آراء

كيف كان المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003! (1)

محمود محمد عليكانت الحرب على أفغانستان عام 2001م، والذي بلورته الإدارة الأمريكية بحرب الخليج الثانية عام 1991م، تنفيذاً لمشروع الهيمنة الأمريكية على نفط العالم؛ حيث كانت أولى خطوات تنفيذ هذا المشروع تنفيذاً البدء بأفغانستان، فهي تشكل أهمية كبيرة للخطط الأمريكية الخاصة بالسيطرة على نفط وغاز بحر قزوين، والتي تشكل المرحلة التالية في استراتيجية الإمبراطورية الأمريكية العالمية، والتي كانت تهدف من ورائها لشيئين :

أ- ضمان السيطرة على أهم وآخر الحقول النفطية.

ب- بغرض عملية عسكرية أمريكية تم من خلالها تطويق عدو سابق ومحتمل في المستقبل هو روسيا .

وبالتالي فقد جاءت أهمية أفغانستان كموقع استراتيجي لشركات النفط الأمريكية في سبيل بناء خط أنابيب عبر أراضيها لنقل النفط والغاز من بحر قزوين، مروراً إلي موانئ المحيط الهندي جنوباً، على أن نفط منطقة قزوين له سوقان رئيسيان: غرباً الأسواق الأوربية، وجنوباً الأسواق الأسيوية، أما الخيار الأول فكان يتطلب نقل النفط عبر أنابيب من الشيشان عبر البحر الأسود، مروراً بمضيق البوسفور إلى البحر المتوسط، إلا أن مضيق البوسفور كان مزدحماً بالناقلات المحملة بنفط البحر الأسود، أضف إلى ذلك أن الأوضاع في الشيشان كانت ملتهبة بالمعارك بين الروس والانفصاليين الشيشان، وهذا أدى إلى تعديل في وجهة النظر، فاختارت الشركات الأمريكية الحل الثاني ببناء خطوط عبر الأراضي الباكستانية والأفغانية.

ففي عام 2001م أي قبل ستة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وقع "ديك تشينى " الذي كان يرأس شركة "هالبيرتون" آنذاك عقداً مع شركة نفط أذربيجان في سبيل تطوير قاعدة بحرية لدعم عمليات التنقيب عن النفط في مياه بحر قزوين، فكان هذا هو السبب الحقيقي والمباشر لحرب بوش في أفغانستان، وكانت حلبة لكل من يتابع تقارير الـ "CNN "، والواشنطن بوست، فقد اجتمع السفير الأمريكي مع وزير النفط "عثمان أمين" في نوفمبر 2002م في سبيل استكمال مناقشة الخطط الخاصة بإنشاء خط النفط والغاز عبر أفغانستان وباكستان، وتشجيع باكستان على السعي لبناء محطة تحميل النفط عبر بحر العرب، وبالتالي مثلت السيطرة على أفغانستان جزءاً مهماً من لعبة الإمبريالية وسط آسيا.

بيد أن الرياح أتت بما لا يشتهى السفن، فقد فاجأت الخطط السياسية والحسابات الأمريكية، لاسيما بنفط بحر قزوين، حيث تلاشت الأحلام الأمريكية بالعثور على احتياطات نفطية هائلة يعوضها عن نفط الشرق الأوسط ولو مؤقتاً، فبحلول عام 2003م بدا واضحاً أن التوقعات الخاصة بحجم الاحتياطات النفطية في حوض قزوين، والتي وضعتها وكالة الإعلام والطاقة في واشنطن بحدود 200 مليار برميل كانت توقعات عبثية.

فقد أعلن مدير مكتب السياسات النفطية بوزارة الخارجية الأمريكية "ستيفن ماك" Stephen Mack، أن حجم الاحتياطات المذكورة لا يتعدى 50 مليار برميل، في الحقيقة إن توقعات "ستيفن مان " steven mann مبالغ فيها : فبعد حفر ثلاثة آبار استكشافية مع نهاية الحرب الأفغانية، جاءت التقارير مؤكدة وموضحة، أن منطقة بحر قزوين تضم ما بين 15-20 مليار برميل فقط، وإن كانت غنية بالغاز الطبيعي.

بعدها بدأت الشركات النفطية الكبيرة – وبشكل هادئ– تلغى خططها الخاصة بمشروع خط الأنابيب عبر أفغانستان، بعد أن تبين لها عدم جدوى هذا المشروع الضخم اقتصادياً. هذا الأمر جعل الرئيس بوش الابن ينظر للعراق فجأة، فالعراق يملك أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية، حيث تبلغ احتياطات العراق النفطية بين 112- 120مليار برميل، أى نحو 11% إلى 12 % من مجمل الاحتياطات العالمية، أضف إلى ذلك أن النفط العراقي يتمتع بميزات ربحية هائلة في الاستثمار في هذا القطاع بخاصة .

فالحقول النفطية الموجودة تعد من أغزر الحقول في العالم وأكثرها قرباً من سطح الأرض، وهذا يوفر نفقات كثيرة في عمليات التنقيب والاستخراج، كما تفيد الدراسات أن معدل إنتاج البئر في العراق يتراوح بين 10 إلى 11 ألف برميل يومياً، بينما متوسط إنتاج آبار النفط في غيرها من الدول لا يزيد عن 4-8 آلاف برميل يومياً. أضف إلى ذلك أن تكاليف إنتاج البرميل للنفط العراقي حوالى 50 سنتاً فقط مقارنة بنحو5,3 دولار في كل من السعودية، والكويت،وإيران .

ومن ثم بدأت إدارة الرئيس بوش الابن تخطط من خلال ما سمي بالاستراتيجية الجديدة، للسيطرة بصورة كاملة على النفط العراقي وأنظمته، بطريقة تسمح لها باستخدامه لاحقاً في صراعها السياسي الاقتصادي مع القوة الرأسمالية المنافسة الأخرى، وهذا إن دل على شئ، فإنما يدل على أن السياسة الأمريكية الخارجية تحرك وتدير القوة العسكرية الهائلة، بسبب اندفاعها وراء المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، متخفية وراء قضايا ايديولوجية عقائدية متلونة، وبالتالي فقد كانت السياسة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحروب التي شنتها بحجة الإرهاب، لم تكن الغاية منها سوي تحقيق مشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى فتح أسواق جديدة، أما الشركات الأمريكية الاحتكارية استكمالاً للهيمنة الأحادية على العالم والسيطرة على مقدراته .

وهنا أكد معظم الباحثين أن العراق لم يكن مستبعداً منذ اللحظة الأولى؛ حيث جري حصارها وإضعافها لمدة تزيد على عشر سنوات، فوفقاً لمداولات مجلس الأمن القومي في جلساته الأولى التي بحثت الرد على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، طرح وزير الدفاع الأمريكي "رامسفيلد" اقتراحاً بالهجوم على العراق في نفس توقيت الهجوم على أفغانستان، وهو الخيار الذي كانت وزارة الدفاع قد درسته وأعدت له قبل ذلك، وكان اقتراح رامسفيلد امتداداً لحديث "ديك تشينى" نائب الرئيس بوش الابن، والذي يري أن التركيز على "أسامة بن لادن"، أو تنظيم القاعدة لا يكفي، وإنما الأهم هي " الدول والنظم والمؤسسات التي ترعى الإرهاب .

وحينذاك حسم الرئيس بوش الابن القضية:" أفغانستان أولاً، فإذا نجحنا في ذلك ننتقل للمرحلة الثانية، وهكذا جاءت المرحلة الثانية: العراق كمقدمة لدول سبع عدتها تقارير وزارة الخارجية الامريكية، إضافة لدول غير عربية هي: كوبا، وإيران، وكوريا الشمالية.

وهنا أخذت الإدارة الأمريكية تسوق مجموعة من الاتهامات التي شكلت بحسب رؤيتها مبررات قوية، لعملية عسكرية استهدفت الإطاحة بالرئيس العراقي "صدام حسين" الذي أصبح يمثل– بحسب الادعاءات الأمريكية– تهديداً إقليمياً ودولياً، وذلك لامتلاكه برامج تسليحية للدمار الشامل. كما أنه رفض الانصياع لنظام التفتيش المفروض عليه منذ غزوه الكويت عام 1990م، كما حاولت الإدارة الأمريكية إثبات صلة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة الأصولي.

 

ويمكـن تلخـيص أهداف الحرب الأمريكية المعلنة على العراق بما يلي :

1- الادعاء بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وسعيه، لتطوير أسلحة بيولوجية، وبناء برنـامج لمثل هذه الحرب، وبأن العراق على وشك أن يصنع أول قنبلة نووية.

2- اتهام العراق برعاية الإرهاب، وبأنه يخطط لتزويد المنظمات الإرهابيـة، وخاصـة تنظـيم "القاعدة" بأسلحة دمار شامل، يمكن أن تستخدم في تهديد الأمن العالمي بشكل عام، وأمن الولايات المتحدة بشكل خاص.

3- تهديد العراق لجيرانه، كالكويت، وإيران، وسوريا، وتركيا.

4- إسقاط "صدام حسين" بالقوة العسكرية، من أجل منح "الحرية" للشعب العراقي، وإقامـة نظـام "ديمقراطي" على الطريقة الغربية، يكون نموذجاً يجب أن يحتذى به لدى العديد من دول الشرق الأوسط، إذ سيصبح العراق "واحة للديمقراطية" في المنطقة.

ورغم هشاشة التبريرات المساقة، إلا أن عزم " صقور" البنتاجون استهداف العراق والإطاحة بنظام صدام حسين، أضحي أمراً مؤكداً. جاء في تصريح لمستشارة الأمن القومي "كونداليزا رايس" :" إن الرئيس بوش أعلن بوضوح أن صدام حسين، كان يطرح مشكلة قبل 11 سبتمبر وما زال، إنه نظام سيئ، وسيكون العالم أفضل حالاً وأكثر أماناً، حين لن يعود موجوداً" .

وبالفعل غزت الولايات المتحدة العراق، وأطاحت بنظام صدام حسين في 20 مارس 2003م في عملية أطلقت عليها "تحرير العراق" Iraqi Freedom، لكن الواقع أثبت أن غزو العراق لم يكن يهدف إلى الإطاحة بنظام استبدادي، واستخلافه بنظام ديمقراطي، بقدر ما هدف إلى هدم وإنهاء كيان الوطن العربي؛ حيث كان الهدف الأساسي الذي وضعته الولايات المتحدة في استراتيجيتها في المنطقة، والذي كانت قد خططت له وأعدته منذ سنة 1970م، هو إعادة هيكلة دول المنطقة العربية إلى كيانات صغيرة هزيلة متناثرة القوي، أكثر مما هي عليه الآن قائمة على أسس طائفية، وعرقية، ومذهبية، ودينية، وعنصرية، وعشائرية .

ومن هذا المنطلق ندرس في هذه المقالات كيف تجلت حروب الجيل الثالث في أسمي معانيها من خلال الغزو الأمريكي للعراق؛ حيث نبرز دوافع هذه الحرب؛ وكيف بدأت الاستراتيجية الأمريكية بالتمهيد لضرب القوة العسكرية العراقية، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وذلك لتحقيق أهداف متعددة، وكيف استطاعت الولايات المتحدة جر العراق إلى حرب ثانية في منطقة الخليج العربي، بعد أن أعطت لنظام "صدام حسين" الضوء الأخضر لغزو دولة الكويت، وكيف استعانت ببعض الدول العربية، من خلال الضغوط الاقتصادية، كذريعة لضرب القوات العسكرية العراقية .

كما نبرز في هذه المقالات أيضاً، كيف تمكنت الولايات المتحدة من حشد غالبية دول العالم، والتأثير في قرارات الهيئة الدولية، لشن الحرب على الكويت، تحت ذريعة تحرير الكويت، وقد شنت الحرب على العراق ودمرت القوات العسكرية العراقية، وبذلك تكون قد حققت أهم أهداف تلك الحرب خدمة لشريكتها الاستراتيجية إسرائيل، وخلال المرحلة التي أعقبت حرب الخليج الثانية، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال المعسكر الشرقي، أصبحت الولايات المتحدة القوي الأولى في العالم، وخلال التسعينيات من القرن العشرين، اختلقت الولايات المتحدة الحجج بعدم التزام العراق بالقرارات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وكان هدفها من وراء ذلك إلى إقناع الرأي العالم بحجم الخطر الذي يشكله النظام العراقي على الأمن والسلام الدوليين، تمهيداً للحصول على تفويض قانوني من الهيئة الدولية لغزو العراق. كذلك نكشف في هذه المقالات بأن الحرب الأمريكية على العراق لا تستند إلي أية شرعية قانونية، وخصوصاً بعد أن تأكد خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل، وثبت أن لا علاقة له بالإرهاب أو بتنظيم القاعدة... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم