آراء

عبد السلام فاروق: السقوط العظيم!

ثمة أربعة أصنام آيلة للسقوط قريباً وفى غضون سنوات أو شهور..

أعلم أن كل الذين ينتمون لتلك الأيدولوجيات سوف يخالفوننى الرأى لكن لا بأس. إننى أتوقع وأزعم انهياراً وشيكاً لأربعة تابوهات لا لأمنيات خاصة ولا لرغبة دفينة، بل هو استقراء لواقع نراه ونعايشه. تلك الأصنام الأربعة هى: الليبرالية، والصهيونية العالمية، والمؤسسات الدولية، والإعلام العالمى. وسوف يكون السقوط سريعاً ومدوياً. واستبدال تلك الفلسفات والهيئات لحظة سقوطها رهن بمن أعدوا البديل!

الليبرالية والصهيونية

إن أغرب ما كشفته لنا عملية طوفان الأقصى السابع من أكتوبر أن بين العرب أنصار وذيول للصهيونية العالمية، وأن هناك خط تماس رفيع يفصل بين الصهيونية والليبرالية المزعومة.

المدخل الفلسفى لليبرالية يبدو لأول وهلة جذاباً ملهماً كدعاوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم تكتشف أنها قشرة رقيقة زائفة تخفى وراءها القبح كل القبح. فها هى الولايات المتحدة الأمريكية راعية الليبرالية العالمية وحاضنة الصهيونية تلقى بكل قيم الحرية وحقوق الإنسان عرض الحائط لأجل إسرائيل.

لكن دعنا من صهاينة الغرب ودعونا نلتفت لما فعلته الليبرالية بنا فى عالمنا العربي..ها هى الليبرالية الاقتصادية تشيع ثقافة الاستهلاك والجشع والتطلع للرفاهية من أى طريق وبأى شكل، هكذا سادت ثقافة الاحتيال والنصب والغش والقوادة والتسول والاختلاس، وأصبحت البطالة هى الأصل بين الشباب والعمل هو الاستثناء! وفى ظل ثقافة الحرية بات كل شئ مباح وكل المبادئ رجعية وتخلف فتسربت للشباب عادات الغرب جميعها من إباحية إلى ميوعة إلى شذوذ وخمور وميوعة ودياثة وخواء فكرى.

ثم إن فقراء الجيل القادم يأتون بيأسهم وبؤسهم ويكتشفون أن طريقهم للمستقبل المأمول مسدود، فتلتهمهم عصابات السطو أو يسقطون فى هوة المخدرات السحيقة.

إن كل ما يتعلق بالليبرالية وقيمها فاسد ملوث حتى الفنون، تلك التى هوت إلى الدرك الأسفل من الذوق، فغدت لا تقدم إلا كل ما هو ممجوج ومثير للاشمئزاز.. بدءاً من كليبات العرى وإثارة الغرائز إلى أفلام العنف إلى موسيقى عبدة الشيطان. ولم يعد لمثل هذا الطريق الهابط من نهاية ممكنة إلا الزوال والمحو.

انفراط العقد

مشهد النظام العالمى الذى اعتدناه لعشرات السنين بدأ يتفكك وينحل!

أول صور هذا التفكك بدأت منذ وباء كورونا، أى منذ 3 سنوات مضت، عندما تزعزعت الثقة فى منظمة الصحة العالمية وبياناتها الرسمية المشكوك فى صحتها، إما بسبب التدخل السياسي وإما بسبب ضعف الفاعلية بغياب الداعمين! وارتفعت أصوات عالية فى أوروبا والأمريكتين تندد بتلك المنظمة التى انكشف كذبها وافتضح أمرها. واتضح أن الدعم الصحى الوحيد النافع لأوروبا قادم من الشرق الأدنى، من الصين!

ثم جاءت حرب روسيا وأوكرانيا ثم حرب السودان ثم حرب إسرائيل ضد غزة.. وفى جميع تلك الحروب لم نرَ تأثيراً يُذكر للأمم المتحدة كأنها زالت من الوجود. وبات تأثيرها الوحيد هو كشف انشطار عالم السياسة إلى شطرين، قسم غربي تتزعمه أمريكا وحلف الناتو، وقسم شرقى بقيادة الصين ودول البريكس.. وفى حين يتقلص الحلف الأمريكى ببطء، يتمدد حلف الصين بسرعة لدرجة انسلاخ الغرب الإفريقي من سيطرة فرنسا لصالح روسيا والصين!

وها هو صندوق النقد الدولى يلعب لعبته الأثيرة فى إفقار الدول وتركيع البلاد وإغراق الشعوب فى مستنقعات الديون، ولن تكون الأرجنتين آخر ضحاياها، ولا أول المقترضين العاجزين عن السداد!

ثم تعال إلى محكمة العدل الدولية فلا عدل ولا قدرة ولا فاعلية إلا ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية، والمنتظر لحكم محكمة لاهاى كالمنتظر لحكم قراقوش، فالقول للمحكمة والفعل لأمريكا!

حتى ناسا تكررت أخطاؤها الكارثية وتوقعاتها الباطلة، لدرجة أنها انجرت لألاعيب السياسة، وحذرت العالم من توقف الإنترنت منذ شهر ولم يحدث شئ. إنها منظومة عالمية آيلة للسقوط، وقد آن الأوان لاستبدالها بمنظومة أخرى وأيديولوجيات مغايرة وفلسفات سليمة ورؤى تقدم حلولاً حاسمة لمشاكل العالم وأزمات الدول والشعوب.

عصر الإقطاع الرقمى

وآخر الساقطين فى اختبار حرب غزة كان الإعلام العالمى، وهو سقوط تشهد عليه الحشود الرافضة للكذب، المناصرة للقضية الفلسطينية فى كل عواصم أوروبا من لندن إلى باريس إلى برلين!

وإذا كان الإعلام العالمى الرسمى متمثلاً فى الصحف والإذاعات والفضائيات الإخبارية بات لعبة فى يد إسرائيل منذ بداية معركة طوفان الأقصى، فإن مقطعاً مدته 10 دقائق يومياً تبثه المقاومة الفلسطينية ينسف الرواية الإسرائيلية نسفاً. إنها ساحة معركة بين فريقين، وهناك مشجعون لكلا الفريقين فى ساحات وميادين العالم فكم مظاهرة تؤيد إسرائيل؟ وفى المقابل كم عدد الملايين فى كل مظاهرة تدعم فلسطين فى كل العالم؟ الغريب أن المظاهرات المليونية فى قلب إسرائيل تعارض ما تفعله إسرائيل؟ فمن الفائز بالمعركة ومن المهزوم؟!

ولو ألقينا نظرة على الإعلام الرقمى والسوشيال ميديا فنحن أمام مشهد مختلف.. فالتعتيم لا يجدى نفعاً، وأعلام فلسطين تملأ شاشات اليوتيوب ومنصات فيسبوك وأكس وتيك توك وتيليجرام. ورغم كل القوانين الحاكمة تصل كلمة الحق إلى الأسماع فى كل مكان رغم التعتيم والحصار والحجب.

الفارق بين الإعلام الرقمى والتقليدى كالفارق بين السياسة والاقتصاد.. فأباطرة الإعلام الرقمى مهما تقيدوا بسياسات خاصة بفئة أو حزب أو منظمة أو حتى دولة عظمى، فإن المال فى النهاية هو الحكم وهو المرجع الأول ولا يمكن لأصحاب الإقطاع الرقمى التضحية بقطاع ضخم من زبائنهم فى العالمين العربي والإسلامى بل وحتى فى باقى أنحاء العالم من مناصرى القضية الفلسطينية الذين يزدادون كل يوم لأجل حفنة من أصحاب المصالح الضيقة!

عالم السوشيال ميديا تحول اليوم إلى ما يشبه الإقطاعيات الكبري. تركة أو كعكة تم توزيعها على عمالقة التكنولوجيا فى السيليكون فالى. وكل زبائنها من مليارات المستخدمين حول العالم ينعمون بخدمات مجانية لا لشئ إلا لأنهم صاروا هم أنفسهم كعبيد المزرعة فى إقطاعيات القرون الوسطى، يحرثون الأرض ويبذرونها ، بينما خير هذه الأرض يذهب كله لأصحاب الإقطاعية!

ما أتوقعه أن الإعلام العالمى المعلب سوف يسقط مع سقوط منظومة عالمية متهالكة متداعية تنتظر رصاصة الرحمة. والبداية للإعلام التقليدى ، وقد يلحق به الإعلام الرقمى إذا سمح للسياسة أن تطغى على حسابات الاقتصاد لدى أباطرة السيليكون فالى.

مشاهد مقلقة خارج الكادر!

أعلم أن كلامى لن يعجب البعض. وقد يكذبوه، وقد يهاجموه..لكن دعونا نتذكر بعض المشاهد التى حدثت خلال الفترة الأخيرة ولها دلالات عميقة مرتبطة بما أدعيه فى هذا المقال..

مشهد الصحفى الإسرائيلي فى أشهر الصحف العبرية يغادر الصحيفة ثم يقرر مغادرة إسرائيل كلها للذهاب لبرلين أو سان فرانسيسكو بأمريكا قائلاً: " دعونا نغادر إسرائيل وننظر لها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة" ! ثم مشهد حزب المحافظين ببريطانيا ينقسم على ذاته بعد أن تدنت شعبيته لأقصى حد، ثم يتم تغيير بعض وزراء الحكومة وعلى رأسهم وزيرة الداخلية المتطرفة ذات الأصول الهندية، ثم ديفيد كاميرون الذى يعود للصورة مجدداً وزيراً لخارجية بريطانيا، كأن الدبلوماسية والأمن فى بلاد الغرب أصبحا على المحك!!

المشهد الأخير لمليونيات تم رصدها من السماء بطائرات إخبارية عمودية، تمتد فيها مظاهرات عارمة رافضة للمجازر الإسرائيلية وما وراءها من تعنت أمريكى وداعمة لفلسطين وداعية لتحررها من قبضة الكيان المحتل.. وعلى هامش تلك المظاهرات نقابات عمالية تمسك بتلابيب سفن السلاح الذاهبة للنازيين الجدد فى إسرائيل تعلن رفضها لما تفعله أوروبا من دعم لمنتهكى حقوق الإنسان !

وسوف يأتى الوقت الذى يخضع فيه الغرب لإرادة شعوب تحب السلام وتبغض أباطرة الحروب.

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم