آراء

كيف انقلب الشعب المصري على جماعة الإخوان المسلمين (4)

محمود محمد عليبدأت إدارة أوباما تبرز وتجسد أمام الرأي العام الأمريكي أنها ترفض هذا الانقلاب العسكري (حسب زعمها)، وتطالب بإطلاق سراح الرئيس مرسي، وأخذت تلوح بوقف مساعدتها السنوية لمصر، فقد أصدر الرئيس أوباما بيانا للتعليق علي الأحداث في مصر، مساء الخميس 15 أغسطس 2013، مقررا إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين مصر والولايات المتحدة "النجم الساطع" والتى تعد أحد أهم تجليات التعاون العسكري بين البلدين، وندد أوباما باستخدام "العنف" والإجراءات الأمنية التى اتخذتها الحكومة، فيما طالب المتظاهرين بالزام السلمية وأدان أعمال العنف والهجوم على الكنائس وذلك حسب ما ذكره د. علي الدين هلال في كتابه فكرة الدولة.

وبدأت القناة الإخبارية الأمريكية CNN تتبنى ادعاءات أوباما وبثها على المجتمع الدولي من خلال إلقاء الضوء على أنصار الرئيس المعزول والمرابطين أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة، وبث أحاديث تليفزيونية معهم توصف الأحداث في مصر بالانقلاب العسكري .وبدت المذيعة الأمريكية "كريستيانا أم نيور"، أكثر انفعالا وتوترا على غير العادة، وهى تستعرض إيهامات وصورا ذهنية تؤيد فكرة الانقلاب العسكري، وتستضيف ضيوفا يتبنون الفكرة، ويعد أهم الضيوف على الإطلاق التى استضافتهم كريستانا هو، الزعيم الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الذي خرج على الشاشة الأمريكية ليؤكد أن ما يحدث في مصر هو انقلاب عسكري.

ولم تكتف إدارة أوباما بذلك، بل أخذت تتحالف مع بعض الدول العربية وغير العربية من أمثال قطر وتركيا إلي ضرورة إنشاء قنوات إعلامية غير القنوات التى جُندت في ثورة 25 يناير، تعمل ليلا ونهارا علي إبراز أن الحدث الانقلابات منافي لكل القيم والمبادئ الأخلاقية، وأنه لا بد من عودة الرئيس الشرعي المنتخب، ولا بد من تحريك كل منظمات المجتمع المدني والطابور الخامس إلي محاربة الانقلاب، فتم إنشاء مجموعة قناة مكملين وقناة الشرق وقناة الوطن وغيرها لتصوير ثورة 30 يونيو بأنها انقلاب عسكري، ولا بد من خروج كل طوائف الشعب المصري المعارض لهذا الإنقلاب والمؤيدة لحكم الإخوان من ضرورة الاعتصام في الشوارع والميادين لمقاومة هذا الانقلاب.

وهنا عقب الثالث من يوليو وإعلان المجلس العسكري أداء الرئيس المؤقت عدلي منصور رئيسا مؤقتا لجمهورية مصر العربية، بدأت معظم فصائل الإسلام السياسي والمؤيد لحكم الرئيس مرسي بالاعتصام في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة، واستمر هذا الاعتصام لمدة 45 يوما . وخلال هذه الفترة  بدأت ردود أفعال جماعات الإخوان المسلمين والمؤيدة لها في إرسال رسائل للجيش المصري، والقيادة المصرية تنذر بحرب أهلية طاحنة إذا لم يعود الرئيس مرسي إلي سدة الحكم، فها هو ذا أيمن الظواهري، الرجل الأول في تنظيم القاعدة، يوجه رسالته عبر شريط فيديو مسجل يعلن تأييده لما سماه "شرعية الرئيس السابق" ويدعو أنصاره لتقديم الضحايا والقرابين، وها هم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي، ومرشد الجماعة في مصر، ود. محمد بديع، وغيرهم، وقد رفعوا لواء الجهاد في سبيل الله ضد الشعب المصري الأعزل، وقد تبنوا دعاوي الفتنة والاقتتال في سبيل استرداد الحكم، ليخرج أنصارهم وعناصر من الجماعات الجهادية في مصر رافعين أعلام ورايات تنظيم القاعدة والجهاد، ملبية لنداء قياداتها، ومعلنة الحرب على الشعب المصري في ربوع مصر، لتبدأ جماعات السلفية الجهادية مدعمة بالإرهابيين، الذين تم الافراج عنهم بقرار جمهوري من الرئيس السابق، في أثناء فترة حكمه في تنفيذ عمليات انتقامية في الشيخ زويد ورفح المصرية، ومدينة العريش بمهاجمة الكمائن الأمنية، وقطاعات الأمن المركزي، وأقسام الشرطة . ويعلن قيادي الجماعة محمد البلتاجي، من داخل اعتصام رابعة العدوية، عن وقف العمليات الإرهابية في سيناء في الثانية التى يعود فيها الرئيس السابق إلى الحكم . الأمر الذي يعنى أن الإخوان المسلمين هم العقل المخطط والمدبر لكل هذه العمليات الإرهابية في محاولة يائسة منهم للعودة للحكم .

كما بدأت تظهر دعاوي من منصة اعتصام "رابعة العدوية" لقيادات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم بالتدخل لإنقاذ حكم الرئيس مرسي ؛ حيث وجه د. عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، كلمة للإدارة الأمريكية موجها سؤاله لهم :"كم من الشهداء والضحايا تحتاجون حتى تقولوا كلمتكم".  ولم يكتف جماعة الإخوان، بل أخذوا يتبنون لغة الخطابة الإسلامية التى تشحذ الهمم، وتلهب الحماسة لدي أنصار الجماعة، وتكشف الأساليب الرخيصة في السيطرة على عقول البسطاء حينما يخرج أحد الشيوخ على المنصة ليدعي أنه رأي سيدنا جبريل يصلي معهم في الميدان، وآخر يدعي أنه رأي رؤية في المنام؛ أن الرسول الكريم كان موجودا بينهم في جلسة، وحينما أذن للصلاة طلب سيدنا محمد من الحضور أن يجعلوا محمد مرسي إماما للصلاة ليضج المكان بالتصفيق والتكبير، بعدها تظهر دعاوي الاستشهاد في سبيل عودة محمد مرسي للحكم، ومن يُقتل سيتم وضع صورة الرئيس بجواره داخل القبر للتخفيف من عذاب القبر عليه، وتتوالي الأيام وشيوخ الضلال يخاطبون المعتصمين من فوق منصة رابعة مؤكدين لهم أن الاعتصام في رابعة أفضل عند الله من العمرة والحج، وأن عزل مرسي أكبر إثما وأعظم شركا عند الله سبحانه وتعالي، من هدم بيت الله الحرام، وأن من لا يؤمن بعودة مرسي للحكم يشكك في وجود الله . والمدهش هذا المشهد الذي تظهر فيه سيدة فقيرة من داخل اعتصام رابعة العدوية، وهي تروي للمذيع الأصناف المتعددة من المأكولات والعصائر التى تقدم مجانا للمعتصمين، وتمنياتها بعدم عودة مرسي للحكم لتظل في اعتصامها، حيث يتوفر المأكل والمشرب مجانا.

ولم يكتف دعاة الإخوان بهذه الله، بل اتجهوا من ناحية أخري إلي استخدام العنف عن طريق استخدام حرب العصابات عن طريق استخدام القنابل والتفجيرات، بيد أن الجيش تمكن من إبطال معظم هذه المحاولات، فمثلا تم إبطال مفعول قنابل بجوار محطة متروا جامعة القاهرة، وتم القبض على عامل فنى بمترو الأنفاق يعبث في مسار تحويل عربات المترو بمحطة السادات وملثمين يستقلون دراجات بخارية تفتح النيران على كنيسة بمدينة بورسعيد، وشهدت الشوارع المصري أثناء فترة اعتصامي رابعة والنهضة حمامات من الدم على إثر إطلاق النيران بشكل عشوائي، وزجاجات المولوتوف من نهاية القرن الماضي، ومشاهد من الإسكندرية لجماعات إرهابية تلقي بطفل في عمر الزهور من فوق سطح أحد المباني، وتتجلي أقصي درجات ممارسة الإرهاب على الشعب المصري في مشاهد قتل المواطنين في حي المنيل بالقاهرة، حينما اعتلي هؤلاء الارهابيون سطح مسجد صلاح الدين الأيوبي ليفتحوا نيران الغدر على المواطنين العزل في الشارع ليقتل على إثره 12 من المواطنين الأبرياء، ثم بعد ذلك اعتلاؤهم لمسجد الاستقامة بالجيزة وضرب المارة بالرصاص الحي ليُقتل 9 مواطنين أبرياء لا ذنب لهم، ناهيك عن أحداث الإرهاب والترويع للمواطنين في محافظات المنيا وأسيوط والأقصر، وخاصة مع الإخوة المسيحيين، في محاولة يائسة منهم لنشر بذور الفتنة الطائفية.

وعلى غرار أحداث محمد محمود عام 2011، لرفع كُلفة القمع بتحويل الاعتصام إلى مظاهرات متحركة كما تمت دراستها داخل اكاديمية التغيير القطرية، فقد قام معتصمو مسجد رابعة العدوية بتحويل اعتصامهم داخل ميدان رابعة إلى مسيرات متنقلة خارج الاعتصام، وتم التحرك نحو مقر الحرس الجمهوري في محاولة لاقتحامه بالأسلحة الآلية وقنابل المولوتوف بعد صلاة الفجر، الأمر الذي أجبر القوات المسلحة المصرية على استخدام حقها الشرعي والقانونى في الحفاظ على أمن المنشأة العسكرية، وبذلك تحقق المستهدف من الحدث، وسقط عشرات القتلي ومئات من الجرحي التقتهم عدسات قناة الجزيرة كالمعتاد، وقامت بتصدير المشهد في صورة الجيش المصري الذي يقوم بقتل المصلين العُزل، وهم ساجدون أثناء تأديتهم لصلاة الفجر على غير الحقيقة.

استمرت الحال على ما هي عليه من الأرض، اعتصام مفتوح للتيارات الإسلامية في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وفي ميدان النهضة بالجيزة طوال شهر رمضان المبارك مع صدور فتوي من الشيخ القرضاوي، الذي أجاز الإفطار في شهر رمضان بدعوي وجود المعتصمين في ساحة الجهاد، وتظهر مجددا دعاوي جهاد النكاح داخل ميداني رابعة العدوية والنهضة، تلك الفتوي التى أطلقها الشيخ محمد العريفي للفتيات المسلمات في سوريا. ويصبح المصريون يوميا على جثث مجهولة تظهر عليها علامات التعذيب ملقاه في الشوارع الجانبية المطلة على ميدان رابعة العدوية بصورة ممنهجة، مع مشاهد لأشخاص يخرجون على شاشات التلفاز يصف أصحابها كيف تم تعذيبهم والتنكيل بهم من بتر الأصابع فالصعق بالكهرباء في أنحاء متفرقة من الجسم، وتم الشك في هويتهم، على حد قولهم، مع عمليات كر وفر أثناء المسيرات التى تخرج من قلب الاعتصام لتجوب شوارع مصر تارة بالسلمية،وتارة أخري يتم استخدام الأسلحة فيها ضد المارة من المصريين، وتتعالي أهالي رابعة العدوية بحجم الضرر البالغ الذي يقع عليهم جراء هذا الاعتصام خلال مداخلات تلفزيونية على شاشات الفضائية يصرخون ويبكون متوسلين أن يتم فض الاعتصام بالقوة للخلاص من هذا الجحيم، وخصوصا أن الأهالي بدأوا في رصد أسلحة متعددة تدخل إلى مكان الاعتصام، وصفوها بالأسلحة الثقيلة . تلك الشهادات التى أتت مطابقة للتقارير الأمنية التى رصدت وجود قناصة تعتلي أسطح المنازل من خلال كاميرات الطائرات الهليوكبتر التى تحلق فوق المعتصمين ومن خلال الأقمار الصناعية المصرية. الأمر الذي ينبئ بوقوع ضحايا ضخمة في حالة اتخاذ قرار بفض الاعتصام من الدولة التى ظهرت قياداتها منقسمة على نفسها حيال اتخاذ مثل هذا القرار .

وهنا قررت الدولة المصرية من خلال جيشها العظيم عدم السكوت على تلك المحاولات التى تحاول إسقاط الدولة إلى فض اعتصامي رابعة والنهضة وذلك في 14 أغسطس، حيث قامت قوات الشرطة والجيش بالتحرك لفض اعتصامات المعارضين لثورة 3 يوليو 2013 في مصر؛ حيث بدأ تحرك قوات من الشرطة تجاه المعتصمين في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة وميدان نهضة مصر بالجيزة وأغلقت الطرق المؤدية إليهما، وصاحبت القوات جرافات للعمل على إزالة حواجز وضعها المعتصمون. قبل بدء العملية، أعلنت الشرطة أنها ستوفر ممرات آمنة لخروج المعتصمين. ثم تبع ذلك في حوالي الساعة الثامنة صباحا إطلاق كميات كبيرة من القنابل الدخانية المسيلة للدموع، وفي حوالي التاسعة صباحا تقدمت قوات الشرطة لفض اعتصام ميدان نهضة مصر أولًا، وصاحبت الشرطة مجموعات باللباس المدني أزالت الخيام واللافتات المؤيدة للرئيس المعزول. أظهرت الشرطة مقاطع فيديو تبين العثور على أسلحة وذخائر داخل نعوش في الاعتصام.

ولأن الجيش المصري قد تعلم الدرس جيدا من الماضي، فقد استخدم كاميرات لتسجيل الحدث بالكامل، فبثته كل القنوات الفضائية مع صباح اليوم التالي، ليكتشف الشعب حقيقة المؤامرة والخداع الذي يمارسه التيار الإسلامي وقناة الجزيرة القطرية، وCNN الأمريكية عليهم منذ بداية المؤامرة .وكان أكثر المشاهد إثارة للدهشة مشهد أحد مؤيدي الرئيس المعزول، وهو يقوم بضرب أحد المعتصمين من نفس الفريق من الخلف بطلق ناري أمام ساحة الحرس الجمهوري ليريده قتيلا، ومشهد آخر يُصور من داخل اعتصام أنصار الرئيس المعزول عند جامعة القاهرة بالجيزة؛ حيث يظهر أحد الإسلاميين وقد صوب مسدسه على زميل له من الخلف كان يسير بجوار مدرعة للجيش المصري ليتم إلصاق التهمة بالجيش، الأمر الذي يعيد لأذهان المصريين كيف كان يتم قتل الثوار داخل ميدان التحرير، وفي أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء بطلقات رصاص من الخلف يتم تصويبها من مسافة قريبة من القتيل ويصبح الفاعل مجهولا.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم