آراء

كيف دعمت السعودية ودولة الإمارات ثورة 30 يونيه المصرية (1)

محمود محمد عليعقب فض اعتصام رابعة والنهضة سارعت معظم الدول العربية مثل السعودية والإمارات والبحرين ودول أخري مثل الأردن تعلن وقوفها وتأييدها إلى جانب ثورة 30 يونيه، ففي السعودية أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بيانا بالغ الأهمية عكس في مضمونه معاني ودلالات محددة أكدت على :

أ- دعم مصر وثورتها ومسيرتها الظافرة لتحقيق الأمن والاستقرار، ورفض المخططات التى تهدف إلي نشر الفوضى والإرهاب وتقويض أركان الدولة، وهو ما عبر عنه خادم الحرمين بقوله " إن ما يجري في وطننا الثاني من أحداث تسر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر وشعبها وتؤلم في الوقت ذاته كل محب حريص على ثبات ووحدة الصف المصري.

ب- التأكيد على أن هذه المحاولات التى تتعرض لها مصر من كيد الحاقدين، محاولات فاشلة، لأنها تقف ضد حقائق الأشياء والتاريخ وتستهدف ضرب وحدتها واستقرارها من قبل كل جاهل أو متعمد أو غافل عما يحيكه الأعداء.

ج- مطالبة جميع الشرفاء والأمة بالالتفاف حول مصر في هذا الظرف التاريخي وهو هنا وبعد أن تحدث عن الحاقدين والجهلاء والمتآمرين راح يستنهض القوي في المجتمع من أبناء مصر والأمتين العربية والإسلامية من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد وعلى قلب واحد، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة، وألا يقفوا صامتين غير آبهين لما يحدث.

د- أن موقف المملكة الداعم لمصر شعبا وحكومة، إنما هو موقف مبدئي بالأساس ضد الإرهاب والضلال والفتنة تجاه كل من يحاول المساس بشئون مصر الداخلية في عزمها وقوتها وحقها الشرعي في ردع كل عابث أو مضلل لبسطاء من أشقائنا في مصر، يقول الملك عبد الله :" ليعلم كل من تدخل في شئون مصر الداخلية إنما هم بذلك يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته، آملا منهم في أن يعودوا إلي رشدهم قبل فوات الأوان، ذلك أن مصر الإسلام والعروبة والتاريخ المجيد لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك، وأنها قادرة بعون الله وقوته على العبور إلى الأمان، ويومها سيدرك هؤلاء أنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم.

كان للبيان رد فعل جماهيري واسع النطاق، أدرك المصريون في هذه اللحظة التاريخية المهمة أن موقف المملكة، هو موقف مبدئي، لا تردد ولا تراجع فيه . كان الموقف السعودي يعنى إشهارا لتحدي السياسة الأمريكية والغربية الهادفة إلى محاصرة مصر، كان ذلك يعني أن المملكة تقول لأمريكا .. " لن نسمح بالعبث بأمن مصر، وسنفضح المخطط وسنتصدى لكل الأدوات التي نشر القلاقل والإرهاب.

كان الموقف السعودي يعنى إشهارا لتحدي السياسة الأمريكية والغربية الهادفة إلى محاصرة مصر، كان ذلك يعنى أن المملكة تقول لأمريكا .. " لن نسمح بالعبث بأمن مصر، وسنفضح المخطط لكل الأدوات التى تريد نشر القلاقل والإرهاب ". لم يكن الموقف سهلا، فالمملكة تدرك أن لهذا الموقف ثمنا كبيرا، لكنها قررت في هذه اللحظة التاريخية أن تطيح بكل التحذيرات والتهديدات وأن تعلن وقوفها إلى جانب مصر مهما كلفها ذلك من تضحيات . لقد كانت السعودية ومنذ نجاح ثورة 30 يونيه واضحة في موقفها جنبا إلى جنب مع موقف دولة الإمارات العربية الشقيقة ورئيسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والكويت والأردن وفلسطين، وأكدت المملكة منذ البداية على وقوفها إلى جانب مصر وثورتها، وقالت :" نشد علي أيدي رجال القوات المسلحة جميعا، ممثلة في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذين أخرجوا مصر في هذه المرحلة من نفق مظلم، يعلم الله أبعاده وتداعياته".

وفي واشنطن أثار البيان السعودي قلقا كبيرا لدي الدوائر الحكومية والاستخبارية، حيث اعتبرت هذه الدوائر البيان  بمثابة نقطة تحول في مسار العلاقة الأمريكية – السعودية . لقد سعت الرياض أكثر من مرة إلي الطلب من الولايات المتحدة مراجعة موقفها من الأحداث الجارية في مصر، مؤكدة أم مصر هي حجر الزاوية في المنطقة وأن الرهان على تفتيتها وتقسيمها رهان خاطئ يعكس عدم وعي بحقائق الأمور على الساحة المصرية.

وفي صباح يوم الأثنين الموافق 17 أغسطس 2013 كان مندوبو دول الاتحاد الأوربي يجتمعون في بروكسيل، لبحث الإجراءات العقابية، التى يمكن أن تصل إلى حد منع تصدير الأسلحة وقطع المعونات كبداية لمسلسل من العقوبات لا أحد يعرف مداه . وقبيل أن يعقد مندوبو الاتحاد الأوربي اجتماعهم، كان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد أنهي زيارته إلى باريس، التى التقي خلالها الرئيس الفرنسي وطلب منه التوقف عن التصعيد ضد مصر استنادا إلى معلومات وتقارير خاطئة . كانت الزيارة مهمة للغاية، من قبل فعلها أيضا وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد، وكان الهدف هو تخفيف الضغط الأوروبي والأمريكي على مصر والتحذير من خطورة دعم هذه البلدان لجماعة الإخوان ومخططاتها التى تستهدف كيان الدولة المصرية.

لقد توقف المراقبون أمام البيان التاريخي المهم الذي أصدره وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في هذا اليوم بعد انتهاء زيارته لفرنسا . لقد تضمن البيان السعودي أقوي رسالة تحذير إلى القوي المعادية لمصر والحاصنة للإرهاب، وأبرز النقاط التى تضمنها بيان الخارجية السعودية هي :

أولاً - إن ما تشهده مصر حاليا يعبر عن إرادة أكثر من 30 مليون مصري خرجوا في الثلاثين من يونيه معبرين عن رغلتهم في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كنتيجة حتمية لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ورفض القيادة السابقة لإعلان خارطة جديدة تقود إلى بر الأمان.

ثانيا - أن ما حدث في الثلاثين من يونيه لا يمكن أن يوصف بالانقلاب العسكري، إذ أن الانقلابات العسكرية تجري تحت جنح الظلام، كما أن من تولى الحكم في مصر رئاسة مدنية وبما يتوافق مع الدستور المصري.

ثالثا - إن السعودية تنظر بأسف شديد إلى ما تشهده مصر من أحداث وتطورات بلغت ما نراه من حرب في الشوارع وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وترويع المواطنين وإزهاق الأرواح البريئة وحرق محافظات مصر بأكملها من قبل تيار يرفض الاستجابة للإرادة الشعبي.

رابعا - إن الحكومة حاولت فض الاعتصامات بشتى الطرق السلمية في رابعة والنهضة، إلا أنه وللأسف قوبلت هذه الجهود بالتعنت والرفض، بل ومواجهتها بالعنف عبر استخدام السلاح وقنابل المولوتوف ضد رجال الشرطة والمواطنين على السواء، وأنه لا بد من الإشادة بما قامت به الحكومة المصرية وقدرتها على فض الاعتصامات في فترة زمنية قصيرة وبأقل عدد من الأضرار.

خامسا - إن ما تشهده مصر من محاولات حرق المساجد والكنائس والمنشآت العسكرية وأقسام الشرطة وترويع الآمنين ومحاولة تحويل الأزمة إلى حرب شوارع وتزامن هذا النشاط الغوغائي مع العمل الإرهابي في سيناء، يؤكد أن المنبع واحد، وهو أمر يتنافي مع سلمية الاحتجاجات مع الأخذ في الاعتبار أن جميع قوانين دول العالم تمنع وبشكل قاطع أي تظاهرات مسلحة أو تهديد للمواطنين أو المساس بالممتلكات العامة أو تعطيل الحياة ومصالح المواطنين، وإنه إذا كانت المملكة تري للأسف الشديد أن بعض المواقف الدولية أخذت مسارا غربيا في تجاهل هذه الحقائق الدامغة، وكأنها  تريد التغطية على جرائم حرق مصر وقتل شعبها الآمن، وتشجيع هذه الأطراف في التمادي في هذه الممارسات فإنها تلتزم الصمت على الجرائم التى تمارس في سوريا، وأن السعودية والعالم العربي والإنساني لن ينسي هذه المواقف بتبريرات واهية لا يمكن أن يقبلها عقل أو يرتكن إليها ضمير، بما يعكس كونها مواقف عدائية ضد مصالح الأمتين العربية والإسلامية واستقرارها، فمصر لا يمكن أن ينالها سوء.

سادسا - إن المملكة تؤكد أن كل الدول التى تتخذ هذه المواقف السلبية ضد مصر عليها أن تعلم أن التدمير والخراب لن يقتصر على مصر وحدها، بل سينعكس على كل من أسهم أو وقف مع ما ينالها من مشاكل واضطرابات تجري على أراضيها اليوم.

سابعا - إنه في ضوء وإزاء المواقف الدولية السلبية تجاه مصر، كان لا بد للمملكة أن تقف وقفة عز وحق معها، فمصر تعتبر أهم وأكبر دولة عربية، ولا يمكن أن تقبل المملكة أن يرتهن مصيرها بناء على تقديرات خاطئة، ولذلك كانت رسالة خادم الحرمين الشريفين رسالة واضحة وقوية وتنبع من خلقه الإسلامي الذي يجعله يقف دائما مع الحق دون أن يأبه بمصالح أو تحقيق مكاسب زائلة.

ثامنا - إن ما يحدث في مصر ليس إلا إرهابا، لا يراد به خير لمصر ولا بد من مواجهته والتصدي له بكل قوة وحزم،وإلا فإن الإرهاب سيحقق ما يخطط ضد مصر واستقرارها، كما أن خادم الحرمين الشريفين طالب بعدم التدخل في الشئون الداخلية في مصر، وأن يترك هذا الأمر لشعبها وقيادتها فهم أدري بشئون بلادهم.

تاسعا - إن المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعبا وقفت وستقف دائما مع مصر، وان الدول العربية لن ترضي مهما كان بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصيرها، وأن يعبث بأمنها واستقرارها، وأن المملكة جادة ولن تتهاون في مساندة الشعب المصري لتحقيق أمنه واستقراره، وأن من أعلن وقف مساعداته لمصر أو يلوح بوقفها مردود عليه بأن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكانياتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر، لأن مصيرنا واحد، وكما تنعمون بالأمن والهدوء والاستقرار فلا تستكثرون علينا ذلك. وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل –  جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم