آراء

كيف كان المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003؟! (6)

محمود محمد عليمرة أخري نعود ونكمل حديثنا في هذا المقال السادس عن المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003،وهنا  نركز علي العامل الجيوستراتيجي وفي هذا يمكن القول: يشكل العامل الجيوستراتيجي عاملاً شديد الأهمية في سياسات الإدارات الأمريكية، تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً، والخليج العربي بشكل خاص، وإلى جانب الموقع الجغرافي المهم للمنطقة بإشرافها على بحار العالم ومحيطاته، وأهم المضائق العالمية التي تمر عبرها التجارة الدولية بخاصة، فالجديد في عقيدة التدخل الأمريكي، أنها لم تعد تقتصر على الحفاظ على مصالحها في المنطقة، وضمان وصول إمدادات النفط إليها، وإنما أخذت تسعى إلى ضمان موقع الولايات المتحدة في النظام الدولي السياسي والاقتصادي، فالولايات المتحدة – وإن كانت لا تزال القوة العسكرية،  والاقتصادية العظمى – إلا أنها تعانى حالياً من منافسة شديدة من أقطاب أخري متطلعة للقيام بأدوار مهمة في المجالين السياسي، والاقتصادي العالمي، كالصين، والهند، والاتحاد الأوربي، وروسيا العائدة بقوة إلى الساحة الدولية .

ولقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كذريعة لإدارة بوش (الابن) لتحقيق أهداف بعيدة المدى وفق استراتيجية الحسم العسكري، والحرب الوقائية، والتدخل المباشر، واستطاعت الولايات المتحدة عبر استغلال التعاطف العالمي معها بعد أحداث 11 سبتمبر بمؤازرة الخوف والخشية التي تملكت أطراف عدة من ردة الفعل الأمريكية تحت شعار"  من ليس معنا فهو ضدنا"، أي معنا الإرهابيين لتحقيق أهداف استراتيجيتها بعيدة المدى من غزوها لأفغانستان، ومن ثم العراق، وأما الأدوات المستخدمة لتحقيق ذلك فتجلت في التمسك بالهيمنة الأمريكية على العالم، والحيلولة دون ظهور قوة أخري منافسة حتى لو اقتضي الأمر استخدام القوة، وبالتالي يمكن تبرير استخدام القوة العسكرية كمحور للسياسة الخارجية الأمريكية، مع استخدام هذه الأداة وربطها بتحقيق المصالح الأمريكية المباشرة، ولو تم ذلك خارج الأطر الشرعية، ودون الرجوع إلى الأمم المتحدة أو الحلفاء .

والحقيقة إن الولايات المتحدة لم تحرك قواتها، وتجند طاقاتها العسكرية من أجل القضاء على نظام طالبان في أفغانستان، أو نشر الديمقراطية في تلك البلدان التي لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذا كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن الهدف من حملتها على الإرهاب الدولي، هو القضاء على تنظيم القاعدة الذي يعيش بحماية طالبان، فإن المتمعن في ضوء التحليلات الواقعية للاستراتيجية الأمريكية سيجد أن الهدف من السيطرة على أفغانستان القريبة من بحر قزوين، الأمر الذي يمكنها من التحكم في 85% من منابع بترول العالم، ويجعلها قادرة على ممارسة الضغوط على الدول المنافسة لها في السوق الاقتصادية الدولية .

ومن ثم استخدام السلاح النفطي لردع الدول المنافسة بعد أن سيطرت على نفط الخليج العربي وبحر قزوين والنفط الإفريقي. إن غزو أفغانستان، ومن ثم العراق، جاء كخطوة مكملة في سياسات الهيمنة الأمريكية على العالم، وردع أي قوة تتطلع إلى انتزاع مركز الصدارة من الولايات المتحدة في منطقة بحر قزوين لما تملكه من الاحتياطي النفطي .

وجاءت حرب العراق كخطوة أمريكية واضحة، لتهديد مصالح هذه الدول في المنطقة، واتخاذ العراق كقاعدة لمحاصرة إيران، والدول العربية الممانعة، وفي مقدمتها سوريا تحت شعار مشروع  الشرق الأوسط الكبير، وحماية أمن إسرائيل، وما عدوانها على العراق إلا رسالة من الولايات المتحدة للدول العربية، بأنها تريد التغيير في المنطقة، وأنها قادرة على فرضه، وأن هذا التغيير ومضمونه،  يجب أن يتم أولاً وأخيراً وفق الأجندة الأمريكية، التي تسعى إلى تغيير خارطة المنطقة العربية بتغيير حدودها السياسية كــ" سايكس بيكو" جديد، ومن العوامل الجيوستراتيجية التى تقف كدافع خفي للعدوان على العراق ضرب منظمة الأوبيك، وهى قضية لا يتم التركيز عليها غالباً، وهذه الاستقلالية ووجود جهاز غير خاضع للتوجهات والمصالح الأمريكية، يعد تهديداً للولايات المتحدة، ومصدراً  لزعزعة هيمنتها على المدى الطويل. وهنا يمكن الاستشهاد بــ"جون صوهيل" رئيس مكتب الطاقة الفيدرالي الأمريكي في عام 1978م،حيث يقول " إن السياسة النفطية لدول الأوبك تهدد البناء القومي الأمريكي، ولا بد من تعديل قواعد اللعبة الحالية، حيث تعطى الدول النفطية سلطة تتجاوز مسؤولياتها والقوة التي تملكها " .

ج- العامل الديني والايديولوجي:

إذا كانت بريطانيا قد لعبت الدور الأساسي، والممهد لقيام دولة إسرائيل على حساب طرد شعب فلسطين من أرضه! إلى الشتات والمنافي، فإن الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية، كأقوى دولة اقتصادية وعسكرية، هذا الواقع دفع بالصهيونية العالمية لنقل تحالفها من أوربا إلى الولايات المتحدة، وهى التي تبنت قيام إسرائيل منذ اللحظات الأولى لإعلانها، واستمرت في حمايتها وضمان استمراريتها، ودعم احتلالها المستمر للأراضي العربية، وإذا كان الهدف الأول حماية إسرائيل ووجودها في المنطقة العربية، والثاني سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فإن طبيعة الروابط والصلات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تنحصر في كون إسرائيل بمنزلة شرطي الولايات المتحدة في          المنطقة .

بل إن هناك عوامل دينية وأيديولوجية تقوي العلاقة بين الطرفين، وهذه العوامل ذاتها لعبت دوراً خفياً في إقدام الولايات المتحدة على غزو العراق واحتلاله، فالدور المستمر لإسرائيل لم يعد سراً، فالعقيدة التوراتية لعبت دوراً بارزاً في التحريض على هذا الغزو، ويمثل العراق في الأصولية الصهيونية رمزاً مهماً يعود بجذوره في التاريخ إلى آلاف السنين، فالعراق يمثل جزءاً من أرض الميعاد التي أعطاها الرب لبنى إسرائيل، وبعد أن نجح اليهود في بناء دولتهم لفترة من الزمن في جزء صغير من فلسطين تمكنت الإمبراطوريات العربية القديمة التي انطلقت من أرض الرافدين، من القضاء على الدولة اليهودية وأقدم خلال ذلك ملوك بابل وآشور على جلب ألاف اليهود أسري وعبيداً إلى العراق، حيث بقوا فيها لسنوات عدة قبل أن يجتمع شملهم مجدداً في فلسطين، وللمرة الثانية احتل الرومان المنطقة، وتشتت اليهود في العالم دون أن تقوم لهم أو لدولتهم قائمة منذ ذلك الوقت .

وما زال اليهود يذكرون دور العراق في القضاء على أحلامهم وأوهامهم، وما سياستهم الحالية تجاه قضية غزو العراق، إلا تعبيراً عن أحقاد تاريخية تجددت بالخوف من القوة التي مثلها العراق في المنطقة منذ الحرب العراقية - الإيرانية، وينكر بعضهم وجود أي أحقاد تاريخية، أو دينية، للعزو، أو وجود يد لإسرائيل في العملية برمتها، مستشهدين بعدم مشاركة إسرائيل في حرب الخليج، وعدم ردها على هجمات العراق بصواريخ السكود عام 1990م، بيد أن المتعمق في تحليل أحداث المنطقة، سيجد أن إسرائيل هي الداعم الأكبر للتحولات الجارية في المنطقة وهى المستفيد الأكبر منها .

فصقور الإدارة الأمريكية الذين خططوا لغزو العراق، ومعظمهم منظرو تيار المحافظين الجدد في عهد، إدارة بوش (الابن) بُنيت عقيدتهم على أساس فكر ديني متشدد، كما ساعدهم "بوش" بكل ما في توجهاته التوارتية، والتي قد زادت حدتها من خلال أحداث 11 سبتمبر 2001م،  وفي ظل الصدمة الأمريكية صرح  "بيل بينت"  Bill Bennett  لمحطة  CNN:" إننا في صراع بين الخير والشر، وأن الكونجرس يجب أن يعلن الحرب على الإسلام المجاهد، وأنه ينبغي استخدام قوة ساحقة، كما ذكر أن العراق دولة تستحق الهجوم".

أما القس "جيري فالويل" زعيم منظمة الأغلبية الأخلاقية صرح قائلاً :" لقد بارك الله هذه الأمة، لأنها في أيامها الأولى، حاولت الإخلاص لله والإنجيل، وسيجد أي طالب مجتهد للتاريخ الأمريكي أن أمتنا العظيمة، نشأت من قبل رجال ربانيين لتكون أمة  مسيحية" .

ويظهر هذا في أفكار الحركة الصهيونية المسيحية التي جندت نفسها لخدمة المخططات الصهيونية من خلال التغييرات الدينية للتوراة، والتي تروج بوصفها نبوءات لا بد أن تتحقق، والقصد منها تكوين قناعات دينية جماعية للمجتمع الأمريكي، يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل ضمن فلسطين والوطن العربي، ومن أبرز هذه النبوءات "معركة هرمجدون" التي ستكون مسرحاً لأكبر حرب في تاريخ البشرية، والتي يقتل فيها الملايين من البشر، عندها تحين ساعة اللحظة العظيمة بنزول المسيح لينقذ الإنسانية من الاندثار الكامل .

إن أغلب قادة اليمين المسيحي الجدد، يعتقدون أن الكتاب المقدس يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحرب النووية العالمية، أو الكوارث الطبيعية، أو الانهيار الاقتصادي، والفوضى الاجتماعية، هذه النبوءة كان أغلب الرؤساء الأمريكيين مؤمنين بها مثل " رونالد ريجان "، الذي قال :إن جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل (هرمجدون) قد تحققت .

هذا بالإضافة إلى أن احتلال العراق له مكانة خاصة عند المسيحيين في كتب الميثوديت التي تتركب على أن المسيح عند خروجه من جديد لابد من أن يحيط به الذهب النقي الخالص  الذي يكون في دولة قريبة من أورشليم (القدس حالياً)، وقد اكتشفوا أن هذه الخصائص تنطبق  على العراق باعتقادهم أن جبل الذهب موجود فعلاً في العراق بالرغم من أنهم لم يكتشفوه بعد، وأن الملك الذي سيدمر إسرائيل مرة أخرى هو بابلي .

والخلفية الدينية للرئيس جورج بوش (الابن) فهو تلميذ مخلص للقسيس المتجدد "بيلي غراهام "، وعضو في طائفة الميثوديت التي تمثل التحالف الصهيو مسيحي الذي يؤمن بضرورة وجود مقدمات تسبق العودة الثانية للمسيح وهي :

1- إقامة دولة إسرائيل المنصوص عليها في التوراة من النيل إلى الفرات وتجميع يهود العالم فيها.

2- هدم وتدمير المسجد الأقصى لبناء الهيكل اليهودي مكانه.

3- وقوع معركة كبرى بين قوى الخير (البروتستانت واليهود)، وقوى الشر (المسلمون وأصدقائهم)، وهي معركة هرمجدون .

مما سبق يتضح لنا أن الدين هو أحد المقومات الأساسية في الولايات الأمريكية المتحدة الأمريكية عند الإنجيلين الصهاينة، والذين لهم تأثير قوي في صناعة القرار الأمريكي، وأن الحرب مبنية على فكر إيديولوجي ديني/عسكري أساسه القوة وأنه المحرك الأساسي الذي يجمع المصالح الأمريكية الإسرائيلية، وما ترجمته أفكار المحافظين الجدد والحركة الصهيونية المسيحية التي تحمل العداء والكره الشديد للإسلام، لذا يجب تبني استراتيجية وقائية استباقية  لمكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم