آراء

باراك أوباما ونظرية تطويع الإسلام السياسي (2)

محمود محمد عليفي أوائل ولاية أوباما الثانية، أصبح تقرب الولايات المتحدة من الجماعات الإسلامية أمرا جوهريا، في ظل عدم استقرار بعض الأنظمة الحاكمة في المنطقة. ومن المهم أن تفتح واشنطن قنوات الحوار وتصل الى تفاهمات مع كل المرشحين كبدلاء لتلك الأنظمة، وقد يكون ذلك استنادا الى قاعدة أنه "في بعض الأحيان، أفضل وسيلة لتحقيق تغيير حقيقي تكون من خلال بناء العلاقات، وفهم كيف ومتى يتم استخدامها. كما أن معاداة الإسلاميين، قد يترتب عليه تهديد للمصالح الأمريكية في المنطقة في حال حصلت انتخابات نزيهة وفازوا بها، وإذا ما أفضى فوزهم الى تحقيق تغيير جذري في المشهد السياسي القائم منذ عقود. ويرى الكاتب شادي حميد "إن تجاوز الإسلاميين والابتعاد عنهم ليس خيارا واردا لصانعي السياسة في الولايات المتحدة . ففي الواقع، بحكم استعدادهم وقدرتهم على حشد الجماهير ضد أي نظام عربي، سيبقى الإسلاميون من أهم مراكز ثقل المعارضة، وسيظلون قوة حاسمة ذات اعتبار في سياسة دمقرطة وإصلاح البلدان العربية.

واذا ما نُظر الى أن مغزى الولايات المتحدة بعيد المدى من الترويج للديمقراطية، هو تحقيق مجتمعات عربية ليبرالية منفتحة سياسيا واقتصاديا؛ فإن ذلك يقتضي مشاركة الحركات والتنظيمات الإسلامية في العملية السياسية وادماجها في السلطة. لما في ذلك من فائدة في حمل الأحزاب الإسلامية على أن تخضع للمساءلة على القيم الديمقراطية والليبرالية والعلمانية. ومن جانب آخر، إشراكها في السلطة والتفاعل معها من شأنه أن يدفعها الى نبذ العنف والاعتدال، وتعديل مواقفها المناهضة للغرب عموما ومشاعرها العدائية تجاه إسرائيل وبما يتخلله من تطبيع عربي إسلامي مع إسرائيل، فيسهل ربط الأخيرة في محيطها العربي والإقليمي. مع التطلع الى محاكاة النموذج التركي الذي كثيرا ما يستأنس باعتدال حزب العدالة والتنمية بعد توليه السلطة عام 2002 . هذا الى جانب أن "الإسلام السياسي" السني المتمثل في جماعة الإخوان المسلمون من شأنه أن يخدم كقوة مناهضة لطموحات إيران في الهيمنة على المنطقة.

وفي هذا السياق تمثل جماعة الإخوان المسلمين التيار الإسلامي الأكثر تأثيرا في الشرق الأوسط، وتلعب دورا بارزا ومهما في المجتمعات العربية الإسلامية . ومن هنا فإن التفاعل معها يعد عنصرا أساسيا للتأثير على العالم الإسلامي واحتوائه.

ويعتقد كذلك جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة الدارسات الإسرائيلية بمركز دارسات الأهرام الاستراتيجي، أن صعود الإخوان المسلمين مؤامرة إمبريالية أتاحتها لهم ملابسات ثورة 25 يناير سواء الداخلية والخارجية، لتحقيق مشروعهم لأسلمة نظام الحكم في مصر، والإنطلاق لتفعيل مشروع إسلامي إقليمي، هو في الواقع في سياق مشروع دولي لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس طائفية برعاية أميركية، تقضي على آمال توحيد المنطقة . فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدارسة تطور تيار الإسلام السياسي المصري، ورشحته لتولي الحكم في مصر بعد مبارك، ودعمته سياسيا واقتصاديا، بشكل يرتبط بقدرة النظام السياسي الذي يقوده الإخوان المسلمين في المحافظة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. لتكون بذلك الولايات المتحدة طرفا أساسيا في الصراع السياسي الدائر في مصر.

كما ويحاول عمرو عمار أن يثبت أننا أمام مخطط أمريكي ممنهج للشرق الأوسط، وبدافع أمنها القومي، يقوم على استراتيجية الاحتلال المدني كبديل عن التدخل العسكري للتنفيذ. تم وضع ملامحه الأولية منذ سبعينات القرن الماضي، وبدأ التحضير له من العام 2003، والتنفيذ في العام 2005 . من خلال صناعة تيار إسلامي معتدل مناسب للولايات المتحدة، ومن ثم إيصاله الى سدة الحكم في البلدان العربية عن طريق تدعيم الشعوب العربية للثورة نحو الديمقراطية المزعومة، كنقطة انطلاق لتقسيم المنطقة بالكامل .وفي السياق المصري يشير عمار أن واشنطن عملت على قلب نظام حكم مبارك من خلال استغلال التيار الليبرالي والنشطاء السياسيين ومنظمات المجتمع المدني، مثل محمد البرادعي (سياسي مصري عمل مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومؤسس الجمعية الوطنية للتغيير) وقيادات حركة 6 أبريل وحركة كفاية ومركز ابن خلدون والجمعية الوطنية للتغيير وبعض الأحزاب وقوى المعارضة، وحفزتهم ماديا لتحريك الشعب بعفوية من أجل التغيير، كما حدث في عواصم الدول الشيوعية، لتوصيل الإسلام الذي صنعته، المتمثل بالإخوان المسلمين، الى الحكم.

ويدلل عمار على ذلك بأن هذه القوى لم يكن لديها أي هدف أو برنامج وطني واضح بديل سوى التغيير لمجرد التغيير، بالإضافة الى أنه تم تسخير شركة جوجل لخدمة المتظاهرين . ومن ثم صنعت الأحداث لتبدأ حملة دولية غير رسمية في الهجوم على المؤسسة العسكرية المصرية، وبحيث يظهر الجيش المصري طامع في السلطة ويقتل شعبه في سبيل الاستيلاء عليها. وعن طريق الطابور الخامس للأميركيين في مصر تتم تهيئة جيل جديد معاد للجيش، لأن المطلوب في الأساس إسقاط ثلاث جيوش عربية في المنطقة؛ العراق وسوريا ومصر .إلا أن الإرادة المصرية ومن خلفها القوات المسلحة المصرية بقيادة عبدالفتاح السيسي أجهضت مخطط الاحتلال المدني الأميركي لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد للصهيوأميركية، كما يرى عمار.

راهنت الإدارة الأمريكية على رغبة شديدة في أن يتولى جماعة الإخوان المسلمين الحكم مع ضعف في الخبرة، وذلك مقابل محاربة الأعداد والمنافسين المشتركين وتبديل ما هو عدو استراتيجي وتحويله إلى عدو تكتيكي وتحويل ما هو خصم أو منافس تكتيكي إلى عدو استراتيجي . وعلي ضوء ذلك تقدير الإدارة الأمريكية لطبيعة المعركة وأدوار اللاعبين الإقليميين، تم استبدال الثنائى الباكستانى السعودي كحلفاء في تحويل الإسلاميين في الثمانينيات بثنائي جديد، تركيا القوية الجامحة لمواصفات الهوية والشرعية الإسلامية والحداثة والنجاح الاقتصادي والتجربة الديمقراطية العلمانية، وإمارة قطر الغنية بالنفط والغاز ومالكة قناة الجزيرة التى خطفت الجمهور العربي بإبهارها وتكتيكاتها وصدقيتها الإعلامية الناعمة والعابرة للدول ومن خلال انفتاحها على الإسلام السياسي وحركة الإخوان المسلمين.

وقد أسست إمارة قطر والإدارة الأمريكية بمشاركة تركيا مؤتمر " مبادرة أمريكا والعالم الإسلامي " بالتنسيق بين معهد " السلام ألأمريكي" التابع للكونجرس، ومعهد بروكنغجر وسابان الذي يديره مارتن إنديك وبين وزارة خارجية قطر ويحضره سنويا كبار الشخصيات الإسلامية يأتى على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ راشد الغنوشي ورجب طيب أردوغان بهدف تحسين العلاقات الأمريكية- الإسلامية.

ويؤدي دمج " الإسلام المعتدل " في النظم العربية إلى ترميم أوجه قصور النظم العربية بعد دعمها بالمسحة الشرعية والشعبية التى يوفرها الإسلاميون، ويؤدي هذا الدمج لإمتصاص زخم الحركات الإسلامية وكسر حدة عدائها لأمريكا والغرب والكيان الصهيونى. وبالمقابل فإن دمج الإسلاميين في النظم العربية، وهم من "لون طائفي ومذهبي واحد " يعطي الفرصة للإدارة الأمريكية لعزل التمدد والنفوذ الإيرانى في المنطقة وتطويق المارد الآسيوي الصيني الروسي بزنار من الدول العربية ذات الهوية الإسلامية المؤثرة في المجال الحيوي الآسيوي ديموغرافيا وسياسيا وعسكريا . وقد أصبحت هذه الاستراتيجية معتمدة من الإدارة الأمريكية بعد عشرات الدراسات التى أجرتها مراكز الأبحاث المرتبطة بمراكز صناعة القرار من ابرزها :

1- بناء شبكات إسلامية معتدلة Building moderate muslim networks وهذه الدراسة صاغتها مؤسسة رند للبحوث الدفاعية التابعة للبنتاغون العام 2007 وهي دراسة شاملة من 217 صفحة، وشارك فيها 5 باحثين بارزين وسبقها دراسة للمعهد نفسه صدرت العام 2004 تحت عنوان " الإسلام المدنى الديمقراطي " فصلت فيه الاستراتيجيات والشركاء والموارد.

2- السياسة الخارجية الأمريكية والتجدد الإسلامي American Forein Policy and Islamic Renewal وهى دراسة صدرت عن معهد السلام التابع للكونجرس سنة 2006.

3- تعزيز ودعم الديمقراطية والأمن في الشرق الأوسط الكبير 2010 Of Democracy and Security in the Great Middle East In Pursuit وهي أحدث دراسة صدرت عام 2010  وتعتبر أهم وأضخم دراسة صدرت العقد الأخير، وأشرف عليها معهد السلام الأمريكي وشارك فيها نخبة من 30 باحثا من أهم الباحثين ومديري المعاهد والمؤسسات الفكرية وأساتذة الجامعات الأمريكية من المتخصصين بالعالم الإسلامي أبرزهم فرنسيس فوكوياما والبروفيسور لاري ديموند مستشار بول بريمر حاكم العراق.

وبخلاصة قراءة هذه الدراسات الهامة التى صدرت قبل "الربيع العربي" فقد أوصت جميعها الإدارة الأمريكية بضرورة القيام بعملية ترميم للنظم العربية القديمة عبر استيعاب ودمج الإسلاميين المعتدلين الذين يشكلون أغلبية العالم الإسلامي ويقبلون بلائحة شروط الإسلام المعتدل (القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية /احترام حقوق الإنسان والحريات العامة/عدم استخدام العنف في المنازعات واللجوء إلى التسويات السلمية/عدم تطبيق الشريعة وتنويع مصادر التشريع القانونى / احترام حقوق المرأة /احترام حقوق الأقليات لدينية) مقابل القبول بتسليمهم السلطة بالتشارك مع الليبراليين والعلمانيين وبقايا الوكلاء في الجيوش والإدارات العربية السابقة.

وقد استندت الولايات المتحدة الأمريكية على نجاح النموذج التركي في إقامة تحالف مع حركات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد في المنطقة، وذلك لإيجاد شكل تتبني من خلاله خطاب ليبرالي يتطابق ورؤية ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ورأت أمريكا أن ذلك ممكنا مع جماعات الإسلام المعتدل.

وقد استمدت الولايات المتحدة الأمريكية من النموذج التركي العلماني شكل لتحالف أمريكا وجماعة الإخوان المسلمين سواء في مصر أو تونس، وذلك من خلال التركيز على التنمية الاقتصادية عبر إعادة هيكلة البنية الاقتصادية لهذه الدول، ومن خلال زيادة قروض البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وإلي جانب أن التعاون الأمريكي مع هذه الحركات يأتي من باب فتح أبواب الديمقراطية وفق المفهوم الغربي، وذلك لمساعدة الإسلاميين في الوصول إلي الحكم.

ونجد أن الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقاتها تجاه جماعة الإخوان المسلمين حرصت على تشكيل علاقة مصالح متبادلة لا صدام أيديولوجي من رؤيتها ودراستها أسس مصالح صعود الإسلاميين للحكم، ومن دراستها بمراكز الأبحاث الأمريكية لإستراتيجيات مصلحة تولي الإسلاميين للحكم في المنطقة.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم