسي، ولكنك تصر أن تكون ناشط سياسي .. التاريخ لا يصنعه النشطاء، ولكن يصنعه العظماء، وقد عرفناك عظيما، فلا تختم حياتك بنفاق ولا تبرز عنتريتك بإجتراء، وكن مثل القادة الصامتين الذين عاشوا كي يؤدوا الأمانات إلى أهلها، فلم تلههم تجارة ولا بيع للغالي بالرخيص ولا بخلط اللبن بالماء، ولا التصنع بقيام أدوار ورسم أبطال كرتونيين (من ورق)  في الفضاء الإلكتروني.

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

في المثقف اليوم