آراء

كيف كان المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003؟! (7)

محمود محمد عليمرة أخري نعود ونكمل حديثنا في هذا المقال السابع والأخير عن المخطط الأمريكي لاحتلال العراق 2003،وهنا نركز علي أهم نتائج الحرب الأمريكية علي العراق التي توصلنا إليها من المقالات السابقة، وفي هذا يمكن القول إن التبريرات الأمريكية التي انطلقت منها الحرب الأمريكية علي العراق والتي كان من بينها (القضاء علي أسلحة الدمار الشامل – القضاء علي نظام صدام حسين والذي من وجهة نظرهم أنه علي علاقة مع التنظيمات الإرهابية-وبناء الديمقراطية في العراق– التدخل من أجل حقوق الإنسان) تبين زيف بعضها (القضاء علي أسلحة الدمار الشامل)، وعدم واقعية البعض الآخر (بناء الديمقراطية في العراق– التدخل من أجل حقوق الإنسان) وتحولت العراق لمركز للإرهاب، بدلاً أن تكون مقراً لمحاربته وتحول هدف الإدارة الأمريكية في العراق من الأهداف والتبريرات السابقة إلي مستوي أدني وهو الحفاظ علي استقرار الأوضاع في العراق .

ومن هنا سوف نتقصى نتائج الحرب الأمريكية علي العراق علي عدة مستويات منها المستوي السياسي والأمني – المستوي الاقتصادي – المستوي الثقافي .

1- علي المستوي السياسي والامني:

يتجلى الهدف الأمريكي السياسي والأمني من وراء غزو العراق بوضوح أكثـر، وهـو تسـوية أرض المنطقة العربية وتمهيدها دون مقاومة أو ممانعة تعاند واشنطن في مرحلة ما بعد الحادي عشـر مـن سبتمبر 2001م، وإيجاد "الشرق الأوسط الكبير"، هدفه تطبيع إسرائيل في المنطقة بعد فشل مشروع الشرق أوسطية، بمعارضة قوية من سوريا، والعراق، وإيران، وضرب العراق هو أولاً تعبير عن السخط وفراغ الصبر من عدم خضوع المنطقة كلياً للإرادة الأمريكية، وثانياً حماية أمن إسرائيل ودعمهـا وتبريـر سياساتها وتوفير التغطية الدبلوماسية لكل ما تقوم به هو الوجه الآخر للمصالح القومية الأمريكية، ولا شك في أن موقف العراق من القضية الفلسطينية، كان داعماً ومشرفاً، لذا كان الكيـان الصـهيوني أكبر محرض على حرب العراق .

وباجتياح العراق واحتلال أرضه وإسقاط نظامه السياسي تكون أمريكـا، قـد خطـت خطوتهـا الحاسمة نحو تفكيك الكيان العراقي، وحل الجيش، والشرطة، وإنهاء الدولة، وإحداث فراغ سياسـي فيـه، وسماح قوات الاحتلال لعمليات السلب، والنهب، وإحراق الدوائر الحكومية والوزارات (مـا عـدا وزارة النفط)، والمتاحف، والمكتبات، والجامعات، تعني شيئاً واحداً هو مصادرة الدولة وتحطيم الكيان السياسـي للعراق واستنزافه، ومنعه من النهوض بدوره القومي، وتدمير كل هياكل الدولـة (المؤسسـات العلميـة والثقافية).

وتهدف الإدارة الأمريكية بمساعدة (الموساد) الإسرائيلي، الذي أقام قواعد له فـي العـراق، أن تخلق حالة من التوجس والاحتقان، بين فئات الشعب العراقي ودفعهم للاقتتال الداخلي، وإشـعال حـرب طائفية بين العراقيين، وتقسيمه إلى دويلات متنافرة، ومتصارعة، وغير قادرة على حماية نفسها، وتعـيش تحت الخطر المزعوم، وهذا ما يجعلها دائماً بحاجة لحماية أجنبية، ومن ثم يصبح الاحتلال الأجنبي في العراق ضرورة ومطلباً، وبمناسبة مرور عام على الاحتلال أشارت تقديرات لمركز أبحاث مستقل إلى أن عدد المـدنيين العراقيين الذين قضوا منذ الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق يتـراوح بـين 8400 و 10300 شخص .

على أن الأمر الذي يخفف تداعيات الغزوة الأمريكية السياسية على العراق، جاء من الوقفة الرائعة للشعب العراقي،ومن قدرة النخب والناشطين، على تمثيل القواسم المشتركة بين فئات الناس، في وعيهم بوطنهم، ومصالحهم، وعدم فقدان البوصلة في تحديد الأهداف، ورفضهم الأمـان للاحـتلال ومطالبتـه بالرحيل، والقيام بأعمال المقاومة الشاملة ضد المحتلين في بغداد، والفلوجة، والرمادي وغيرهم .

ولا شك في أن مواجهة أمريكا للشعب العراقي نقلها إلى الموقف الأضـعف، ذلـك لأن قوتهـا تتجلى عندما تكون المواجهة بينها وبين دولة وجيش نظامي، أما عندما تواجهها الجماهير، فهنا تكمـن نقاط ضعف القوات المحتلة .

وقد اعترف الجنرال "دافيد ماكيرنان" David McKiernan قائد القوات الأمريكية البرية في العراق بأن " الحرب لم تنته بعد " وأن الأمريكيين حققوا نجاحاً ضئيلاً في مواجهتهم للمقاومة، ويزداد شعور بـأن المعركـة الحقيقية، إنما قد تكون بعد في بدايتها على حسب تعبير كاتب أمريكي في مجلة النيوزويك الأمريكية.

ومن جهة أخري فإنه منذ بداية الاحتلال الأمريكي، فإن الادارة الأمريكية سعت الي استمالة الشيعة علي حساب السنة، وبعد انتهاء الحرب قامت سلطات الاحتلال الأمريكي بقيادة الحاكم المدني " بول باريمر "، بتأسيس مجلس الحكم الانتقالي للعراق علي أساس طائفية اثنية، حيث ضم المجلس 25 عضواً من بينهم 13 عضواً من الشيعة، و5 أعضاء سنة، و5 أعضاء أكراد، وواحد مسحي، وواحد تركماني.

وطبقا لما ذكره " ريتشارد هولبرك" Richard Holbrooke، سفير الولايات المتحدة السابق أن إقامة حكومة ديمقراطية في العراق سوف يخلق صراعات ونزاعات طائفية، وربما تكون تلك النزاعات أسوأ، مما كانت عليه في البوسنة، وذلك لأن الانتماءات الطائفية في حالة العراق أشد تعقيداً .

وكان نتيجة ذلك بطبيعة الحال تزايد معدلات العنف الطائفي، ووصول الأمر الي حد الحرب الأهلية، بل وتفتيت وانهيار الدولة، ويمكننا القول أن الإدارة الأمريكية هي التي أرست الطائفية في المجتمع العراقي، نتيجة السياسات التي اتبعتها في التمييز بين السنة، والشيعة، والأكراد .

وعلي الرغم من إقامة الانتخابات في العراق، إلا أن مستقبل الديمقراطية غير واضح في العراق، فمازالت الأحزاب تختلف حول مجموعة من القضايا، منها دور المرأة، وطريقة الانتخابات، وحسب مجموعة من الباحثين، فإنه لكي تنجح الجهود الأمريكية في توفير الاستقرار، والأمن في السنوات المقبلة في العراق، فإنه يتعين عليها عمل الآتي:

أ- منح السنه تمثيلاً متوازناً مع الشيعة والأكراد في مختلف المؤسسات .

ب- إعادة كافة كوادر حزب البعث إلي وظائفهم السابقة .

جـ- العمل علي تفكيك كافة المليشيات الموجودة علي الساحة، وإعادة إدماجها في المجتمع .

د- العمل علي وضع استراتيجية لتشكيل جيش فعال ومجهز .

ومن نتائج السياسات الأمريكية واتباعها سياسة اجتثاث حزب البعث، فتم نتيجة ذلك طرد آلاف الموظفين، والمدرسين، وأساتذة الجماعات من وظائفهم، وحرمان كل من له صله بـ "حزب البعث" من وظائفه، وكان لهذا تأثيره الواضح علي الوضع الأمني في العراق، حيث انضم العديد من هؤلاء إلي جماعات المقاومة التي رفعت السلاح في وجه الاحتلال والحكومة العراقية .

ومن هنا يجب الاشارة إلي انضمام هؤلاء الأشخاص إلي التنظيمات الراديكالية، ومن تنظيم الدولة الاسلامية الذي أصبح يلعب دوراً مهماً علي الساحة العراقية والسورية .

وارتفع عدد ضحايا الوضع الأمني، طبقاً لدراسة أعدتها مجلة "لانست "الطبية البريطانية، حيث ارتفع معدل الوفيات بنسبة ثلاثة إلي واحد مقارنة بما كان عليه الحال قبل الغزو، وارتفع معدل الوفيات الناجمة عن أعمال العنف من 3,2 حالة وفاة إلي 12 حالة وفاة من كل ألف شخص بعد الغزو من يونيو 2005 الي يونيو 2006 وزاد عدد القتلى الأمريكان الي 2974 خلال أربع سنوات من 2003 الـ 2006 (129)، وعلي المستوي الإقليمي كشفت الحرب مدي ضعف النظام الإقليمي، ووصول النظام العربي إلي مستوي التردي الممثل في جامعة الدول العربية، وفشل هذا النظام في حماية الحقوق العربية وكانت إسرائيل من أكثر الرابحين علي المستوي الإقليمي، حيث تم تدمير دولة عربية تشكل تهديداً لها وهذا سوف يوجه رسالة لباقي دول النظام، إنها سوف تلقي نفس المصير إذا سعت لامتلاك أسلحة دمار شامل، أما إيران فتنامي نفوذها الاقليمي علي عكس ما كانت تشتهيه إسرائيل والولايات المتحدة، وعلي المستوي الدولي كشفت الحرب عن عجز مجلس الأمن والأمم المتحدة في دورهما في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وتخطت الولايات مجلس الأمن عندما لم تستطع تخطي غالبية  أعضائه .

2- علي المستوي الاقتصادي:

تؤكد الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على العـراق أن ثمـة برنامجـاً سياسـياً واقتصادياً لدى اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية ولوبي الصناعة العسكرية، والشركات الاحتكارية الكبرى أرادوا تنفيذها، وبدأ باحتلال العراق والسيطرة على نفطه وتأمين منابعه وخطوط نقله وإمداداته. وكل ما يقال عن نشر " الحرية والديمقراطية " يفتقر إلى دليل حقيقي تظهره الممارسات اليومية لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق، إذ استولت هذه القوات على جميع آبار النفط مـن أم قصـر، والفـاو، والبصرة جنوباً، حتى كركوك والموصل شمالاً، وأمنت حراستها حراسة جيدة. كما سـمحت بأعمـال النهب والسرقة في كل الوزارات، والمنشآت الحكومية في العاصمة بغداد، ما عدا وزارة الـنفط التـي وضعت عليها حراسة مشددة منذ اليوم الأول للاحتلال ، ودخل وزارة النفط العراقية في بغداد بحراسة الجنود الأمريكيين “غراي فوغلر”Gray Vogler المدير السابق لشرطة نفـط إكسـون Exxon وصعد إلى الطابق الثالث وجلس على مكتب وزير النفط العراقي السابق "عامر محمد رشيد"، وأخذ يفتش وثائق وزارة النفط العراقية. وعلى عكس حرب الخليج الثانيـة عام ١٩٩١ بقيت منشآت النفط العراقية في حرب ٢٠٠٣ سليمة، وينوي الأمريكيون أن يوجهوا ضربة قوية لمنظمة أوبيك بأن يرفعوا سقف إنتاج النفط العراقي مستقبلاً بعد الإصلاحات في منشآته إلـى ٦ ملايين برميل نفط يومياً، هذا الحلم قد راود السياسيين وأصحاب شركات النفط منذ أزمة النفط ١٩٧٣ في أعقاب حرب أكتوبر 1973م، بأن يكسروا تحكم أوبيك بالأسعار وأن يباع النفط في السوق الحرة وفق قانون العرض والطلب، ولن تسمح الإدارة لأمريكية لمنظمة أوبيك باستبدال دولارها باليورو الأوروبي، وهي لن تتوانى عن نسف هذه المنظمة من جذورها إذا اقتضى الموقف ذلك .

ومما لا شك فيه أن معظم ما تم تدميره في العراق لم يكن بسبب عسكري استراتيجي، بل بهدف اقتصادي بحت، وهو إعادة إعماره وتتسابق كبرى الشركات الأمريكية للحصول علـى عقـود إعـادة المرافق المهمة في العراق وإدارتها، وإن أرباحاً فلكية تحققت وذهبت إلى خزائن من يعرفون بأثريـاء الحروب وفي مقدمتهم الرئيس جورج بوش شخصياً إذ إنه كان مديراً لشركة نفط سابقاً، وإلى شركات لوبي المجمع الصناعي العسكري، وعلى رأسها شركات لوكهيد مارتن. ونائب الرئيس الأمريكي ديـك تشيني، كان رئيساً لمجلس إدارة شركة "هالبيرتون" للخدمات النفطية من عام 1991م حتى عـام 2000م، في حين كانت مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس تشغل منصباً إدارياً رفيعاً في شـركة شـيفرون النفطية لمدة تسع سنوات، وإن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد شغل منصب رئـيس مجلـس إدارة شـركة جنرال انسترومنت، وقبلها مجموعة شركات بكتل. وقد أناطت إدارة بوش بالوكالة الأمريكيـة للتنميـة الدولية مسؤولية إعمارالعراق بعد احتلاله. وبدأت معركة العقود أو (معارك البيزنس)، وانكشف الأمر المستور عن حقيقته باحتكار مجموعتي هالبيرتون وبكتل لعملية إعادة الإعمار، فقد حصلت مجموعـة هالبيرتون على عقود تصل إلى ٧ مليارات دولار خلال العامين الحالي والقادم، أبرزها عقود مبرمـة مع شركات كيلوغ براون أندروت Kellogg Brown & Root Inc التي كان تشيني مديرها التنفيذي، وتصل قيمتها قبل اندلاع الحرب مع سلاح الهندسة بقيمة 750 مليون دولار لإصلاح آبار النفط وتشغيلها، وأبرمت عقـود مـع وزارة الدفاع بنحو 450 مليون دولار لتقديم خدمات إمداد الجيش وتموينه في أثناء الحرب. أمـا المجموعـة الثانية هي شركات بكتل ومديرها الحالي جورج شولتز (وزير خارجية في عهد ريجان) وله علاقـات وثيقة مع رامسفيلد حصلت على عقود لإعادة البناء والبنى التحتية وإنشاء محطات كهرباء ومياه وطرق بقيمة 680 مليون دولار.

أما العقود الأخرى ستعطى للدول الحليفة كبريطانيا، وإسرائيل، وأسبانيا، وأستراليا، ثم الشركات من الجنسيات الأخرى على حسب مواقفها من الحرب .

ولا يقتصر الضرر الاقتصادي الذي حل بالعراق على النفط فقط، وإنما على الديون هذه المشكلة كبيرة ؛ إذ إن احتياطات القطع الأجنبي العراقي، قد نفدت بفعل توالي الحروب والعقوبات الدولية. وكـان إجمالي الديون على العراق في نهاية عام 1990م يقف عند حد 48,1 مليار دولار وأصبح فـي نهايـة 2002 م يساوي 180 مليار دولار، وما يزيد على ثلث هذا الدين هو ديون مستحقة لدول الخلـيج العربـي، وفي المقدمة الكويت والسعودية، ثم بعد ذلك روسيا ولها ٨ مليارات دولار تراكمت جميعها قبل عـام 1991م .ويعاني العراق من ورطة الديون التي قد تنقضي أعمار أجيال من أبناء العراق دون أن يقـدر العراقيون على أن يروا شيئاً من ثروة بلادهم، وهو ما يعني أن أمريكا وبريطانيا وحدهما المستفيدتان من النفط المتدفق إلى الخارج .

ومن جهة أخري فقد أنهت الحرب الأمريكية علي العراق علي ركائز الدولة القومية في العراق، حيث أدت سلسة الحروب الي انهيار قيمة الدينار العراقي، وبعد الحرب الأمريكية، تم استبدال الدينار العراقي والذي يحوي صورة صدام بدينار آخر جديد، حيث 1500-2000 دينار عراقي تساوي دولار أمريكي واحد ويمكن القول إن الحرب أدت إلي:

أ- معاناة البنية التحتية للاقتصاد العراقي من الانهيار وتدهور الصناعات النفطية ووصل معدل التضخم الي أكثر من 58% نتيجة انهيار سعر الصرف غير الرسمي للدينار العراقي .

ب- معاناة القطاع المصرفي من السلب والنهب .

جــ - وصول الديون العراقية إلي مليارات الدولارات .

د - معاناة في قطاع النفط ويصل التدهور في بعض الأحيان إلي استيراد العراق البنزين من الدول المجاورة مثل الكويت .

هــ - انهيار القطاع الزراعي والبنية التحتية للعراق وتدهور قطاعات الكهرباء ومياه الشرب والاتصالات والسكن .

وأيضاً من النتائج الاقتصادية تزايد معدلات البطالة بين 30 و40 %، وتضاعفت معدلات سوء التغذية، وهروب رأس المال الأجنبي، وانتشار الفساد في القطاع النفطي، وتدهور الناتج المحلي، والدخل القومي، وتدني مستوي معيشة المواطنين، ومؤشرات إنتاج النفط انخفضت من 2.25 مليون برميل إلي 2,1 مليون برميل بين عامي 2003 و2005م، ويرجع ذلك إلي عمليات المقاومة، التي طالت عدداً من المصافي، هذا بالإضافة إلي السياسات الأمريكية التي ركزت في معظمها علي قطاع النفط لخدمة مصالح الولايات المتحدة .

أما علي مستوي الولايات المتحدة تجاوزت خسائر الجيش الأمريكي أربعة آلاف قتيل في الذكري الخامسة، وبلغ عدد الجرحى 29314 مصاباً، وتتسم التكلفة المادية للحرب، بأنها أكثر ضخامة حتي مقارنة بتكاليف حرب فيتنام، فمع دخول الحرب في العام السادس، وصلت التكلفة الي 12 مليار دولار شهرياً، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في السنوات السابقة .

3- علي المستوي الثقافي والاجتماعي:

يستدعي سقوط بغداد الثاني في يد المحتلين الأمريكيين عام 2003م، من الذاكرة، استرجاع سقوط بغداد الأول على يد جيش المغول عام 1258م، م بقيادة هولاكو الذي دمر المدينة العظيمة، وأعمل القتل في سكانها، وانتقم من عاصمة الحضارة – عاصمة الرشيد – وفيها مكتبة بيت الحكمة، وألقى كتبها في نهر دجلة الذي بقيت مياهه لأيام عدة مصطبغة بلون الحبر لكثرة ما ألقي فيه من كتب. وفـي أعقـاب احتلال بغداد، نهبت المتاحف التاريخية الأثرية، وسرقت الوثائق والمخطوطات داخـل متـاحف بغـداد، ناهبين، ومحطمين القطع الأثرية، والجنود الأمريكيون يتفرجون على ما يجري وكأنه لا يخصهم، لقـد كان المتحف القومي العراقي في بغداد ضحية هجوم مخطط بعناية، فاللصوص الذين أخذوا معظم الآثار القيمة جاءوا مستعدين بتجهيزات لرفع أثقل الأشياء، ولم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، حين جردت المتاحف الأوروبية بصورة منظمة أن ارتكبت جريمة كهذه. لقد كانت جريمة منظمة لأن الأمـريكيين يعرفون قيمة المتاحف، وقيمة الجامعات، وقيمة مكتباتها ومخابرها. وكان البروفسور "جيبسون" من جامعة شيكاغو ضمن مجموعة التقت مسؤولين من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عدة مرات وقدمت لهم قائمة بالمواقع الأثرية التي يتعين حمايتها، وخاصة المتحف القومي العراقي في بغداد.

وقد نُهب المتحف وسرق 170 ألف قطعة من معروضات الآثار، التي تعود إلى آلاف السـنوات، منها آنية زهور من المرمر يعود تاريخها إلى 3500 عام ق. م. وتقدر قيمـة هـذه الآثـار ببلايـين الدولارات. كذلك سرقت قطع ذهبية ولوحات ومخطوطات نادرة، كما نُهبت جامعة الموصل، ومتحـف الموصل، وجامعة البصرة، وغير ذلك من المراكز الثقافية والعلمية العراقية. وتشير هذه الحملة المنظمة إلى نيات خطيرة لدى قوات الاحتلال، تتمثل بتدمير الهوية الثقافية لبلد له تاريخ حضاري يزيد علـى خمسة آلاف عام، فالعراق قدم للعالم الكتابة السومرية قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام، وقدم للإنسانية أولى الملاحم (ملحمة جلجامش)، وتشريعات حمورابي القانونية، وفي بابل بنيت إحدى عجائب الدنيا السـبع (حدائق بابل المعلقة)، وفي العصر العباسي أُسست أعظم مكتبة علمية في التاريخ بعد مكتبة الإسكندرية، وهي بيت الحكمة أيام الخليفة المأمون .

وتتجه أصابع الاتهام إلى المجلس الأمريكي للسياسة الثقافية ACCP، وهو مؤسسة تضم فـي صفوفها مجموعة من جامعي القطع الأثرية، والفنية، ورجال القانون، وبائعي التحف الفنية، بسبب تشجيعها على سرقة الإرث الثقافي العراقي، وقد بدأت القطع الأثرية المسروقة واللوحات الفنية تصل إلى أوروبا وأمريكا وتجاوزت حدود الشرق الأوسط لتباع في لندن ونيويورك. وكان لعمليات النهب والسرقة التي تعرضت لها مدن العراق تأثيرات كبيرة في الأوساط الثقافية العالمية، ومنها استقالة ثلاثة أعضاء مـن اللجنة الاستشارية للممتلكات الثقافية في البيت الأبيض الأمريكي، وعلى رأسهم رئيس اللجنـة (مايكـل سوليفان) احتجاجاً على ما حصل في العراق. وقد ذكر سوليفان في خطاب استقالته أنه يترتـب علـى الرئيس بوش التزام الأخلاقي لمنع أعمال النهب، والسلب، والتدمير، ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية "لاهاي" قضت بحماية التراث الإنساني، لكن أمريكا وبريطانيا لم توقعا عليها .

وفـي أعقـاب احتلال بغداد نهبت المتاحف التاريخية الأثرية، وسرقت الوثائق، والمخطوطات داخـل متـاحف بغـداد، وتعرض أيضاَ المتحف القومي العراقي في بغداد ضحية هجوم مخطط بعناية، فاللصوص الذين أخذوا معظم الآثار القيمة، وقد نهب المتحف وسرق 170 ألف قطعة من معروضات الآثار التي تعود إلى آلاف السـنوات يعود تاريخها إلى 3500عام ق. م، وتقدر قيمـة هـذه الآثـار ببلايـين الدولارات، كذلك سرقت قطع ذهبية ولوحات ومخطوطات نادرة، كما نهبت جامعة الموصل ومتحـف الموصل وجامعة البصرة وغير ذلك من المراكز الثقافية والعلمية العراقية ولم تقتصر النتائج الثقافية للغزو الأمريكي على العراق على الكنوز التاريخية فحسب بل امتـد إلى طبقة المثقفين، حيث أن 3500 مطلوب استجوابهم بشأن مشاركتهم في صناعة التسليح العراقية و 500 مطلوب رأسهم لمعرفتهم خبايا برامج أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق .

ولم تقتصر النتائج الثقافية للغزو الأمريكي على العراق على الكنوز التاريخية فحسب، بل امتـد إلى طبقة المثقفين من العلماء العراقيين، إذ إن 18 ألف عالم ومهندس وطبيب مطلوبون في قوائم الإدارة الأمريكية بتهمة مشاركتهم في صناعة العلم العراقية، و3500 مطلوب استجوابهم بشأن مشاركتهم في صناعة التسليح العراقية، و 500 مطلوب رأسهم لمعرفتهم خبايا برامج أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق ، والمطلوب تفريغ العراق من علمائه قبل أن يبتعد عن دوامة التخلف، فالعراق كغيره مـن الدول النامية ممنوع أن يتجاوز الخط الأحمر للإفلات من عجلة التخلف، وقد حقق العـراق إنجـازات كبيرة على صعيد البحث العلمي وإيفاد الشباب العراقيين لجامعات الغرب للحصول على الخبرات التي يمكن استثمارها في التصنيع والتكنولوجيا، وقد أفرز ذلك نخبة من العلمـاء تخصـص بعضـهم فـي اختصاصات علمية نادرة، وبعد انتهاء الحرب الباردة تنبهت جامعات الغرب ومنعت طـلاب البعثـات باختصاصات نادرة كالفيزياء النووية، والكيمياء، وعلوم الحياة، حتى بعض مجالات الطـب، والهندسـة، وخلال سنوات 1990م– 1999م تمكن رغم المنع في جامعة جورجيا 112 عراقياً مـن نيـل شـهادة دكتوراة في العلوم والهندسة، وكانت الولايات المتحدة قد فتحت أبوابها للعلمـاء العـراقيين، كلاجئـين سياسيين منذ عام 1991م، ولكن لم يخرج من علماء العراق إلا القليل. وعملياً بعد هروب "خضر حمزة" الدكتور في الفيزياء النووية عام ١٩٩٤ لم يهرب أي عالم من العراق فبقي العلماء العراقيون غصة في الحلق الأمريكي، ولم تستطع استقطابهم، وفي عام 2002م أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون هجرة العلماء العراقيين وإعطاء 500 عالم عراقي Card Green مقابل أن "يتعاونوا تعاوناً كاملاً مع كل ما تطلبه حكومة الولايات المتحدة وبكل إخلاص وصدق وبشكل غير محدود ".

ولم يستجب العلماء العراقيون لهذه الإغراءات لذا لم يبق أمام الولايات المتحدة سوى تصـفيتهم. ويؤكد هذا جنرال فرنسي متقاعد من معلومات مؤكدة لديه، أن قوات كوماندوز صـهيونية تضـم 150 عنصراً دخلت الأراضي العراقية بالفعل تنفيذاً لخطة اغتيال الكفايات العراقية تضم قائمة بــ 2000عالم من أمثال العالمة العراقية " رحاب طه" و"عبد الناصر هنداوي" و"حازم علي" و"مهدي عبيـد" و"جعفـر ضياء" و"سعد خضر" و"فايز بيرقدار"، وغيرهم الكثيرون. وبذلك تتكرر مع العرب وأمـام صـمت دولـي مريب مأساة ضرب مفاعل تموز العراقي في عام 1981م، واغتيال العالم "يحيى المشد" المصـري فـي باريس .

تحليلا لما سبق يمكن القول أن الحرب الامريكية علي العراق قضت علي العراق وأسهمت في تحوله إلي دوله فاشلة فقبل التدخل الأمريكي كان العراق دولة هشة علي الأقل تتسم بالقدرة علي بتلبية مطالب المواطنين الاساسية، إلا أن عنصر الاحتلال أدي الي تدمير الدولة العراقية، وتحوله إلي دولة فاشلة سياسياً واقتصاديا، كذلك فإن الإدارة الأمريكية هي التي وضعت بذور الطائفية، فضلاً إلي أعداد الضحايا والانتهاكات التي نتجت عن التدخل الامريكي في العراق .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم